حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

غضب امرأة

قيس قاسم

ثورة ريتا في داغنهام

في العام 1986 كان معمل فورد يصنع في مدينة داغنهام الانكليزية وحدها حوالي ثلاثة آلاف سيارة يوميا، وبسبب هذا أعتبر واحدا من بين أكبر أربعة مصانع في العالم؛ ليس لحجم انتاجه وحسب بل لعدد موظفيه وعماله الذين بلغوا حوالي 55 ألف عامل من بينهم، وهنا تكمن المفارقة، 187 عاملة فقط. العاملات كن يشتغلن في قسم خياطة جلود مقاعد السيارات في ظروف غاية في الصعوبة ويتقاضين راتبا شهريا أقل بكثير مما يتقاضاه زملاؤهن.

الى هذا المعمل وما شهده من حركة نسوية احتجاجية يعود بنا فيلم «صنع في داغنهام» ليركز على دور الناشطة النقابية ريتا أوغردي (الممثلة سالي هاوكنيس) ومرجعيته في ذلك تاريخية اعتمدت أحداثاً حقيقية جرت قبل أقل من خمسة عقود وغيرت، ليس في بريطانيا وحدها، بل في العالم كله، واقع المرأة العاملة ودفعت نضالات الحركة النقابية وأحزاباً سياسية عمالية الى الواجهة. أما أهمية عمل المخرج نيجل كول فتتجاوز هذه الحدود المباشرة الى المعنى الفني العميق والرائع، إذ إنه يقدم عبره نموذجا عن قدرة بعض السينمائيين على نقل الأحداث الواقعية وتحويلها الى أعمال انسانية تذهب في بحثها الى جوانيات أبطالها وتحيط بالتفاصيل المؤثرة فيهم، مبتعدة قدر الامكان عن الرسم الدقيق للشخصية (بروفيل) الى الجمع بين هذا الرسم والشغل السينمائي الرفيع، والمنفذ ضمن تطور وتفاعل درامي يصنع منها مادة حياة لا صورة مسطحة ومنقولة من جوها التاريخي الى الشاشة ببرود مضر، وهذا ما يسقط فيه الكثيرون.

بطلة معاصرة

ريتا في «صنع في داغنهام» امرأة سوية متزوجة، عندها طفلان، تعمل بجد مثل بقية زميلاتها، لكن الشعور العالي بالعدالة هو ما يميزها عنهن. أما معاناتها فمثل بقية عمال بريطانيا الذين كانوا يعيشون في ظروف قاسية، ويعملون في جو غير مريح. فالنساء صيفا كن ملزمات بالتخفيف من ملابسهن، وبمجرد دخول رجل ما الى القسم يرتفع صوت وكأنه آلة انذار «رجل!!!» وفي الشتاء ينزل المطر فوق رؤوسهن ومع كل ذلك يتقاضين اجورا زهيدة لا تتناسب مع ما ينجزن، ولا يتساوى مع ما يحصل عليه الرجل الذي يعمل في الشركة نفسها. يومذاك كانت النقابات العمالية الوسيط الذي ينقل مطالب الشغيلة الى ادارات المصانع، وكان أغلب ممثليها متواطئين مع أصحابها، باستثناء عدد قليل منهم مثل البرت باسينغهام (قام بدوره الممثل بوب هوسكينس) الذي عرف معنى التمييز في الأجور لأن والدته كانت عاملة وعانت من هذا التمييز، ولهذا اختار «ريتا» لتنضم الى الفريق المفاوض مع ادارة الشركة. باختيارها انقلبت حياة العاملة رأسا على عقب بعدما برهنت عن قدرة على التأثير وقوة في الاقناع لم يصدق أحد وجودها في المرأة الصامتة الوديعة. لقد أحدث نشاطها في تنظيم إضراب قسمها تغيراً في مستوى وعيها وفي مستوى علاقاتها العائلية أيضا، والفيلم حاول نقل المناخ النفسي الذي كانت تعيشه هذه المرأة والشعور بالحيف الذي كانت تحسه كلما تعرفت الى تفاصيل العمل النقابي والتحريضي. وقد لا يصدق أحد ان بلدا أوروبيا مثل بريطانيا كانت المرأة وحتى وقت قريب تعامل فيه كمواطنة من الدرجة الدنيا، وأن طبقاته المترفة كانت تعامل المنتجين، خصوصاً عمال المصانع كمجموعة من الأميين والجهلة.

