حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

أزمات فردية في أفلام "تريبيكا"

محمد رُضا

ارتبط إسم مهرجان "تريبيكا" بمهرجان الدوحة القطري  منذ ثلاث سنوات وازدادت شهرته تبعاً لذلك بين العديد من المتابعين العرب. لكن التاريخ غير البعيد لهذا المهرجان يفيد بأنه سعى وحقق مكانته المنفصلة في موقعه في مدينة مانهاتن في ضواحي نيويورك مباشرة بعد العملية الإرهابية التي وقعت في نيويورك سنة 2011. الغاية منذ ذلك الحين هي القول بأن لنيويورك وضواحيها صوت ثقافي عليه أن يستمر مهما حدث.

خلال عشر سنوات، أنجز المهرجان نجاحاً كبيراً متحوّلاً الى واحد من تلك الأحداث الأميركية المعروفة التي تستقبل الكثير من العروض الأوروبية والعالمية أيضاً.

بعض أفلام الدورة العاشرة من مهرجان "تريبيكا" السينمائي المقام هذا الأسبوع في نيويورك سبق لها وأن شوهدت في مهرجاني تورنتو وسندانس، لكن الغالبية المعروضة جديدة خصوصاً تلك التي تلح راغبة من مشاهديها تقدير مناحيها الفنية حتى ولو استعارت نجوماً هوليووديين معروفين.

أحد هذه الأفلام هو "كل شيء للبيع" او Everything Must Go لمخرج جديد اسمه دان رَش مع بضعة ممثلين نجوم في مقدّمتهم وِل فارل وربيكا هول. أيضاً هناك مايكل بينا ولارا ديرن. أربعة وجوه كانت ستتقاضى أتعاباً أعلى بكثير فيما لو كان الإنتاج هوليوودياً، لكن هذا الفيلم مختوم بميزانية لا تزيد عن ثمانية ملايين دولار، بينما أجر الممثل فارل وحده عادة ما يبلغ الخمسة عشر مليون دولار.

هنا نرى فارل يؤدي دور رجل أدّى به إدمانه الكحول على خسارته لزوجته ووظيفته قبل أن يعي أن كل ذلك إنما يحفّزه على اختيار بداية جديدة للحياة. الكوميديا هي في الموقف والمعالجة، وليست في المشاهد المصنوعة مباشرة للإضحاك. بذلك الفيلم دراما ساخرة أكثر منها كوميديا ممتعة ترغب في تسليط الضوء على موضوع البداية من جديد، تلك التي تعصف بكثير منا في مراحل مختلفة من الحياة لسبب أو لآخر.

الحال نفسه ولو إلى حد نجده في فيلم مايكل ونتربوتوم الجديد "الرحلة"  مع ستيف كوغن، مارغو ستيلي وكلير كيلان. إنه كوميديا وفيلم مستقل ويطرح موضوعاً اجتماعياً مغلّفاً بالأزمة الفردية.  في هذا الفيلم البريطاني كوميديان متنافسان لا يتوقّفان عن الرغبة في أن يبز كل منهما الآخر حتى خارج العروض المسرحية التي يقومان بها.

مايكل وينتربوتوم هو ذاته المخرج الوثائقي الجاد الذي سبق وأن قدّم "الطريق إلى غواتانامو" سنة 2008 والذي عالج في أعماله الروائية أوضاعاً سياسية مختلفة من تبعات الحرب البوسنية في "مرحباً في ساراييفو" (1977) إلى البحث في قضية صحافي مخطوف في "قلب كبير" (2007).

كذلك هو المخرج الذي سقط سقطة شنعاء في العام الماضي حين عالج قصّة بوليسية عنيفة بمشاهد أعنف من الأصل في "القاتل في داخلي". أمر لم يؤد فقط إلى نفور النقاد من الفيلم بل سقوط الفيلم في محاولات عرضه المحدودة.

