حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«مكالمة عاجلة»..

لا صوت يعلو على صوت رأس المال

زياد عبدالله

كم عدد الذين فقدوا أعمالهم بسبب الأزمة المالية، الملايين علينا أن نقول، لا بل أكثر، وعلينا في الوقت نفسه الانتقال إلى مستوى آخر خارج وثائقي تشارلز فيرغاسون «مهمة داخلية»، وتحديداً إلى أفلام قاربت ذلك روائياً، ولعلنا شاهدنا فيلم جايسون رايتون «في الأجواء» ،2009 عبر شخصية ريان التي جسد من خلالها جورج كلوني ملمحاً من ملامح عمليات الطرد الجماعي للموظفين، عبر شركة متخصصة في ذلك يعمل لديها، ولتكون تلك الشخصية وعوالمها طاغية على ما عداها، ولتكون آخر المقاربات السينمائية للأزمة المالية لكن عبر سرد روائي هو فيلم جاي سي شاندر Margin Call (مكالمة عاجلة)، والذي له أن يكون أيضاً مسعى لتقديم دراما متمركزة حول الشركات العابرة للقارات وإدارتها الأزمات التي تتعرض لها، بسحق كل ما تطاله للخروج بأقل الخسائر.

لكن قبل المضي مع فيلم شاندر، فإن آخر روايات الروائي الأميركي الشهير بول أوستر «سانست بارك» تبدأ بفصل مميز جداً إن تعلق الأمر بمقاربة ما حل بأميركا في السنتين الأخيرتين، حيث نقع على الشخصية الرئيسة وهي تمارس هوساً متمثلاً بتصوير الاشياء التي يتركها الأشخاص الذين يجبرون على التخلي عن بيوتهم بعد تعثرهم في سداد الأقساط، لا بل إن استعراض ما يترك له أن يضعنا أمام بشر ينتزعون من بيوتهم تاركين كل شيء خلفهم، هذا عدا كون الشخصية تعمل في شركة متخصصة بالقيام بتفريغ البيوت.

بالعودة إلى «مكالمة عاجلة» فإننا ومع بداية الفيلم سنقع على ما يشبه «في الأجواء»، حيث نكون أمام عملية طرد لمجموعة من الموظفين، وأولهم مدير يكون في منتصف انجاز شيء مهم، الطرد الذي لا يمهله سوى بضع دقائق لجمع متعلقاته الشخصية والمضي وقطع كل شيء عنه، بما في ذلك الهاتف أو الخط الذي زودته به الشركة، وليكون ما كان في صدد إنجازه غاية في الأهمية، واكتشاف ذلك سيضع الشركة أمام الإفلاس أو النجاة بتدمير كل شيء، وليكون الخيار الثاني ما ترجح كفته.

الفيلم مصنوع ضمن عدد محدود من مواقع التصوير، وله أن يقول كل شيء بخصوص ما تقدم والكيفية التي تدار فيها الأزمات وبمشاركة كل من كيفين سبايسي وجيرمي ايرون وديمي مور، وهو الفيلم الأول لشاندر، والذي يستعين، حسب قوله، بوالده الذي زوده بمعلومات تفصيلية حول إدارة الأزمات وما إلى هنالك من خلال عمله الطويل في إدارة شركات مالية كبرى.

يضيء الفيلم كل ما له أن يوضح الكيفية التي يتعامل فيها الرأسمالي مع منتجاته وموظفيه، وله أيضاً أن يضعنا أمام البناء الهرمي لأصحاب القرار، فما ان نقع على مدير / مديرة في مركز صنع القرار حتى يطالعنا من هو أعلى نفوذا، وجميعهم لا يريدون أن يخوضوا في التفاصيل، بل سماع ملخص يفضي إلى النتيجة، وبالتالي اتخاذ القرار بناء عليه، يشكل فيلم «مكالمة عاجلة» إطلالة سينمائية على أخلاقيات المؤسسات الرأسمالية الكبرى، حيث يكون هذا الفيلم المنتمي إلى السينما الأميركية المستقلة سرداً مكثفاً ومتسارعاً عن الأزمة الاقتصادية، لكن في قالب درامي يمنح لكل شخصية ما تقدمه في هذا الخصوص في سياق يجعل من الجميع تحت وطأة ما يتخطاهم، وعلى شيء من عبودية رأس المال الذي يقرر كل شيء في النهاية.

