حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ستة أفلام أدخلت السينما المغربية سن الرشد ...

«النهاية» و«أشلاء» وأخواتهما... قفزة الى الأمامفي المجهول الخلاق

ابراهيم العريس

الانطباع الأول الذي يخرج به المراقب «الأجنبي» بعد متابعته القسم الأكبر من الأفلام المغربية المعروضة ضمن إطار المهرجان الوطني للفيلم في طنجة، هو ان السينما في المغرب وصلت، أخيراً، الى سن الرشد. والوصول الى هذه السن لا يعني بالتأكيد حكماً قيمياً، بل استخلاصاً لوضعية تنتقل فيها هذه السينما من «الهواية» - بغثها وسمينها - الى «الاحتراف» - بغثه وسمينه -. فاليوم لم يعد ظهور فيلم مغربي جديد، حدثاً يجب التعامل معه برفق ورعاية. بل صار جزءاً من واقع ثقافي - ابداعي - صناعي، ينقسم الإنتاج فيه الى أعمال ستعيش وتشكل جزءاً من تاريخ ما، وأعمال ستنسى فور ظهورها، وبينهما أعمال ستلقى إقبالاً من الجمهور العريض مهما بالغ النقاد في «شتمها» والتساؤل عما جاءت تفعله وسط إنتاج يعتبر نفسه وريثاً لممارسة سينمائية جدية، حاولت جهدها طوال أكثر من نصف قرن ان تقول بصدق ما تريد قوله من دون أن تجد نفسها مجبرة على تقديم تنازلات لـ «جمهور» لم يكن له وجود أصلاً. ثم حين وجد هذا الجمهور بوفرة متفاعلاً مع إنتاجه السينمائي «الوطني»، حقق نجاحاً لأفلام لا يمكن القول انها حملت كثيراً من التنازل على صعيد المستوى («حب في الدار البيضاء» لعبدالقادر الأقطع، «عابر سبيل» أو «البحث عن زوج امرأتي» لمحمد عبدالرحمن التازي، أو «شاطئ الأطفال الضائعين» لجلالي فرحاتي، قبل ان تنفجر أفلام نبيل عيوش... الخ).

جيل جديد... جداً

مهما يكن من أمر، فإن الصورة اليوم، في انتاج العام 2010 المؤلف من 19 فيلماً طويلاً ونحو 40 شريطاً قصيراً، تبدو الصورة أكثر وضوحاً، في ذلك الفرز بين أعمال متفاوتة المستوى والمواضيع... ومتفاوتة بخاصة على صعيد لعبة التلقي نفسها. أما السمة الأبرز هنا، والتي تغري المرء بالحديث عن «بلوغ سن الرشد»، فأمران أساسيان بين أمور عدة أخرى: وجود هامش كبير لكل أنواع التجريب على صعيد اللغة السينمائية والمواضيع المستلهمة وحضور المرجعية السينمائية - على حساب كل مرجعية أخرى -، من ناحية، ومن ناحية أخرى بروز جيل جديد من سينمائيين قدموا هنا أفلامهم الأولى وهم يتحلقون حول عامهم الثلاثين، ولا يبدو أنهم يدينون بأي شيء للجيل السابق عليهم في السينما المغربية، سواء أكان جيلاً مؤسساً، أم جيلاً وسطاً كان هو من رسخ السينما المغربية هذه وفرض حضوراً قوياً لها في المجتمع المغربي كما على خريطة السينما العالمية أحياناً. واللافت حقاً هو أن أبناء هذا الجيل هم الذين حصدوا الجوائز الأساسية في المهرجان الطنجاوي، كما حصدوا التصفيق وإعجاب النقاد. كان الفوز من نصيب أفلام أولى أو ثانية لأصحابها، في شكل عام، حتى وإن سجل فوز مميز لـ «مخضرمين»، هما حكيم بلعباس ونبيل عيوش، الأول إذ نال الجائزة الكبرى عن «اشلاء»، والثاني إذ نال غير جائزة أساسية عن عمله الجديد «أرضي». ولعل اللافت أكثر، حقاً، هنا هو ان هذين الفيلمين ينتميان الى «السينما الوثائقية» حتى وإن كان كل من مخرجيهما قد اختار لعمله حلولاً جمالية تتجاوز ما هو معروف عن اللغة الوثائقية، شكلاً ومضموناً.

