حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

127 ساعة.. رعب بين الصخور

قيس قاسم

بحركة نشطة ومزاج رائق بدأ آرون رالستون عطلته الاسبوعية متوجها الى تلك المناطق البكر من ولاية يوتاه الأميركية، حيث يمارس هوايته في تسلق جبالها الوعرة والدخول في مغاراتها الصخرية العميقة تاركا كل شيء وراءه ومتفرغا لعزلته ومغامرته الطوعية. وبالموسيقى الراقصة والتقطيع السريع لمشاهد تحضيراته لتلك الرحلة المعتادة أوهمنا الانكليزي داني بويل صاحب فيلم الأوسكار «المليونير المتشرد» بأن كل شيء يسير على ما يرام، في ما عدا اشارتين موحيتين: الأولى تركه هاتفه المحمول في البيت، وعدم ذكر وجهته بالتحديد في رسالته الهاتفية الى أمه. ومع هذا كانت المشاهد الأولى تفيض حيوية، وازدادت متعة بعد تعرفه الى شابتين جاءتا الى المنطقة نفسها للغرض اياه، فتطوع كي يكون دليلا لهما وأخذهن الى مغارات ساحرة، الماء فيها عميق صاف، لا يصدق أحد وجوده بين شقوق تلك الجبال الجرداء.

بعد وداعه كريستي وميغان تأكد لنا ان الشريط سيذهب الى ساحة رومانسية قد يكون هو بطلها، سيما وأن احدى الشابتين قد أعجبت به وبسلوكه المرح والعفوي. لكن، وبعد دقائق قليلة سوف ننسى هذا كله وندخل، من دون مقدمات، الى هوة سحيقة سقط فيها رالستون، وواجه فيها الموت في كل ثانية من الـ«127 ساعة» التي قضاها هناك وحيدا.

لم يصب رالستون حين هوى بأذى كبير، لكنه وجد احدى ذراعيه محشورة بين صخرة انزاحت من مكانها وسقطت معه، وجدار الجبل. لقد أطبقت الصخرة على ذراعه وهرسته، وكل محاولاته الأولى لسحبها باءت بالفشل، ولهذا بدأ يتسرب القلق الى نفسه رويدا رويدا، وصار يشعر بثقل الوقت بعدما كان يأمل من خلاله مرور أحد من البشر ليطلب منه المساعدة. مواجهة هذا المأزق جعلته يفكر في أشياء كثيرة لم يفكر بها من قبل، وكانت كاميرا الفيديو التي حملها معه في حقيبته وسيلة اتصاله الوحيدة بالعالم الخارجي.
الصورة وتسجيلها يومياته كانا العون الوحيد له في مواجهة الموت، خصوصاً وأن الماء القليل الذي معه كان قد بدأ ينفد. تسجيلاته أو العودة الى مشاهدة ما سجل سابقا، قد تكون واحدة من الوسائل الذكية التي لجأ اليها المخرج داني بويل لكسر رتابة المشاهد التي لم يعد يظهر فيها سوى رجل واحد محصور بين الصخور لمدة قد تجاوزت 80% من مدة الشريط. لكن المثير هنا أن أحداث الفيلم حقيقية، ووجود الكاميرا ليس وسيلة فنية مبتكرة لإنقاذ الفيلم من «ورطة» حصر أحداثه برجل يقف طوال الوقت على قدميه من دون حراك. القصة مقتبسة من حادثة حقيقية عاشها متسلق جبال وكتبها على شكل مذكرات بعد نجاته، صدرت تحت عنوان «بين صخرة ومكان قاس»، ثم عاد وكتبها السيناريست سيمون بيوفوي للسينما. ولهذا فإن الجو الذي نقله الفيلم كان قريبا من الواقع، وكان على الممثل جيمس فرانكو ايصال مجريات صراع بطله مع الموت الى جمهور كان يجلس في الظلمة ولا يرى ما عداه على سطح الشاشة الواسعة التي أمامه. مهمته كانت هي الأصعب من بين مهام بقية صناع فيلم «127 ساعة» كونه اعتمد في نجاحه على موهبته وقدرته على تجسيده للشخصية بشكل مقنع ومقارب للحقيقة التي لا تحتمل اضافات أو مساعدات تقنية، شأنها شأن كاميرته الخاصة، حين قامت وحدها بتسجيل علاقته بذاته وبالعالم الخارجي المشغول عنه في تلك اللحظات العصيبة بتفاصيل أخرى. لهذا وبسبب عزلته وخوفه سمحت تسجيلاته صورته ومشاعره بطرد الكثير من الأفكار المحبطة التي كانت تراوده وتضغط عليه نفسيا وبقوة، فيما ساعد استرجاع ماضيه، المسجل، في خلق جو مرح، كسر درامية اللحظات القاسية التي جسدها جيمس فرانكو بشكل مذهل، وحقق من خلالها حضورا مهما في مهنته كممثل سينمائي. قد يصنف الناس والنقاد فيلمه من بين أهم الأفلام التي أنتجت مؤخرا، وقد يحصل على بعض جوائز الأوسكار، لكن، في كل الأحوال، برر المخرج الانكليزي داني بويل في «127 ساعة» السمعة الجيدة التي نالها بعد «المليونير المتشرد»، واليوم يضيف الى سجله مجدا ثانيا بعدما أخرج فيلما تجاوز حكاية مغامر متسلق للجبال الى محاولة البحث وسبر أغوار الكائن البشري في لحظة مواجهته الموت، واضاءته على التشبث بالحياة الموازي لفكرة تحدي عبثية الموت، وهي عبثية يواجهها الجنود في الحروب، التي يقررها نيابة عنهم، قادة عسكريون مستهترون بالحياة اياها.

