حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عن الثورة والدور الإعلامي لـ "الجزيرة والفايسبوك"

محمد رُضا

لأيام طويلة شاهدنا ما حدث في مصر من ثورة شعبية عارمة طالبت رئيس الجمهورية حسني مبارك بالتنحي الفوري واستمرّت حين أظهر الرئيس رفضه في أن يغادر قصر الرئاسة بصرف النظر عن الضغوطات التي يتعرّض لها، وحينما تحدّث عن خدماته لمصر وليس عما جناه من مصر من مصالح خاصّة وإنجازات شخصية. وكان مذهلاً كيف أن الإنتفاضة الشعبية التي لبست سريعاً رداء الثورة تمّت هي بدورها بفضل التكنولوجيا. صحيح أن الرفض كان سائداً والتذمّر من الوضع كان ملموساً وبل ظاهراً، الا أن اعتماد ألوف الشبّاب على الفايسبوك أولاً لتبادل رسائل الرفض وللتعبير عنه بحريّة، ثم استخدامه للتواصل والدعوة للإنتفاضة والإستنفار جعلها ثورة إلكترونية المنشأ والأسلوب على نحو غير مسبوق، بإستثناء ما كان حدث قبل ذلك بأسابيع قليلة حين  هب الشعب التونسي وقام بثورته التي نجحت في خلع الرئيس زين العابدين بن علي منصبه.

الثورة التونسية أيضاً استخدمت بفاعلية الإنترنت ما يجعلها النموذج الأول في هذا الشأن. لكن المسألة هنا ليست مطلقاً أي ثورة جاءت قبل الثانية، بل كيف أنهما اشتركتا بفاعلية كبيرة في الخروج من حالة المُحاصَر الى دور المُحاصِر والدور الكبير للتلفزيون والإنترنت في هذا الوضع.

وما زاد من ثقة الثوريين الرافضين لأن يبقوا تحت عبء الحاكم الواحد بأمره، الدور الذي لعبته "الجزيرة" في تونس، ثم في مصر وموقف النظام الثاني من هذا الدور، وهو الذي كان يعادي دائماً المنهج الذي تعتمده المحطّة القطرية لمعايشة الحدث.

ربما كان لديها "أجندة" خاصّة، لكن ذلك ليس شأناً كبيراً في عالم مليء بالأجندات وليس مهمّاً حيال أن الحاصل هو رفض شعب كرد فعل مشروع على الهيمنة الفاشية التي مارسها النظام عبر مؤسساته. أي بحث آخر يجعل المسألة تبدو أقل مما هي عليه في جوهرها الفعلي.

"الجزيرة" وجدت نفسها في هذا الإطار المحدد حيث أنها حالياً متّهمة بأنها مثيرة للقلاقل وتخدم "أجندات" لا علاقة لها بحرية التعبير والإعلام. لكن من نفس المستوى كان الرد دائماً بأنها إنما تقوم بواجبها حيال مشاهديها في عصر لم يعد يرضى بأن يختفي أي شيء وراء أي ستار.

وما لبثت السُلطات المصرية أن برهنت على أن هذا حقيقي. فهي لم توقف إرسال "الجزيرة" من أراضيها ومنع فرق عملها من العمل في مصر فقط، بل سرعان ما شاهدنا رجال النظام ينقلبون حتى على محطّات تعمل تبعاً لشفرة التعاون بين الأنظمة المتضررة من هذه الهبّة الشعبية. في المقدّمة، مثلاً، محطّة "العربية" التي شاركت لحين المحطّات التلفزيونية الرسمية المصرية التغريد خارج السراب كما لو أن لا شيء يحدث في مصر فتعرّض بعض مندوبيها الى الضرب وتحطيم كاميراتهم.

ليس هذا فقط، بل اتسع  العداء ذاته ليشمل أكثر من 100 صحافي أجنبي عامل فوق الأراضي المصرية حتى ولو مراسلاً لجريدة ورقية تصدر في اليونان. بل شاهدنا كيف أن إثنين من مراسلي محطة "فوكس نيوز"، التي تجهر بتأييدها لمبارك، وصحافياً من "الواشنطن بوست"، التي لا تقل تأييداً لإسرائيل، تم الإعتداء عليهم من قبل رجال النظام في لباسهم المدني، كما بات شائعاً الإعتقاد من دون ما يثبت عكس ذلك الى اليوم.

