حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الشارع المصري يتدفّق صوراً لم تعهدها السينما

بين صورة الواقع ومرادفها السينمائي مسافة فجّرها الديجيتال

ريما المسمار

أثبتت صورة الشارع المصري الحيّة على مدى الأيام العشرة المنصرمة أن معادلها السينمائي لم يكن في أحسن الأحوال أكثر من مهادن للواقع وفي أسوأها أفيوناً مخدّراً يخمد أي فتيل للثورة إذا وجد. ذلك أن صورة المصريين الثائرين في السينما كانت محكومة دائماً بـ"عقلانية"، سعت إلى ربط الثورة إما بأسباب ملموسة يلتف الشعب حولها وإما بفورة لحظوية، سرعان ما ينفض الجمع عنها إلى متابعة حياة يجب أن تستمر. اعتقد صنّاع تلك الصور لزمن طويل أن تجسيد ثورة شعبية على الشاشة من دون تعريف لسياقها - سياسياً واجتماعياً وطبقياً - ولظرفها الزماني نصر أو نكسة أو جنازة - إنما هو تجاوز للواقعية المفترضة في مقاربة حدث من هذا النوع. وربما أسوأ من ذلك ظنوه غير منسجم مع أقصى ما يمكن الواقع أن يصل إليه ولو بشطحة خيال. ولعلّ في نظرتهم تلك ما هو مبرّر إذا ما استند إلى الثلاثين سنة الأخيرة من السبات العميق الذي استلب الشعب المصري تحت تأثير سلطة سياسية جاثمة على الصدور، وثلاثة أجيال استمدّت جمودها ودورانها في حلقة مفرغة من ترعرعها تحت الصورة نفسها للرئيس الباسم. الأصدقاء القاهريون كانوا في جلساتنا السابقة لتاريخ 25 كانون الثاني 2011 يصفون المجتمع المصري بالراكد ويحيلون ذلك إلى طبيعته الزراعية المستقرّة. حتى هؤلاء لم يصدّقوا أعينهم أمام المشهد المليوني الذي لم تنظّمه قيادة موحّدة ولم تقده فئات شعبية محدّدة ولم يتّخذ من العاصمة فقط رمزاً مركزياً للثورة. المشهد كان أكثر اتساعاً من أي عدسة سينمائية وأكثر تعقيداً ببساطة الثوب الذي اكتساه - "الثورة الشعبية" - من أن تستبقه سيناريوات مستشفّة. المشهد أربك الجميع حتى الثوّار أنفسهم الذين لم يعتقدوا بامتلاكهم تلك الطاقة، ناهيك بآلة السلطة غير القادرة، كأي سلطة غاشمة، على استيعاب فكرة المجتمع الحيوي ناهيك بقدرته على الإنبعاث من غياهب القهر والعسف الممنهجين منذ عقود. بهذا المعنى، يصح وصف المشهد المصري الحالي بـ"التّاريخ". من هذه الزاوية فقط يمكن أن نفهم عجز السينما، غير المفاجئ، عن استباقه حيث أن التاريخ لا يُتاح أمام السينما إلا عندما يصير تاريخاً بفعل انقضاء الزمن أو وثيقة ثُبِّت فصل واحد منها على الأقل. قبل ذلك وفي أثناء صنع التاريخ، لا صوت يعلو فوق صوت صورة الواقع، كما هي الآن مئات مقاطع الفيديو الواردة على مدار الساعة من الميدان والمنتشرة على مواقع الإنترنت. حتى صورة التلفزيون فقدت امتياز نقلها الواقع ورصدها الحقيقة في ظل القدرة المكتسبة لكل فرد على إنتاج الصورة وتوزيعها بواسطة الهواتف الخليوية والكاميرات الشخصية الفيديوية والفوتوغرافية الحديثة المؤهلة بمعظمها لتصوير دقائق فيلمية متحرّكة. ينتج من هذا كلّه صورة أكثر ضبابية بالتأكيد وأكثر تعقيداً وربما أكثر قدرة على التوظيف. ولكن من قال إن الصورة قبل هذه الثورة التقنية كانت أوضح؟ ومن قال إن الوضوح هو رديف الواقعية والحقيقة؟ أوليست السينما في وصفها الصورة الأكثر شخصانية وفردية مرجعيتنا الكبرى للواقع والتاريخ؟ نرى إلى خصوصية مقاربتها عالماً إنسانياً جامعاً؟ من هنا، غالباً ما يغرينا الواقع، بتطرف قسوته أو فرحه، بغرابته أو ببساطة تعبيره، باستنباط صور سينمائية مرادفة له من مخزون الذاكرة، حتى إذا ما انتشينا بقدرتنا على استدعاء الصورة الملائمة، غرقنا في محاولات، مازوشية أحياناً، للتقريب والتفريق بين صورتي الواقع والسينما وفي السؤال عن أي منهما يقلّد الآخر.

على أنّنا، ومهما أصابت السينما منّا عشقاً، يغبطنا اكتشاف تمايز الواقع عنها في وصفه المكان المرغمين على العيش فيه فعلياً في حين أن السينما تبقى ذلك العالم الآخر الرحب من دون شروط أو معاناة ترافق دخولنا إليه. بهذا المعنى، كلّما اقترب الإفتراضي المشتهى في السينما من الواقع كان ذلك تعبيراً عن خلل الأخير. كأن تكون حرية الخيار كما يطرحها فيلم "الإرهاب والكباب" (1993) مثلاً مشتهاة بالفعل على الرّغم من ضيق أفقها. في هذا الفيلم الذي أخرجه شريف عرفة ولعب بطولته عادل إمام ما يحيل على الواقع المصري اليوم، من باب تصوير "الثورة الشعبية". فالموظف البسيط الذي يجسده إمام في الفيلم يجد نفسه، عن طريق سوء الفهم، يحتل مجمّع التحرير بقوة السلاح ويتّخذ الرهائن ويشعل أزمة وطنية وذلك بعد أن يفيض به الكيل من إجراءات بيروقراطية لا تنتهي لمجرد أنه يطلب نقل ابنه من مدرسة حكومية إلى أخرى. صحيح أن معظم المواطنين المتواجدين في المجمّع ينضمّون إليه لاحقاً ويساندونه مع بدء مفاوضاته مع جهاز السلطة عبر وزير الداخلية، إلا أن مطالب "الشعب" ستنحصر في نهاية المطاف بالكباب والكفتة التي على اثر تناولها ستوأد بذور الثورة وينفض الجمع كل إلى متابعة حياته كأن ما حدث ليس احتمالاً لواقع بل لحظة هذيان هاربة وتنفيسة لا أكثر.

