حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

بيروت تكتشف السينما التركيّة الجديدة

ثنائيّة الريف والمدينة... والهويّة في مواجهة الحداثة

يزن الأشقر

«متروبوليس» لا تتركنا نلتقط أنفاسنا: بعد فيسكونتي مباشرة، تأخذ الجمهور اللبناني إلى ضفاف البوسفور حيث تفتّحت إحدى أغنى الحركات السينمائيّة في المنطقة. تجارب وُلدت من مخاض التحوّلات الاجتماعيّة والسياسيّة، لتعكس مشاكل المرحلة، وتطرح قضايا راهنة لها صداها عربياً وعالميّاً

محطّات ومنعطفات كثيرة شهدتها السينما التركية قبل أن تصبح «مدلّلة» النقّاد في العالم، وضيفةً دائمةً على المهرجانات. ونقصد هنا السينما المستقلّة التي ضمّت تحت جناحيها، في التسعينيات، سينما المؤلف. تطرح هذه الأخيرة الأسئلة الوجودية والروحانية، وتستكشف الروح البشرية، كما هي الحال في فيلم سميح كابلانوغلو «عسل»... والسينما السياسية التي انخرطت في مراجعة شاقّة للذاكرة التركية المثقلة بقضايا التعذيب واضطهاد الأقلّيات، على خلفية الانقلابات العسكرية التي شهدتها بلاد الأناضول منذ عام 1960. ابتداءً من غد، تخصّص «متروبوليس» خمسة أيام للسينما التركية الجديدة، بالتعاون مع جمعية «إزمير» السينمائية، والسفارة التركية في لبنان: سبعة أفلام 35 مللم تعرضها الجمعية في «متروبوليس أمبير صوفيل» في بيروت، تعكس قضايا أستسية مطروحة على الواقع التركي، بدءاً بالهوية وتجاذبات الحداثة، ووصولاً إلى ثنائية الريف والمدينة، وأسئلة الانتماء. يمكن عدّ الحرب العالمية الثانية نقطة التحوّل الأبرز للسينما التركية. بعدما ازداد الإنتاج في الخمسينيات، صارت تركيا في الستينيات خامس أكبر منتج للسينما في العالم. تلك الفترة الذهبية التي امتدّت بين مطلع الستينيات ومنتصف السبعينيات تقريباً، اشتهرت باسم Yesilcam، نسبة إلى الشارع الشهير في اسطنبول الذي كان مقرّاً رئيسياً للعديد من شركات الإنتاج. ذلك الانفجار ولّد ثقافة سينمائية جماهيرية كبيرة، حيث لمعت أسماء مهمّة على صعيد الإخراج، محلياً وعالمياً، مثل يلماز غوناي، وميتين إيركسان، وعاطف يلماز، وممدوح أون...
مع دخول تركيا عصر التلفزيون في الثمانينيات، تغيّر الوضع، خصوصاً في ظلّ ازدياد تكاليف الإنتاج. هكذا انتشرت ثقافة التلفزيون والفيديو التي سحبت الجمهور من صالات السينما الى منازلهم، واتجه الإنتاج إلى الأفلام الرخيصة ذات المحتوى الجنسي المكثّف. وساء الوضع الثقافي أيضاً بعد الانقلاب الذي قاده الجنرال كنعان أفرين في الثمانينيات، بدعم من الولايات المتحدة. من هنا ظهرت بعض المحاولات الفردية للردّ سينمائياً على هذا الانقلاب، فانبثقت أولى مظاهر سينما المؤلف، وكانت من إرهاصاتها أفلام تعبّر عن الصراعات الداخلية وسط التردّي الثقافي وتحوّل المجتمع التركي الى مجتمع استهلاكي بفعل السياسيات الاقتصادية في تلك الفترة.