غير أننا هنا، في عودة الى مسألة الجيل الجديد (العشريني/ الثلاثين)، لا بد من أن نتوقف عند تلك الظاهرة التي - إذا استثنينا فيلم «الوتر الخامس» لسلمى بركاش، وهو فيلم كلاسيكي أنيق اشتغل بحرفية ماهرة وإدارة لافتة للممثلين، ما أهله للفوز حقاً واستحقه فاتحاً آفاقاً واسعة للنهل من خلفية موسيقية تراثية أصيلة على موضوع معاصر -، نقول الظاهرة التي جعلت ثلاثة أو أربعة من أبرز ما عرض، وفاز، في المهرجان أفلاماً أولى لأصحابها، ونعني هنا تحديداً الشرائط الطويلة «النهاية» لهشام العسري و «فيلم» لمحمد أشاور، وفي درجة أقل بعض الشيء «أيام الوهم» لطلال السلهامي، ناهيك ببعض الشرائط القصيرة ولا سيما تحفة عادل الفاضلي «حياة قصيرة» - والأفلام التي نتحدث عنها هي، و «يا للصدفة المدهشة ولو لمرة في تاريخ لجان التحكيم!» فازت في نهاية الأمر بجوائز المهرجان جميعها، مع استثناءات نادرة (راجع مكاناً آخر في هذه الصفحة).

السينما موضوعاً وإلهاماً

من الواضح ان ما يجمع بين هذه الأفلام الفائزة، جميعاً، الى كونها أعمالاً أولى أو أحياناً ثانية، لأصحابها الشبان، هو انتماؤها الى فن السينما مباشرة. وذلك من طريق لغة سينمائية تبدو مشتتة تنهل من حداثة سينمائية باتت راسخة في السينما المستقلة الأميركية كما في السينما الأوروبية الأكثر تقدماً، وكان في وسعنا ان نقول انها غريبة تماماً عن السينما العربية في شكل إجمالي، لولا وجود سينما إيليا سليمان التي تماثلها في حداثتها وانتمائها المباشر الى فن السينما، كما بعض النتاجات اللبنانية والمصرية الهامشية. فالحال أن مشاهدة «النهاية»، حتى وإن كشفت كيف ان الفيلم، في لحظات كثيرة منه يحمل إحالات سياسية (عابرة، وأحياناً في شكل سريع جداً)، هذه المشاهدة تحيلنا الى نوع من السينما الأكثر جرأة في الإفلات من خطية السرد وتراكمية الموضوع (نتذكر هنا «ترانسبوتنغ» لداني بويل وبخاصة «البرتقال الآلي» لستانلي كوبريك، من دون أن يسهو عن بالنا مغربية الموضوع المطلقة). إن أول ما يفكر به المشاهد حين يرى «النهاية» بشكله المنفلت وجرأة موضوعه ومشاهده، وقفزه فوق المكونات الكلاسيكية للسينما (غياب الموسيقى تماماً، غياب اللقطات المتقابلة، خروج الحوار من الخطية التبادلية المباشرة)، أول ما يفكر به المرء هو ان فيلماً كهذا لا يمكن في الزمن الراهن تحقيقه إلا في فضاء سينما مثل السينما المغربية، حيث تتجاور تسامحية الرقابة النسبية، مع إمكانية توفير تمويل للفيلم ما كان يمكن لغير دعم من المركز الوطني للسينما توفيره... ولكن من دون أن ننسى هنا بعض الاحتياط بالنسبة الى الكيفية التي ستكون عليها ردود فعل المتفرجين المحتملين أنفسهم ازاء فيلم جريء صور بالأسود والأبيض وغيّب اللحظات الدرامية والعاطفية متعاملاً مع موضوعه ببرود مطلق. من هنا يمكن القول إن أخشى ما نخشاه هو أن يكون مصير هذا الفيلم عروضاً مهرجانية ومكانة متقدمة في تاريخ الأشكال السينمائية لا أكثر!

