حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"تيتا ألف مرة" لمحمود قعبور يقحمنا في ذكريات الحرب والسلم

فاطمة الأمّية يسكنها تاريخ بحجم وطن

هوفيك حبشيان

تقع حوادث فيلم محمود قعبور وكذلك الطرائف والحكايات التي تدور في فلكه ضمن رقعتين جغرافيتين واضحتين، الداخل والخارج. هناك أولاً شقة الجدة، الحاجة فاطمة، وهناك ثانياً كل ما حول تلك الشقة، حيث الشارع البيروتي الذي ظلّ على حاله، معلّقاً في زمن لم يشف منه، على رغم أن شبابيك المنازل تعرّت من الخشب الدافئ ولبست الألمنيوم. بقي صخب العاصمة يتسلل الى بيت السيدة الأمية التي تلمّ شمل عائلة قعبور، من كل تلك القنوات المفتوحة والمشلعة على ذاكرة لا تنام، يعرف قعبور كيف يوظفها في خدمة فكرته الأم: البيت البيروتي صانع وجدان الحاضر بين ذاكرة الموت والقدرة على مجابهة الحياة.

من بائع الخضر المصرّ على ثمن بضاعته، الى الجارة التي يذهب بها فضولها الى أبعد من شرفة المنزل التي تطل على منزل السيدة فاطمة، هناك عالم بيروتي عتيق ومتجانس مع بيئته وملاذ حكايات لا تنتهي، يفلح قعبور في أن يضمّه الى فيلمه - التحية ببساطة لافتة ناتجة من انخراطه في المكان وبُعده عنه في الآن نفسه. عملية جلب هذا الخارج الى فيلمه، لا تتطلب من المخرج الا نزولاً واحداً أو اثنين الى الشارع. من هذا اللقاء بين مكانين (فضاء العام وفسحة الخاص) ومن هذه المواجهة بين زمن مقابل زمن، موت مقابل حياة، جيل مقابل جيل، حاضر مقابل غائب، حرب مقابل سلم، يولد هذا الفيلم، الذي، ومن حيث لا نتوقع البتةً، يداعبنا في المكان الافتراضي الأكثر ايلاماً: الذكريات.  

كان يمكن قعبور أن يصطدم بمطبّ الكلام الذي لا يفضي سوى الى سيرة عائلة مفخمة يعتقد أفرادها انها الوحيدة في الكون تستحق أن تروى. لكنه يعي الفخّ ويتجنبه. فالنص ينطوي على بعض الهزء وعلى تعطيل صارم للحجة التبجيلية. علماً ان قعبور ليس المسؤول الوحيد عن هذا الفيلم ونجاحه. فالـ"تيتا" هي التي تقود الفيلم، ليس بالمعنى الاخراجي أو التقني، لكن في تمكّنها من إقحام الفيلم في حقائق هي واقع كثر من السيدات اللبنانيات اللواتي اصبحن في مثل سنّها. اللحظات الهاربة، الجمل الاعتراضية، الهفوات واللقاءات العفوية مع الكاميرا التي تندس في حميميتها كلصّ عجيب، تفلت من قبضة المخرج وتأخذ الفيلم الى حيث تصبح مشاهدته متعة خالصة.

بعد انقضاء نحو ربع ساعة على بداية الفيلم، ثمة حادثة صغيرة بالغة الدلالات تضعنا كمشاهدين في مواجهة مع الـ"تيتا". فهي، ككل لبنانية تحمل قدراً من الازدواجية في شخصيتها، تعبّر عن عدم اعجابها بخطيبة حفيدها (المخرج قعبور اذاً) التي تزورها ذات يوم. تقول رأيها بعفوية من دون ان تنتبه الى وقع هذا الكلام في الرجل الذي يقف أمامها خلف الكاميرا. ثم تلاحظ أن الميكرو قد يكون التقط ما قالته... هذه اللحظة المفصلية كان في امكانها أن تخلخل العلاقة الطيبة التي تأسست بيننا وبين الـ"تيتا"، لكن مرة أخرى يجري توظيفها على نحو يجعلنا نُشهر أسئلة معينة، لعل أهمها: هل الـ"تيتا" تُفرغ ما في جعبتها لحفيدها أم للكاميرا أم للمُشاهد الذي لم يتجسد بعد فعلياً لحظة تصوير الفيلم؟