في التسعينيات، اتجهت الصناعة السينمائية في بلد أتاتورك الى الإنتاج الضخم، وظهرت أفلام ذات ميزانيات كبرى، أسهمت في إعادة الجمهور إلى الصالات. لكن ما يميز السينما التركية التي انتشرت عالمياً، هو تلك الأسماء الإخراجية التي اتجهت نحو التعبير عن رؤيات شخصية ومغامرات سينما المؤلف. أسماء مهمّة مثل نوري بيلج جيلان (1959) الذي يُعد أبرز المخرجين الأتراك حالياً، وتعرض له في «متروبوليس» تحفتان إحداهما «بعيد» (2002 ـــــ 17/ 3، س: 8:00)، ويروي قصة يوسف الذي أتى إلى اسطنبول بحثاً عن عمل، وقريبه المصور الفوتوغرافي محمود، في شريط يعكس التناقض بين حياتي المدينة والريف. هذه الثيمة، عمل عليها نوري سابقاً في فيلمي «غيوم مايو» (2000)، و«ثلاثة قرود» (2008 ـــــ 18/ 3، س: 8:00) الذي نال عنه جائزة أفضل إخراج في «مهرجان كان» (راجع المقال في الصفحة المقابلة).

اسم آخر مهمّ في هذا السياق هو سميح كابلانوغلو (1963) الذي تفتتح «متروبوليس» تظاهرتها بفيلمه «عسل» (2010 ـــــ 15/ 3، س: 8:00) ويعاد عرضه أيضاً في ختام التظاهرة (19/ 3، س: 6:00 ـــــ راجع المقالة أدناه). الشريط يعدّ الجزء الأخير من «ثلاثية يوسف».

أمّا «تقوى» (2006 ـــــ 16/ 3، س: 8:00) للمخرج أوزير كيزيلتان، فتعرضه «متروبوليس» في حضور طاقم العمل. يحكي الشريط عن رجل متديّن اعتزل الحياة العامة، يقبل وظيفة إدارية في اسطنبول أتاحها له قائد مجموعة صوفية، لنشهد تبدّل الأحوال والصراعات الداخلية التي تمرّ بها الشخصية وسط تناقضات المدينة الحديثة. في البرنامج أيضاً فيلم «الوردية الخطأ» للمخرج محمود كوزكن (2009 ـــــ 16/ 3، س: 10:15)، و«هدف حياتي» للمخرج مراد سيكر (2008 ـــــ 17/ 3، س: 10:15)، وفيلم «آدم والشيطان» لبارس بيرحسن (2007 ـــــ 18/ 3، س: 10:15). السينما التركية الحديثة، على ما يصرّ عليه النقّاد السينمائيون الأتراك مثل أوفغو جوكسي، لا تزال تؤسّس لمكان خاص بها. ورغم غياب بعض الأسماء المهمّة من السينمائيين الأتراك الحديثين والمحسوبين على سينما المؤلف عن برنامج «متروبوليس» مثل زكي ديميركوبوز وريها ارديم، ودرفيس زايم، تقدّم الأفلام التي تضمّها التظاهرة البيروتيّة بعض أبرز المشاغل الجماليّة والفكريّة التي يحملها السينمائيون الأتراك.

في الكثير من الأعمال. يبدو ذلك واضحاً في التركيز على اسطنبول بكل ما تحمله من معان ومشكلات التمدن وتناقضات المجتمع التركي أيضاً. الاهتمام بالصورة السينمائية الجميلة، واللمسات الشخصية في أفلام نوري سيلان مثلاً، تمكّننا من مقارنته ببعض الوجوه الشهيرة في سينما المؤلف الأوروبية، وتمثّل بالتأكيد إحدى أهم سمات السينما التركية الجديدة.

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

 

سميح كابلانوغلو: أسرار الـ«عسل»

زياد عبد الله  

البحث عن العسل قاتل مع سميح كابلانوغلو. سرعان ما سيستحيل مذاقه مرارة ويُتماً. بشريط «عسل» (الدب الذهبي في «مهرجان برلين» عام 2010)، يكون السينمائي التركي قد استكمل ثلاثية يوسف التي بدأها مع «بيض»، حيث بدت حياة الشاعر يوسف مكتملة، لكنها بهشاشة البيض، وخصوصاً بعد وفاة والدته. وكنا قد تعقبنا تلمسه لطريق الشعر أثناء مراهقته في «حليب» (2008)، ونشره لقصيدته الأولى، ثم يعود أوغلو طفلاً في آخر الثلاثية مع «عسل».