في الفيلم أيضا بعد يتمثل في فهم علاقة الكائن البشري بالمحيطين به، في لحظة المواجهات الصعبة. لقد كان رالستون يستمد من علاقاته العائلية ومن الذكريات الجميلة التي مرت في باله مرات بشكل شريط واضح ومرات أخرى بشكل هلوسة، قوته وعزيمته، وهي التي ساعدته في اتخاذ قراره ببتر ذراعه، والتخلص منها من أجل منح الحرية لبقية جسده المسجون بين الصخور. في هذا المشهد المرعب تجسدت العلاقة بين الجزء والكل في مفهومها الفلسفي. فالذراع صارت عائقا للجسد وكان التخلص منها انقاذا لبقية حياة رالستون، التي استعادها ثانية ولم تمنعه ذراعه المقطوعة من العودة الى هوايته ثانية بفعل ديمومة الحياة وقوة التشبث بها.  

رغم مرارات الحياة

نقابل في فيلم جاك سكوت الزوجين دوغ ولوس رايلي، وهما في أوج احباطهما النفسي. كلاهما، ومنذ فقدانهما ابنتهما ذات الخمسة عشر ربيعا، إثر تعرضها لحادث سيارة مروع، كانا غريبين تحت سقف واحد، لا شيء يجمعهما بتاتا، بعدما انسحبت الأم من الحياة ولم تعد تخرج من المنزل، فيما كان الزوج يبدد حزنه بلعب القمار والشرب ومصاحبة نادلة مطعم قريب من مكان عمله. زاد من حزنه أن النادلة التي كانت تمثل له بعضا من التعويض تعرضت لذبحة قلبية ماتت بعدها وهي في بداية الثلاثينيات من العمر. موتها المبكر أسهم في تحطيم قلب دوغ، وزاد من خراب العائلة التي لم يبق منها سوى الاسم المخطوط على لوحة خشبية معلقة عند باب البيت تشير الى وجودها الرمزي. هذا الجو الكئيب ظل حاضرا حتى اللحظة التي دخل فيها دوغ (الممثل جيمس جندولفيني) الى مرقص تقدم فيه بنات الهوى عروضا جسدية مثيرة. هناك التقى مالوري إبنة السادسة عشرة. شعر ومنذ اللحظة التي تعرف اليها بأنه مسؤول عنها وعن انتشالها من هذا المستنقع، وكأنها ابنته الحقيقية وليست فتاة غريبة. العلاقة بين دوغ والفتاة المراهقة هي الحبكة التي بني عليها فيلم «مرحبا في عائلة رايلي» والتي اتسمت بعمق انساني وقدمت في مستوى سينمائي جيد رغم ما فيها من ملامح الدراما الهندية المعتادة، فيما أضفى دور الأم الذي لعبته الممثلة ميليسا ليو بعدا حميميا على الحكاية والتي كانت تصرفات مالوري (الممثلة كريستينا ستوارت) العنيفة تنتزع شيئا منها وتستبدلها بعلاقة تصادمية كونها تعيش حالة من التنازع الداخلي وعدم التوازن بسبب سلوكها المشين، وهذا بدوره لعب دورا في توازن الفيلم ومنحه مصداقية أكبر.