هذا سؤال مهمّ في الوثائقي، ويكاد يكون حاسماً لفهم درجة التواطؤ بين المخرج والشخصية، ومدى ادراك الشخصية لحقيقة أن ما تقوله اليوم سيكون على مرأى الجميع ومسمعهم. طبيعة العلاقة بين المخرج والشخصية والكاميرا يمكن أن تكون قائمة على العشق ويمكن أن تكون ايضاً نتيجة ابتزاز. كل تسلل لعنصر الابتزاز بين هؤلاء الأطراف، يطيح الفيلم وصدقيته. الابتزاز قد يكون قلة معرفة او جهلاً من جانب الشخصية التي تدلي بشهادتها. لنتذكر قبل بضعة أعوام الاعتراض الذي سجِّل ضد قرار دفع المال لشخصيات الأفلام الوثائقية للإدلاء بشهادتها، بعد حادثة الابتزاز الذي تعرض له الفرنسي نيكولا فيليبير من المدرّس الذي صوره في فيلمه "أن نكون وأن يكون لنا"، فماذا تكون عليه الحال اذا كانت ثمة صلة قرابة بين مَن يقف امام الكاميرا ومَن يمثل خلفها؟

أياً يكن، فنحن امام فيلم محكم البناء، مصوّر بحنان ودفء انسانيين، لكن الأهم ان المخرج يعرف ماذا يعني أن تتسرب ذاكرة امرأة في الثالثة والثمانين من بين اصابعنا، من دون أن يكون لنا القدرة على التقاطها وتمريغ وجهنا بغبار أمكنة تلك الذكريات. لذا يطارد الفيلم أشباحاً وأساطير، ململماً كل ما يجده في طريقه من صور وأشياء، يتعامل معها أحياناً بشيء من الفيتيشية، لكن من دون أن يتنازل الى مستوى تقنية الـSepia. يعرف قعبور كيف يعبر من الشيء الى فكرة الشيء (مشهد العزف على آلة كمان وهمية)، مقتنعاً بأن اعادة الأحياء وهمٌ بوهم. السينما تدمّر التجسيد بفعل التقاطع والتواصل بين الصور، أي ما هو معروف بالمونتاج. في أحد المشاهد تروي الـ"تيتا" أن زوجها كان يقشر البرتقالة من دون أن يجرحها، وبتقشيرة ممتازة. لكن في محاولتها لإظهار تقشيرة البرتقالة على النحو الذي كان يحبّه المرحوم، لا تستطيع السينما الا اللجوء الى خدعة المونتاج، لأن الـ"تيتا" تفشل في أن تقشرها كما يلزم. فكرة اعطاء المُشاهد الوعي بأنه أمام صورة مركّبة للواقع وليس الواقع في عينه، وإن لم تكن الفكرة جديدة أو مبتكرة في ذاتها، تنتقل الى الفيلم تلقائياً بحكم وجود شخصية الجدة التي تميل دوماً الى جعل المسافة بين التمثيل والعفوية مغبشة. يتأكد هذا عندما تعترف بأنها لا تحب عجن الكبّة لكنها تفعل ذلك لضرورات التصوير.  