فيلم افتتاح "تريبيكا" العاشر هو لمخرج عني كثيراً بالعنصر الموسيقي في أفلامه وهو كاميرون كراو. بعض المتابعين يذكرون أن هذا المخرج هو من سبق له وأن قدّم "تقريباً مشهور" العام 2000 الذي تحدّث فيه عن ذلك "المشجّع" التي انضمت إلى فرقة روك أند رول موسيقية من السبعينات وكيف ترك ذلك أثر متبادل بينه وبين أعضاء الفرقة.

لا يزال هذا الفيلم أبرز أعماله، وإليه شخصياً أحبها، لذلك ليس غريباً أن نراه يصرف الوقت في فيلمه الوثائقي الجديد "الإتحاد" على متابعة كيف التقى بعض نجوم الموسيقى الأميركيين اليوم، تحديداً تي بون بيرنت وليون راسل وإلتون جون، على إنجاز ألبوم موسيقي واحد.

لكاميرون فيلم وثائقي موسيقي آخر يعمل على إنجازه حالياً عنوانه "بيرل جام تونتي". وحسب ما قيل لي أن كاميرون يشعر بأن حبّه للموسيقا هو المحرّك الذي يدفعه للاهتمام بما يقوم به حالياً، فعدا هذين الفيلمين لديه مشروع فيلم وثائقي آخر عن المغني الراحل مارفن غاي موضوع على برنامج العام المقبل. وهو أيضاً مشغول بتصوير فيلم روائي مع مات دايمون وسكارلت جوهانسن في البطولة بعنوان "اشترينا حديقة حيوان".

هذه الأفلام من أصل 104 فيلم روائي ووثائقي طويل معروضة في هذه الدورة التي ستنتهي في الواحد من الشهر المقبل محشورة بين مهرجاني "أفلام جديدة/ مخرجون جدد" النيويوركي أيضاً ومهرجان "كان" السينمائي. وقد تم اختيارها من بين 5600 فيلم يقول المهرجان إنها عرضت عليه أو عاينها على نحو أو آخر. اللافت أن الأفلام المعروضة تحتوي على 47 فيلما تعرض دولياً للمرّة الأولى، وهذا يعكس ما استطاع المهرجان تحقيقه في عقده الأول حتى الآن. اللافت الثاني، هو أن هناك 27 بين مخرجي هذه الأفلام من النساء.

أحد هذه الأفلام من تلك التي يتطلّع المرء لمشاهدتها بسبب اصطيادها موضوعاً لم يسبق لأحد أن تطرّق إليه. إنه الفيلم الوثائقي "شاطئ بومباي" للمخرجة ألما هارل. لا علاقة له ببومباي لكن ببلدة صغيرة اسمها "سالتون سي" أنشئت على ضفاف نهر كولورادو في ولاية كاليفورنيا وانتعشت في الثمانينات كمحطة لراحة نجوم السينما ووجوه المجتمع الثرية، لكن هذه الهالة تبددت عنها فيما بعد فإذا بالبلدة تتحوّل الى مجتمع من الهيبيين والذين لا يجدون لأنفسهم مكاناً في الحياة الإجتماعية المعتادة.

وهو موضوع لا يبتعد كثيراً عن فيلم وثائقي آخر شوهد قبل بداية العروض الجماهيرية للمهرجان بعنوان "مشروع التعنيف" (العنوان الأقرب الى الأصل: Bully Project) إنه من إخراج لي هيرش حول مجموعة من الأطفال التي جنت عليها ظروفها الصحية والمسلكية فإذا بها تتعرّض لتعنيف وضرب وسوء معاملة غالبية الأطفال الآخرين

سنجد في هذه الدورة الكثير من قصص المآسي الفردية وهذه نراها منتشرة على دفّتي السينما، أي الوثائقية والروائية- وبعض تلك الروائية مصنوع بنفس وثائقي كحال فيلم بولا در وست "فراشات سوداء" عن حياة الشاعرة إنغريد جونكر ولماذا قررت قتل نفسها غرقاً(وهو ما أقدمت عليه فعلاً) وهي في الحادية والثلاثين من العمر.