يفتتح هذا الشريط مساء غد تظاهرة «متروبوليس» الخاصة بالسينما التركية الجديدة. اللقطة الأولى من «عسل» طويلة جداً، ونحن نرى يعقوب بين الأشجار، يقترب برفقة حصانه من الكاميرا. تنقطع اللقطة بعد تسلق يعقوب لشجرة عالية، سرعان ما يبدأ الغصن الذي علق عليه الحبل بالتكسر. نتركه معلقاً بين الأرض والسماء، في انتظار ما سيقرّره الغصن. ننتقل إلى يوسف ابن يعقوب، وهو يروي لوالده حلماً رآه، بينما يسأله والده ألا يرويه بصوت عال، بل يهمسه في أذنه، ويقول له الأب بعدها ألا يخبر أحداً عنه. عالم يوسف يتمحور حول أبيه. يمضي إلى المدرسة وهو يلاحق النسر الذي يطلقه والده ليرافقه. يوسف صامت على الدوام، لا يتكلّم إلا مع والده، وهمساً. والمدرسة هي المكان الوحيد الذي يجعله بعيداً عن أبيه. هناك يواصل صمته أيضاً، وحين يحاول القراءة، فإنّ المعلّم يختار له مقطعاً غير ذاك الذي درّبه والده على قراءته، فتخرج كلماته متلعثمة. الشيء الوحيد الذي يردده بعد أن يحفظه هو قصيدة يسمع فتاة تكبره في العمر ترددها في المدرسة.

عوالم مسكونة بالعسل والأشجار والطيور، ووحدة يوسف محتشدة بالمعاني، يتخلى عنها فقط حين يكون مع أبيه. يصنع له هذا الأخير مركباً شراعياً خشبياً قبل سفره، هو الباحث عن العسل في مناطق أخرى. سنكتشف لاحقاً مصير الأب المعلّق على غصن الشجرة، وينتهي به الفيلم ومعه حلم يوسف نفسه. وباستعادة الجزء الأول والثاني من الثلاثية، نكون قد عرفنا كيف أمسى يوسف يتيم الأب، لكن بأثر رجعي، بعدما تعرفنا إليه في «حليب» مؤرقاً، يكاد يقتله اكتشافه حب أمه لرجل آخر. وهي الأم نفسها التي يمضي في «بيض» مسافات طويلة ليحقق وصيتها في تقديم أضحية في مزار بعيد.

فيلم «عسل» قصيدة سينمائية رعوية، في بناء شعري يغري باستعادته لقطة لقطة. كتب سميح كابلانوغلو قصيدته تلك تحت تأثير جماليات عوالم متعددة، تمتدّ لتشمل أم يوسف وجدته، وسماعه قصة الإسراء والمعراج، وشربه الحليب فقط إلا لإسعاد أمه الغارقة في حزنها بانتظاراً زوجها الغائب، وغيرها من بانوراما جمالية لحياة طفل بعينين مفتوحتين على اتساعهما، جسّدهما الطفل بورا أتلاس بأداء رائع.

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

 

نوري بيلج جيلان... الدراما بجرعات كبيرة

صحوة اللقطات الطويلة «بعيد» و«ثلاثة قرود»

زياد عبد الله  

صاحب «مناخات» يمضي في تقديم سينما مغايرة، على وفاء للمعلمين الكبار مثل أنطونيوني. شريطان للسينمائي التركي في برنامج التظاهرة البيروتية

خسر يوسف وظيفته عاملاً في أحد المصانع، فسافر إلى اسطنبول للإقامة مع قريبه محمود. يعتقد الشاب الأمّي والبسيط حدّ الكسل، أن فرصة الحصول على وظيفة بحّار أمر في غاية السهولة، لكنّ الواقع مختلف. أمّا محمود، فمصوّر ثريّ ومثقّف يتابع أفلام كبار السينمائيين، وتبدو فرصة الانسجام بينه وبين قريبه القروي ضئيلة. في نهاية الفيلم، يسافر يوسف من دون إخبار محمود القابع وحيداً على رصيف الميناء يراقب السفن.