يعاني الفيلم من بعض الحشو البصري الذي لا يتطابق مع مفهوم الحاضر الغائب الذي ينتهجه في صوغ ملامح الجدّ الراحل. لكن اصرار المخرج على الاتيان بكل واقعه، حكاياته الكندية وخطيبته، الى حضن الـ"تيتا"، هو نوع من معركة لا تلبث أن تتحول رسالة حب، وإن يكن السقوط في المجاملات المتبادلة أمراً لا مفر منه في الثقافة المتوسطية. صحيح أن فاطمة امرأة من لحم ودم، لكن الفيلم لا يهتم بها كأمراة ولا يهتم بما فعلت من حياتها الى جانب زوجها الموسيقي الذي لا يزال يظهر في مناماتها (الأمر هنا يحتاج الى فرويد). أحلامها والمصير الذي كانت تريده لنفسها، هما خارج نطاق بحث قعبور الذي لا يهتم بجدته الا من منطلق ان "قلبها على كل العائلة"، ومن خلال ما كانت تمثله لجدّه فحسب. انها المرأة القضية اذاً! لذا، من الصعب ألاّ ننزلق في متعة أن نقرأها باعتبارها استعارة للبنان، الذي كُتب له أن يضحّي من أجل أن يكون أطفاله في حال أفضل. تجاعيدها هي تجاعيد وطن معذّب يبحث عن الطمأنينة في نَفَس نارجيلة، ويواجه بعبثية هجرة "المقيمين" ومعضلة بيت العائلة الذي سيفرغ يوماً من الارواح الصامتة. مرةً أخرى، الحرب هنا، في النافذة الخلفية التي تطل على مزيد من العنف المتأجج في قلب الفيلم. يحاول قعبور اصلاح ما تخرّب، ويعيد اعتبار مكانة الفرد في حمأة سنوات الجمر، مدركاً أن المأساة تروى من خلال انعكاسها في الضوء، وان البهجة لا تنقذ المرء من الموت.

حوار

المخرج سيرغي لوزنيتسا الذي يعبّر عن النطق بأدوات سينمائية ولا يريد قتل آبائه الروس لـ"النهار

اقتباس المواضيع الحساسة في روسيا اليوم قد يجعلك تنتهي برصاصة في رأسك!

سيرغي لوزنيتسا اكتشفناه في الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ السينمائي. "يا فرحتي" هو الفيلم الذي أدخله الى مسابقة المهرجان الأول في العالم. لكنّ لهذا الأوكراني الفذّ سجلاً من الأفلام الوثائقية عددها 8. مهرجان تسالونيك أتاح لنا الفرصة لمشاهدتها والتعرف الى "معلم صغير" في كيفية وضع الكاميرا وتصوير الحياة اليومية في قرى تغمرها الثلوج أو في المصانع والساحات العامة، ملتقطاً نبضها بحنين لا مثيل له.

اليونان...

·         كيف تستعدّ للتصوير؟ هذا اذا كنت تستعد أصلاً...

- طبعاً أستعدّ. احضّر سرير الكشاف والغاز، ...الخ. (ضحك). لديَّ قواعد وضعتها لنفسي، لكني أحبّ أن أنوجد أمام حدود لا يُسمح لي بأن اتخطاها. يستهويني العثور على طريقة أو قاعدة تحجّمني وتحدّ من حريتي. هذا شيء يحثّني على الخلق لأنه مرتبط ارتباطاً مباشراً بالفكرة. عندما بدأت بالتصوير كنت أسأل لنفسي لماذا أفعل هذا الشيء؟ في كل مشهد كنت مهموماً بـ"من أجل أي شيء أصور وكيف؟". لكن أحياناً تحصل الأمور بطريقة عفوية، وما إن تتبخر العفوية حتى يأتي التفكير. أفضل دائماً أن أفكر قبل أن أفعل الشيء وليس بعده (ضحك).

·         سينماك بسيطة جداً. لكنك تجنّد الكثير من التعقيد لبلوغ هذه البساطة. هل توافق على ما أقوله؟

- بالتأكيد. انها كالشعر. شعر بسيط جداً، لكن هناك عمل مضن أوصل هذا الشعر الى البساطة. لا يتعلق الأمر بشاعر واحد انما بقرون وقرون من الشعر البريطاني. يختفي بعض الناس خلف الأشياء المعقدة لأنهم لا يعرفون ماذا يريدون قوله.

·         هل من مشكلة اذا لم نعرف ماذا نريد أن نقول؟ وهل أنت تعلم ماذا تريد أن تقول؟

- طبعاً، مشكلة. لماذا يتكلم المرء عندما لا يعرف ماذا يريد قوله.

·         تنتمي الى تراث سينمائي روسي تقليدي. درست في معهد "فغيك"، لكن لا وجود لآثار هذه المدرسة العريقة في عملك، على الاقل ليس تأثيراً مباشراً...