بظهور بائعة الهوى ودخولها عالم دوغ، اكتملت أطراف المثلث البشري، الذي كان كل طرف فيه ينشد التعويض عن خسارته، كان هذا المحرك الحيوي من دون أن يعلن أحد ذلك صراحة. كانت عند الجميع تلك الحاجة للعودة الى الحياة وعيشها، لهذا رأينا كيف تشبثوا بالمكان الجديد الذي وجدوا فيه مبتغاهم لتخليص أرواحهم من عبء الماضي وعذاباته النفسية. وقد تجسد ذلك في اندفاع الزوجين الى مساعدة الفتاة بكل ما أوتيا من قوة ومال. الفتاة شكلت في النهاية تعويضا عن خسارتهما ومدخلا الى استعادة حميمية علاقتهم التي انقطعت. والفيلم يجسد في مساره الدرامي النهائي لحظة وصول الثلاثة الى خط المصالحة مع الذات، والتي تجسدت بكلمة «بابا» التي أنهت بها مالوري مكالمتها الهاتفية مع دوغ. لقد قررت الفتاة ترك الماضي وراءها والبدء من جديد، في حين استعاد الزوجان نمط حياتهما السابق عبر ترتيب منزلهما الذي تركاه طويلا وعادا اليه ثانية بروح متفائلة مقبلة على الحياة بكل ما فيها من مرارات.

الأسبوعية العراقية في

06/02/2011

 

جديد داني بويل

«127 ساعة».. قبل الـموت بقليل

زياد عبدالله 

ليس زمناً مترامياً عليه أن يمر في فيلم لا تتعدى مدته الساعة ونصف الساعة، إنها 127 ساعة فقط لا غير، عليها أن تنحشر في ساعة ونصف الساعة، وليس الأمر بأكثر من شخصية واحدة وموقع تصوير واحد، وعلى رهان بأن الزمن الواقعي القصير والزمن الافتراضي للفيلم، كما هو متعارف عليه، قادر على أن يضعنا أمام حياة كاملة، لا بل بما يتعدى ذلك إلى جعل هذه الحياة على المحك، ومتى كانت كذلك، فإن القيم الحياتية ستكون متكاثفة ومتدافعة، سيكون الماء الذي نشربه ليل نهار معبراً حقيقياً للبقاء على قيد الحياة، الأمر الذي ندركه، أي أننا لا نستطيع الحياة من دون ماء، حقيقة بديهية سرعان ما تمسي صارخة ومدوية حين نكون على مقربة من الموت عطشاً، لا بل إن سكيناً مزيفة سرعان ما تصير غير قاطعة ولا حادة سرعان ما تتحوّل إلى خطأ وجودي.