في «مناخات» (2006)، باهار ممدّدة على الشاطئ، وحبيبات عرق متكاثفة على بشرتها، فجأة تنتفض على كابوس يخنقها فيه عيسى بالرمال. ومن الرمال إلى الثلوج، تتوالى مناخات حبّ هارب. تشهد فصول السنة مراحل انهيار علاقة. عيسى أستاذ جامعي، وعشيقته باهار تصغره بسنوات، وستهجره في النهاية. في شريطه الشاعري هذا، يؤدّي نوري بيلج جيلان دور البطل، فيما تؤدي دور باهار، زوجته إيبرو جيلان.

مع السينمائي التركي نوري بيلج جيلان (1959)، تصحو اللقطات. سيكون السرد البصري الذي تقترحه أفلامه شريطاً متوالياً من الجماليات التي يقدّم فيها عوالمه. ومع كل فيلم، هناك مقترحات وعوالم جديدة. في «ثلاثة قرود» (أفضل إخراج في «كان» ـــــ 2008) سيتكئ على بيت مجاور للبحر، وسكّة قطار. اللقطات الطويلة نفسها. التباين في الصورة على أشدّه، مع جرعات دراميّة عالية تبدأ منذ اللقطة الأولى، وذاك السائق الذي يغالب النعاس في طريق معتمة ومقفرة. إنه أول القرود، ورأس المصائر التي سرعان ما يحتشد بها الفيلم.

السائق هو سيرفت الثريّ، يكون في طريقه إلى دخول الانتخابات من بوابة الإسلام السياسي. لكنّه يدهس أحدهم، فيكون كبش الفداء أيوب الذي سيمضي عقوبة السجن عوضاً عنه. سيهجر زوجته هيثر وابنه اسماعيل ويقبع خلف القضبان لقاء مبلغ من المال. إنهم قرود ثلاثة حول هيثر، الزوج والعشيق والابن! سرعان ما ستقع هيثر في شباك سيرفت. سيكتشف الابن ذلك، وحين يخرج أيوب من السجن يتّضح كل شيء. وسيكون على أيوب أن يفعل ما فعل سيرفت معه لينقذ ابنه.

البناء الدرامي للفيلم لن يفارق السرد البصري. ستكون وجهات النظر حاضرة لكل شخصية عبر زاوية تصوير الكاميرا. تمضي العدسة مع كل شخصية على حدة باستثناء سيرفت، بما يجعل الكاميرا الموضوعية ذاتية أيضاً وفق كل شخصية. سنعرف أن هيثر أمست عاشقة متيّمة بسيرفت، وهي تتوسله في لقطة بعيدة لهما على جرف صخري بجانب البحر. يحضر أيضاً ماضي العائلة المأساوي من خلال الطفل الذي يخرج على الابن اسماعيل وهو مبلّل لنعرف أنّه أخوه الذي مات غرقاً. كذلك الأمر مع أيوب الأب، حين يحاصر بخيانة زوجته، ستلامسه يد صغيرة، إنّها يد ابنه الغريق. سينزل إلى الشارع وينظر إلى أعلى متأكداً أن هيثر قد عدلت عن فكرة الانتحار بإلقاء نفسها من الشرفة. سيجد في الجامع ملاذاً، لكنّه سيكون مضطراً في النهاية إلى البحث عن كبش فداء لابنه.