ولكن المثال السينمائي الأبرز الذي يحضر في هذا السياق يتمثّل بآخر أفلام يوسف شاهين "هيّ فوضى" (2008) الذي أخرجه مع خالد يوسف. فالشريط الذي خرج مشحوناً بحوادث واقعية لم تكن نارها قد خمدت بعد (حكاية الشاب "عماد الكبير" الذي تعرّض للتنكيل والتعذيب على يد الشرطة وسُرب الشريط الذي يسجل الواقعة لإرهاب الناس) اكتفى بتقديم شخصيات ـ نماذج تنقسم بين معسكري الشر والخير: "حاتم" أمين الشرطة وأسياده من جهة وضحاياهم من جهة ثانية. بينما تعاطى مع الشخصيات الأخرى التي تمثل "الثقافة الوافدة" بتبسيط ينتهي الى التجاهل كما هي حال "سيلفيا" خطيبة "شريف" وكيل النيابة التي تُقصى عن الأحداث عن طريق معاقبة "شريف" لها بعد أن أقدمت على الإجهاض. بهذا تخلو الساحة للصراع الأساسي بين القوى الظلامية والأخرى التنويرية. والأخيرة تتمثل في الشخصيات الرومنسية والمحافظة والبسيطة. "شريف" الذي يمثل رجل القانون النزيه والمتعاطف مع الشعب و"الناظرة" قليلة الحيلة في رفع مستوى التعليم في مدرستها إنما المثابرة و"نور" التي تبرز ببساطتها وتقليديتها النموذج المضاد لسيلفيا وأكثر من ذلك المحرض على الثورة. فحين تُختطف "نور" على يد "حاتم" وتُغتصب، عندها فقط يتحرك أهالي الحي احتجاجاً كرمز لثورة الشعب ضد الظلم والفساد. ولكن الدافع يبقى "الشرف" والهدف الذود عن العِرض.

صور أخرى هي مزيج من الذاكرة الصورية والأخرى الواقعية تحيلنا إليها أحداث الأيام العشرة الأخيرة في مصر: خروج آلاف المصريين إلى الشارع بعيد خطاب التنحي الذي ألقاه جمال عبد الناصر على أثر هزيمة 1967، جنازتا عبد الناصر وعبد الحليم حافظ وحتى جنازة أحمد زكي الذي رحل في منتصف تصوير دور العندليب في فيلم "حليم"، بما منح جنازته أبعاداً تتجاوزه كممثّل كبير إلى إعلان موت جديد لعصر الثورة والرومنسية الذي جسّده عبد الحليم. تلتقي تلك التظاهرات الشعبية حول تفجّرها من عنصر محدّد وتعبيرها عن التمسّك بما هو ثابت (رمز أو زمن). أما ثورة الشارع المصري اليوم فربّما تكون في معانيها البعيدة والدفينة ثورة على الثورة بأشكالها السابقة والسائدة، ثورة على الجمود والثبات بكل مظاهره.

العودة بالزمن سنوات قليلة إلى الوراء من شأنها أن تعيد تشكيل النظرة إلى مجموعة من التحوّلات المتعلّقة بالصورة على ضوء الشارع الغاضب اليوم. فالستينات والسبعينات السينمائية سارت على خطى نظيرتيها في الواقع الحافلتين بالأحداث السياسية: ثورة فتضخّم فهزيمة فنصر يشوبه الشك انتهاءً بركون ظل مخيّماً حتى أيام قليلة خلت. السينما رافقت تلك الأحداث بالتمجيد والتمجيد المضاد أي بالإشادة بثورة يوليو وحقبة عبد الناصر ومن ثم نقد الثورة ومرحلتها للإشادة بالسادات وعصر الانفتاح. وما زال الكثير من سينمائيي ذلك الجيل منقسمين بين معسكري عبد الناصر والسادات. إلا أن الثمانينات أخرجت السينما المصرية من بكائها على الأطلال إلى سواداوية الواقعية الجديدة في أفلام محمد خان وعاطف الطيب وداود عبد السيد وآخرين، كما رسّخت في مقابلهم نمط الإنتاج السينمائي الشعبي الجماهيري لا سيما في أفلام عادل إمام وناديا الجندي. أما التسعينات فكانت مرحلة الضياع تبعاً للتحوّلات التي ألمت بالمجتمع المصري على خلفية وصول الردة الدينية المتطرّفة إلى ذروتها. انكفأ الجيل السينمائي السابق أو أعاد تشكيل قناعاته وفقاً لمعايير السوق والعرض والطلب فيما لم يجد الجيل الجديد السند الإنتاجي لتقديم تجاربه إلا مع بزوغ فجر الألفية الثالثة ووصول الثورة الرقمية إلى مجتمعاتنا. مع هذا الجيل بدأت محاولات متواضعة وعلى نطاق ضيق لتفتيت الهوية المصرية الجامدة التي تستمد عقيدة التفاؤل من إيمان قدري بأن الحياة محنة تنتظر الفرج وإلى ذلك الحين يجب أن تستمر بالثبات في مواجهة المد والجزر. ولكن جيل الفيديو الجديد الذي لم يشهد "التاريخ المجيد" الذي يتغنى به آباؤه وأجداده انطلق يسخر من المسلّمات عبر تفكيك الصورة التي ثبّتتها وكرّستها لا سيما السينمائية. هكذا برز في أوائل العقد الماضي فيلم فيديو صغير ومستقل في عنوان "رجال لا تعرف المستحيل" يسخر من الأفلام والمسلسلات المستلّة من "ملفات المخابرات المصرية" تلك الجملة الذي ذيّلت أعمالاً مثل "رأفت الهجان" و"دموع في عيون وقحة" في التلفزيون و"إعدام ميت" و"الصعود إلى الهاوية" في السينما. أعاد الفيلم الذي لم يوزّع إلا على أقراص "دي.في.دي" مقرصنة تمثيل مشاهد راسخة في الذاكرة من تلك الأعمال بأسلوب ساخر وركيك. المحطة التالية كانت شاشة الفضائيات الخاصة التي كسرت هالة تراث الأبيض والأسود في السينما المصرية من خلال تحويل مشاهد أثيرة من أفلام مثل "في بيتنا رجل" و"الأرض" و"رد قلبي" إلى إسكتشات كوميدية في برامج رمضان. أو كما فعلت قناة ميلودي "موجة كوميدي" عندما جعلت فواصلها تسخر من أفلام مثل "معبودة الجماهير" و"الخطايا" بتحويل المشاهد الرومنسية والدرامية الجادة إلى ما يشبه الكاريكاتور عبر المبالغة في المكياج وتضخيم الشحنة الإنفعالية. تجربة مشابهة طاولت الموسيقى أيضاً مع إعادات التوزيع واستخدام ألحان معروفة على كلمات مختلفة، الأمر الذي أثار حفيظة كثيرين ممن اعتبروا أن ما يجري هو "تلويث" لزمن كانت النخبة فيه هي المبدعة.