تجريبي أيضاً، وفي شكل مماثل ينهل هو الآخر من فن السينما، هو فيلم «فيلم» الذي - على شاكلة فيلم ايليا سليمان الأول «سجل اختفاء» - يتحدث، تحديداً، عن صنع فيلم: عن رغبة مخرجه في صنع فيلم. ومخرج هذا الفيلم هو بطله الذي يلعب دور مساعد مخرج في السينما «التقليدية» يسعى لكتابة والعثور على تمويل فيلمه الأول، مع زوجته وصديقه. هو نوع من «العمل قيد الإنجاز» على طريقة جيمس جويس الى حد ما، انما بلغة ساخرة ناقدة مريرة، تختلط فيها الأنواع والمشاهد والحقيقي بالمتخيل، والرغبة بالواقع من طريق الكاتب/ المخرج الذي يروي لنا حكاية «صنعه» هذا الفيلم. غير أن هذا كله يشغل الساعة الأولى (تقريباً) من الفيلم، حيث نمسك أنفاسنا ونجدنا داخل عقل المخرج وصوره - على رغم توليف متعثّر في أحيان كثيرة -. ولكن بعد ذلك، وبعد فترة فراغ تتواصل نحو ربع ساعة تبدو ميتة تماماً وكأن المخرج لم يعد يملك ما يقول، يحاول هذا في النهاية استعادة موضوعه، لكنه يغرق في تكرار ممل، لينتهي الفيلم وقد ضاع الجزء الأول (الرائع منه). السؤال هنا: طالما ان السينما الجديدة تخرج عن قيود زمن العرض التقليدي بين ساعة ونصف الساعة وساعتين، ألم يكن في وسع محمد أشوار أن يوقف فيلمه عند نهاية ساعته الأولى؟ ولو فعل لكنا، بالفعل، أمام عمل مميز.

هذا الاقتصاد عرف كيف يحققه عادل الفاضلي في فيلمه القصير «حياة قصيرة». فهذا الفيلم الذي لا تتجاوز مدة عرضه 16 دقيقة، قال في لغة نابضة سريعة ومشاهد ساخرة ذات دلالة، حكاية حياة بأكملها، هي «حياة» شخص ولد تحت شعار النحس وأمضى حياته متنقلاً من بؤس الى بؤس. غير ان المهم هنا هو ان الفاضلي قال من خلال تلك الحياة وفي دقائق الفيلم القليلة، تاريخاً ما لبلده وشعبه، بواسطة راوٍ وكاميرا ولغة يكاد لا يشبهها شيء في أي سينما عربية نعرفها، ولا حتى في أي فيلم مغربي سابق... ومع هذا جاء الفيلم مغربياً، يمكن كل مشاهد أن يتعرف على جزء من نفسه، وتاريخه فيه وسط عبق من السخرية من الذات.

وعلى عكس هذا البعد تماماً يأتي الفيلم الأخير - بالنسبة الينا - من هذه المجموعة «أيام الوهم» لطلال السلهامي. فهنا نحن أمام فيلم عولمي، شكلاً وموضوعاً... فيلم يدور في اللامكان وفي أي مكان، ولا مرجعية له سوى مرجعية الفن السابع نفسه (يحفل الفيلم بتحيات مشهدية عابرة موجهة الى أساتذة الماضي مثل ستانلي كوبريك وسيرجيو ليوني)، ويبدو في لحظات منه أشبه بالسينما الآسيوية. فهو يتحدث عن مجموعة من شبان تستدعيهم شركة عولمية تمركزت حديثاً في المغرب، لشغل وظيفة هامة، وتجري بينهم مباراة شديدة الغرابة والقسوة، يجب أن تنتهي باختيار واحد منهم. والحال ان هذا التلخيص بالكاد يعطينا فكرة عن هذا الفيلم الجريء الذي يمزج بين الكابوس والواقع، ولكن أيضاً بين كونه مصوراً في فضاءات طبيعية رحبة، وأيضاً في مناخ من المكان المغلق. في هذا الفيلم، الذي يمكن النظر اليه أيضاً على أنه ينتمي الى «السينما عن السينما»، عرف المخرج في شكل خاص كيف يدير ممثليه في شكل خلاّق كما عرف كيف يضبط إيقاع الفيلم. ولم يكن غريباً، على أية حال أن يفوز «بطلا» الفيلم الرئيسيان مريم الراوي وعمر لطفي بجائزة التمثيل في المهرجان (حتى وإن كان عمر لطفي قد فاز بالجائزة عن فيلم آخر مثّل به، وعرض في المهرجان).

الحياة اللندنية في

04/02/2011

 

ديما حمدان: أشعر بالخجل أمام معاناة الفلسطينيين

فيكي حبيب 

تتأنى الصحافية الفلسطينية الشابة ديما حمدان في خطواتها السينمائية رغبة في أن يُبصر فيلمها الروائي الطويل الأول «اختطاف» النور بعد طلاق بين تكوينها الصحافي والعمل الدرامي - الإبداعي الذي تطمح إليه. فالفيلم الذي فاز مناصفة بجائزة «الشاشة» في الدورة الماضية من مهرجان أبو ظبي السينمائي (50 ألف دولار) ينهل من تجربة حمدان التلفزيونية، وتحديداً من سلسلة برامج وثائقية حققتها لمصلحة تلفزيون «بي بي سي» عربي. وبالتالي، فإن مهمة الشابة الفلسطينية لن تكون سهلة في القدرة على الفصل بين ما هو تلفزيوني وما هو سينمائي، خصوصاً أن الفرق كبير بين الكتابة الصحافية والكتابة للفن السابع.