بريطانيا الصناعية

في فيلمه صور نيجل كول المشهد الاجتماعي البريطاني على حقيقته عبر كشفه علاقة العمال بما يحيط بهم من مكونات اجتماعية أخرى، خصوصاً في المدارس التي وجدت تعبيراتها الأشد في تصرفات معلميها، خريجي الجامعات الراقية، والذين كانوا يجدون في إهانة التلاميذ الفقراء، أولاد الأحياء العمالية وساكني أطراف المدن الكبيرة، أمرا طبيعيا، بل يعتبرون حتى ايذاءهم جسديا أمرا عاديا، وهذا ما شعرت به ريتا خلال مقابلتها أحد الأساتذة، الذي اعتاد ضرب ابنها فخرجت غاضبة وكلها اصرار على الغاء حالة اللاعدالة في المجتمع، واندفعت بقوة في موقفها من أصحاب المصنع وقررت مع بقية زميلاتها المضي في احتجاجهن، فأعلنَّ الاضراب الكامل عن العمل وتسببن في خسارة كبيرة للمعمل وأصحابه. في جانب آخر، ركز نيجل كول على العلاقة بين النقابات ومدراء المصنع والقادة السياسيين، ومن بينهم رئيس الوزراء هارولد ويلسن الذي وقف مع أصحاب رؤوس الأموال، وخضع لتهديدات ادارة شركة فورد في أميركا التي كانت تلوح بإغلاق أبواب المصنع وإلحاق الأذى باقتصاد بلاده. لكن إحدى وزيراته وقفت الى جانب المضربات فأجبرت الحكومة على تغيير موقفها ومعه تغير الكثير في المشهد العمالي البريطاني الذي توج بسن قانون مساواة أجور النساء بالرجال، الى جانب المطالبة بتحسين ظروف العمل وتغيير ادارة النقابات.

الفيلم يحاول اضفاء مسحة ايجابية عليه، من خلال قبوله التغيرات السريعة في مواقف أبطاله أو وفي تكوينهم الفكري والاجتماعي، لكنه مع ذلك، جاء حزينا ومؤثرا كبطلته، العاملة ريتا، التي كانت تتحدث بطريقة هادئة توجع القلب وهي تركز على اللامساواة، ليس بين النساء والرجال فقط بل أيضاً بين مطالب العمال جميعاً وموقفهم من الأغنياء في مجتمع نشطت فيه الأحزاب العمالية وادعت حمايتها وتمثيلها لهم! أما سالي هاوكنيس فقد أدت دورها بشكل مذهل، وكان تعاون أفراد فريق العمل كله محسوسا الى درجة شعرنا معها بدرجة التناغم الشديد والوحدة في ما بينهم أمامنا على الشاشة.

الفيلم تحفة سينمائية جديدة ذهبت الى التاريخ لتحفزنا على التنبه الى واقع علاقات العمل اليوم، ذلك أن أصحاب المال والمصانع يستبدلون استغلالهم القديم بآخر جديد وضحاياهم هم دوماً الفقراء والكادحون.