تزامن هذا كلّه مع انهيار اسطورة "الزمن الجميل" افتراضياً مع صفقة بيع تراث السينما المصرية لفضائيات خاصة، أصبحت المتحكّمة بمصير تلك الأعمال. وهي، وإن أعادت تقديم الأفلام بصيغة تقنية أفضل، أرفقتها بحملة دعائية وترويجية بتوقيع شباب من جيل مختلف ضجر من تحجّر "النوستالجيا" إلى تاريخ لم يشارك في صناعته بل إن حاضره مسجون فيه وممسوخ لعدم شبهه به. هكذا أدخل إلى المشاهد الكلاسيكية المعاد تمثيلها اللهجة العامية وحوارات نابعة من هموم الحاضر كصرخة استغاثة من حاضر رازح تحت النوستالجيا وقداسة الماضي. ولعلّ التجربة الرائدة في هذا المجال والتي قادتها مرة أخرى قناة "ميلودي" تتمثّل في إعادة تخيّل هذا الإرث السينمائي وكسر هالته من خلال حملة إعلانات "فيلم عربي... أم الأجنبي" الذي يقارن بين السينما المصرية والأميركية من خلال مشهد تمثيلي يتكرر أبطاله المخرج الشاب "وديع" والمنتج "إلهامي". وتفترض السلسلة الإعلانية أن الأفلام العالمية الكبيرة كانت قد عرضت على المنتجين المصريين ولكنهم رفضوها لصالح أفلام مصرية ركيكة المضمون والصنعة: رفضوا "تايتانيك" وأنتجوا "لحم رخيص"، رفضوا "الراقص مع الذئاب" لينتجوا "عضة كلب" وهكذا... المدهش في هذه الظاهرة سلوكها طريق السخرية للإعلان عن منتجها. هاجم كثيرون الحملة بمنطق أنها تحتقر الأفلام المصرية، ولكنّهم نسيوا أن أساس السخرية نابع من آلية الصناعة نفسها: من تحكم رأس المال بها وإصراراها على الاقتباس وتقديم الأفلام المضمونة وعدم القدرة على الابتكار وتحكم البطل الذي لا يقهر وباقي الكليشيهات بها.

خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بدا واضحاً إفلاس السينما الكوميدية المبتذلة التي تحكمت بالانتاج لسنوات طويلة وما رافق السينما الأخرى من تعابير مبتسرة مثل "السينما النظيفة" و"الأفلام العائلية" وسواهما. المحاولات التي بدأت تظهر لم تكسر طوق تحكم المنتجين بالصناعة ولكنها حققت خروقات على صعيد تقديم إنتاج أفلام خاصة مستقلة وفردية يجمعها السؤال الكبير: إلى أين نحن ذاهبون؟ هكذا ظهرت أفلام مثل "عين شمس" لابراهيم البطوط و"هليوبوليس" لأحمد عبدالله و"الخروج" لهشام عيسوي و"678" و"المسافر" لأحمد ماهر التي عبّرت عن انسداد الأفق بالكامل والتقطت، بوعي أو بدون وعي، لحظة في الحاضر على أهبة الزوال. حتى موجة الأفلام الكوميدية اخترقتها محاولات لأحمد حلمي ذهبت إلى أماكن عميقة في المجتمع المصري والتعبير عن أزماتها كما في "ألف مبروك" و"عسل أسود". شهدت السنوات الأخيرة أيضاً مساهمة مخرجين مخضرمين من الجيل السابق مثل يسري نصرالله ومحمد خان وداود عبد السيد الذين تأرجحت أفلامهم بين شحنات حنينية إلى شيء مفقود ورؤية سوداوية للواقع القائم. ولا ننسى بعض المحاولات الوثائقية مثل "جيران" تهاني راشد وسواه من الأفلام التي يردد لسان حالها: ماذا حلّ بالمكان؟ وإلى أين يتّجه؟

مما لا شك فيه أن ما يجري في الشارع المصري اليوم سيفتح زاوية جديدة للكاميرا في السينما والتلفزيون على حد سواء، ما زال مبكراً الحديث عنها في ظل استمرار الحدث. فهل سنشهد خلال السنوات المقبلة تحرّر التلفزيون من السير التاريخية والسينما من الإعادات والتكرار؟

المستقبل اللبنانية في

04/02/2011

 