الجزيرة الوثائقية في

18/04/2011

 

فيلمان يكشفان معاناة ضحايا البطالة

الأزمة المالية تعود إلى الشاشة

محمد رُضا  

الوضع الاقتصادي الأمريكي جلب للسينما في العامين الأخيرين أكثر من وجهة نظر تم تكوينها كأفلام روائية ووثائقية . فالأزمة التي اندلعت في 2008 وكانت أشبه بتسونامي اقتصادي عالمي، أحدثت شرخاً واضحاً في العلاقة بين المؤسسات المالية الأمريكية وبين الأمريكيين الذين أفاقوا ذات يوم على احتمال ارتفاع أسعار ما يشترونه وانخفاض في أسعار ما يبيعونه . ووجدوا الحال وقد تبدّى عن مزيد من البطالة في مواجهة المزيد من ذهاب الثروات إلى واحد في المئة من كبار المستثمرين . وما لبثت الإدارة الأمريكية أن زادت الطين بلّة حين أعفت هؤلاء الأثرياء من مغبّة التقديم إلى المحاكمة عن مسؤوليّاتهم حيال ذلك الوضع، وهي المسؤولية التي تسببت فيها حالة الجشع الكبير التي نتج منها تضخيم مكافآت كبار المديرين والرؤساء على حساب المصلحة الوطنية . ليس هذا فقط، بل تشير مجلة “بلومبيرغ” الاقتصادية في آخر عدد لها إلى أن أثرى أغنياء أمريكا حالياً وجدوا في القوانين المشرعة أخيراً الفرصة الذهبية لتجنّب دفع الضرائب أسوة بباقي ال 99 في المئة من الأمريكيين .

فيلمان حديثان يتعرّضان لهذه القضية على نحوين مختلفين، ليس من بينهما فيلم أوليفر ستون “وول ستريت 2: المال لا ينام” الذي يمر بكفّه فوق الموضوع في استهلاكية واضحة .

الفيلم الأول هو “رجال الشركة” للمخرج جون وَلز الآتي من خلفية إنتاجية كونه عملاً في “بزنس” السينما منذ أواخر الثمانينات من القرن العشرين، وهذا فيلمه الأول مخرجاً وأسند بطولته إلى بن أفلك وتومي لي جونز وكريس كوبر وكريغ تي نلسون، إنهم أربعة في مراكز مختلفة من مؤسسة اقتصادية ضخمة اسمها GTX .

في أحد الأيام، يجد مدير المبيعات العالمية بوبي، المتزوّج ولديه أسرة متعاونة ومنزل فخم وسيارتان إحداهما بورش، نفسه وقد تم صرفه من المؤسسة . رئيسه المسؤول فِل (كريس كوبر) سيجد نفسه عاطلاً عن العمل لاحقاً، كذلك رئيسه الأعلى مكلاري (تومي لي جونز) .

الباقي الثابت وحده هو رأس القمّة سالينجر (الاسم يهودي لكن ذلك لا يعني أنه بالتأكيد كذلك) ويقوم بدوره كريغ تي نلسون .

اللعبة يمارسها من على القمّة لمصلحته فقط، وفي هذا الفيلم الناقد للبنية القائمة والعلاقات غير الإنسانية السائدة، يواجهه مكلاري قائلاً له: “في العام الماضي حققت ثروة قدرها 22 مليار دولار . رغم ذلك تتصرّف حيال موظفيك من دون اهتمام . هؤلاء خسروا منازلهم والبعض حياته”، لكن لا شيء سيعيد الرشد إلى الجشع فيرد ذلك بأن المؤسسة ليست جمعية أهلية وأنه استحق ما حققه وأن موظّفيه المسرّحين كانوا يقبضون رواتب عالية ولم يتم توظيفهم مجّاناً .