2

ليس خفياً أن تعاطي وسائل الإعلام المتلفزة حول العالم مع ما يحدث في مصر حالياً ينتمي الى المواقف المتّخذة مسبقاً تبعاً لسياسة المحطة ومموّليها. الأمر واضح ليس فقط حيال تغطية "الجزيرة" و"العربية" وهما أقوى محطّات الأخبار العربية، لجانب المحطّات الأخرى جميعاً من "البي بي سي" الي "المنار" ومن "الجديد" الى "الحرّة" ومنها الى التلفزيونات الخاصة والحكومية على حد سواء.  وحتى تلك التي نجحت في الوقوف على قدر من الحيادية، فإن هذه الحيادية مختارة لتتطابق مع التوجّهات العليا وخدمة لمصلحة عامّة بلا ريب.

حتى في الولايات المتحدة، فإن المحطّات، وهي بأسرها غير حكومية، ليست على موقف واحد حيال هذه الانتفاضة الشعبية الحاصلة. فمحطة أن بي سي تقف الى يمين الخط، بينما أم أن بي سي، تقف على يساره والفاصل بينهما كاف لاحتواء الكثير من المواقف التي تستدعي الانتباه. أكثر حدّة من كليهما موقف "فوكس نيوز" التي تحاول، منذ بداية الأحداث، الهجوم على الانتفاضة كونها تركت، منذ إنشائها، الموضع الحيادي حيال الأخبار، الى محاولة تأييد الحدث او معارضته تبعاً لسياستها اليمينية المتطرّفة. في هذا السياق، فإن تغطيتها لما يدور في مصر، منذ بدايته، هو التهويل مما قد يحدث وتخطئة الشعب ومحاولة الإيحاء بأن قوى دينية متطرّفة هي التي ستخلف مبارك ونظامه إذا ما انهار.

ولأن الطيور على أشكالها تقع، فإن موقفها لا يختلف عن موقف أي محطّة عربية مؤيدة للنظام الحالي، كما أن موقف المحطات المؤيدة للتغيير متوازن ومتناسق من دون تخطيط مسبق.

ما الذي حدث للمحطّة التي تشتغل على الحقيقة وحدها؟ أين قوّتها؟ هل لا زالت تستطيع جذب المشاهدين او أن الناس في هذا الوقت لا تكترث للحياد أصلاً وهذا ما يفسّر الإقبال على تلك التي تتّخذ موقفاً من الحدث معه او ضدّه؟

3

مع خروج القوى المسلّحة التابعة للحكومة المصرية الى الشارع انتقلت المظاهرات من سلمية الى أخرى سادها العنف سريعاً. وهذا العنف لم ينتظر طويلاً قبل أن يمتد الى فرق التصوير التلفزيونية. فتم تسجيل اعتداء قام به رجال الحكومة على اندرسون كوبر، مراسل السي أن أن حيث انهالوا عليه بالضرب (أحصى عشر لكمات على الرأس والوجه) ثم واجهت مراسلة أميركية أخرى وضعاً كاد أن يتطوّر الى الاعتداء عليها لولا نخوة البعض، هذا قبل أن يتم الاعتداء، كما تناقلت الأخبار، على فريق "العربية" المؤلّف من أربعة أشخاص.

والواضح أن المعتدون ليسوا في وارد التفريق. فـ "العربية" مناصرة للحكم القائم كما هو معروف. لكن أحداً من المتظاهرين لن يتوقّف عن انتهاز الفرصة المتاحة للسؤال عن هويّتها السياسية بل سيقوم بالاعتداء عليها أولاً وتبيّن الحقيقة لاحقاً.

وأستطيع أن أتصوّر أن المعتدين عليهما كانوا يصرخون بأنهم مؤيدين للمؤيدين لحكم مبارك، لكن هؤلاء لم يستوعبوا الا مع الضربة الخامسة او ما بعد. ولا أستطيع أن أتخيّل الموقف بعد ذلك لكني أستبعد أن تقدّم أحدهم بالاعتذار من المحطّة، التي - بصرف النظر عن سياستها- كانت تقوم بحقّها المشروع في تغطية الحدث. ذنبها أنها اقتربت منه ربما أكثر بقليل من اللازم.