الإمارات اليوم في

13/02/2011

 

الفيلم الفائز بأوسكار أفضل «وثائقي» لعام 2010

«مهمة داخلية».. مجــرمو الاقتصاد والأزمة المالية

زياد عبدالله 

هناك جريمة ارتُكبت، راح ضحيتها ملايين البشر حول العالم، والجناة لم يعاقبوا، لا بل تمت مكافأتهم. توصيف صالح للمضي خلف فيلم روائي بدل الوثائقي، ومحاولة إكمال هذا السيناريو بحلول تقليدية، مثل ظهور أحدهم وكشفه المستور بعد خوضه غمار معارك شرسة لن تزيده إلا عزماً واصراراً، ولينتصر في النهاية ويسود الخير بعد هزيمته الأشرار.

هذا نراه فقط في أفلام «الأكشن»، ومع الأبطال الخارقين، وغير ذلك من الوصفات الترفيهية، لكن ومع الانتقال إلى الواقع والحديث عن فيلم وثائقي يتناول حقاً جريمة طالت العالم كله، فإن من اقترفها لن يطالهم أي سوء، وعلى العكس من ذلك فإنهم أي الجناة سيزدادون ثراءً وسلطة، الأمر الذي سنعثر عليه في الفيلم الفائز بأوسكار أفضل فيلم وثائقي هذا العام، وهو بعنوان Inside Job «مهمة داخلية» إخراج تشارلز فيرغاسون، وهو فيلم يتمحور حول الأزمة المالية التي عصفت بالولايات المتحدة ومن ثم العالم منذ ثلاث سنوات وما زالت آثارها ماثلة، ولعل الفيلم يقدم لكل متسائل عمّا حدث في تلك الأزمة أو كيف حدثت، إجابات لها أن تكون أكثر من وافية، لا بل إن الفيلم مستند الى بحوث كثيرة في هذا الخصوص، ونبش لكل الوثائق والكتب و«الكليبات» والتقارير الإخبارية التي تناولت الأزمة المالية، وفي مسعى ليكون الفيلم وثائقياً يقارب الحقائق ويحللها مع تقديمه جميع المسؤولين عنها، والذين سنتعرف اليهم، سواء كانوا أفراداً أو مؤسسات.

يبدأ الفيلم بداية لن نجد ما يقود إلى الاتصال بها سوى في الجزء الأخير من الفيلم، إذ إنه يبدأ من ايسلندا وهو يقول لنا إن ناتج ذلك البلد 13 مليار دولار، وحجم الديون التي وصلها بعد الأزمة 100 مليار دولار، ولينتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة، إلى «وول ستريت»، إلى منبع الأزمة وهو يعود إلى إدارة الرئيس السابق رونالد ريغان، والسياسات الاقتصادية التي انتهجها، مروراً بإدارة كلينتون وصولاً إلى جورج دبليو بوش.

لن أخوض في التفاصيل التي يقدمها الفيلم في تأسيسه للأرضية التي تأسست عليها الأزمة المالية بوصفها نتيجة حتمية لسياسات تحرير الأسواق، وإلغاء القيود على الشركات المتوحشة، فالأمر مدعاة لمشاهدة الفيلم للتعرف الى ذلك، رغم أن ذلك قد وثق وتم تحليله في عشرات الكتب، كما أن الفيلم يقدم شرحاً تفصيلياً وبيانياً لتشكل الفقاعة العقارية في أميركا ومن ثم انفجارها أي وقوع الأزمة، وآليات الاقتراض التي جعلت من مشتري العقارات مديناً لشبكة تبدأ من البنك مروراً بشركات التأمين وصولاً للمستثمرين حول العالم، وغير ذلك من معلومات بهذا الخصوص تشبه إلى حد بعيد حضورنا ورشة اقتصادية تضيء لنا ما قد يخفى عنا.