«إياك أن تشتري سكيناً صينية مزيفة» سيخبرنا آرون رالستون (جيمس فرانكو) في فيلم 127 Hours 127 ساعة، المعروض حالياً في دور العرض المحلية، والمرشح لست جوائز «أوسكار»، بما فيها جائزة أفضل فيلم لهذا العام، وصولاً إلى جائزة أفضل ممثل في دور رئيس لجيمس فرانكو الموجود دائماً في أدور مميزة، وليكون في هذا الفيلم الذي أخرجه داني بويل صاحب «مليونير الأحياء الفقيرة» ملتقى لكل ما في الفيلم، ونحن نعود إلى ما بدأنا به بأن الفيلم يملك رهانات قليلة أي شخصية واحدة وموقع تصوير واحد، لكن هذه الرهانات سنتعرف عليها في الفيلم وهي تنجح في جعلنا متسمرين أمام ما نشاهده، والعناء الوحيد الذي نتكبده يأتي مما يعانيه رالستون، وما يمكن للحياة أن تصير إليه وصولاً إلا قراره الدامي الذي لن يجد محيداً عن المضي به رغم أن ما بحوزته ليس إلا تلك السكين الصينية.

آرون رالستون شخصية حقيقية، وما حدث معه هو ما سنشاهده في الفيلم، وقد صرح رالستون لدى مشاهدة الفيلم بأن الفيلم واقعي لدرجة الوثائقية «لكنه يبقى فيلما درامياً»، وعلى شيء يدفعنا هنا للقول إن وقائعاً استثنائية لها أن تتحول بالتأكيد إلى دراما، فكيف بمن يمضي في رحلة في مكان ناء لا شيء فيه إلا الصخور والجبال والمساحات المترامية، ومن ثم يقع في شق صخري، وبينما يقع ترافقه صخرة كبيرة، ولتنحشر ذراعه بين الصخرة والجدار، ويبقى آرون متدلياً بينما ذراعه مسحوقة بين الصخرة والجدار.

في ما تقدم هو كل أحداث الفيلم، وما تبقى متروك لأشياء كثيرة تستحضر مع الموقف الثابت والتراجيدي الذي يعلق به آرون، وهو يخرج كل ما في حقيبته من معدات التي لا تتعدى كاميرا الفيديو وكاميرا فوتوغرافية ديجيتال وسكين وعبوة مياه وحبال، وليبدأ بداية بمحاولة لحت الصخرة بوساطة السكين، الأمر الذي سرعان ما يكتشف عبثه.

مع هذا الموقف تحضر الأشياء الصغيرة، التي كلما كانت صغيرة ولا ندرك معناها في الحياة العادية فإنها تمشي شديدة الأهمية، ومثالنا في الفيلم على ذلك هي الحلقة المعدنية التي تكون في نهاية السكين، فعندما تقع السكين من آرون، فإنه يسعى إلى استعادته بقدمه التي لا تصل إليها، فيستعين بغصن شجرة صغير يقوم بثنيه من الأعلى، ولولا وجود تلك الحلقة فما كان للغصن أن يعلق بالسكين ويتمكن آرون من سحبها واستعادتها.

ومقابل ما تقدم تحضر المشاعر التي يشعر بها الإنسان لدى نجاحه في تحقيق ذلك، فرحه في استعادة السكين، فرحه بأن يتمكن من تثبيت الجبال بصخرة رابضة في الأعلى ليثبت نفسه ويتمكن من النوم.

وفي مستوى آخر، تحضر أيضاً المكالمة الهاتفية التي لم يجب عليها آرون، وقد كانت أمه المتصل، وبالتالي فإن أحداً لن يتفقده أو يعرف أين هو.