الإعلام، من كافّة اتجاهاته وروافده، لم يتعرّض لأي أذى حين كان الشارع المصري مؤلّفاً من المطالبين بالتغيير وحدهم. لكن واحداً من طباع التصرّف المناوئ للموضوعية هي محاولة فرض الرأي والموقف بالقوّة، وهذا الاعتداء سبق وسُجل في تاريخ دول عدّة من قبل في كل مرّة يصل الأمر فيها إلى اليمين المتطرّف الساعي لإحلال مبدأ القوّة عوض منطق العقل.

الجزيرة الوثائقية في

07/02/2011

 

قصة هند الحسيني

"لم يكن في جعبتي حينها، سوى 138 جنيهاً فلسطينياً"

بشار إبراهيم 

بعد مشهد تأسيسي، تقليدي ربما، يعرض لمدينة القدس، باعتبارها مدينة التمازج الديني، من خلال تتالي وتناغم ارتفاع صوت الآذان، مع قرع أجراس الكنائس، تدخل المخرجة ساهرة درباس موضوع فيلمها، دون تلكؤ أو ابطاء، معتمدة على صوت التعليق الذي يقرأ، قائلاً: «في 25 نيسان 1948، كتبت الآنسة هند الحسيني في مذكراتها أنه لم يكن في جعبتها حينها، سوى 138 جنيهاً فلسطينياً، ومع هذا قررت أن تعيش مع الخمسة والخمسين طفلاً يتيماً، طالما استطاعت».

منذ البداية يبدو أن ثمة فقراً في الزاد البصري المتعلّق بالسيدة هند الحسيني (1916 – 1994). بل ربما لا توجد سوى تلك اللقطة العابرة لها، وهي تمرّ أمام الكاميرا، مجانبة إياها، فما كان من المخرجة إلا أن استخدمتها بشكل غير تقليدي، عبر مزجها مع صورة أخرى، بتأثيرات ما. ولعله الفقر البصري ذاته، هو ما جعل المخرجة تنتقل مباشرة إلى «دار الطفل العربي»، وتنهل منها صوراً متعددة لتفاصيل حياتية يومية، وتعتمد عليها وفق منطق المونتاج المتداخل، على الرغم من أن بداية الفيلم، تعود إلى طفولة السيدة هند الحسيني، ونشأتها، بينما الصور المأخوذة من الدار، تعود إلى ما بعد رحيلها، بالتأكيد.

أمر نبيل تماماً، هو ما سعت إليه المخرجة ساهرة درباس، في فيلمها ذي العنوان الطويل: «لم يكن في جعبتي حينها، سوى 138 جنيهاً فلسطينياً.. قصة هند الحسيني». والفيلم لا يعدو أن يكون لفتة وفاء، عابقة بالتقدير والاحترام، لسيدة فلسطينية استطاعت أن تحفر اسمها، ليس على بوابة «دار الطفل العربي»، فقط، بل في مسيرة النضال الفلسطيني، من ناحية الشأن الاجتماعي، مبدية حالة استثنائية، وربما نادرة لإمرأة فلسطينية، آلت على نفسها خدمة قضيتها، ليس من بوابة الشأن السياسي، أو العسكري، ولكن من عمق الواقع الاجتماعي، وتفاصيله الإنسانية الراقية.

سيبدو واضحاً أن لدى الفيلم الكثير من المعلومات عن السيدة هند الحسيني. وإن اقتصرت الشهادة الرئيسة، في الفيلم، على السيدة «هداية الحسيني»، التي عاشت في الدار إلى أن صارت الآن «مديرة القسم الداخلي» فيها. وسيردف الفيلم المعلومات عبر محاولات فنية متعددة، على المستوى البصري، ينال قسطها الأكبر، ما جرى من تصوير في الدار الآن، إضافة إلى الصور الفوتوغرافية، لمواقف ومحطات من حياة لسيدة هند الحسيني، التي عاشت فترة صاخبة من حياة فلسطين، منذ مطالع الثلاثينيات، وحتى منتصف التسعينيات، من القرن العشرين، أي ما بين يقظة فلسطين، ونكبتها، ونكستها، ومن انتفاضتها. قبل أن تحط على شاطئ أوسلو.