ما تقدم ضروري ومهم جداً، لكن ما استوقفني في هذا الفيلم عدا قدرته على تجميع هذا العدد الضخم من المعلومات وربطها بسلاسة ورشاقة، هو تسليطه الضوء على أبطال الأزمة الذين هم في النهاية أبطال الفيلم الذين يرفضون أن يظهروا فيه ويجيبوا عن الأسئلة المعلقة، فالفيلم من بطولة مؤسسات، مثل «غولدن ساكس» و«ليمان برذر» و«ميريل لينش»، الأسماء التي ترددت كثيرة ومازالت أثناء الأزمة المالية، وعلى صعيد الأفراد فلنا أن نجد مثلاً في آلان غرينسبان الذي يتنقل من منصب إلى آخر، إضافة لكونه موجوداً في جميع مراحل تحرير الأسواق في عهد ريغان وصولاً إلى الأزمة وتبعاتها، إضافة لعدد كبير من الشخصيات التي ستكون المتسببة في الأزمة، رغم كل التحذيرات التي سبقتها، لكنهم سيمضون في ما يقومون به حتى النهاية في تتبع للجشع الشخصي وتحقيق أعلى نسبة من «البونوس»، أو كما يقول رئيس مجموعة «سيتي بنك»: «إن علينا ألا نتوقف عن الرقص حتى تتوقف الموسيقى»، لكنهم يواصلون الرقص والموسيقى متوقفة تماماً، وأكثر من ذلك فإن الفيلم سيرينا كيف أن المتسببين في الكارثة قد نالوا أموالاً خيالية رغم افلاس المؤسسة التي يعملون فيها، فرئيس مجلس إدارة «ليمان برذر»، ريتشارد فالد، حصل على 484 مليون دولار بعد أن قاد «ليمان» إلى الإفلاس، طبعاً هذا مثال من بين أمثلة كثيرة يقدمها الفيلم في هذا الخصوص.

مدهش أن يوثق الفيلم كل من تسببوا في الأزمة، وفقد بسببهم ملايين البشر أعمالهم وبيوتهم وباتوا في الشوارع دون أن يتعرضوا لمساءلة قضائية، لا بل إن ذلك سيبدو واضحاً في جلسات استماع الكونغرس التي لم تُفضِ إلى مقاضاة أي واحد منهم. يصل الفيلم الى إدارة أوباما ورغبته في التغيير، وهو يقول علينا أن «نهذب سلوك وأخلاقيات وول ستريت»، لكن سرعان ما سيرينا الفيلم كيف أن الطاقم الاقتصادي المحيط بأوباما سيكون مؤلفاً من الاشخاص أنفسهم الذين تسببوا في الكوارث الاقتصادية، واستولوا على مئات الملايين بعد تدميرهم مؤسسات واقتصاد أميركا. الفيلم يشير بإصبعه إلى مواضع الكارثة على فساد لا يطال أميركا فقط بل العالم أجمع، إنه يقول لنا هؤلاء هم من يديرون اقتصاد أميركا والعالم ومازالوا، وبالتالي فإننا على موعد مع كوارث أخرى لن يكون ضحاياها إلا الفقراء وأصحاب الدخل المحدود الذين سرعان ما يمسون فقراء، بينما يكدس متسببو البؤس الأموال والطائرات الخاصة، ويستمتعون بجرعات الكوكايين التي تماثل نشوة تنشقها نشوة جني الأموال، كما يخبرنا فيلم «مهمة داخلية» حين يمضي خلف نوادي الترفيه والدعارة التي يقصدها هؤلاء الأثرياء، الذين يمصون دماء الفقراء والأمر لا يتعدى بالنسبة إليهم خطوطاً بيانية وحركة أسهم وحالات إفلاس لا تزيدهم إلا جشعاً وغنى.

الإمارات اليوم في

13/02/2011

 