الفيلم ليس صادماً، ولا يكشف جديداً، لكنه صادق في رصده الحالات الإنسانية التي تعصف بأولئك الذين اعتقدوا أنهم معصومون عن البطالة وكيف تتلاعب الرياح بهم خصوصاً حين ينضمّون إلى مئات ألوف العاطلين من العمل من الرتب والاختصاصات ذاتها والنقطة ذاتها مثارة في فيلم بعنوان “نداء هامشي” وهو تعبير يبدو أنه مستخدم في أروقة المؤسسات الاستثمارية حيث تدور الأحداث . إنه أيضاً فيلم أول لمخرجه ج . شاندور القادم من خلفية تنفيذ إعلانات ولم يسبق له الوقوف وراء الكاميرا لتحقيق فيلم روائي من قبل .

هنا نجد سام روجرز (كَن سبايسي) يعمل مدير مبيعات هذه المؤسسة التي عمل فيها لأربع وثلاثين سنة ويتمتّع بثقة رئيس مجلس إدارتها (جيريمي آيرونز) الذي يعقد اجتماعاً طارئاً لكبار الموظّفين وبعض الصغار منهم أيضاً للوقوف على حجم الأزمة الناتجة من اكتشاف أن موجودات الشركة بولغ في تقديرها بحيث إنه إذا ما انتشر الخبر تهاوت وفقدت مصداقيّتها في السوق . طريقة الخروج من الأزمة هو بيع العقارات والأسهم والممتلكات بأسرع وقت ممكن بين مطلع دوام العمل وموعد الغداء، كما يوصي الرئيس مدركاً أنه مع حلول الساعة الثانية بعد الظهر تكون مشكلات الشركة انتشرت وبات البيع مستحيلاً .

المسألة لا يمكن أن تتم من دون ضحايا، تبدأ أيضاً بالموظّفين الأقل مركزاً ثم تتصاعد مع استثناء الرئيس وأقرب معاونيه .

مثل الفيلم السابق، يهدف “نداء هامشي” إلى نقد الوضع المؤسسي من خلال أخذ عيّنة مما يحدث ومعالجة الشخصيات المهدورة بنظرة إنسانية صادقة .

هذا يتجاوز كثيراً ما قام به أوليفر ستون حين حقق “وول ستريت 2: المال لا ينام” مازجاً رغبته في التعليق الاجتماعي على الانهيار الاقتصادي لعام 2008 بالرغبة في العودة إلى أحد أكثر أفلامه شهرة ونجاحاً وهو “وول ستريت” الذي حققه سنة ،1987 لكنها عودة استهلاكية بحتة ولو أنها كانت قادرة على طرح ما هو عميق ونقدي كما فعل الجزء الأول، لكان ذلك محسوباً للمخرج، ستون قرر ترك المضمون الفعلي لمصلحة قصّة حب بين موظّف أمين وابنة ذئب اقتصادي (مايكل دوغلاس) مع الإقدام على تلميع صورة الثاني حتى لا يخرج من الفيلم خاسراً . 

صراع العام بدأ بين استديوهات هوليوود وصالات السينما

هناك أزمة كبيرة بين شركات الإنتاج والاستديوهات الكبيرة في “هوليوود” وبين صالات السينما الأمريكية بعدما تسرّب في لقاء أقيم في معرض “سينماكون” في الشهر الماضي، أن ثلاثة من ستديوهات السينما الأمريكية ماضية بتشجيع توجيه الأفلام إلى المستهلك مباشرة إلى منزله . هذا التطوّر لن يقع مباشرة، بل من بعد تمهيد قد يستمر لبضعة أعوام ومفاده بث الفيلم إلى المستهلك المنزلي مباشرة بعد عروضه الأولى في صالات السينما .