استعادة سينمائية لأحد رواد "الموجة الجديدة" في سينما متروبوليس

"حكايات إريك رومير" في عشرة أفلام 

بالتزامن مع الذكرى الأولى لوفاته، يحضر السينمائي الفرنسي إريك رومير بين 7 و16 شباط (فبراير) الجاري في سينما "متروبوليس" أمبير- صوفيل من خلال استعادة سينمائية تقيمها مؤسسة متروبوليس بالتعاون مع البعثة الثقافية الفرنسية والمعهد الفرنسي في بيروت. عشرة أفلام تختزل عوالم شاعر "الموجة الجديدة" في السينما الفرنسية وتوسع آفاق الجمهور المحلي على السينما الفرنسية التي سبق لـ"متروبوليس" رصد فصول من تاريخها الثري عبر استعادات سبقت لجاك تاتي ولاوبير بريسون وسواهما.
خلال مسيرة سينمائية امتدت على ستة عقود من الزمن، احتل السينمائي اريك رومير مكانة مرموقة باعتباره أحد أكثر السينمائيين الفرنسيين رؤية ثاقبة وبلاغة وحيوية. هو واحد من رواد "الموجة الجديدة" وسينمائي مؤلف بامتياز وصاحب أفلام ذات جمالية وشعرية عالية، أفلام عن الحب والولاء والحياة. وعلى الرغم من الانسجام الكبير والاتساق الأسلوبي والموضوعي في أعماله، تمكن المخرج بطريقته من الحفاظ على طزاجة أفلامه وحيويتها طوال حياته المهنية.

بينما لاقت قلة قليلة من أفلام رومير نجاحات تجارية، وجدت خصوصيته السينمائية طريقها الى قلوب فئة من الهواة والمتابعين فضلاً عن النقاد داخل بلده وخارجه. في عناوينها العريضة، تمحورت أفلام رومير حول العلاقات الانسانية الوثيقة، لا سيما بين الشباب الذين يختبرون صدمات الحب الأول، وانطوت غالباً على معضلة أخلاقية من نوع ما. تميز السينمائي باستعانته بممثلين غير محترفين واتكاله على الحوارات المرتجلة التي أسهمت في منح أفلامه عفوية وبراءة خادعة جعلتا منها استكشافات أصيلة وآسرة للنفس البشرية.

موريس شيرير هو الاسم الحقيقي لاريك رومير وهو شقيق الفيلسوف رينيه شيرير. ولد في "نانسي" يوم الرابع من نيسان (ابريل) عام 1920. بدأ حياته المهنية صحافياً في باريس ثم مدرساً للأدب. ونشر عام 1946 رواية "اليزابيث" باسم مستعار هو جيلبرت كوردييه. بين أواخر الأربعينات ومطلع الخمسينات من القرن الماضي، قاده حبه للسينما الى التعرف بجان- لوك غودار وفرونسوا تروفو وجاك ريفيت وكلود شابرول.

سريعاً، تحولت هذه المجموعة المتباينة من المثقفين نوعية مختلفة من النقاد السينمائيين، تعارض بشكل عميق الاتجاهات السائدة في صناعة الفيلم الفرنسي. بعد مناصرة المخرج المؤلف في السينما ومساندة دوره بحماسة منقطعة النظير، تحولوا أنفسهم سينمائيين في ما أصبح يُعرف بالموجة الجديدة أواخر الخمسينات. أحدث رومير ورفاقه تغييراً جذرياً وبعيد المدى في السينما الفرنسية والعالمية، لا تزال مفاعيله ماثلة الى يومنا هذا.

بين عامي 1956 و1963، بعد أن اعتمد اسم اريك رومير، عمل شيرير جنباً إلى جنب مع معاصريه من رواد الموجة الجديدة كرئيس تحرير للمجلة السينمائية الشهيرة، "دفاتر السينما" Cahiers Du Cinema. في العام 1957، كتب رومير بمعية كلود شابرول كتاب "هيتشكوك" متناولاً السينمائي البريطاني وأعماله بنظرة تحليلية عميقة، كرّست مكانة هيتشكوك للمرة الأولى كمخرج مؤلف من الطراز الرفيع.

خلال الخمسينات، أنجز رومير سلسلة من الأفلام القصيرة، من بينها La Sonate a Kreutzer (1956). فيلمه الطويل الأول، La Signe du Lion (الإثنين 7 شباط)، أبصر النور عام 1959، في العام نفسه مع باكورتي تروفو وغودار. كانت تجربة رومير الأولى أكثر تقليدية وتحفظاً من تجارب معاصريه في الموجة الجديدة ، بما يفسر تجاهل النقاد لعمله والاحتفاء الفوري بتروفو وغودار.

بعد تأسيسه شركته الانتاجية الخاصة مع سينمائي آخر هو باربيه شرودر في العام 1962، بدأ رومير العمل على مشروع سينمائي سيستغرق عشر سنوات كاملة. أثمر المشروع أول أعماله المحتفى بها، Six Moral tales. تدور أحداث كل فيلم من الأفلام الستة حول شخصية رجل يواجه أزمة أخلاقية تتمثل بحبه لامرأة وانجذابه جسدياً الى أخرى. بكلمات رومير، تمثل تلك الأفلام الصراع الأزلي بين النبل الإنساني والغريزة الحيوانية. الفيلم الرابع في هذه السلسلة، Ma Nuit Chez Maud (1969، الأربعاء 9 شباط)، حقق لمخرجه الاختراق. نال الفيلم استحسان النقاد في الداخل وحقق النجاح التجاري في الولايات المتحدة الأميركية، حيث حصل على ترشيحين لجوائز الأوسكار. كذلك حقق تاليه في السلسلة، Le Genou de Claire (1970، الخميس 10 شباط)، شعبية واسعة.