فيلم.. وادي الذئاب في فلسطين-

الأتراك يثأرون لمرمرة من خلال السينما

أحمد فاضل 

بعد ان أرخى الليل سدوله على المياه الدولية في البحر الأبيض المتوسط كانت سفينة السلام التركية (مافي مرمرة) تحاول الوصول الى سواحل غزة بفلسطين في محاولة منها لكسر الحصار المفروض على تلك المدينة من قبل الإحتلال الإسرائيلي الذي أرسل طائرات الهليكوبتر وسفنه الحربية لمنعها من الوصول وتمكن قوات النخبة الخاصة الإسرائيلية من قتل9 مدنيين في قصف كثيف لركاب السفينة العزل إلا من العصي وسكاكين المطبخ بالمقارنة مع المدفعية الثقيلة والجنود المدججين بالسلاح ، ما أدى الى نشوب صراع سياسي بين تركيا واسرائيل امتد ليشمل دولا عديدة استنكرت هذا العمل الاجرامي ونقلت وسائل الإعلام المختلفة صورا لركاب السفينة وهم يساقون أسرى الى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، الى هنا انتهى السيناريو الحقيقي لهذه الفاجعة لكن سيناريو آخر لايقل أهمية عن الأول بدأت فصوله تتكشف مع بداية هذا العام على صورة فيلم سينمائي تركي عرض قبل أيام على شاشات السينما العالمية أحدث هزة عنيفة في الأوساط الرسمية الغربية التي حاولت ان تمنع درجة اتساع الغضب الجماهيري فيها حينما هاجمت اسرائيل السفينة وها هي تعود بقوة الى الساحة مرة أخرى وبصورة أوسع جسدها أبطال المسلسل الشهير( وادي الذئاب ) لكنه هذه المرة في فلسطين ،الفيلم دشن عرضه الأول في المانيا لكن السلطات هناك سرعان ما منعته بسبب اتهامه بمعاداته للسامية ، جاء هذا متزامنا مع اليوم العالمي لذكرى محرقة النازية " الهولوكوست " بحسب وكالة الأنباء الألمانية , الأتراك أرادوا من خلال انتاج هذا الفيلم الثأر من عملية ضرب سفينة السلام مرمرة وعرض ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في أرضه المغتصبة من قتل وهدم للبيوت وتهجير قسري ، كل ذلك عكسته نخبة من نجوم السينما التركية في مقدمتهم " نجاتي شاشماز" الملقب برامبو تركيا والمولود في مدينة إيلاظي عام 1971 الذي يقول عن نفسه انه نشأ في أنقرة وتخرج من مدرسة لها صلة بالسياحة مما أهلته لأن يخوض غمارها مؤسسا لوكالة سياحية معروفة في تركيا ،شاشمازفي هذا الفيلم يقود مجموعة من الرجال الأقوياء سبق وان تعرفنا عليهم في مسلسله الشهير ، هذه المجموعة تدخل الى الأراضي الفلسطينية المحتلة خفية وتتعرف على أسرة فلسطينية مقاتلة يشتركون معهم في عدة عمليات عسكرية تنتشر خارج غزة ويقودها موشيه القائد العسكري المتغطرس والذي يسوم الفلسطينيين سوء العذاب ، لكنه في احدى المعارك مع مجموعة بولات علمداريفقد أحدى عينيه ، ومع ان الفيلم يخوض صراعا فكريا مع ما يخوضه من صراع على الأرض الفلسطينية فإنه يعرض الفرق بين اليهودي والإسرائيلي بإطلاعنا على حال يهودية أمريكية تصل فلسطين وتحتجز في احد السجون الإسرائلية بتهمة ملفقة فيتم انقاذها من قبل الفريق وإيوائها لدى تلك الأسرة الفلسطينية فتشعر بفرق المعاملة بين الفلسطينيين من جهة والإسرائيليين من جهة أخرى لأنها تفهمت قضيتهم وشعرت بالظلم الذي وقع عليهم ، في النهاية يتمكن فريق علمدار من قتل موشيه ومدير السجن الإسرائيلي واطلاق الأسرى الأتراك والعودة بهم سالمين الى وطنهم وعلى الرغم من ان مدة عرض الفيلم يقرب من ساعتين إلا ان المشاهد لايشعر بالملل بسبب أحداثه المشوقة التي تحبس الأنفاس وكأنه يعيش مع المجموعة الخاصة التركية والمقاتلين الفلسطينيين وهم يخوضون غمار المعارك التي صورت أحداثها في قلب إسرائيل .

الفيلم حفل بحوارات معبرة خاصة ما دار بين المرأة اليهودية الأمريكية ومدير السجن الإسرائيلي والتي إستنكرت فيه قيام اسرائيل بالأعمال الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني ، وكذلك الحوار بين الطفل الفلسطيني العاجز الذي أصيب بالشلل جراء هجوم بالنار على منزله وبين موشيه رجل التعذيب الأول في القوة الإسرائيلية حيث انتهى المشهد بهدم منزله وهو بداخله ، لكن المهم بين هذه المشاهد حوار الأتراك مع مدير السجن الإسرائيلي والذي أعتبره نقلة نوعية في التفكير الأيدلوجي والذي سبب كل هذه الإعتراضات بوصفه حقيقة انهم يزعمون ان أرض فلسطين هي ميعادهم وان دولتهم الكبرى تمتد من النيل الى الفرات وهو ما يحاول اقناع نفسه به .