«المجهول»: فيض من اللامنطق

حسنة فيلم «المجهول» انه يقدم العربي بشكل ايجابي ولا يكرر صورته النمطية السلبية. غير هذا لا شيء مهماً فيه، وهو لا يتعدى كونه فيلم مغامرة عادياً اعتمدت حبكته على عنصر التشويق والمفاجأة، حاله حال أفلام كثيرة. وإذا كان مهرجان برلين الأخير قد عرضه فإن هذا لا يزكيه لأن السبب وراء اختياره واضح، وهو يكمن في أن أحداثه تجري في مدينة برلين ليس إلا. ومع أنه يصور المدينة وكأنها ساحة للعصابات ومطارداتهم وتواجدهم المنفلت في كل زاوية، فإنه يحمل طابعا اعلانيا لم يخف منظمو المهرجان غبطتهم به، وببطله الممثل الأميركي ليام نيسون الذي جسد دور البروفسور ومدرس علم الأحياء النباتية، في احدى الجامعات الأميركية. مارتين هاريس الذي جاء الى برلين للمشاركة في مؤتمر عقد من أجل عرض نتائج أبحاث علمية، أجريت بدعم من أحد الأثرياء العرب واستهدفت التقليل من الأضرار البيئية وتحسين الأراضي الزراعية.

لكن الأمور في أفلام المغامرات لا تجري وفق ما هو عادي، لهذا قرر هاريس وحال وصوله وزوجته الى الفندق العودة ثانية الى المطار حين اكتشف انه قد نسي حقيبته اليدوية وفيها أوراقه وبحوثه. أثناء عودته تعرض وسائقة التاكسي (الممثلة ديانا كروجر) لحادث مروري سقطا على أثره في مياه النهر، وبأعجوبة أنقذته السائقة ونقلته الى المستشفى. والإثارة الحقيقية بدأت عندما عاد الدكتور الى زوجته وفوجئ بنكرانها معرفته وصحبتها لرجل آخر يدعى أيضا «مارتين هاريس». إذن من يكون هو؟ في البحث عن هويته تتداخل أحداث كبيرة نكتشف بعدها أن القصة كلها غير صحيحة، وأن الرجل المجهول لم يكن ضحية بل هو عضو في عصابة تكنولوجية روسية- ألمانية أرادت السيطرة على المشروع وايقافه.

«المجهول» فاض باللامنطق الى درجة ظهر معها وكأنه شريط ملفق بصورة كاملة، ولا نعرف لماذا أصر المخرج الاسباني جومي كوليت ـ سيرا على ابقاء كل ما فيه على حاله من دون تقديم مبررات مقنعة للمشاهد بما يعرض أمامه. «المجهول» في النهاية يعتبر عاديا لكن يبقى اختيار مهرجان برلين له وصمة سلبية في سجله، لن يغفرها الناس سريعا، فالتجارة عمل الشركات المنتجة وليس المهرجانات العريقة والمهمة. 

الأسبوعية العراقية في

10/04/2011

 

 

بين السينما الأوروبية والأميركية

السينما تتكلم «ثلاثـي الأبعاد»

زياد عبدالله 

لا يمر أسبوع إلا ويهبط علينا فيلم ثلاثي الأبعاد في دور العرض المحلية، بسبب أو من دون سبب، تجد الفيلم مسطحاً تسطيحاً قاتلاً بينما تنهض به تقنية الأبعاد الثلاثة، ونحن نضع تلك النظارات ويخرج علينا جسم ناتئ يعطينا شعوراً بأنه سيرتطم بنا، شيء أشبه بمدينة الملاهي، والعين على الأدرينالين، ونسبته وتناسبه.

هذا التوصيف لا ينتوي أبداً التقليل من شأن هذه التقنية والمتعة البصرية التي يقدمها، مثلما هي الحال بفيلم تعرفونه جميعاً ألا وهو «أفاتار»، بكل الدهشة التي حملها والعوالم التي اقترحها، لكن يأتي ما تقدم في سياق التقديم المجاني لهذه التقنية وتقديمها في سياقات لا تطلع إلى الاستثمار فيها بصرياً أو جمالياً، بل على مبدأ تجاري بحت، يجعل الفيلم مرغوباً أكثر متى تحلى بتلك التقنية، وكلنا نحب أن تتمكن الصورة من اجتياز البعدين إلى ثالث.