وصالات السينما استقبلت هذا النبأ بالكثير من الرفض، ذلك أنها أدركت سريعاً أن فاصلاً زمنياً قصيراً هو وحده الذي يفصل بين هذه الخطوة وبين الاستغناء عنها كليّاً لعرض الإنتاجات الجديدة . من جهة أخرى، فإن الفترة التي حددتها شركات الإنتاج قبل أن تبدأ بث الفيلم بعد عرضه في الصالات إلى المستهلكين في منازلهم لا تزيد على شهرين، ما يعني أن معظم الروّاد سيقررون الانتظار على أي حال توفيراً للوقت والمال والتمتّع بالعرض المنزلي لأي فيلم جديد مقبل .

من ناحيتها، تنظر الاستديوهات إلى الكلفة الإجمالية للمسألة، فالفيلم الأمريكي يُعرض في الصالات حسب اتفاق مبرم مع كبريات مؤسسات صالات السينما الأمريكية ويقوم الطرف المنتج والموزّع (الاستديو) بدفع ستين في المئة من إيراد الفيلم للطرف الثاني (صالات السينما) في أول أسبوعين من عروض الفيلم ثم تهبط النسبة إلى خمسين في المئة لباقي الأسابيع الرئيسية قبل أن تهبط أكثر قليلاً في ما تبقّى من فترة العرض السينمائي . متوسط النسبة هو خمسون في المئة، بذلك فإن الفيلم الذي تكلّف، مثلاً، مئة مليون دولار وحقق في أسبوعيه الأوّلين خمسين مليوناً من الإيرادات سيعود إلى الاستديو بأقل من خمسة وعشرين ألفاً ثم ترتفع النسبة تدريجياً في ما بعد .

من ناحيتها، تجد صالات السينما نفسها في موقف الدفاع، خصوصاً أن الإقبال على صالات السينما تراجع في العام الماضي، ومتراجع بنحو 13 في المئة هذا العام وحتى الآن عما كان عليه في الفترة ذاتها من العام السابق . وما تحققه الصالات من أرباح في أحيان كثيرة يعود إلى مبيعاتها من “البوب كورن” والمشروبات الغازية أو المأكولات السريعة . وتقلّص عدد مشاهدي الأفلام يعني تقلّص نسبة مبيعات الصالات من تلك المبيعات الإضافية . وهي تعلم أن حاجة الاستديوهات إلى اختزال التكاليف المرتفعة (وغير المعقولة) لعملية صنع الأفلام ستؤدي، عاجلاً أو آجلاً، إلى محاولة الاستغناء عن الصالة لتوفير حصّة أكبر من الإيرادات .

وفي دفاعها عن نفسها، قامت واحدة من كبريات شركات صالات السينما الأمريكية (سينمارك) بتوجيه رسالة إلى “هوليوود” مفادها أنها لن تعلن عن فيلم مصير العرض المباشر إلى الجمهور: “لسنا هنا لنسوّق الأفلام لمصلحة التوزيع المباشر للتلفزيون” . مثلها قامت شركة ريغال بإعلان سحبها نصف إعلانات الأفلام المقبلة بينما من المنتظر أن تقوم شركة AMC بالاقتداء بزميلتيها علماً بأن هذه الشركات الثلاث تمتلك نحو ستة عشر ألف صالة في الولايات المتحدة .

المخرج جيمس كاميرون مخرج “أفاتار” و”تايتانِك” سارع بالانضمام إلى صف صالات السينما منتقداً أي خطوة تقدم عليها “هوليوود” في سبيل تغيير نظام التعامل مع الفيلم . وقال إن الفيلم لا يصلح إلا للعرض السينمائي وإنه من الاستخفاف بالتقليد الراسخ محاولة تغيير هذا التفاعل بين الجمهور والفيلم . ولدى كاميرون (الذي جلب فيلماه المذكوران أكثر من ملياري دولار) ما يدافع عنه، فقد أسس شركة لتقنيات الأبعاد الثلاثة إيماناً منه بالشاشة الكبيرة . ومن المنتظر أن يقف العديد من مخرجي السينما في صفه كونهم يعتبرون أنهم يحققون أفلامهم للشاشات الكبيرة وليس للصغيرة . 