يذكر الفيلم، معتمداً على التعليق الصوتي، أن هدى الحسيني أبصرت النور في 25 نيسان عام 1916، فعاشت في كنف والدتها، إذ توفي والدها، وهي في السنة الثانية من عمرها. عاشت مع والدتها، وهي وخمسة أخوة. تعلمت في الكلية الإنجليزية. وكانت معلمة في «المدرسة الإسلامية» في المدينة القديمة. وفيما بين العامين 1936 – 1939، أي خلال الاضراب العام الفلسطيني، والثورة ضد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، والمشروع الصهيوني، حصلت هند الحسيني على منحة دراسية في بريطانيا، ولكن والدتها لم تسمح لها، لأنها كانت فترة حرب.

وفي العام 1944 – 1945 كان للنساء الفلسطينيات أن أنشأن حركة تدعى «جمعية الاتحاد العربي النسائي». وهند الحسيني تركت التعليم، وأصبحت عاملة اجتماعية، فهي وبعض هؤلاء المجموعات النسائية الفلسطينية، قررن تشكيل «جمعية تضامن النساء المقدسية». وباعتبارها رئيسة لها، بدأت هند الحسيني، مع زميلاتها، بالسفر إلى المدن والقرى في أنحاء فلسطين، لتأسيس رياض أطفال، ومراكز نسائية خيرية، وأنشأوا اثني عشر فرعاً.

وبعد التصويت على تقسيم فلسطين، في الأمم المتحدة، قبيل نهاية تشرين الثاني عام 1947، اندلع القتال بين الفلسطينيين والعصابات اليهودية. وحتى عام 1949 كان قد طُرد وشُرِّد 750 ألف لاجئ فلسطيني من بلدهم، وامتلأت القدس باللاجئين، خاصة بعد مذبحة «دير ياسين».

المنعطف الحقيقي في حياة السيدة هند الحسيني سيكون هنا، على إثر مذبحة «دير ياسين»، بل ستبدو حياتها منذ تفتح وعيها مطلع الثلاثينيات، ومساهماتها المشهودة، كأنما هي تمهيد منطقي، للتحوّل الكبير إثر القرار الذي ستتخذه، وتغير جراءه مصيرها الحياتي، ومصائر أجيال من الأطفال الفلسطينيين، الذين قُدِّر لهم أن ينتسبوا إلى «دار الطفل العربي»، ويعيشوا قسطاً من حياتهم فيها.

تدرك المخرجة ساهرة درباس أهمية هذا المنعطف، وجذريته، ولعلها بسبب هذا الإدراك بادرت إلى وضع عنوان فرعي: «التاسع من نيسان 1948، مذبحة دير ياسين». بل إنها ستحاول على المستوى الفني إجراء انعطافة في البنية والشكل للفيلم، إذ تقدم نقرات آلة كاتبة، عبر الصوت، تعرض المعلومات المُراد تقديمها، بدلاً من صوت التعليق، المعتمد في الدقائق الخمسة الأولى من الفيلم: «في الصباح الباكر هاجمت عصابة «الأرغون»، برئاسة مناحيم بيغن، رئيس الوزراء السابق، وعصابة «شتيرن»، قرية دير ياسين في ضواحي القدس والتي بلغ عدد سكانها قرابة 750 مواطناً فلسطينياً. في الظهيرة بلغ عدد قتلى المذبحة ما يقارب 200 فلسطيني من القرية».

هنا يدخل الفيلم موضوعه الأساس. السيد هند الحسيني، في طريقها للاجتماع بالسيد أنور الخطيب، رئيس بلدية القدس، حينها، رأت خمسة وخمسين طفلاً، أكبرهم في الثانية عشرة من العمر، وأصغرهم في سنته الأولى. عرفت أنهم من أبناء «دير ياسين» الذبيحة، وأن شاحنات العصابات الصهيونية ألقت بهم هنا، ولم يعد لهم من معيل، بعد أن تم قتل أهاليهم، وتشريدهم. فقررت السيدة هند الحسيني أخذ هؤلاء الأطفال اليتامى، واحتضانهم، ورعايتهم. بإنسانيتها العالية لم تقدر هند الحسيني على ترك هؤلاء الأطفال في الشارع، فأخذتهم، ووضعتهم في البداية في غرفتين في البلدة القديمة، بجانب راهبات صهيون، لمدة ثلاثة أسابيع، بعدها قامت بنقلهم إلى بيتها، الذي كانت تعيش فيه مع والدتها.