في أحد الملامح التي أنوي التقديم لها هنا، يحضر ما له أن يكون مروراً على تجارب أوروبية في هذا السياق، وكل ما نشاهده في دور عرضنا المحلية أميركي، والتي ستضيء الكيفية التي تعامل معها مخرجون كبار مثل الألمانيين فيم فاندرز وفيرنر هيرتزوغ، ولعل العرض للفيلمين اللذين قدمهما في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين السينمائي، سيضيء للقارئ كل المقصود بالاستثمار المجاني في تلك التقنية، ونحن نتعرف إلى موجبات أن يقود كلا المخرجين غمار الثلاثي الأبعاد.

فيم فاندرز قدم فيلم Pina (بينا)، ليكون محفوفاً بالجمال الصارخ، وانتظر طويلاً ليقدم فيلماً عن الراقصة ومصممة الرقصات الأسطورة بينا باوش، وهنا يكون الجمال ثلاثي الأبعاد، وكل ما له أن يشكل تحفة بصرية كوننا بصدد قطعة جمال يمتزج فيها السينمائي بالموسيقى بالرقص.

يصعب كثيرا توصيف الفيلم، لكن الحقيقة الصارخة بنا هي أن بينا باوش نفسها ورقصاتها مادة تمتلك الجاهزية الكاملة لأن تكون مادة أولية مستوفاة عناصر الإدهاش والاحتفاء، وعليه فإن فاندرز يمتلك بياض مادة استثنائية، وبالتالي تقديم الرقصات المشحونة بتعبيرية ورمزية ساطعة، وهنا يحضر السؤال مسرحياً، بمعنى أن فاندرز ينجح في نقل المسرحية الراقصة التي يتناوب عليها الراقصون إلى فضاء سينمائي، عبر مواقع التصوير، دون أن ننسى أن الفيلم وثائقي، والآلية التي بني عليه تتمثل في محاكاة أسلوب باوش مع الراقصات اللاتي ينفذن رقصاتها، الأمر الذي أراد أن يصنعه فاندرز مع باوش نفسها التي توفيت منذ عامين، هو أي فاندرز الذي أمضى 23 سنة وهو يفكر في صناعة فيلم عنها، فإذا به يقوم بذلك بعد وفاتها.

تتلخص الآلية التي اتبعها فاندرز في تقديم فيلمه، بأن يقوم بما كانت تقوم به باوش مع راقصيها، وذلك عبر طرح مجموعة من الأسئلة على الراقص/الراقصة والإجابة عنها رقصاً، والنتيجة مجموعة من الرقصات الساحرة، ومع الأبعاد الثلاثية فإن حركة الجسد وازدحامها بالتعبيرية سيملآن ذاك البعد الثالث بجرعات جمالية تجعل من اللون لغة حسم في الفيلم، بالتحالف مع بناء الديكورات الداخلية أو الخارجية منها وفق املاءات الرقصات، وهنا نكون حيال مجموعة متوالية ومتسقة بتوليف اللقطات وزوايا الكاميرا مع الرقص والإيقاع.

الفيلم أبقى من المسرح، علينا أن نقول ذلك، ومهما استمرت عروض المسرحيات والرقصات التي ألفتها باوش، فإنها ستبقى في نطاق المشاهدين الذين يقصدون المسرح، إلى أن يأتي مخرج مثل فاندرز ويصنع فيلماً، حينها نتحدث عن قدرة الفيلم على التخليد وعلى جعل ما صنعته حاضراً وفي متناول الجميع حول العالم، وفاندرز يقول «إنه يريد لباوش أن يعرفها من يجهلها»، وقد تحقق ذلك تماماً من خلال فيلمه الرائع.