أوراق ناقد

الفنان والنجم والممثل

ما زالت القضية مُثارة منذ عقود ولم تتحرر بعد من التبعية التقليدية بصرف النظر عما يسود العالم من تطوّرات هائلة في مجال المعلومات والتقنيات والإعلام بصفة عامّة . القضيّة هي تلك التي نقرأها ونطوي الصفحات كل يوم كما لو كنا نعيش اليوم نفسه . ففي معظم الصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية يتم تقديم الممثلين على أنهم فنانون أو نجوم . في الحقيقة نظرة إحصائية سريعة تخبرنا أن استخدام كلمة ممثل لكي تصف “الممثل” من دون إضافة كلمة “نجم” أو “فنان” هو أقل بكثير مما نتصوّر .

والواقع أن الممثل هو بالضرورة فنّان، لأن التمثيل فن، لكن الفنان ليس بالضرورة ممثلاً، وحين نطلق لقب فنّان على ممثل، وهو أمر يتّبعه كثيرون من باب التعظيم والتفخيم، فإننا نفترض ما ليس بالضرورة صحيحاً.

بالنسبة إلى كلمة نجم، فإن كلمة ممثل تعلوها بسنوات ضوئية . النجم هو ابن اللحظة للحظة حتى لو امتدت هذه اللحظة لسنوات طويلة . إنه فلتة عصره أو جيله وربما كان على شاكلة معظم ممثلي الكوميديا يلمع لفترة ثم يهوي كما لو لم يكن موجوداً . بالتالي، ليس في استخدام كلمة نجم أي تقدير فعلي للممثل، وقد تأكدت من ذلك عبر مقابلاتي الصحافية الكثيرة التي أجريتها سائلاً بعض الممثلين الأجانب، مثل أنطوني هوبكنز وهيلين ميرين وهيلينا بونام كارتر حول الكلمة المفضّلة لديهم فأبدى الجميع امتعاضهم من كلمة نجم وفضّلوا، لأسباب تعود إلى احترامهم المهنة التي يقومون بها، كلمة ممثل .

بعض الممثلين العرب قد يطلب نعته بكلمة نجم، أو بكلمة فنّان، لكن المسألة يجب ألا تعود إلى ما يفضّله الممثلون بل إلى ما هو صحيح . في المقابل، بعض الصحافيين يستخدمون اللقبين من باب التقرّب، لكن الحقيقة أن هذا لا يؤدي بالضرورة إلا إلى سوء الاستخدام .

والعملية بأسرها مُناطة بضرورة العودة إلى أصول صحيحة في الكتابة الفنية، وإلى تقييم شامل لكيفية النظر إلى العمل الفني ومتطلّباته ومقتضياته، فإذا كانت كلمة ممثل في اعتقاد البعض أقل قيمة أو أنها لا تكفي وحدها للتقدير فإن هذا عائد إلى منهج في التفكير وليس إلى حقيقة الأشياء، لأنه لا شيء أفضل من ممثّل، وهي صفة تجمع واحدة من أجمل المواهب البشرية على الإطلاق .

م .ر

merci4404@earthlink.net

http://shadowsandphantoms.blogspot.com

الخليج الإماراتية في

18/04/2011

 

هذه ليست سينما

مها حسن (*) 

أتحاشى دوماً حضور الأفلام ذات الطابع العنيف، حتى تلك المتعلقة بالحروب والكوارث الطبيعية، التي تأخذ أبعاداً إنسانية، إذ لا أحتمل مشاهدة الجثث والدماء. أبرر هذا بالقول، بأنني أحمي نومي.

يحدث لي، أنني كلما رأيت مشاهد «مخيفة» في السينما، حملتها إلى نومي، بسذاجة، فأنا لا أفصل في مناماتي، بين الحلم والواقع.