يبدأ الفيلم من شخصية آرون نفسها التي نمضي معه ربع ساعة أكثر أو أقل ونحن نتعرف إلى فرحها ومسعاها لأن تكون الحياة على اتصال بالبرية والطبيعة، وهو يتنقل بدراجته محتسباً الوقت الذي يستغرقه في تنقلاته، وهنا يتعرف إلى فتاتين ويمنح نفسه معهما مساحة أخرى من الفرح، ولعل هذا الوقت الوجيز الذي نمضيه معه قبل وقوعه في المأزق الكبير الذي يتربص به يكون كافيا لنعرفه جيداً، وأول ذلك نزوعه نحو التفاؤل وحب الحياة، وهنا تحضر صفة أخرى يقدمها الفيلم بامتياز بما يتعلق بشخصيته الرئيسة، ألا وهي تقديمها بعد نزع مفهوم البطولة الأجوف عنها، فكل ما يقدم عليه آرون في النهاية آت من تفاؤله، من قدرته على الغناء وهو على حافة الموت، ومسعاه لتوثيق ما عاشه عبر كاميرا الفيديو التي بحوزته، التي يستخدمها داني بويل كأداة سردية هو الذي اطلع على تسجيلات آرون الحقيقة، لا بل إن نفاد البطارية له أن يشير إلى مقاربة آرون الموت.

الإمارات اليوم في

06/02/2011

 

فيلم لماريان خوري ومصطفى الحسناوي

«ظلال».. تاريخ الجنون المصري

زياد عبدالله ــ دبي 

«في اللحظة التي نظر فيها إلى الجنون باعتباره أفقاً اجتماعياً للفقر، وعدم القدرة على العمل واستحالة الاندماج مع الغير، هي اللحظة نفسها التي أصبح فيها الجنون جزءاً من مشكلات المدينة»، بهذا الاقتباس من كتاب ميشيل فوكر «تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي» يمكن مقاربة الفيلم المصري «ظلال» لماريان خوري ومصطفى الحسناوي اللذين يدخلان وثائقياً المدينة أي القاهرة من بوابة لها أن تقارب تماما مشكلات المدينة، وترصدها وتوثقها من البؤرة الأشد تأزماً في مكونها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، أي عبر المصحات العقلية وتجوال الكاميرا في أروقة المستشفيات والتقاطها قصصاً لا تنتهي، والتي من المتوجب عليها أن تقترح نهاية أيضاً لها أن تتمثل بأننا ومع الانتهاء من مشاهدة الفيلم المحمول على بحر متلاطم من المآسي سنكون تماماً أمام سجلا بصري ضخم، ما يوثق لحياة بشر على الهامش تماماً، ملفوظين من كل مشكلات ذاك المجتمع بما في ذلك العائلة التي تعد المكون الرئيس.

في فيلم خوري والحسناوي هناك تدافع من القصص والمصائر، هناك عذابات من يسلم ابنه إلى المصح وهو لا يجد إلا ذلك أمامه، وفي الوقت نفسه فإنها مصحات متآكلة ومتهالكة تتعامل مع من يوصفون بالجنون كما المساجين، وليكون هؤلاء المساجين دون فترة محكومية، لا بل إننا سنتعرف إلى كثر يخرجون من المصح فيعودون إليه، وهنا يحضر معبر آخر إلى الفيلم، له أن يقول لنا أول ما يقول إن الطريق إلى المصحات العقلية آت من التهميش الاجتماعي ورفض فئات مترامية من الشعب، لها أن تجد ملاذها بين جدران مستشفى الأمراض العقلية، وهنا أيضاً سيحضر سؤال كبير للفيلم أن يجيب عنه، متمثل بمن هم هؤلاء المجانين؟ ولتكون الإجابة حمّالة أبعاد كثيرة لا تستعين إلا بشهادات المرضى وقصصهم وأحلامهم وكوابيسهم.