ستلحق الهزيمة بهم جميعاً. سيكون لكل واحد منهم كذبته، ولن تكون الميلودراما إلا مساحة لتسليط الضوء على الازدواجية في الحياة والمواقف وصولاً إلى مأساة أن يكونوا كذلك. هناك توقيع خاص بنوري بيلج جيلان مع كل فيلم يقدّمه، وقد انتهى أخيراً من تصوير جديده «حدث ذات مرة في الأناضول». تمثّل أعماله معبراً استثنائياً نحو سينما مغايرة، على وفاء تام للمعلمين الكبار، وأوّلهم أنطونيوني. الفكرة في «ثلاثة قرود» ـــــ كما كان ليصفها المعلم الإيطالي ـــــ لا تعدو كونها «مراقبة واقعية الأشياء».

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

 

في الصالات

عودة «كارلوس»

يزن الأشقر  

مع عودة الأيديولوجيا الثورية إلى الواجهة في الفترة الأخيرة، وبين البحث الجدي وترهات الموضة، كان للسينما نصيب في استعادة بعض الأسماء الراديكالية إلى الشاشة. ستيفين سودربرغ استبق الأمر عام 2008، في بيوغرافيا سينمائية من جزءين عن الثائر الأرجنتيني تشي غيفارا. وتبعه الفرنسي أوليفييه أساياس في «كارلوس» المثير للجدل مهنيّاً وسياسيّاً. الفيلم التلفزيوني ذو الحلقات الثلاث الذي عرض خارج المسابقة الرسمية في «مهرجان كان»، أثار جدلاً حاداً في العاصمة اللبنانية الخريف الماضي، خلال عرضه الأوّل في ختام «أيام بيروت السينمائية»... وأخذ عليه منتقدوه تشويه صورة المناضل الأممي، ومن خلاله مرحلة كاملة من النضال ضد الاستعمار في المنطقة العربيّة... بدأ الجنريك بعبارة تؤكّد أن الفيلم «جاء نتيجة لبحث تاريخي وصحافي»، لكنّه نظراً إلى المساحات الرمادية الجدلية من حياة بطله، «يجدر بالمشاهد النظر إليه على أنه عمل خيالي». لكنّ الكثيرين رأوا، بدءاً بصاحب العلاقة الأوّل، أن بين توظيف الخيال والتزوير المتعمّد شعرة رفيعة لم يتوان أساياس عن اجتيازها...

يبدأ الفيلم من حادثة اغتيال الموساد لمحمد أبو دية في باريس، لنشاهد كارلوس (إدغار راميريز) يحط في بيروت لمقابلة وديع حداد (أحمد قعبور) وإقناعه بتوظيفه في مهمات ثورية. ينطلق الفيلم بعدها في رحلة إلى محطات مختلفة من سيرة كارلوس، وصولاً إلى عملية «أوبك» الشهيرة عام 1975. صورة الفيلم جذابة، أنيقة بألوان أفلام السبعينيات. وهنا جاءت نتيجة عمل أساياس موظفة جيداً مع صور قويّة، مطعّمة بمشاهد أرشيفية. يرافق ذلك الأداء البارع لإدغار راميريز. لكن البراعة التقنيّة تكمن خطورتها في قدرتها على التحريف التاريخي، خدمة للأيديولوجيا السائدة، أي: إعادة قراءة التاريخ من زاوية الخطاب المعادي لـ«الإرهاب»، لا من وجهة نظر نقد الاستعمار الغربي.

لكن هذا الاختلال في بنية الفيلم، لم يمنع النقاد الغربيين ـــــ كسل فكري أم تواطؤ أيديولوجي؟ ـــــ من التصفيق للفيلم بفضل عناصر التشويق والإثارة، على حساب التأريخ العادل. كثيرون وقعوا في الفخ الذي ينصبه لنا أساياس بمهارة، وبالنسبة إليهم كارلوس إرهابي وكفى. أما القضايا الشرعيّة التي ناضل ويناضل من أجلها العرب، فليست إلا أكسسوارات وديكورات واهية. الفيلم يستحقّ المشاهدة (النقديّة) بعد قراءة هذا التحذير، في انتظار أن يأتي من يصوّر تلك المرحلة الحاسمة من تاريخنا بأمانة ونزاهة، بعيداً عن النزعة التسطيحية والاستعراضيّة.