أخيراً شاهدت أحد الفيديوهات الذي انتشر أخيراً عن أحداث وقعت في سورية منذ سنتين تقريباً، ووقعت عليه بالصدفة وسط معمعة «الثورة» السورية.

كنت قد أنهيت روايتي الجديدة، قبل أسبوعين من اندلاع أحداث درعا. روايتي تحتشد بالدم. فيها قتل وجثث وآلام وموت. لهذا، وحين وجدت هذا الفيديو، الذي حمل رأساً ملتصقاً بالصدر وقد انشطر نصفه السفلي، منذ البطن، تابعت الفيديو، في محاولة أن أرقى إلى مستوى الحدث. ثمة أشخاص يموتون، وأنا أكتب عن هذا، عليّ إذن احترام نفسي، والكف عن التعامل كطفلة صغيرة أو مراهقة رومانسية، تتهرب من الواقع... تحملت مشاهدة الشريط وتابعته حتى النهاية، بعناد.

لم أتمكن من الإمساك من معدتي التي اندلقت من شدة الانفعال. التصقت تلك الصور بذاكرتي، الأشلاء، الجسد الذي يحمل عظمة في أعلاه، حيث عظام الرقبة.. الرأس التي طارت عن مكانها!

هل من وسيلة لمسح هذه الصور من الذاكرة؟ ساعات طويلة، والغثيان يداهمني،لا أعرف كيف سأدس رأسي تحت المخدة من دون أن تتسلل وجوه الضحايا وأجسادهم المقطعة إلى نومي..كان ثمة شاب أنيق، يصور الأشلاء، وثمة الكثير من الأحذية العسكرية وبنطالات كاكية.. رأيت وجوه الضحايا فاغرة عيونها وأفواهها، بعضها وقد تناثرت رؤوسها، هذا ليس سينما.. لو أنه سينما، لذهبت إلى النوم من دون هذه الرجفة في أمعائي وروحي.

لا أعرف كيف يمكننا الحفاظ على آدميتنا في هذه الظروف، ظروف الثورات والانتفاضات، المشغولة بالدم والجثث. يصبح طلب غضّ النظر عن الصور المؤذية، بمثابة حالة ترف لا تليق بالمواطن. كأن علينا أن نهجر آدميتنا، أن نقبل التفرج على جثث الشهداء المشوهة. الذين كانوا بيننا البارحة، والذين حلموا مثلنا بأيام جميلة، وكانت لديهم طموحات ورغبات، كانوا يتناولون القهوة بمتعة، ويستمتعون بالشمس ورائحة الورد، واليوم تحولوا إلى مشاهد مرعبة.

صارت وطنيتنا، وآدميتنا مرهونة بألاّ ندير وجوهنا عن مرأى وجوههم. صار أحدنا يشعر بتبكيت الضمير، إن لم ينظر في وجوههم، وكأنه يتجاوز، أو يتعالى، على قداسة فعلهم، الموت من أجل أحلامهم/أحلامنا.

آدميتنا، التي لا يمكن الترفق بها في زمن الحرب، تحولت إلى وحشية رغما عنا. لا خيار أمامنا، لا نستطيع أن ندير وجوهنا، أو نغمض أعيننا، علينا أن ننظر وننظر ونتذكر.. علينا أن نفقد آدميتنا، لأن هذه ليست سينما، لن ينهض الممثل المضرج بدماء مزيفة، ليغتسل، ويصفف شعره، ويشعل سيجارة، وربما يأخذ كوباً من النسكافة.

لم يعد لرومانسيتنا ورقّتنا مكان. لا مكان للكلام الجميل والأحاسيس الجميلة، حين تمتلئ الصورة بالدم، نستغني عن الجمال، رغماً عنا. يحتل الغثيان والبشاعة يومياتنا، لا مكان لمقولة متأففة: «لا أتحمل رؤية الدم» أو «لا أحب رؤية الموتى» أو «أكره صوت الرصاص». لأن أي واحد منا، مهما تعالى وتأفّف، يمكن أن يصبح موضوع هذه الجمل المرفوضة، أن تسيل دماؤه في الشوارع، أن تُسحل جثته ميتاً، كما رأيت أيضاً في أحد المشاهد، أن تُبتر ذراعه أو يطير رأسه، أو في أحسن الأحوال، يقبع في برد السجن وظلمته.