يصلح عنوان الفيلم أن يكون توصيفاً للأشخاص الذين سيظهرون فيه، ولتقول لنا الحالات التي يرصدها متمركزة حول حقيقة مهلكة تتمثل بأن البنية التقليدية للأسرة المصرية أو العربية عموماً، تتبنى سلوكية محددة لن يكون الخروج عنها إلا جنوناً، حتى وإن كان هذا الجنون أشد حكمة وحقيقة من تلك البنى التقليدية، بما يدخلنا هنا في نفق إيجاد تعريف خاص للجنون له أن يلتقي بالخرافات والمعتقدات الشعبية، واعتبار أي تصرف عصبي أو هستيري حالة مس، أو تلبسا لشيطان وغير ذلك من معتقدات شعبية واسعة الانتشار.

في الفيلم أشخاص أمضت أكثر من 40 سنة بين جدران المصحات، هناك عائلة بكاملة محتجزة هناك لأنها تعد ممسوسة بشيطان أو جني. مع تزاحم من المعتقدات التي يحملها الفيلم التي تنقل خرافاتها وخلوها من أي ملمح علمي وخلطها بمفاهيم الطب النفسي، والذي عرفه العرب قبل غيرهم من الشعوب منذ مئات السنين، وصولاً إلى مستشفيات الأمراض النفسية التي أقيمت في الشام ومصر في القرنين التاسع والعاشر ميلادي وصولاً إلى مؤلفات الرازي وابن سينا في هذا الخصوص، هم الذي كانوا يتعاملون مع المرض بوصفه مرضاً بعيداً عن أشياء مثل المس والشياطين والجان.

الإمارات اليوم في

06/02/2011

 

اختيارات فنية مقرونة بالالتزام

عمرو واكد.. النجم الذي يقول لا؟

عبدالستار ناجي 

ان تأتي الاخبار من القاهرة، مع اليوم الاول للثورة الشعبية، ويوم الغضب، بمشاركة عدد بارز من النجوم من بينهم الفنان عمرو واكد، فهو امر ليس بمستغرب، خصوصاً، من يعرفون هذا النجم.. الفنان.. الانسان.

والراصد لمسيرة هذا الفنان، الذي صرخ باعلى صوته «لا» لكل شيء.. و«نعم» للتغيير.

ان تلك اللحظة، التي قفز بها عمرو واكد الى طليعة المتظاهرين، هاتفاً.. رافضاً.. مندداً.. لم تكن إلا لحظة من لحظات مسيرته كفنان.. وكانسان.. وكمبدع حقيقي، اختار ان يكون.

والكينونة هي القرار الاصعب، ولكن عمرو واكد، عرف الطريق اليها، منذ مرحلة مبكرة من مشواره الانساني، والفني، عبر اختيارات، راحت تعمق معاني دلالات تلك الكينونة.

ودعونا نذهب الى جوانب من مشواره.. وجوانب من اعمال مسيرته.. ومن ابرز ما قدم «ديل السمكة.. و«نظرة عين» ومن قبلهما «لي لي» المأخوذ عن قصة للاديب الراحل يوسف ادريس، واخرجها للسينما مروان حامد «نجل السيناريست القدير وحيد حامد».

كما اقترنت مسيرة عمرو واكد، عبر وكيل اعمال متميز، منحه القفز الى العالمية، من خلال عدد من الاعمال الكبيرة ومنها فيلم «سيريانا» امام النجم الاميركي جورج كلوني، وقد صورت المشاهد الخارجية للفيلم في ابوظبي، عاصمة دولة الامارات العربية المتحدة.

ثم الفيلم التلفزيوني «بيت صدام» الذي قدمه مع تلفزيون «بي. بي. سي» وعدة قنوات اميركية «اتش بي او» وغيرها من القنوات.