في العام 1964، غادر رومير مجلة "دفاتر السينما" لتولي وظيفة في التلفزيون الفرنسي. على مدى السنوات القليلة المقبلة، أخرج أكثر من عشرة أفلام تلفزيونية، بما في ذلك الأفلام الوثائقية التي لاقت شعبية واسعة في سلسلة "مخرجو زمننا". بعد مرحلة سينمائية وجيزة، أطل فيها على الدراما التاريخية مع Die Marquise von O (1976) وPerceval le Gallois (1978، السبت 12 شباط)، بدأ رومير العمل على سلسلته الثانية "كوميديا وأمثال" Comedies and Proverbs التي شغلته طوال عقد الثمانينات. تناولت أفلام السلسلة الطبقة الوسطى في فرنسا الثمانينات، من خلال موضوعات الخيانة والانحلال الأخلاقي وبحث المرأة الشابة عن الحب. اشتهر من تلك السلسلة فيلمان: Pauline a la Plage (1986، الأحد 13 شباط) وLe Rayon Vert (1986، الثلاثاء 15 شباط) الذي جلب لمخرجه جائزة الأسد الذهب في مهرجان البندقية السينمائي عام 1986.

في التسعينات، تركزت جهود اريك رومير على سلسلة أفلامه القادمة في عنوان "حكايات الفصول الأربعة" Tales of the Four Seasons ("حكاية الشتاء" 1991، الأربعاء 14 شباط) التي يعتبرها البعض الأنجح بين سلسلاته. كل فيلم من هذه الأفلام الأربعة تدور أحداثه في فصل معين من السنة وينطوي على شكل من أشكال العزلة العاطفية. تواجه الشخصية المحورية في كل فيلم أزمة مستجدة، ولكن الحكاية تنتهي بتفاؤل كأنها تردد تلك الدورة من الانبعاث والتجديد التي نقع عليها في الطبيعة.

في الأفلام الثلاثة الأخيرة، أظهر رومير تحولاً في تقنيته، على الرغم من حضور موضوعاته الأثيرة حول الحب والاخلاص. ففيلم LAnglais et le Duc (2001) دراما تاريخية متحركة، تدور أحداثها في زمن الثورة الفرنسية وتستخدم أحدث التقنيات الرقمية لجعل الشخصيات جزءاً لا يتجزأ من الخلفيات المرسومة. أما Triple Agent (2004) فيقدم صورة مؤثرة عن إمكانية أن تقوض الأحداث الخارجية الثقة بين زوجين. آخر أفلام رومير، Les Amours d"Astree et de Celadon (2007)، شريط غنائي، مؤسلب، تدور أحداثه في القرن الخامس وبقدر ما هو احتفال بجمال العالم الطبيعي، هو شهادة حميمة لشاعر حول قدرة الحب.

على الرغم من إنتاجيته العالية، كان إريك رومير رجلاً يقدس الخصوصية ويتجنب الدعاية في حياته الخاصة. واجهت أفلامه صعوبة في العثور على جمهور عريض، ولكن بالنسبة إلى أولئك الذين يقدرون ذكاءه وشغفه بالسينما، لن تتوقف أعماله عن أن تكون مصدر سعادة وإلهام لجيل مقبل من السينمائيين، ينظر الى السينما كفن وليس فقط كوظيفة مربحة. بتواضعها وبساطتها الظاهريين، ستتمكن أفلام رومير من أن تعمر طويلاً وإن فقط بفضائل الحب والحكمة والذكاء التي صُنعت بها.

المستقبل اللبنانية في

04/02/2011

 

فنّانو مصر... أين يقفون من هذا المنعطف التاريخي؟

محمد عبد الرحمن  

منذ اليوم الأول للمواجهات، اختار بعض الفنانين الانضمام إلى الثورة، فيما لم يتردّد بعضهم الآخر في إعلان مواقفه الداعمة للنظام. أما الفئة الثالثة، فتحاول أن تجمع بين النظام والجمهور!

القاهرة ــ رغم دخول الثورة يومها العاشر، لا يزال بعض الفنانين يفضّلون الاعتصام بالصمت، بدل إطلاق التصريحات السياسية التي قد تكلّفهم غالياً في المستقبل، وخصوصاً أن قسماً منهم كان يعيش في نعيم مادي واجتماعي طيلة فترة حكم حسني مبارك. هكذا ينتظر بعضهم اتضاح الصورة السياسية بعد الثورة قبل الإدلاء بأيّ موقف مناصر أو مناهض للاحتجاجات الشعبية.

لكنّ قسماً آخر من النجوم اتّخذ خياراً مخالفاً، ونزل إلى الساحات منذ اليوم الأوّل لينضمّ إلى صفوف الشباب المحتجّين والمطالبين بالتغيير. ولعل الموقف الأبرز كان للموسيقار عمّار الشريعي الذي وضع إصبعه على جرح الشعب المصري، مسجّلاً موقفاً جريئاً فقال: «جيلنا هو جيل الخنوع، والجيل الحالي هو المستقبل». وأشار إلى أنه سيشارك للمرة الأولى في الانتخابات الرئاسية، «ويكون صوتي محسوباً، بخلاف انتخابات الدورات السابقة التي كان يحصل فيها الرئيس على نسب تفوق 99 في المئة». وشنّ الشريعي هجوماً عنيفاً على الإعلام المصري، «الذي يطالبنا بعدم مشاهدة محطات كـ«الجزيرة» وBBC، رغم أنهما تنقلان نبض الشارع الحقيقي». وذهب الموسيقار المصري أبعد من ذلك، متّهماً رجال الأمن بإثارة الشغب، ومعتبراً أن «شباب مصر يشكلون لجنة الدفاع عن البلد، من النهب والسرقة، ويحمونه من المجرمين والبلطجيّة، وهم ليسوا المساجين الفارين، وأصحاب السوابق فقط، بل هناك من تدرّبوا على القتل». من جهته، دعم عمر الشريف في أكثر من تصريح تلفزيوني المتظاهرين وأيّد مطالبهم، داعياً الرئيس حسني مبارك إلى التنحّي عن السلطة. أما صلاح السعدني، فوجّه انتقادات لاذعة للنظام، مؤكداً أن المسؤولين المصريين لم يفهموا بعد حقيقة هذه التظاهرات. ولم يتردّد في التنديد بنظام حسني مبارك الذي رأى أنّه «أطاح كل ما بناه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر»، مطالباً بأن يكون «حاكم مصر نبيّاً للفقراء». كذلك قال محمود حميدة إن انتفاضة الشعب المصري كانت طبيعية بعد إطاحة الرئيس التونسي زين العابدين بن علي.