فكرت في البداية بتوفير ملجأ لهم، وإطعامهم، ومنحهم الحب والحنان للشعور بالأمان. ثم فكرت أنهم بحاجة للتعليم. أنور الخطيب، رئيس بلدية القدس، دعمها، وفتحت مدرسة في البيت، بصف واحد. بدأت في البيت، وبصف واحد، في الحديقة. ومن هناك سينطلق مشروع عمرها: «دار الطفل العربي»، التي تنامت عبر عقود من الزمن للتحول من غرفة صف، إلى مدرسة، ومن ثم إلى مؤسسة اجتماعية وطنية، تحتضن الأطفال، فترعاهم، وتربيهم، حتى يبلغوا القدرة على السير في دروب الحياة.

ومع أن السيدة هند الحسيني، أعطت الجانب الاجتماعي الإنساني جلّ اهتمامها، إلا أنها لم تغفل عن مجريات الوقائع المؤسية التي كانت تتالى على فلسطين، إلى درجة أن تعليق الفيلم سيذكر أنه خلال حرب الستة أيام سنة 1976، وعندما احتلت إسرائيل القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، كانت السيدة هند الحسيني قد حوّلت المدرسة مستوصفاً لعلاج الجرحى، فكانت ترتدي الزي الأبيض، وتضع الصليب الأحمر على ذراعها، وصارت تجول في القرى والبلدات لجمع الأطفال والمسنين. ويذكر أن المدرسة لم تسلم من الاعتداءات الإسرائيلية، إذا تم قصف المدرسة، ودمر نصفها بالكامل، وقام الصليب الأحمر النرويجي بالمساعدة لبنائه

وعندما سمعت هند الحسيني روايات مفادها أن زوجة الجنرال موشيه دايان كانت تتجول في القرى وتشتري إنتاجهم التراثي!.. فما كان منها؛ أي هند الحسيني، إلا أن سافرت إلى القرى، واشترت منهم أشغال تطريز وقطع عتيقة، ومن ثم فكرت بإنشاء المتحف (انتهى إلى متحف المُحسن الكبير الشيخ أحمد الجفالي للتراث الشعبي الفلسطيني)

وإذ ذكر الفيلم أنه ما بين عامي 1958 – 1975 تمكنت هند الحسيني من شراء بيت جدها، الذي ينتمي لأمها ولأبناء خالها، ولأبناء عمها. فإن بجهدها وإصرارها أضحت «دار الطفل»، اليوم، تملك 6 بنايات، تتوزع على: (الإدارة، وكلية هند الحسيني، ودار إسعاف النشاشيبي للثقافة والفنون، والمدرسة، والمتحف، والمساكن). وكلها وقف إسلامي لدار الطفل.

وليس أجمل في نهاية الفيلم من القول: «هناك نساء فلسطينيات يستطعن فعل ما لا يستطيع فعله الرجال. هند الحسيني، مثال ذلك. لا رجال، ولا حكومات تقدر على ما فعلت».
صحيح أن الكتابة عن هذا الفيلم، ألزمتنا بالحديث عن الجانب المعلوماتي منه، خاصة وأن هدف الفيلم الأساس هو تناول شخصية السيدة هند الحسيني، وتقديمها لجمهور لا يعرف عنها الكثير، حتى من الفلسطينيين أنفسهم. بل والمقدسين منهم. والصحيح أننا تقصدنا هنا إعادة كتابة الكثير مما قدمه الفيلم من معلومات، إلى درجة نقل الكثير مما يقوله، فإنما لنتوافق مع رغبة الفيلم، وهدفه.

إنه فيلم وظيفي، يريد غاية واضحة ومحددة، وربما في سبيلها اعتمد أسلوب المباشرة في الخطاب، والتأكيد، والتوضيح، وحتى التكرار، طمعاً بأن يخرج المشاهد من الفيلم وهو ممتلئ معرفة بهذه السيدة، وملامسة لأحلامها، وطموحها، مكتشفاً عظمة إصرارها، وقوة عزيمتها.