وتمضي المسيرة، بصمات واختيارات، حتى تجربته الاخيرة مع الفيلم الايطالي «الاب والغريب» وهنا لا يمكن وصف النقلة الحقيقة في مسيرة هذا النجم، الذي اضاف لرصيده الفني الشيء الكثير، ولرصيده الانساني تلك العلاقات الواسعة.. بالاضافة لتعلم اللغة الفرنسية، وشيء من الايطالية. والحديث عن الفنان عمرو واكد، يعني التوقف عند مراحل التأسيس، والتي تشكلت في الجامعة الاميركية في القاهرة، وبالذات، من خلال مجموعة التعاونيات الفنية التي قدمها مع رشا الجمال تحت اشراف الفنانة والاستاذة كارولين خليل، التي وجدت به الارضية الخصبة للانطلاق فنيا، وهذا ما كان.. وصدق حسها ورؤيتها.

وتمضي المسيرة، عمل مع اخر، وتجربة بعد اخرى، وفي كل مرة، يظل الفنان عمرو واكد يمارس نعمة الاختيار ضمن «بوصلة» تعرف الطريق الى الكينونة.

يظل عمرو واكد يمتلك كماً من المفردات التي تميزه، ولكنه ورغم ذلك التميز، يظل بعيدا عن دائرة النجم الاول، بالمعنى التقليدي في السينما العربية، على وجه الخصوص، فلا هو يمتلك عضلات «احمد السقا» ولا وسامة «احمد عز» او كوميديا محمد هنيدي او غيرهما من النجوم الذين يطغى جمالهم وكوميدتهم على امكاناتهم الفنية لتلك التي يظل يتميز بها عمرو عن بقية ابناء جيله، والتي يظل يعرف بانها التحدي الاساسي بالنسبة له، حيث يعمل على تطويرها وتحفيزها وتفجيرها. وهو لا يسترخي عند شاطئ معين، في مجال قدراته، على صعيد المقدرة الفنية، والثقافة واللغة، والتجربة، وقبل كل هذا او ذاك الاختيار.

ورغم ان مسيرته، حفلت بكم من النتاجات السينمائية ذات البعد الجماهيري، ومنها نشير الى «تيتو» و«خالتي فرنسا» وابراهيم الابيض» و«اصحاب ولا بيزنس» و«جنينة الاسماك» وغيرها من الاعمال، التي رغم جماهيرتها، الا ان عمرو ظل خلالها يختار بعفوية، ويحقق حضوره على الشاشة، عبر بصمة، وحضور يظل راسخاً في الذاكرة، ونأخذ مثالاً على ذلك تجربته في «ابراهيم الابيض» ورغم ان الفيلم كان مصنوعا من اجل الفنان احمد السقا وايضا الفنان محمود عبدالعزيز، الا ان ذلك الفتي النحيل سرق الاضواء، عبر تلك الشخصية التي تنتقل من الحالات الدرامية، من الصداقة، الى الخيانة.. ثم التضحية.

وقد شاهدنا ذلك العمل، في عرضه الاول، خلال تقديمه في سوق مهرجان كان السينمائي الدولي، ويومها اكد واكد حضوره رغم ان الفيلم تم تفصيله بالكامل للفنان السقا وعبدالعزيز.

في رصيد هذا النجم الشاب كم من التجارب التي ستقفز به بعيدا عن فضاء العالمية، ويكفي ان نشير الى تجربته المرتقبة مع المخرج «ليس هالستروم» في الفيلم الجديد «صيد السالمون» والذي يجسد خلاله عمرو دور يمني يعشق تربية السالمون، ويشاركه البطولة نجم نزق، يسير على ذات النهج وهو البريطاني ايوان ماكجريجور.

وايضا في رصيده.. مفردة «لا» التي صرخ بها ليشارك شعبه ألمه.. ومعاناته.. وبحثه عن الحرية.. ورائع ذلك النجم الذي يعيش نبض شعبه.. ويصرخ.. لا. فقد كان في طليعة المتظاهرين يوم 25 يناير.

anaji_kuwait@hotmail.com

النهار الكويتية في

06/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)