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

 

كارول منصور تتّهم المرأة اللبنانيّة مواطنة ناقصة؟

رنا حايك  

لم تسأم عدسة المخرجة كارول منصور نبش مكامن الظلم اللاحق بالمرأة. بعد اهتمامها بوضع العاملات الأجنبيات في المنازل اللبنانية في Maid in Lebanon بجزءيه (2005 و2008)، ها هي تتفرّغ في «كلنا للوطن»، لرصد معاناة المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي مع قانون الجنسية الجدير بالقرون الوسطى... عرض الوثائقي أخيراً في «مسرح بابل» لمناسبة «يوم المرأة العالمي»، في جزء من حملة «جنسيتي» التي أطلقتها «مجموعة الأبحاث والتدريب للعمل التنموي» (CRTDA). ترصد كارول عن كثب المظالم التي تتحمّلها عائلات، عابرة للطبقات والطوائف، نتيجة القانون الذي لا يسمح لامرأة لبنانية متزوجة من أجنبي أن تمنح جنسيتها لأولادها وزوجها. خمس عائلات تمثّل خمسة أوجه للمعاناة:

زينب مكتومة القيد لأن سنوات الحرب والمرض منعت والدها المصري من تسجيلها حتى في سفارة بلاده في لبنان. رامي (13 سنة) يعجز عن تمالك نفسه أمام الكاميرا وهو يتحدث عن مأزقه: الأمن العام اللبناني رفض تجديد إقامة الوالد المصري لسبب غير معلن. مارك ميتالا خرج خالي الوفاض من ميدان سباق الخيل حيث ربح بطولة لبنان في الفروسية، لأنّ جنسية والده الإنكليزية منعته من الحصول على الكأس. «المهم أنني كنت بطلاً بنظر والدتي»، يقول ابن الثلاثة عشر عاماً.

لميا قصدت كندا للدراسة، وبقيت هناك مع استمرار الحرب. تزوجت كندياً. تطلقت. ابنتها ليلى تعشق المناقيش والكبة النيّة، «لو كان القانون يحميني ويمنحها جنسيتي، لكنت انتقلت بها منذ خمس سنوات إلى لبنان» تقول لميا. لسليمان سليم أرزة باسمه في بلاد الأرز، منذ أن غرس كل بطل لبناني في مجال سباق السيارات شجرة باسمه بناءً على دعوة نادي ATCL عام ١٩٩٨، وليس له منه هوية حتى الآن. يتساءل من دون أن يحصل على جواب شاف: لمَ يملك لاعب كرة السلة الأميركي جو فوغل الجنسية اللبنانية ولا يملكها هو؟ لمَ تُمنَح للوليد بن طلال ولا تمنح لجميع الأبناء من أمّ لبنانية وأب أجنبي؟

لكلّ فرد في الأسر المذكورة نصيبه من المعاناة. «كلّهم غرباء وأجانب في وطنهم» تقول منصور. إضافةً إلى اختيارها حالات معبّرة وقوية، نجحت صاحبة «جئت من مكان جميل» في تحويل المأساة إلى قصيدة عبر لقطات إخراجية مؤثّرة، وتفادت الوقوع في فخ البكائية، مستعيضة عنها بحسّ ساخر وطريف. هكذا، ظلّلت الفواصل المشهدية بين عائلة وأخرى بمعلومات قانونية معقّدة، آثرت المخرجة كتابتها على الشاشة بغية تبسيطها، بينما وقف أفراد العائلة يلوّحون بالعلم اللبناني على وقع نشيد تغيرت تنويعاته كل مرة (غيتار، هارمونيكا، بيت بوكس، أوركسترا...) بدأ جذلاً وانتهى منكسراً حزيناً على مشهد بحر بيروت المفتوح.