تحدٍ تضعه حمدان نصب عينيها وهي تتحدث بحماسة عن مشروعها الجديد الذي تدور أحداثه في الأردن حول مسؤول كبير في سلك الشرطة، تتعرض زوجته الحامل للاختطاف، فيقع في حيرة من أمره بين إعلان الخبر والإحراج الذي قد يضعه فيه مثل هذا الموقف، خصوصاً لما يمثله «بطلنا» من رمز للسلطة والقانون والنظام وكل المنظومة الأخلاقية والاجتماعية.

تجوال

اللافت ابتعاد حمدان في فيلمها الطويل الأول عن القضية الفلسطينية التي تشكل العمود الفقري لغالبية الأفلام التي يحققها فلسطينيون، إما إيماناً منهم بأهمية الصورة السينمائية في إيصال صوت فلسطين، وإما لشعورهم بالقدرة على النضال ولو من خلال الفن السابع، وإما لكونها ورقة رابحة في أكثر من مهرجان نظراً لتعاطف الجمهور الفوري معها مهما كانت قيمة الفيلم.

«لا يمكن أن يختزل المرء حياته وتجربته كلها بأصله وجنسيته والقضايا السياسية الملتزم بها»، تقول حمدان لـ «الحياة» أثناء مشاركتها في مهرجان «آمال» السينمائي، وتضيف: «صحيح القضية الفلسطينية جزء أساسي من حياتي لكنها ليست الجزء الوحيد. أنا فلسطينية قلباً وقالباً، لكنني تنقلت بين دول عدة، مثل الكويت والأردن وبريطانيا، وأفكاري نابعة من عوامل أخرى تضاف الى القضية الفلسطينية. فإذا ركزت فقط على فلسطين فهذا يعني أنني أتحكم بالإبداع والخيال، وأحدّ نفسي في منظار ضيق. أنا فلسطينية. وهناك من يعتبرني فلسطينية أردنية، لكن التوصيف ليس مهماً. فمثلاً فيلمي القصير «غزة لندن» كان مشروعاً فلسطينياً. وحققته في مرحلة كنت متحمسة لكتابة هذه القصة. ولا شك في أن الفيلم الفلسطيني الطويل سأحققه يوماً ما، وهناك أفكار في رأسي. ولكن لم يحن وقته بعد. وبطبيعتي لا استعجل الأمور، إنما أترك الأشياء تأخذ مجراها الطبيعي. باختصار، اليوم أنا متحمسة لكتابة شي آخر. وفيلم «اختطاف» يشغل كل تفكيري. أعيش وشخصياته منذ سنتين تقريباً. تطورنا معاً. وكبرنا معاً. ولا شك في أن جائزة «الشاشة» حافز للمضي قدماً».

فهل يمكن القول إن حمدان ترى نفسها سينمائية أكثر من كونها سينمائية فلسطينية؟

تردّ: «أنا سينمائية فلسطينية تحب أن تصوّر كل ما يشدّها في الحياة. هناك أمور بعيدة من فلسطين ممكن أن تجذبني. ولا مشكلة لديّ في ذلك. من هنا أتمنى ألا تُحصر الأفلام الفلسطينية داخل دائرة الصراع والاحتلال، فهذا يعني أننا نهمل أموراً أخرى. فعندما نتحدث عن القمع والاحتلال نختزل هويتنا، وهذا معناه إننا نظلم أنفسنا كفلسطينيين، لأن هويتنا أبعد بكثير من هذه الأمور».

ولكن، ماذا تقول حمدان عن أولئك الذين يؤمنون بأنه لا يمكن أن تُحقق سينما من فلسطين لا تمتّ للقضية بصلة؟ تجيب: «أعترف أن فصل الأفلام الفلسطينية التام عن الاحتلال وعن الصراع العربي الإسرائيلي صعب جداً ويكاد أن يكون مستحيلاً. ولكن، من الممكن إيجاد معادلة مقنعة تسلط الضوء على أمور أهملتها أفلامنا وتستحق أن تروى».