- يمكنك أن تجد في عملي اثراً لمخرجين روس من الذين كانوا ناشطين قبل فترة قصيرة، مثل أبراهام روم. في بدايات السينما، وهنا أتكلم عن العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي، بدأ هؤلاء ببلورة تلك الحقبة وطريقة التفكير هذه. كان شيئاً مختلفاً عما كان ينجزه أيزنشتاين. ظهر هذا البديل لأن طريقة أيزنشتاين جرى استخدامها للدعاية السياسية والايديولوجية. كنا نعلم أنه يعمل لصالح البروباغندا. "أكتوبر" على سبيل المثال عمل عظيم، لكنه فيلم دعائي في الحين نفسه. هذا لا يمنع ذاك، لأن هناك نوعية سينمائية لا يمكن انكارها. أجهل ما اذا كان اسلوبي يفيد لإنجاز أفلام دعائية. البروباغندا في حاجة الى سرعة. كما تلاحظ، فالمونتاج دائماً متوتر وعلى قدر من السرعة، لأن المخرج الذي ينجز الأفلام الدعائية لا يريدك أن تحظى بوقت للتفكير. علماً بأن البروباغندا اليوم صارت أذكى بكثير مما كانت قبلاً. مسألة التلاعب بالمُشاهد... دعنا من هذا الخطاب، لأننا جميعنا نتلاعب به.

·         ألا تريد أن تنقطع عن هذا التراث والتحليق بجناحيك مثلاً؟

- هذه طريقتي الخاصة في العمل (ضحك). لكلٍّ اسلوبه، لكن تستطيع أن تقول عن شاعرين يابانيين انهما ينتميان الى ثقافة واحدة، لأنهما يملكان طباعاً تحدد فوراً الفن الذي ينجزانه. هذا الطبع يعود الى التقليد الثقافي للبلد الذي ولد فيه الاثنان. في ما يخصّني، لا أرى ان من المهم أن أقفز الى مكان أعلى مما قفزه اسلافي الروس. "قتل الأب" عبارة جميلة. وأهنئ بها فرويد، وأتركه يقتل والده. أما أنا فلي علاقة قوية بوالدي. نحن الروس، قتلنا العديد من الآباء في تاريخنا الى درجة اننا اليوم نعيش في القبور. السينما الروسية حالياً مقبرة أفكار. هناك سينمائيون روس أنجزوا فيلمين أو ثلاثة، ثم انقطعت أخبارهم. في الثلاثينات، انطلقت موجة من السينمائيين كانت لهم طريقة أخرى في السرد وتحريك الكاميرا. أتكلم عن زمن ما قبل بارادجانوف، من أمثال بودوفكين وروم. بعضهم أنجز فيلمين ثم صار عاطلاً عن العمل، ما دفعه الى الارتماء في حضن البروباغندا. التاريخ السينمائي عندنا يعيد نفسه، اذ ان القضية نفسها تكررت في الستينات، وكان ضحيتها هذه المرة أمثال بارادجانوف واسماء أخرى لا يتذكرها أحد اليوم. ومنهم من ترك البلاد...

·         لماذا لم يعد الحاضر الروسي يحتضن السينما الكبيرة، كما في العصر الذهبي للسينما الروسية؟ ما يجعلني أسأل: ألا تزال روسيا تشكل أرضاً خصبة لهذا الفنّ؟

- طبعاً، انها مكان ممتاز للفنان. لكن ما حصل هو الآتي: السينمائيون الذين عملوا في عهد الاتحاد السوفياتي وجدوا انفسهم في بيئة جديدة وشروط عمل أخرى. كما تعلم، الحرية كانت مقلصة في الاتحاد السوفياتي، فوجد هؤلاء أنفسهم في حاجة الى ابتكار وسائل جديدة لقول ما لا يقال. هذه الوسائل كان فيها الكثير من اللف والدوران، ما أدى الى خلق لغة سينمائية جديدة. أحياناً كانت تشبه الاستعارة. لكن الظروف كانت مختلفة. عام 1991، صار في امكانهم أن يفعلوا أي شيء، لكن كانت هذه خسارة كبيرة لهم.