غير أنّ التضامن الأبرز مع المنتفضين كان من قبل الفنانين الشباب الذين صمدوا في دعمهم حتى بعد الخطاب الأخير لمبارك. ومن أبرز هؤلاء عمرو واكد الذي قال «شعرت أنّ من واجبي أن أشارك الشباب رفضهم واحتجاجهم، لذلك انضممت إلى المتظاهرين في ميدان التحرير وشاركت في تظاهرات أخرى في شبرا». وحظي كلام واكد بتأييد المتظاهرين الذين وصفوه بأنه «رمز محترم للفنانين». من جهته، حوّل خالد أبو النجا صفحته على «فايسبوك» إلى ساحة للنضال بأغنيات الثورة المناهضة للنظام. كذلك أعرب فنانون آخرون عن تأييدهم للتظاهرات، ومنهم جيهان فاضل، والمخرجون يسري نصر الله، وداوود عبد السيّد، وهالة خليل، ومحمد دياب، وعمرو سلامة، وأحمد ماهر، وطبعاً خالد يوسف الذي طالب النظام بالرحيل قائلاً «الشعب قال كلمته، وما فيش حكم بالعافية». ووجه رسالة مباشرة إلى مبارك قائلاً: «ارحل حقناً للدماء». أما عزت العلايلي، فقال إنه سيشارك في أيّ تظاهرة مقبلة.
وأمام موجة الفنانين الداعمين للثورة والمطالبين بالتغيير، برز نوعان من النجوم المؤيّدين للنظام: الأوّل هم الممثّلون والمغنّون الذين طالبوا بـ«الاستقرار والتهدئة خوفاً على مصر»، وطالبوا بإعطاء الحكومة الجديدة فرصة للعمل وتحسين الأوضاع. ورأى هؤلاء أن كلمة حسني مبارك الأخيرة تأكيد لـ«استجابته الكاملة للشعب»! ويضمّ هذا التيار على نحو أساسي محمد صبحي، وأحمد السقا، فيما بدا موقف أبو الليف ضبابياً، إذ قال إنّه ضدّ مبدأ التظاهر كوسيلة للتعبير عن الرأي. أما عادل إمام، فأكّد أنه لم يصف تظاهرات الشباب بـ«العمل الغوغائي»، معلناً أن «من حق الشباب التعبير عن أنفسهم والمطالبة بما يريدون، لكن في الأطر السلميّة».

أما النوع الثاني من دعم النظام، فجاء بواسطة فنانين لم يترددوا في التعبير عن موقفهم الصريح المعادي للتظاهرات، والمطالب ببقاء مبارك في منصبه. ولا شكّ في أنّ تهمة «فنان النظام» ستلاحق هؤلاء طويلاً. مثلاً قالت غادة عبد الرازق، التي لطالما جاهرت بمحبّة الشعب لها، إن ما يجري في الشارع هو «غدر برمز كبير خدم البلد مدة 30 عاماً». طبعاً لم تنتبه بطلة «زهرة وأزواجها الخمسة» إلى عشرات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا في الشارع. وقد انضمت غادة إلى مسيرات داعمة لمبارك بقيادة نقيب الممثلين أشرف زكي وشقيقته ماجدة زكي، وزينة، ونهال عنبر، وعمرو مصطفى. لكن «التلفزيون المصري» نفسه اعترف بفشل التظاهرة المضادة للتظاهرة الشعبيّة، معتبراً أن «الإعلان عن حفلة لمحمد منير وعمرو دياب، يحقق حضوراً أوسع من تظاهرة مساندة للرئيس».

ويعدّ موقف الممثل حسن يوسف الأكثر استفزازاً، إذ قاد الأخير حملة اتصالات هاتفية يوميّة، على كل القنوات المصريّة الحكوميّة والخاصة، للتشكيك في وطنية المعتصمين في ميدان التحرير. وأجرى النجم المخضرم ثلاثة اتصالات بثلاث قنوات خلال نصف ساعة، ليبدأ حملة ترويج «لدخول عناصر إيرانية إلى مصر في الأشهر الأخيرة استغلت فرصة الفوضى في الشارع لتصبّ الزيت على النار». بعد ذلك، طرح يوسف سيناريو آخر عن شهادات ادّعى أنه جمعها من أهل الحي الذي يسكن فيه، وتؤكد أن المعتصمين يحصلون يوميّاً على مبالغ ماليّة يوميّة وعلى وجبات غذائيّة مجانية، وهو الأمر الذي أثار استياء المتظاهرين الذين ردّوا عليه عبر شاشات أخرى. كذلك ناصر بعض الرياضيين رئيسهم على طريقتهم، إذ اتصل اللاعب إبراهيم حسن بالتلفزيون الرسمي، ودعا مناصري مبارك إلى العودة إلى منازلهم حتى تتمكن قوات الأمن من محاصرة المعتصمين بطريقتين، الأولى عبر منع الغذاء والدواء عنهم، فيضطرون إلى الرحيل، والثانية من خلال إطلاق خراطيم المياه عليهم كما يحدث في أميركا.

وسط هذا، كان لافتاً صمت بعض النجوم عمّا يجري، مثل محمد منير، وهاني شاكر، وتامر حسني. وكان هذا الأخير قد أكّد أنه سينضم إلى التظاهرة المليونيّة، ثم انكفأ خوفاً من الأخطار المحيطة بالميدان أو ربما لأنه لم يجد في الاحتجاج ما يكسبه شهرة ودعاية إضافيتين. ووفق ما جاء في صحيفة «الشروق»، فإنّ عمرو دياب سافر إلى دبي، لكنّ صوته ظل حاضراً على شاشة «التلفزيون المصري» الذي بثّ أغنيته «واحد مننا» الموجهة إلى الرئيس. واتجه فنانون آخرون إلى القارة الأوروبيّة، ومنهم نيللي كريم، وياسمين عبد العزيز، وبشرى، هرباً أو خوفاً مما يجري على أرض «المحروسة».