وفي سبيل هذه الوظيفة تخلّى الفيلم عن الاشتغال في الجماليات البصرية الممكنة. بل إن الصورة، وحركة الكاميرا، وتنقلاتها، أتت على النحو الذي يخدم الفكرة والغاية والهدف. كما أن المونتاج، بالتعاون مع التعليق الصوتي، واللوحات المكتوبة، لا تخرج عن هذا، أيضاً.

يبقى من الجدير القول إن فيلم «لم يكن في جعبتي حينها، سوى 138 جنيهاً فلسطينياً.. قصة هند الحسيني» على قدر كبير من الفائدة، أولاً من ناحية الكشف عن تجربة هند الحسيني، بتميزها، واستثنائيتها، ودلالاتها على قدرة المرأة عموماً، والمرأة الفلسطينية، في هذه الحالة، على القيام بدور كبير لنفسها، ولشعبها، وأمتها، والإنسانية. وثانياً من ناحية الإضافة إلى الذاكرة الفلسطينية للعديد من الوجوه والأسماء التي لا ينبغي للزمن أن يطويها، ولا للذاكرة التغافل عنها. وثالثاً من حيث الربط بين الاجتماعي والسياسي والوطني، دون إفلات جدلية هذه العلاقة وتلازمها وضرورتها.

وبغض النظر عن بعض الإشكاليات التقنية، التي اعترت الفيلم، فينبغي القول إن المخرجة ساهرة درباس، تظهر مرة أخرى في سياق مشروعها البصري، الذي تجلّى حتى الآن عن العديد من الأفلام، التي تعتبر إضافات جادة وجيدة للمخزون البصري الفلسطيني، ولحقل الذاكرة الفلسطينية، وخصلة الوفاء لأعلام فلسطينيين (وفلسطينيات) أفذاذ، في وقت يسعى كثيرون لمحو ذاكرتنا، وتشويشها بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان!..

الجزيرة الوثائقية في

07/02/2011

 

شهادات إنسانية من ميدان التحرير..

عندما هتف المصريون "وعرفنا روحنا والتقينا" 

ما بين مطالبات الرحيل وذكريات أهالى الشهداء عن أبنائهم وأخبار التفاوض والمحادثات تظل  آلاف القصص فى أرجاء الميدان.. هناك حيث عرف العالم أهل مصر حقا وعرفوا هم أنفسهم والتقوا حقيقتهم بعد طول غياب..

بجوارى جلس ليرتاح من تعب ظهر بوضوح على قسمات وجهه .. اقترب منى ليفتح حوارا فنظرت الى صورة جمال عبد الناصر على صدر جلبابه المتواضع ولافتة أخرى كتب عليها بخط جميل "لا تجعلوهم يسرقون ثورتكم" بسرعة بدأ حديثه بلهجة جنوبية محببة قائلا :" اللى حصل ده اتأخر قوى يا ابنى بس الحمد لله انه جه..انا عندى خمسة وستين سنة وبقى لى هنا تمانية أيام وجاى من بنى سويف وهامشى النهارده البركة فيكم انتم تكملوا"..أكملنا تعارفنا فأخرج لى من كيس بلاستيكى يحمله اعداد قديمة من صحف وأشار الى اسمه الذى يذيل قصائد عامية فى غاية الروعة لاكتشف ان اسمه جمال عبد الناصر

شاهدتها للمرة الأولى فى ساعات هجوم البلطجية من ناحية المتحف المصرى كنت حينها أساعد فى نقل المصابين الى نقطة شرطة عسكرية حولناها الى مستشفى ميدانى لفتت نظرى حينما وقفت فى طريقنا وحينما عدت مرة أخرى وجدتها تمشى مستندة الى عكازها لتناول المياه الى الواقفين فى الصفوف الأمامية وبعدها بيومين اقتربت منها وبدأت أسألها عن سر اعتصامها هنا وبقائها كل هذه المدة فأخبرتنى أن ابنها استشهد فى أحداث الجمعة وأنها ستظل هنا حتى يعاقب كل من كان سبب فى ذلك حتى لو لم يبق فى الميدان غيرها فالأمر أصبح ثأرا شخصيا

وقف بجوارى صديق انجليزى جاء ليشاهد الأحداث عن قرب فاقترب منا طفل يسألنى :"هو جاى منين؟" فأجبته فضحك بطفولية وقال :"الله عليك يا مصر وانت لامه العالم"