·         أفهم من كلامك أن الحرية حدّت من قدراتكم الابداعية، بعكس السائد... هل تعي ما تقوله؟

- أكلّمك عن بلد معين. ليس من الضرورة انشاء قانون واحد لكل البلدان. ظروف روسيا خاصة جداً. بعض السينمائيين الكبار الذين كانوا يعملون في فترة البروباغندا خسروا كل شيء. صاروا حفاة وعراة فنياً. أما الجيل الذي جاء بعدهم، فلم يفعل شيئاً. في التسعينات، حصل شيء مهم في روسيا، وكان علينا أن نفهم ما حدث، وليس فحسب أن نجسده. ولكن، لا أعتقد أن الناس فهموا ماذا حصل في التسعينات.

·         خلافاً للأميركيين، انتم كسائر الأوروبيين، بطيئون عندما يتعلق الأمر بتصوير تاريخكم. في النهاية "يسرق" منكم الأميركيون تاريخكم ويصوّرونه...

- نعم، لكن في روسيا هناك بعض المواضيع الحساسة وتصويرها قد يشكل خطراً على المخرج. واذا تجرأت وفعلت، فقد تتلقى رصاصة في رأسك. خذ مثال ليتفينكا والـ"كي جي بي". هذه القضية يمكن أن تعطي فيلماً عظيماً. لكن أنا أسأل: أين هذا الفيلم؟ لا أحد يريد أن ينجزه لأن الجميع يعرف أين يمكن أن يوصل. سأعطيك مثالاً آخر يشرح حقيقة وضعنا في روسيا: هل تعرف قصة "المواطن كاين" وأورسون ويلز؟ طبعاً، تعرف. كانت هوليوود كلها ضد هذا الفيلم، وثمة مصالح تضررت جراء انجازه. هل تعرف ماذا كان ليكون الحلّ الروسي في الأوساط النافذة؟ بكل بساطة كانوا قالوا: "أقتلوا أورسون ويلز". من ناحية، هناك مصنع سينمائي كبير يدرّ المليارات، ومن ناحية أخرى حياة مواطن مسكين. في رأيي، ما كان الروس ليترددوا في قتل ويلز في وضع مماثل.

·         تأتيني بخطاب يناقض ما قاله لي ميخالكوف عندما قابلته...

- طبعاً، هذا طبيعي. موقعه لا يسمح له بقول غير ذلك. ميخالكوف رجل سلطة. يعجبه الوضع. يحب الجبنة في الخبز... المشكلة اننا لدينا العديد من المشكلات ولا نملك عدداً كافياً من الأدمغة لتصنع افلاماً نفهم من خلالها جميعاً ماذا حلّ بالبلاد طوال قرن من الزمن. ماذا حصل في 1917 في روسيا؟ لا نملك الا نسخة ايزنشتاين وميكاييل روم لنفهم ما حدث. الى الآن لم نفهم مثلاً كيف اشتغلت هذه الآلة السوفياتية، وكيف استطاعت أقلية شيوعية أن تهيمن على كل شيء.

·         شاهدت "مصنع" أمس وأود أن أقول ان هذه نظرة سوداء جداً على الواقع الانساني. في احد المشاهد، نرى نساء يعملن، لكن حركاتهن الجسمانية اثناء العمل الروتيني تتحول رقصة. أنت تصور الحياة اليومية في مصنع روسي حيث العمال باتوا أشبه بماكينات يكررون الايماء ذاته طوال اليوم، حدّ انهم يتجرّدون من انسانيتهم.

- الأمر لا يتعلق بالمجتمع الروسي فحسب. إسأل أحداً يعمل في مصنع، فإذا كان يكرر كل يوم الحركات عينها فإنه يصل الى حالة يصير فيها جزءاً من هذه الآلية. انها مشكلة مرتبطة بآلية العمل الصناعي. لكن في المقابل، أقول لك إنني لا اعرف ماذا يمكن أن نفعل من دون اللجوء الى هذا "السيستيم". لا أملك حلولاً. ربما خلق نوع من روبوت يعمل نيابة عنا. منذ زمن بعيد ونحن نلجأ الى اليد العاملة في مصانع كهذه. وهذا أمر مثير للشفقة.