لا أعرف، إن كان من حقنا الإنساني، أن نطالب بمنع عروض الفيديو هذه، وقد أصبح المنع منالاً صعب التحقق، في ظروف حرية نشر اليوتيوب مثلاً الذي تصعب الرقابة عليه، وفي ظل ضرورة أن نؤرشف للقاتل جرائمه. أشعر بفقدان توازني الإنساني، أرغب في الهروب إلى غابات بعيدة، أدفن فيها إنسانيتي وأتوحش مع الطبيعة وحيواناتها، التي سأقبل صورة التهامها لجسدي، غير قادرة على محاكمتها ومحاسبتها، فهي تعتاش على قانون الغابة. أما أن أقبل رغماً عني، بالخروج من آدميتي التي أراها تُمتهن أمامي، في وجه كل مقتول، والدم يتدفق من رأسه وفمه وعنقه... فأتحوّل إلى مجرد شاهد عيان على جرائم ذبح إنسانيتي، فهذا أكبر من تحمّلي.

هل يسمع أحد صراخ استنجاد الشهود على الموت والجريمة. أيهما يتعرض لعذاب أكثر، القاتل، أم المشاهد. يقول المثل «من يأكل العصي ليس كمن يعدّها»، هذا صحيح، في حالة الضرب، يتوجع المضروب أكثر من المتفرج، ولكن في حالة القتل، هذا القتل الوحشي. نعم، ما من قتل إنساني، ولكن للوحشية درجاتها. قتل مفرط في إجرامه، يقتل الضحية، فيزهق روحها، ويقتل المتفرج فيزهق آدميته.

أحتاج لوقت طويل، ربما لن أعثر عليه، لأحوّل المشاهد المدونة في ذاكرتي، لأغيّر مشهد الدم والجثث.

أيحق لنا، كبشر عاديين،أن نطالب بحمايتنا من هذه الأشرطة غير السينمائية. أيحق لنا أن ندير وجوهنا عن وجوه الموتى، الذين ماتوا من أجلنا؟

أيحق لي ألا أشعر بالذنب نحو كل وجه، فقد صاحبه لذة الاستيقاظ الصباحي، للاستمتاع بضوء النهار، مع قهوة الصباح، وسماع أغنية جميلة، وربما تقبيل زوجته أو ابنه أو ابنته أو أمه... فقد صار في عداد الموتى. الموت القسري، الموت رداً على المطالبة بالحياة التي يرغب بها، ويستحقها.

أي عقاب مزدوج هذا... يقتلون الضحية، ويقتلوننا ونحن نتفرج على القتل. أيحق لي الصراخ بهستيريا: أنقذوا آدميتي من رؤية القتل. توقفوا عن القتل. أم عليّ أن أجمّع كل هذه اللقطات، حالمة أن أجلس ذات يوم، مع القاتل، فأعاقبه برؤية ضحاياه، حتى تنفجر أمعاؤه من الغثيان.. غثيان الدم والجثث المشوهة.. أم أنه ليس للقاتل أمعاء قابلة للغثيان، ولا آدمية تتمزق وترتجف أمام مشهد الضحية.

إنهم يقتلون حقّي في التمتع بمشهد الوردة، وصوت العصفور، ورذاذ المطر... إنهم يحرموني من آدميتي التي لا تحتمل هذا القتل. أيتها السماء، أريد أن أفقد ذاكرتي، ثم أملؤها بصور جديدة، مقنعة نفسي، أن هذه الكوارث مجرد سينما، أريد أن أذهب إلى النوم، من دون خوف، حتى أموت، بأمان.

(*) روائية سورية

المستقبل اللبنانية في

17/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)