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

 

مزيداً من الصدق والعفويّة... يا فالنتينو

بيار أبي صعب  

كادت الاحتفاليّة تكون كاملة. مهرجان ١٣ آذار بدا أقرب ما يكون إلى الـ show الذي جرى التدرّب عليه بدقّة وعناية، حتّى أدق التفاصيل. مضارب الثورة تنتظر، خيم high-tech منصوبة منذ يومين لجهة بحر سوليدير. الكاميرات والأناشيد والرايات. والحشود المعبّأة بكل الوسائل. (من ينسى الطفل المعجزة محورباً في عكار، ومدافعاً عن الأصوليّة؟).

كل شيء كان هنا. عريفة الاحتفال ـــ المرأة الوحيدة ـــ في ملابس جان دارك، نائب «عاملي» وآخر «أرمني»، والرفيق «سجعان»، ممثلاً قوى العلمانيّة والتقدّم والتغيير. أتباع غاندي، في مواجهة وصاية السلاح. أنصار دولة المؤسسات في وجه أهل الغوغاء الذين يحاصرون الدولة. «الديمو ـــــ كراسيّة» (بالإذن من دراكولا «باب العزيزيّة») ضد الإرهاب. الهيبيز في وجه «القمصان السود». الحكيم العروبي يعانق رفيق سلاحه أبا القاسم الشابي، ويستظهران معاً عيون الشعر. فتى الكتائب معتمراً بيريه غيفارا، صار أحد أبطال الربيع العربي.

لم يكن ينقص إلا فرقة روك أند رول (كيف لم يخطر الموضوع في بال أحد؟) كي يتحوّل «دوّار» الحريّة يوم أمس في بيروت، إلى وودستوك. لا بأس. بدلاً من Woodstock.3 كانت لنا ثورة أرز ثانية: Cedar_revolution.2. إلى أن أطلّ عريس الثورة، مسك ختام الاحتفال، حاملاً مفاجأة لم نكن نتوقّعها...

انتظرناه في عباءة سلفادور ألليندي، بعدما سقط ضحيّة انقلاب مسلّح على الشرعيّة. توقّعنا أن يلقي مونولوغاً تراجيدياً يليق ببطل شكسبيري أطاحته دسائس القصر. لكن ريتشارد الثالث انقلب على حين غرّة إلى فالنتينو. خلع الدونجوان سترته، هكذا أمام حشود الثورة. يا للهول. هذه ثورة أرز أم عرض لفرقة Chippendales؟ لم يكن ينقص عند هذه اللحظة الحرجة، والرجل يفك ربطة عنقه، إلا أن يرن الهاتف المحمول في جيب سترته التي تلقفتها إحدى المعجبات: «آلو. زهير الصديق؟ «لأ»... دولة الرئيس مشغول الآن. ماذا؟ معلومات عن عمليّة تفجير؟ «لأ» للتفجير. لجنة التحقيق طلبت منك أن تتصل؟ «لأ» تصرخ هكذا، نحن في «انتفاضة الكرامة» يا غبي».

لحسن الحظ توقف شيخ الشباب قبل أن يخلع قميصه. كان يريد فقط أن يتنفّس. الزعيم الثوري قرّر أن يتوجّه إلى الشباب، بلغة الشباب. شباب لبنان طبعاً. لبنان بكسر اللام وترويس الألف. ما حكاية فالنتينو الأرز مع كلمة لبنان؟ قبل يومين أعلن من البريستول: «LIBNAAN لا يحميه إلا جيش LIBNAAN». وها هو يتحدّث عن العدالة والوحدة الوطنيّة والعروبة وحريّة الفكر إلى «شباب LEBNÉÉN». يا أخي قبل الدفاع عن سيادة لبنان استقرّ على لفظ واحد لاسم هذا البلد المنحوس.

كادت الثورة تكون كاملة. جان دارك والرفيق سجعان وفتى عمر سليمان وفالنتينو. لكن للأسف كان ينقصها مزيد من الصدق والعفويّة. لم يتدرّب الأخ القائد على دوره جيّداً. العام المقبل بالبيكيني؟

الأخبار اللبنانية في

14/03/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)