الأخبار اللبنانية في

04/02/2011

 

«الثورة» حلم يدغدغ مشاهير لبنان

باسم الحكيم  

الشعب المصري قال كلمته، مطالباً حسني مبارك بالتنحي، لكنّ الوضع في القاهرة يزداد سخونةً وخطورة. أمام هذا المشهد، يتفق الممثلون اللبنانيّون على تأييد تحرّك الشعب المصري، كنوع من الرد على الظلم والقمع. كلامهم يتحوّل سريعاً إلى درس في الديموقراطيّة للشعب اللبناني الذي يفتقر إلى الولاء لوطنه لمصلحة زعيمه وطائفته. ترى كارمن لبّس أن «الشعب المصري يقرر من يريد أن يكون على رأس السلطة. هم يشعرون بالظلم». وتتمنى لبّس لو يحدث أمر مشابه في لبنان، «غير أن الناس هنا ينساقون وراء زعمائهم». وتطالب الممثلين المصريين بأن يكونوا «يداً واحداً، لأنهم أمام لحظة تاريخيّة مشرّفة».

ويرى باسم مغنية أن الثورة على النظام لا تقتصر على مصر، «بل إن مطالب المصريين مشابهة لمطالب الشعوب العربية من تونس والجزائر إلى الأردن واليمن ولبنان وسوريا»، مشيراً إلى أنه «عند اختلاف حسابات الحكومات عن الحسابات الشعبيّة، فأنا أناصر الشعب». ويتفق مع كارمن لبّس على أن «انقسام الشعب اللبناني طائفيّاً، وانحياز كلّ من أفراده إلى فريقه السياسي، يجعلانه يعمل ضد مصالحه»، مشيراً إلى أنه «في معظم أنحاء العالم العربي، تلتقي كلمة المعارضة والموالاة مع مطالب الشعب وتنطق بصوته».

يتحدث الممثل ألكو داوود انطلاقاً من تجربته الشخصيّة، إذ إنّه عاد ليل الأحد الماضي من القاهرة بعد تصوير مشاهد من «الشحرورة»، وأمضى يومه الأوّل في بيروت نائماً، بعد التوتر الذي عاشه على الطريق بين فندق «شيراتون دريم لاند» والمطار. يقول: «حملنا حقائبنا ووضعناها على سقف حافلة صغيرة، واتجهنا إلى المطار. ورغم أن الطريق لا تحتاج سوى إلى ساعة واحدة، فقد احتُجزنا ثلاث ساعات بين الدبابات وآليات الأمن». ويتحدث عن مشهد تدافع المواطنين، حيث توفّي رجل ستيني جراء ذلك. يرى داوود الأمور هناك من وجهة نظر شخصية «أقمنا في مجمع سياحي يبعد ساعة عن العاصمة، وظلّ الموظفون فيه يتوزّعون نوبات الحراسة لحماية المجمع، خوفاً من التخريب والفوضى، بعد تعرض فندق قريب للتدمير»، لكنّ داوود يؤمن بضرورة أن يقول الشعب كلمته«لاحظت الفرق الشاسع في المستوى الاجتماعي بين طريقين متلاصقين، بين منطقة «إمبابة» والكورنيش. حينها تفهم أنّ من حق السكان أن يسألوا لماذا نعيش ما دون خط الفقر بأشواط».

رأي نيكول سابا يمثّل نوعاً من الصدمة، الفنانة اللبنانيّة التي توزّع وقتها بين لبنان ومصر، وتعرف الشعب المصري عن كثب، ما زالت تعيش حالة ذهول بعد عودتها إلى لبنان السبت الماضي. تقول: «بالنسبة إليّ، عدم الأمان هو الأخطر في هذه الثورة، والشعب المصري يحرس أفراده ممتلكاتهم ويحمون عائلاتهم. ما يحدث ليس ثورة أو انقلاباً، فالتظاهرات تجاوزت أهدافها وتحولت إمعاناً في التخريب». وتُفتي نيكول في السياسة المصريّة، قائلة: «في رأيي الرئيس المقبل، لن يكون أفضل من الحالي».

وتشعر سيرين عبد النور بالفخر الممزوج بالحزن على ما يجري في أم الدنيا، هي تدين لـ«مصر التي احتضنتني بالكثير»، واصفةً «المصريين بالشعب الطيّب والمسالم. أحاول منذ اندلاع الثورة التواصل مع أصدقائي للاطمئنان إليهم. كنت أتمنى لو كنت هناك، غير أنّ وضعي لا يسمح لي بالتحرك لكوني على وشك الولادة. وهو الأمر الذي أجبرني على الاعتذار عن عدم تأدية أعمال عدة». لكن سيرين تنتظر هدوء الأوضاع لتسجل أغنيتها الجديدة في «استديو أمير محروس»، وتأمل «أن يتحول حلم التحرّر إلى واقع سريعاً، وأن يكون هذا الشعب قدوة لشعوب أخرى، ترزح تحت الظلم، لأن المصريين شعب متعلّق ببلده ويشعر بالانتماء إليه».

أما ورد الخال، فتجيب على سؤال «الأخبار» كأنها مراسلة من قلب المعركة، «أتابع الثورة الشعبيّة لحظة بلحظة، ويبدو أنها ستستمر في ظل إصرار الرئيس على البقاء على رأس السلطة». وتضم صوتها إلى أصوات المتظاهرين، «إذ إنني أتعاطف معهم وأحترم إرادتهم». ترى أنّ «التغيير تأخّر. حيث إنّ الرئيس الحالي مُنح ثلاثين عاماً، وها هو الشعب يتحرك بعفويّة، ويجب أن يكون قدوة لسواه». أما نقابة الفنانين المحترفين في لبنان، فكان همها الأوّل متابعة وصول الممثلين اللبنانيين القادمين من القاهرة. وتعلّق النقيبة سميرة بارودي قائلةً «شخصياً لا أتدخل في سياسة الآخرين، وأطلب من الله أن يحمي مصر، وأن تنتهي الأزمة على خير لأنّ مصر هي بلد الحضارة والإبداع والفكر والتاريخ، نتابع ونبكي ونتذكر لبنان في أوقاته العصيبة»، آملةً «أن تكف الأيادي المخرّبة والمتآمرة عن العبث بالأمن». ويرى نقيب الممثلين جان قسيس أنه «ضد الأنظمة المحنّطة، التي تستمر 30 عاماً. وحين نحقّق الديموقراطية، نصبح في مصافّ الشعوب التي تحترم نفسها». ويأمل قسيس أن يحرّك ما يجري في مصر «المياه الآسنة في المستنقع العربي»، مشيراً إلى أن «الثورة ضرورة للإصلاح والتغيير وإنصاف المظلوم».