لغة السينما

لا تغفل حمدان تحدياً آخراً يواجهها في مشروعها الجديد يتمثل في مدى قدرتها على «فهم لغة السينما»، إذ تقول: «لا يزال أمامي مشوار طويل، خصوصاً أن تكويني الأساسي إذاعي. بالتالي لا بدّ أن أتعلم كيفية ترجمة الكلام الى صور. صحيح أن قدراتي الكتابية تتطور يوماً بعد يوم بسرعة وزخم لم أكن أتصورهما. لكنّ تطور أدواتي كمخرجة لا يزال تحدياً بالنسبة لي. وهذا لا يتم إلا بالتراكم وبتحقيق أفلام قصيرة».

أفلام بمثابة تمرين تساعد حمدان على بلوغ لغة سينمائية تؤهلها للوصول الى الهدف المنشود. وليس فيلم «غزة لندن» الذي حققته قبل سنتين، إلا حلقة من سلسلة أفلام قصيرة ترمي المخرجة الشابة الى تحقيقها قبل أن يبصر النور فيلمها الطويل الأول. تقول: «استلهمت هذا الفيلم من مقال للصحافي الفلسطيني رمزي بارود بعنوان «لا نقاط تفتيش في الجنة». كتب رمزي هذا المقال إثر وفاة والده الذي لم يره لـ14 سنة بسبب منعه من الدخول الى قطاع غزة. وفي موازاة هذه القصة المؤثرة عشت الخوف الذي عاشه أصدقاء لي أثناء الحصار. من هنا أردت أن أقدم تحية للناس الذي استشهدوا، ولأولئك الذين يتألمون أكثر مني من الحصار لأنهم داخل الأحداث». وتضيف: «أحمد الله على النعمة التي منحني إياها بعدم المرور بهكذا تجربة، لكنني لا أقدر إلا أن أشعر بالخجل تجاه أولئك الذين يعانون. فأنا أعتبر نفسي «فلسطينية مدللة»، خصوصاً أنني لم أعش تجربة الاحتلال. أمام كل هذا أردت أن أصنع فيلماً عن اليأس والقلق والألم الذي يعتصر شاباً يعيش في الغربة وأهله محاصرون في غزة ولا يعرف عنهم شيئاً نتيجة انقطاع الخطوط. أردت أن أبتعد عن صور القتل والجثث والدمار وكل ما نشاهده في نشرات الأخبار، لأركز على حرب الداخل، خصوصاً أنه يمكن القول أننا اكتسبنا مناعة ضد هذه الصور نتيجة إغراق الشاشات بها».

حمدان التي تنقلت أخيراً بين مهرجان أبو ظبي و «آمال» و«دبي»، ترى أن المهرجانات العربية بدأت تعي أهمية مساعدة السينمائيين الشباب مادياً، فضلاً عن دورها في تعريف المشاهدين العرب الى سينمات أخرى بعيدة منا. وتقول: «نسمع أحياناً أن مهرجاناً دفع مبلغاً خيالياً لجذب نجم هوليوودي. وهذا قد يكون له فائدة ما، لكن قيمة المهرجان لا تحدد هنا، خصوصاً إذا كان هذا المبلغ قادراً على مساعدة 15 مشروعاً سينمائياً. فإذا كان الموضوع ترتيب أولويات، فهذا يعني أن أولويات هذه المهرجانات في حاجة الى إعادة ترتيب. صحيح نحن اليوم لا نزال نتعلم، وبالتالي الأخطاء طبيعية. ولكن المهم أن نبدأ بتكوين صناعة عربية، وهذا الأمر سنحصده في السنوات المقبلة. من هنا يجب ألا نستعجل الأمور. وقد تحتاج هذه النقلة لعقود».

الحياة اللندنية في

04/02/2011

 