خرجنا سويا من الميدان باتجاه شارع قصر العينى استوقنا اثنين من ضباط الجيش فى كمين ليدخلا معنا فى حوار طويل حاولا اقناعنا فيه أن مبارك شخص طيب ومسالم وان من حوله يتحملون مسئولية ما جرى وأن الرجل أفاق وبدأ  التغيير ولا يحق للولد أن يؤدب ولده أو أن يطرده من المنزل لخطأ عابر ارتكبه فرد صديقى: خطأ واحد؟؟..يبدو أنك لا تحسن العد انها ثلاثين عاما وأوان الصبر قد فات.. من يلف نفسه بالفاسدين هو فاسد أكثر منهم

نظرت الى صورة الشهيد أحمد بسيونى المعلقة بأحد جوانب الميدان وأطالت النظر ثم عادت لتقول لى أنها عملت فى يوم من الأيام معه ولم تكن تتصور أن ثمن الحرية باهظ الى هذا الحد وأطلقت تنهيدة طويلة أعقبتها بدعاء أن يتحقق ما استشهد بسيونى وهو يتمنى أن يحدث

سألنا حازم شاهين عن الأغنية المفضلة لنا من أغانى الشيخ امام التى نريده أن يغنيها لنا ونحن نرد عليه بسرعة "صباح الخير على الورد اللى فتح فى جنانين مصر" بينما كان الرجل الذى يقف بجواره ينظر اليه باعجاب شديد ويردد بين الحين والآخر"قابلت أبوك فى اسكندرية يا حازم ومكتوب لى أقابل ابنها هنا وفى الايام دى" بينما الرجل الملتحى بجواره يحتضن العود فى سعادة غامرة.

بلحية طويلة ومظهر يدل على كونه سلفي جذبنى لأتبادل معه الحديث فسألته عن سر نزوله الشارع على الرغم من فتاوى شيوخ السلفية بعدم جواز الخروج على الحاكم فصمت لفترة طويلة ثم أجاب أنه تغير كثيرا بعدما تعرض له من تعذيب فى أحد أقسام الشرطة ثم ضحك قائلا : أنا سلمت على واحدة متبرجة النهارده..والله لو فيفي عبده نفسها طلعت تهتف وتقول الشعب يريد اسقاط النظام لأهتف وراها ثم سألنى : هو مفيش أخبار عن المؤتمر الصحفى بتاع أوباما؟

كان باديا منذ اللحظة الأولى أن الأوامر صادرة لأفراد الجيش بعدم اطلاق أى رصاص مهما كانت الظروف لكن الدقائق العصيبة التى عاشها الواقفون على منفذ شارع طلعت حرب تحت سيل الطوب وزجاجات المولوتوف ليتساقط عشرات القتلى غارقين فى دمائهم  ويستفز المشهد  ضابطين فتنزل الدموع من عينى أحدهم لحيرته بين الدفاع عن المتظاهرين وخوفه من مخالفة الأمر العسكرى بينما يبدأ الضابط الآخر فى اطلاق رصاصه فى الهواء ويأتى بعدها القائد ليجرده من رتبته أمام الواقفين الهاتفين له

دخلت الى الميدان مستندة على عصاها..انها هى..نوال السعداوى وللمصادفة جاءت وقفتها بالقرب من الشيخ صفوت حجازى ليهتفا سويا "الشعب يريد اسقاط النظام"

كان ثلاثاء حاشدا وفى موعد صلاة الظهر اكتظت جنبات الميدان بالمصلين وتجنبا لافساد الصفوف وقف أحد الشمامسة بزيه البراق ينظم السير حتى لا يصطدم المارة بالمصلين

دخلا مسرعين من شارع جانبى  حاملين علب البلح وهما يهتفان بمرح "اوعى الكنتاكى السخن..معانا الاجندات الخارجية"

أنهوا حراستهم لأحد الشوارع المهمة فى مدينة دمياط وقرروا صلاة الفجر على صفحات الجرائد فى الشارع وما ان انتهوا من اقامة الصلاة خرج راعى الكنيسة ليستحلفهم بالله أن يدخلوا للصلاة فى ساحتها ليجدوه قد فرش لهم الساحة ووقف ينير لهم الطريق

الدستور المصرية في

07/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)