ألمانياً أيضاً ومع مخرج بحجم فيرنر هيرتزوغ، الذي قدم وثائقياً ثلاثي الأبعاد، وذلك في تتبع التوثيق لشيء فريد يتحالف وهوس هيرتزوغ بموضوعاته الأثيرة المتعلقة بالطبيعة وعلاقة الانسان بها، وبحثه المتواصل عما يعزز من مملكته السينمائية الأنثروبولوجية، والعزلة التي تضع إنساناً على حافة النجاة وتجعله وجهاً لوجه أمام ما يتهدده وهو منزوع من الحضارة، عنوان فيلم هيرتزوغ «كهف الأحلام المنسية»، ويوثق فيه هرتزوغ لكهف تم اكتشافه عام 1994 في شمال فرنسا يحتوي على مجموعة رسوم تعود إلى ما يتجاوز الـ30 ألف سنة قبل الميلاد، وهنا سيجد هيرتزوغ أن تقديم تلك الرسوم مدعاة للاستعانة بالأبعاد الثلاثة، وعليه فإن وصولها إلى المشاهد سيكون ليس مضاعفاً فقط بل أكثر، رغم امتزاج الصور بالكثير من الأحاديث والتعليقات التي ستشوش على الصورة، طالما أن عيننا على الترجمة.

لكن يجب علينا أن نأكد كما يرد بالفيلم أن الرسوم هي الأقدم على الإطلاق، كما أن هذا الكهف مازال غير متاح أمام الجمهور خوفاً من أن يؤثر ذلك في مستويات الرطوبة التي حافظت على هذه الرسوم، الكهف يفتح أمام هرتزوغ، ومن غيره يوثقها كما فعل.

من خلال الفيلمين سابقي الذكر تتضح الموجبات التي تدفع مخرجين بهذا الحجم للجوء للتقنية الثلاثية الأبعاد، الأمر هنا متأتٍ من ضرورات الموضوع والاستجابة لما يمليه جمالياً.

الإمارات اليوم في

10/04/2011

 

 

هل صدقتم دموع «عمار الشريعي» ؟

كتب طارق الشناوي 

غني لمبارك.. لا لم يكتف بالغناء كان هو الملحن الرسمي الأول للنظام ..أمسك بالعود والدف والرق، وهو يبايع ويؤازر ويرقص لحسني مبارك.. بعد الثورة لم يعتذر عما فعله من جرائم غنائية، ولكنه توجه مباشرة إلي جانب الثوار معتمدا علي أن ذاكرة الناس تشبه ذاكرة الأسماك التي تنسي كل شيء بعد أقل من الفيمتو ثانية !!

كانت دموع «عمار الشريعي» واحدة من أشهر معالم ثورة الشباب في مصر.. تابع الناس دموع «عمار» مرتين، الأولي عبر التليفون مع المذيعة «مني الشاذلي» بعد أن بات مؤكدا أن النظام المصري يترنح،والثانية مع «مني» أيضا بعد أن تأكد من نهاية النظام وذهب للاستديو وسجل معها لقاء طويلا واختنقت كلماته بالدموع ثم ذهب - بعد أن صار الطريق ممهدا - إلي ميدان التحرير فاستقبله الشباب بدفء وحرارة علي اعتبار أنه أحد الأصوات الداعمة لهم.. بعد ذلك صارت دموعه واحدة من اللقطات الثابتة في العديد من الفضائيات ورصدتها مؤخرا قناة «التحرير» في بثها التجريبي لتصبح إحدي أيقونات ثورة 25 يناير !!