شاشماز الذي اضطلع ببطولة الفيلم صرح لصحيفة " خبر تورك " التركية ان هذا الفيلم هو رد اعتبار لشهداء سفينة السلام وكشف ممارسات قوات الإحتلال الإسرائيلي تجاه الشعب الفلسطيني وغزة على وجه الخصوص ، الأتراك وقبل انتاج هذا الفيلم قدموا مسلسلا حمل عنوان " صرخة حجر " عرضته عدة قنوات فضائية منها ام بي سي و المنار أثار في حينه أزمة بين تل أبيب وأنقرة واعتبرته إسرائيل انه يشكل تحريضا خطيرا ضدها ، المسلسل من جهته خاطب وجدان المشاهد وعقله عبر عدسة إخراجية شجاعة تروي الواقع الفلسطيني كما هو من داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث جرى تصوير الكثير من مشاهد العمل واحداثه التي يدور بعضها بجوار المسجد الأقصى وأظهر خلال حلقاته جنودا إسرائيليين يقتلون الأطفال مع سبق الإصرار والترصد ، كما تضمن أحد المشاهد لبعض عناصر الجيش وهم يقتلون طفلا رضيعا عند حاجز بأحد الطرق .

الأتراك اعتبروا أنهم اخذوا بثأرهم لأنهم قدموا للعالم صورة حقيقية للشوفينية الإسرائيلية تضاف لتلك الصور التي تناقلها العالم عن سفينة السلام مرمرة وهي محاصرة بعشرات السفن الحربية وطائرات الهليكوبتر الهجومية .

أدب وفن في

13/02/2011

 

ختام «أيام سينما الواقع، دوكس بوكس» في دمشق

صنعنا جمهوراً.. متى السينما؟

راشد عيسى 

اختارت لجنة تحكيم مسابقة «أصوات من سوريا»، في ختام «أيام سينما الواقع، دوكس بوكس»، فيلم «في انتظار أبو زيد» لمحمد علي أتاسي، فائزاً من بين ستة أفلام سورية مشاركة: «سقف دمشق وحكايات الجنة» لسؤدد كعدان» و»الشعراني» لحازم الحموي و»المدينة والفراغ» لعلي الشيخ خضر و»صفقة مع السرطان» لأديب الصفدي و»راقصون وجدران» لإياس المقداد. أما اللجنة فمؤلَّفة من ثلاثة أعضاء، هم الدانمركي توه ستين موللر والفنان التشكيلي أحمد معلا والمخرجة التسجيلية البريطانية كيم لونجينوتو، ضيفة تظاهرة «لقاء مع مخرج»، التي ضمّت أربعة أفلام لها.

قد يكون مفهوماً لو حاز فيلم أتاسي جائزة الجمهور، لأنه يثير قضية ساخنة، وينسجم مع اعتراض جمهور النخبة على التطرّف الديني، ويتناغم مع الحاجة إلى رمز فكري أو ثقافي يعطيهم شيئاً من الأمل بأن «الأغاني ما زالت ممكنة». فالحشد الكبير لمشاهدته عبّر عن ذلك كلّه. لكنه فيلم مليء بالارتجال، ويبدو كأنه لم يخضع لمونتاج، على الرغم من أن مخرجه نوّه أن الفيلم (82 د.) قد اختير من أكثر من سبعين ساعة تصوير. صحيح أن مستوى الأفلام المشاركة لا يستحق الشدّ والجذب إلى هذا الحد، إذ يمكن القول إن الفيلم تفوّق على أفلام هاوية. لكن المرء يعتقد أن فيلماً واحداً على الأقلّ أفضل من فيلم أتاسي، هو «سقف دمشق وحكايات الجنّة» لسؤدد كعدان (حاز على الجائزة الثانية للفيلم التسجيلي العربي في «مهرجان دبي السينمائي» 2010)، ويكفيه أنه قدّم قضية حارّة ويومية تخصّ الدمشقيين، ببناء ولغة بصرية محترفة، من دون أي ادّعاء ثقافي أو سياسي.