( hauvick.habechian@nnahar.com.lb

خارج الكادر

الوثائقي بكلمتين أو ثلاث

المهرجانات السينمائية مليئة بالأفلام، والوقت لا يسمح الا بمعاينة القليل. في تسالونيك مثلاً تصعب مشاهدة كل شيء. لكن هناك دائماً زميل أو صديق ينصحك بفيلم ما ويعطل حماستك لفيلم آخر. القاعدة الأهم هي عدم الركون الى الملخص المنشور في كتيب المهرجان لانتقاء الأفلام التي تريد مشاهدتها. كلمتان او ثلاث لا يمكنها أن تقول ما هو الفيلم عليه. هذه الملخصات في معظم الأحيان لا تعني شيئاً بالنسبة الى الباحث عن فيلم تتوافر فيه شروط الفيلم الوثائقي الأقرب الى السينما منه الى المقال الصحافي. فالموضوع في الوثائقي غالباً ما يشكل العامل الحاسم بالنسبة الى الجمهور العريض، وهذا اتجاه سليم يمكن فهمه، لكن الوثائقي قد يريد أخذنا أبعد من ذلك وعدم الاكتفاء بمنحنا العلم والخبر. هكذا، وبعدما أعجبت بملخص أحد الأفلام، دخلتُ مرةً الى الصالة لأجد أمامي شريطاً هو مقابلة مدتها 63 دقيقة بين مفكر يوناني والفيلسوف السلوفاكي سلافوا جيجيك. لقطة واحدة، لا سرد ولا مونتاج ولا حركة للكاميرا. نقاش فحسب حول مواضيع جدلية على قاعدة من كل وادٍ عصا. مضمون ممتع، لكن ما الفائدة السينمائية منه، الا اذا اعتبرنا أن الوثائقي هو ايضاً حاجة توثيقية.

في المقابل، كان هناك في المهرجان نفسه أفلام لا تعبّر عن نفسها من خلال الجملتين المنشورتين عنها في الكاتالوغ. هذه حال الفيلم الاسرائيلي "جافا، البرتقالة الآلية" لأيال سيفان، الذي كان سبق له أن أنجز فيلماً مع المخرج الفلسطيني ميشال خليفي. في هذا العمل الشجاع يدرس هذا الاسرائيلي المعارض للسياسة الاسرائيلية والمناصر للقضية الفلسطينية كيف أن الدعاية الصهيوينة سرقت البرتقالة وهي ترمز الى مدينة جافا حين كان يعيش فيها الفلسطيني واليهودي جنباً الى حنباً، وحولتها مادة للاستغلال السياسي. بأمانة عالية، اقترب سيفان الى الموضوع، عارضاً شهادات قيّمة لباحثين مثل الياس صنبر، الذي يقدم تحليلاً حول كيفية تحويل هذه الفاكهة آلة بروبغاندا لجذب يهود العالم الى "أرض الميعاد". استطاع الفيلم أن يأخذ درب التحليل والنقد والتلقين في آن واحد، من خلال الاستناد الى مواد أرشيفية قيّمة أمضى سيفان سنوات طويلة وهو يجوب في متاهتها.

النهار اللبنانية في

14/04/2011

 

يوم اكتشفت أنجلينا جولي عشوائيات دمشق

وسام كنعان  

التجرية الإخراجية الأولى لنضال سيجري تحمل عنوان «بطعم الليمون». الفيلم الذي انطلق تصويره أخيراً في دمشق، يحكي قصة مجموعة من اللاجئين واستعداداتهم لاستقبال حسناء السينما الهوليوودية

دمشق | عندما زارت أنجلينا جولي اللاجئين العراقيين في سوريا عام 2009، التقط أحد المصوّرين صورة لرجل متعب يغفو على كرسي في حديقة عامة أمام الفندق الذي نزلت فيه النجمة الهوليوودية. يومها، أُطلق على الصورة اسم «في انتظار أنجلينا جولي». فكرة مشابهة اقترح حاتم علي تحويلها فيلماً تلفزيونياً على النجم السوري نضال سيجري، فإذا بهذا الأخير يدخل تجربته الإخراجية الأولى مع فيلم «بطعم الليمون» الذي كتبه رافي وهبي، ويحمل إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني»، وانطلق تصويره أخيراً في أحياء دمشق العشوائية.