«راشيل كوري»: معاينة ضمير مستتر من وراء جرافة

فجر يعقوب 

يجوز وصف فيلم «راشيل كوري: ضمير أميركي» للمخرج الفلسطيني المقيم في مدينة رام الله يحيى بركات، بفيلم الضمير المستتر. فهو كما واضح منذ كادراته الأولى التي تمتد على مدى ثمانين دقيقة، (وهو وقت طويل نسبياً لفيلم وثائقي)، لا يخضع نفسه لمتطلبات البث الفضائي «المتزمتة». إنه يتناول قضية الناشطة الأميركية راشيل كوري التي لقيت مصرعها في مواجهة جرافة إسرائيلية كانت تقوم بهدم بيوت فلسطينيين في رفح. وباستثناء كلام تمهيدي للسياسي الفلسطيني بسام أبو شريف، عن أحوال المتضامنين الدوليين مع القضية الفلسطينية، فإن ما ستقع عليه كاميرا بركات، في رفح أو في الضفة الغربية، أو في لوس أنجليس، سيكون بمثابة مقدمات لعملية استقصاء ومسح لرأي عام متشكل من حول قضية كوري، أضعناه نحن بجدارة نحسد عليها، إذ لم نوفق في الحديث عنها أو عن مأساتها، حتى من باب إنساني أولى دخلت هي منه، ببطولة تستحق عنها دزينة أفلام. ويجيء فيلم يحيى بركات (بعد فيلم أول للسينمائية سيمون بيتون جاء قوياً، بل تحفة فنية وسياسية) ليسد نقصاً عربياً، وإن لم تكن هذه وظيفته بالدرجة الأولى، فهذا عمل مؤسسات، وحتى الجهتان الممولتان للمشروع الفلسطيني للمرئي والمسموع (مؤسسة عبدالمحسن القطان والاتحاد الأوروبي) تقدمتا بدعمهما، كما ينبّه المخرج بركات من دون أن يعني ذلك مسؤوليتهما عن محتوى الفيلم، وهذا يدفع بدوره للتساؤل عن جدوى وجود مؤسسات اعلامية فلسطينية وعربية، لا تقوم هي بملء هذا الفراغ، باعتبار أن قضية الناشطة الأميركية كوري تستحق الوقوف عندها، فهي ثغرة في جدار «الضمير الأميركي» المحصن على هوى اسرائيل كما يعبر عن ذلك الديبلوماسي الأميركي ادوارد بيك، وهو يتحدث للكاميرا عن مأساة راشيل كوري.

قلق وتساؤل

بالطبع لا يفوت يحيى بركات أن يوظف «مواجهته» للأميركي في حصن داره بكاميرا متحركة وقلقة ومتسائلة، وبخاصة في لقائه بغريك وساندي كوري، والدي الضحية الأميركية، وبرموز سابقين في الحكومة التي لم تكلف نفسها عناء السؤال عن مصير مواطنة أميركية مفجع، لا بل إن البعض في هذه «الأميركا» اعتبر أن راشيل لاقت ما تستحق جراء وقوفها إلى جانب الفلسطينيين في معركتهم المصيرية مع عدو استطياني شرس. ومهما يكن، فإن استطلاع طفولة وحياة الشابة الأميركية، وقرارها المصيري الشجاع بالعيش إلى جانب الجهة الأضعف في هذه المعركة، ربما يغير من بعض فرضيات علم النفس ربما –، فليس صحيحاً دائماً أن الطفل يبدأ باكتشاف العالم من خلال ألعابه. هذا ما لا ينطبق على راشيل ابنة العشرة أعوام التي «أرادت أن تقتني قطة للمناسبات الحزينة»، كما تخبرنا ساندي الأم. لا بل إن الأب المفجوع بابنته يتحدث عن طموحات الصغيرة بأن تصبح شاعرة أو معلمة باليه، أو أول رئيسة تكون امرأة للولايات المتحدة الأميركية.

يمكن القول إن فيلم بركات ينطوي على أهمية وثائقية بالغة الدلالة، فهو يؤرخ للحظات درامية فالتة من منطق تفسير اللحظة التاريخية نفسها التي أودت بحياة هذه الناشطة الأميركية، لا بل هو لا يلتفت إليها، بقدر سعيه المتأجج، وانصرافه الكلي وراء معاينة العجز والعطب اللذين أصابا هذا الضمير، فها نحن نقف قبالة هايدي ابشتاين، إحدى ضحايا المحرقة النازية، وهي تروي للكاميرا رحلتها «المحفوفة بالمخاطر» الى الضفة الغربية حيث يقيم فيها كما يخبرها الجندي الإسرائيلي على الحاجز «فلسطينيون متوحشون سيقومون بشطرها إلى نصفين عندما يعرفون بهويتها». وتكتشف ابشتاين أن الضحية إنما هي متمثلة بهذا الجندي المستجلب من الشتات الذي تحول إلى جلاد. وأن من وقع يوماً ضحية النازي، ها هو يقوم من الباب نفسه بممارسة الاضطهاد على شعب، لم يتعد في الواقع حدود مطالبته بحريته واستقلاله. لا يتوقف الفيلم عند حدود مطالبة الضيوف بتقديم شهادة مفعمة بالحب والتقدير لراشيل كوري، فهذا ليس شأنه، فهو مشغول بإراحة الغشاوة عن عيونهم، وفي هذا قد يبدو أننا أمام مغالطة كبيرة في هذا الشأن، إذ كيف يمكن الاستعانة بمتعاطفين مع قضية لها خصوصية مثل القضية الفلسطينية، وفي الوقت نفسه إزاحة غشاوة تاريخية عن عيون هؤلاء سببها الإعلام الموجّه في الدرجة الأولى، والذي غطى على أخبار الضحية لحساب الجلاد؟ حتى عندما كانت تخطئ بعض المحطات الأميركية كما يخبرنا بيك «المحبط والمصاب بصدمة» وتستضيف فلسطينيين، ولو لمدة سبع دقائق، كان يختفي أرشيف هذه اللقطات مباشرة بعد بثها، وكأنها لم تكن.