••••

 الحقيقة هي أن «عمار الشريعي» كان أكثر ملحن مصري استفاد من اقترابه من النظام منذ مطلع التسعينيات وفي عز سطوة «صفوت الشريف» وزير الإعلام الأسبق.. كانت الدولة تستعين به منفردا لكي يقدم الأوبريتات التي تتغني ليس بانتصار الجيش المصري في 73 ولكن مباشرة بحسني مبارك.. عمار كان أحد أهم الأسلحة الناعمة الداعمة لنظام مبارك.. وهو يبرر ذلك قائلا في أكثر من حديث صحفي أن «صفوت الشريف» كان يقول له: نريدك أن تغني للعريس يقصد «حسني مبارك»، وهكذا ظل يغني للعريس مرددا «اخترناه اخترناه وإحنا معاه لما شاء الله»، وكانت الدولة أيضا تسند له تقديم أوبريتات أعياد الطفولة التي أقيمت تحت رعاية «سوزان مبارك» والأوبريتات الرسمية لمهرجان الإذاعة والتليفزيون والأوبريتات الدينية مثل الليلة المحمدية وغيرها.. بل أكثر من ذلك كانت الجوائز التي تمنحها الإذاعة المصرية تتوجه مباشرة وكل عام بتعليمات مباشرة من «صفوت» إلي «عمار» ليصبح هو الملحن الأول.. الدولة منحت «عمار» الكثير لأنه كان صوتها فهو ملحنها الأول الذي يقول لحسني مبارك في أحد الأوبريتات «عايزينك بدون انتخابات».. أي أنه يدعو للرئيس الأبدي بلا انتخابات، ولكن الاستبداد هو ما كان يغني ويدعو له.. يقول «عمار» أنه توقف عن تلحين الأوبريتات المباركية في السنوات العشر الأخيرة، والحقيقة أن منطق الأمور هو أن الدولة اتجهت من أجل تحقيق جماهيرية أكبر إلي الجيل الجديد من الملحنين ولم يبادر عمار بالامتناع، والدليل أنه في عام 2005 وضع الموسيقي التصويرية لحديث الساعات الست الذي سجله «عماد أديب» مع «مبارك» لدعمه في ولايته الخامسة!!

كان من الممكن لعمار - لو أراد - علي مدي السنوات التي استعانوا بألحانه أن يقول لا ولكنه كان سيفقد في هذه الحالة تلك الملايين التي ترصدها له وزارة الإعلام ويفقد الحماية الأدبية من خلال الجوائز التي تمنحها له الدولة سنويا عن طريق استفتاءات الكل يعلم أنها مضروبة وأولهم «عمار» نفسه، لأن «صفوت الشريف» طوال أكثر من 23 عاما - وزيرا للإعلام - كان لا يسمح بأن تذهب الجوائر إلا لمن ينافقون النظام وعلي رأسهم «الشريعي»!!

••••

 «عمار» لم يكن مجبرا علي التلحين لدولة فاسدة وتسخير موهبته للغناء للحاكم، وأنا أقر بأن «عمار» ولاشك أحد الموهوبين في مجال الموسيقي إلا أنه وضع هذه الموهبة تحت طلب الدولة، «عمار» أدرك مبكرا أن الثورة من الممكن أن تنتصر وتطيح بالعهد البائد كله، وبعدها سيبدأ الناس في البحث عن الفنان الذي باع نفسه للسلطان سوف يكتشفون أن «عمار» كان أحد أهم أعمدة النظام السابق.

كانت دموع «عمار» في البرنامج التليفزيوني «العاشرة مساء» مع «مني الشاذلي» هي آخر أسلحته للقفز من مركب «مبارك» الغارق لا محالة واللحاق بقطار الثورة المنطلق حتما.. ولكنني واثق تماما أن وقت الحساب قد اقترب وسوف يتأكدون أن «عمار» كان يحاول بدموعه الساخنة أن ينافس دموع «أمينة رزق» في أفلامها القديمة !!

نعم لحن «كمال الطويل» وكتب «صلاح جاهين» وغني «عبد الحليم» لجمال عبدالناصر إلا أنهم كانوا صادقين والدليل أنهم لم يتنكروا ولم يهاجموا «عبد الناصر» بعد رحيله.. كل الأغاني التي قدمت لثورة يوليو لم يحصل مبدعوها علي أي مقابل، بينما غني «عمار» للعريس الذي كان يجزل له «النقوط»!!

هل يملك «الشريعي» القدرة علي الاعتذار للجمهور الذي كان يضحك عليه بغنائه للحاكم الفاسد أم أنه يثق تماما أن دموعه تكفي لمحو ذاكرة الناس !!

مجلة روز اليوسف في

09/04/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)