«الفكرة أغرتني لأنها واقعية تلامس حقائق كثيرة حدثت ربما في المناطق التي يقطنها اللاجئون» يقول الممثل نضال سيجري في حديثه لـ«الأخبار»، ويشرح بأنّ باكورته الإخراجية الأولى تتحدث عن زيارة النجمة الأميركية للعاصمة السورية، لكنّها تتخذها معبراً للإضاءة على مجموعة من اللاجئين العراقيين والفلسطينيين، والنازحين من الجولان السوري، وهم الشخصيات المحورية الذين يصنعون أحداث الفيلم من خلال شبكة علاقات تربط بعضهم ببعض. ويرصد العمل ما ستعكسه هذه الزيارة على حياتهم التي تبدو عادية وخالية من أي مفاجأة لحين سماعهم بخبر زيارة حسناء السينما الهوليودية. هنا، يبدأ كل واحد بالإعداد لهذا اللقاء على طريقته. هكذا، يسلط الفيلم الضوء على حيّ صغير يسكنه هذا المزيج من المهجّرين، كأنه مجتمع بأكمله، ويحكي كيف تذوب القضايا الكبرى أمام المطالب اليومية الصغيرة، فلن يفكر الفلسطيني بالحديث عن حق العودة أمام سفيرة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، بل عن غلاء الكهرباء! حالة من التناقضات تؤلّف تفاصيل القصة وحيثياتها. يقول سيجري «بالتوازي مع هذه الأحداث، سنقدّم قصة حب تجمع طفلين هما يافا وفارس رمزاً لعلاقة بريئة من خلال تبادلهما سكاكر بطعم الليمون. وهذه الحكاية تسير بالتوازي مع أحداث الشريط». ويرى سيجري أن تجربته الأولى مع الإخراج التلفزيوني كانت تحتاج إلى مشورة حقيقية، فاستعان بالمخرج الليث حجو مشرفاً فنياً. من جهته، يقول الليث حجو لـ «الأخبار»: «الشراكة مع سيجري قديمة. لكن هذه المرة، تغيّرت الأدوار، فصار هو المخرج فيما اقتصر دوري على الجوانب التقنية فقط».

إذاً، سيقدّم «بطعم الليمون» لمحةً عن حياة أشخاص يسكنون العشوائيات في دمشق، ويجمع بينهم قاسم مشترك أكبر هو الغربة عن الوطن، وتعليق الآمال على الزيارة المرتقبة: بدءاً من الرجل الفلسطيني (حسن عويتي) الذي يحلم بالعودة إلى داره، مروراً بليلى (أمل عرفة) الأرملة العراقية التي لجأت إلى سوريا بعد الحرب، وسكنت الحي الذي تدور فيه القصة، وصولاً إلى بشير (خالد القيش) الشاب الآتي من الجولان السوري إلى دمشق ليلتحق بكلية الفنون الجميلة، لكنّه تخرّج وسكن العشوائيات وصار يعمل في تصليح المانيكانات.

وعن دوره، يقول الممثل خالد القيش لـ«الأخبار»: «أجسّد شخصية شاب مسالم في علاقاته مع الآخرين يفاجئه شركاؤه في البيت بالاستعداد لزيارة جولي لدمشق، فيرفض فكرة أن تزورهم في البيت، لكنّ شغف زملائه وترقّبهم يجعلانه يصنع لها قطعة صلصال فنية يقدمها لها هدية».

سبعون دقيقة ستكون كافية لإخبارنا القصة كاملة، وستكون فرصة لإعادة إرساء تقليد السهرات التلفزيونية، إذ تعتزم «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني» إنجاز مجموعة كبيرة من الأفلام في خطوة جديدة تعيد صوغ العلاقة بين الجمهور والدراما التلفزيونية.

الأخبار اللبنانية في

14/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)