محاكاة مأساة

«راشيل كوري: ضمير أميركي» محاولة فلسطينية جادة في محاكاة مأساة هذه الناشطة الانسانية، نجح المخرج يحيى بركات في توقيعها، والتشديد على رمزية الجرافة (9 د)، التي غمرت «جسداً بالتراب»، يعتقد سائقها، وهو يقوم بتقديم شروح مملة لزميل له، عبر اللاسلكي بأن صاحب هذا الجسد قد مات. الجسد لم يكن صلباً، ما يحيل مباشرة إلى جسد إنساني متقشف ومحطم الأضلاع، وكأن شفرات الجرافة الحديد، تتحول إلى شيفرات مغذية لفاشية جديدة فالتة من عقالها، لعبت راشيل كوري في حياتها ومماتها دوراً كبيراً في كشفها وتعريتها أمام الضمير الأميركي (المستتر) الذي تقول عنه مواطنة أميركية صديقة لكوري، إن عملية قتلها جاءت بتمويل من دافع الضرائب الأميركي نفسه. هذا كشف أولي لا يمكن القفز عنه، ولكن لا يمكن الوقوف عنده، فسائق الجرافة كما يقول، لا يتلقى أوامر بالتوقف في مثل هذه الحالات، وبالتالي هو يستمر بالإطباق على ضحاياه ما أمكنه، ما دامت المعركة قائمة.

الحياة اللندنية في

04/02/2011

 

«تعليق صوتي»: عندما تخرّب الديكتاتورية حياة الناس

القاهرة - أمل الجمل 

«لأنه يُصور تأثير النظام السياسي الديكتاتوري على حياة الناس العاديين، ولأنه يُجسد كيف تتحكم السلطة في حياة شخصين إلى أن تُخرَّبها». كان ذلك من بين الأسباب التي دفعت لجنة اتحاد الصحافة السينمائية الدولية «الفيبريسي» - كانت كاتبة هذه السطور أحد أعضائها – الى منح جائزة أفضل فيلم خلال مهرجان القاهرة للبلغاري «تعليق صوتي»، كما حصل مخرج الفيلم سفيتوسلاف أوفتشاروف على جائزة أحسن إخراج من لجنة التحكيم الدولية في المهرجان ذاته.

تعود أحداث الفيلم عبر الفلاش باك إلى فترة السبعينات من القرن العشرين أثناء حكم الحزب الواحد (الشيوعي) الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاماً، في كنف «الستار الحديدي» بمعنييه المادي والمجازي الذي ظل يفصل بين أوروبا الغربية والشرقية حتى نهاية الحرب الباردة. ويتناول الفيلم موضوعه على خلفية مرحلة سوداء من التاريخ البلغاري عندما كانت الدولة تحتكر الحقيقة والحرية، فكان لزاماً على الفنان المبدع والفرد العادي أن يدفع ضريبة باهظة وفاتورة فادحة اجتماعياً ونفسياً وإبداعياً.

تسرد الأحداث، المأخوذة عن قصة حقيقية، حكاية اضطهاد رجل اسمه «أنطون كريستوف» يفقد عائلته من جر أو الانقسام. إنه مدير تصوير يُقرر أن يصنع فيلماً عن حياته الشخصية عندما فرَّق الستار الحديدي بينه وبين زوجته وابنه الوحيد. تفر الزوجة والابن إلى ألمانيا الغربية تحت ستار الظروف الصحية المتدهورة للابن، على أمل أن يلحق بهما الزوج، لكنه لا يستطيع إذ تسحب منه السلطات البلغارية «جواز سفره»، ثم تضعه هو وزوجته تحت الرقابة المشددة، لأن أحدهما على الأقل أو كليهما خائن، ويحاولان الإرتداد إلى الغرب المتفسخ المتدهور من وجهة نظر المخابرات.