لكن جائزة الجمهور الأولى ذهبت للّبناني محمود قعبور عن فيلمه «تيتة ألف مرة»، وفيه صوّر المخرج جدّته البيروتية المشاكسة، متابعاً رحلتها مع الذكريات قبل أن يمحوها الزمن بالرحيل. أما جائزة الجمهور الثانية فذهبت لـ»أبي من حيفا» لعمر الشرقاوي: محاولة شاب فلسطيني مغترب يُجَاهد لفهم أبيه، فيجد نفسه مضطرّاً إلى رحلة معاكسة في حياة الأب، يعود أولاً إلى دمشق، حيث هجرت العائلة أول مرة، وحيث قبر الجد، ثم يمضي مع الأب في رحلة إلى حيفا، حيث منزل العائلة الأول. جائزة الجمهور الثالثة حازتها دانة أبو رحمة عن «مملكة النساء، عين الحلوة»، وفيه تعود المخرجة الفلسطينية إلى المخيم الفلسطيني الأشهر، بين عامي 1982- 1984 بعيد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، حين أُسِر رجال المخيم، وبقيت النساء في مواجهة متطلبات العيش. يحكي الفيلم قصّة سبع نساء من المخيم، واجهن الحياة بشجاعة وصبر، وتسلّمن زمام حماية عائلاتهن، وأعدن بناء المخيم.

ضمّت لائحة الأفلام المتنافسة على جائزة الجمهور أربعة عشر عملاً من العالم، عُرضت في إطار تظاهرة «المختارات الدولية»، ومنها «الآربر» للبريطانية كليو بارنارد و»صداع» للفلسطيني رائد أنضوني و»ظلال» لماريان خوري و»هذه صورتي وأنا ميت» لمحمود المساد، الذي بدا، على الرغم من حرفيته على المستوى التقني، كأنه فيديو كليب طويل أراد تصوير بطل الفيلم كما لو كان نجماً سينمائياً. نسي المخرج قضيته، وراح يعرض البطل: زواجه وحياته الخاصة ومنزله ورياضته، على نحو لا يشبه اليوميات المألوفة للفلسطينيين. هذا في الوقت الذي يُفترض بالفيلم أن يتحدّث عن الولد الذي اغتيل أبوه، وهو أحد قيادات منظمة التحرير، وينبغي أن يكون الولد (الذي نراه في الفيلم شاباً رسّاماً للكاريكاتير) ذريعة لرواية مأساة الفلسطينيين، بينما يثير الفيلم شهية المرء كي يكون ولداً لأب قد اغتيل.

إلى جانب جوائز المهرجان، حاز مشروع السوري الشاب باسل شحادة «مكابح» منحة «تمكين» لأفضل فيلم سوري، التي تُمنح لأفضل مشروع فيلم من بين مشاريع تناقش في ورشة عمل بعنوان «مخيم التدريب». وحصل مشروع «امرأة تحمل كاميرا» للمغربية كريمة زبير على منحة «تمكين» لأفضل مشروع عربي. وتبلغ القيمة المالية للمنحة لأفضل مشروع عربي أو سوري 6000 دولار أميركي، يأتي نصفها على شكل خدمات (معدّات، مونتاج، إلخ.).

تبقى الإشارة إلى ان الاختيارات الممتازة التي قدّمها المهرجان للمتفرّجين من أفلام تعبّر فعلاً عن أهمية ودور وجماليات السينما التسجيلية. ولعلّ أفلام المخرجة التسجيلية البريطانية كيم لونجينوتو، التي جاءت في إطار تظاهرة «لقاء مع مخرج»، خير مثال على ذلك. فقد عُرضت أربعة أفلام لها، هي: «كبرياء المكان» و»الساري الوردي» و»ضمّني، أفلتني» و»أخوات بالقانون». لكن تلك الاختيارات من شأنها أيضاً أن تُظهر الفرق الشاسع والحالة البدائية لأفلامنا، عرباً وسوريين. الأمر الذي يُذكّر بأن السينما التسجيلية تحتاج، إلى جانب جمهور شغوف طبعاً، إلى معاهد ومخرجين وتقنيات وتمويل، وقبل كل شيء إلى مناخ حرّ. اليوم، مع وصول دورته الرابعة إلى ختامها، يُمكن القول: لقد صنع المهرجان جمهوراً بالفعل. لكن، متّى السينما؟

(دمشق(

السفير اللبنانية في

14/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)