أثناء ذلك يُفرض على المصور رقابة بوليسة مخابراتية صارمة، تُفتش شقته بدقة، توضع فيها أجهزة مراقبة وتنصت. تُفحص علاقاته بأصدقائه وبكل المحيطين به. يتعرض لمحاولات اقتناص المعلومات منه، وإجباره على الاعتراف بأوهامهم، وعندما يُقاوم يُحاصر كالفريسة، حتى الأصدقاء يُشهر بهم.

عمل انقلابي

عبر مشاهد تسيطر عليها روح السخرية السوداء نرى كيف أن المكالمات البسيطة، المشحونة بالعواطف والمشاعر، والخطابات البريدية - التي تترجي فيها المرأة الشابة زوجها أن يلحق بها - يُعاد تفسيرها من قبل السلطات على أنها عمل إنقلابي تخريبي، ويُضاف إليها تفاصيل من وحي خيال رجال المخابرات، حيث تُوصم تلك الزوجة بأنها شخصية خائنة وتعتبر مُؤثراً شريراً يُحاول إضعاف أحد أهم مديري التصوير المحتفى بهم في بلغاريا، بينما هي في الحقيقة زوجة عاشقة لزوجها، تواقة لرؤيته، راغبة في اجتماع شمل عائلتها من جديد ورافضة بحزم نصيحة أمها اللحوح بالانفصال عن زوجها والارتباط برجل آخر.

في المقابل فإن «أنطون» الممزق بين عواطفه الشخصية ومشاعره الوطنية عليه أن يتعامل مع إحساسه بالفقدان. وهو بعد ثلاثين عاماً من تلك الأحداث يقوم بتصوير سيرة حياته على شريط سينمائي، يُجسد فيه كيف جعلته السلطات يفقد كل شيء كان يُحبه، يفقد حبه لعمله، لابنه، ولزوجته فيطلقها.

يكشف هذا العمل السينمائي كيف أن هذا المجتمع في فترة ما من تاريخه كان محكوماً بقسوة وجمود، كيف كانت الرقابة تقبض عليه بيد حديدية، كيف ظل جنون الاضطهاد يدفعه على مدار سنوات. يكشف عبثية الهواجس والإشاعات التي كانت تُثير الرعب في نفوس السلطات، وكيف كانت تهديدات وهمية متخيلة أكثر منها ناجمة عن أعداء حقيقيين.

يُؤخذ على الفيلم أنه جاء جافاً بعض الشيء في بعض مشاهده، مع ذلك تمكن مخرجه وكاتب السيناريو سفيتوسلاف أوفتشاروف - من مواليد 1957 في بلغاريا، قدم ثلاثة عشر فيلماً وثائقياً، وأربعة أفلام روائية، له ثلاثة كتب وعدد من المسرحيات - من رسم وتصوير شخصيات واقعية تُصارع اليأس. نجحت الشخصية الرئيسية المحاطة بالمتاعب في تجسيد المشاعر المتبدلة طوال الوقت من حب، وإحساس بالوحدة، وغضب، أو كره وضغينة. جاء الإيقاع غير متسارع للتعبير عن الحالة النفسية التي يمر بها الأبطال من قنوط ووضع مترد. عدد غير قليل من لقطاته ارتكن على التجريد البصري الذي لا يخلو من جماليات فنية، واتسمت حركة الكاميرا بالانسيابية خصوصاً عندما تنسل عائدة إلى تلك السنوات الغابرة، فتنقل بين عالمين: ما وراء الكاميرا وما يدور أمامها من ماض قريب أو بعيد.

رغم أهمية الفيلم، مقارنة بمستوى الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة القاهرية، لم ينج «تعليق صوتي» من هجوم شخصيات تُردد كالببغاوات الشعارات الشيوعية الثورية البائدة من دون أن تفهم أو تمارس الأيديولوجية الكامنة وراء تلك الشعارات. انتقدوه لأنه في رأيهم يشن هجوماً على التجربة الشيوعية وهي نظرة شديدة القصور وحكم لا يخلو من تعصب.

الحياة اللندنية في

04/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)