الأخبار اللبنانية في

04/02/2011

 

نجوم سوريا... معانا ولا مع التانيين؟

وسام كنعان  

دمشق ــ توقف النجوم السوريّون عن التفكير في أعمالهم ومشاريعهم المستقبلية في هوليوود الشرق، إذ إنّ الوقت لم يعد مناسباً للتأمل في الأحلام الوردية التي يطمح عدد كبير من نجوم الدراما السورية إلى تحقيقها على أرض الكنانة. الكل يتعاطف مع الشعب المصري، ويأمل أن تسوّق له الشاشة الصغيرة خبراً عن عودة الأمن إلى الشارع، رغبة في عودة عجلة الدراما إلى الدوران، وبدء إنجاز الأعمال التي أُجّلت حتى إشعار آخر، وخصوصاً أنّ المحروسة صاحبة فضل كبير على الكثير من نجوم سوريا، إذ أسهمت في توسيع دائرة شهرتهم عربيّاً.

وفيما ترك الكثير من نجوم مصر حسابات الخسارة والربح، وانضمت مجموعة من كبار نجوم الدراما والسينما المصريّتين، أمثال محمود عبد العزيز، وصلاح السعدني، ومحمود حميدة، وخالد الصاوي، إلى المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة، استطلعت «الأخبار» آراء بعض نجوم الدراما السورية، وأوّلهم أولئك الذين عاينوا هموم الشعب المصري عن قرب من خلال عملهم في الدراما المصرية وتعاطيهم مع المجتمع المصري ومسلسلاته التلفزيونية. لكنّنا اصطدمنا بالجواب ذاته. رجا هؤلاء عدم إقحام أهل الدراما السورية في الأزمة المصرية، رغم أن النجوم السوريين أدلوا برأيهم سابقاً عند وقوع الأزمة الجزائرية المصرية، إثر مباراة أم درمان الشهيرة. لكنّهم يرون أنّ المسألة تختلف كلياً هذه المرة. هكذا، خيّمت الدبلوماسية على أجوبتهم من دون ذكر «ثورة الغضب» ولو مرةً! وإذا كانوا منحازين إلى نبض الشارع المصري، فقد طلبوا منّا عدم ذكر اسمهم، لأنّ ذلك قد يسبّب لهم مشاكل في عملهم في المحروسة.

أحد النجوم السوريين فضّل عدم ذكر اسمه رأى أنّ المجتمع المصري كان لا بد له من الانفجار لانعدام حالة الحوار بين الشعب والسلطة. وأضاف أنّه لن يدلي بتصريحات قد تؤذي فرص عمله في هوليوود الشرق، ما دام الشعب المصري حساساً جداً تجاه تدخلات غير المصريين في شؤونه! الحالة ذاتها تتكرر عند نجم آخر فضّل الصمت، على اعتبار أنه لا يمكن أن يفصح علناً عمّا يدور في ذهنه، لأن الأمر قد يؤذيه مستقبلاً. وفي الوقت ذاته، فإنه يكره أن يطل بمظهر الدبلوماسيين والسياسيين الذين يثيرون الاشمئزاز بمحاولاتهم الواهية للتقليل من أهمية ما يجري!

في زحمة انهماكها بتصوير مسلسل «الولادة من الخاصرة»، تغتنم المخرجة السورية المصرية رشا شربتجي الفرصة مرات عديدة لتتوقف لحظات عن التصوير كي تجري اتصالاً بأهلها في مصر، تطمئن إلى أحوالهم وتعود إلى العمل. ثم تختصر رأيها في ما يحدث قائلةً لـ«الأخبار»: «كل ما أتمناه أن يعمّ الأمن والسلام في أرجاء مصر مهما كان الثمن وتحت أي ظرف»، ثم ترفض أن تضيف أي كلمة أخرى. أما المطربة السورية أصالة نصري، المقيمة في مصر، والتي مُنعت أخيراً من الغناء في المحروسة، فقد علمت «الأخبار» من مصادر مقرّبة منها أنها رفضت مغادرة مصر، وفضّلت البقاء مع شقيقتها أماني ووالدتها في القاهرة، على اعتبار أنّ مصر بلدها الثاني.

جمال سليمان الذي كان من أوائل النجوم السوريين الداخلين إلى هوليوود الشرق، صرّح بعد عودته من القاهرة بأنّ الأحداث التي تشهدها المحروسة مؤسفة، وتضع البلد كلّه في محنة حقيقية. واكتفى بالقول: «لو خُيّر المصريون بين أي جانب من جوانب الحياة لديهم والاستقرار، فإنهم حتماً سيختارون الاستقرار، وكلنا معهم في ذلك». ولا تختلف الممثلة سلاف فواخرجي عن النجم السوري. بعد عودتها إلى دمشق منذ أسبوع، صرّحت أنّها لم تكن تتوقع تفاقم الأوضاع في مصر، ووصولها إلى هذا المستوى من التوتّر. واكتفت بالقول إنّها حزينة لما يحدث في مصر، من دون التوقّف عند التظاهرات المليونية المطالبة بتنحّي مبارك!

لكنّ المفاجأة فجّرتها سمر سامي التي اعتادت عدم الظهور إعلامياً إلا في ما ندر. لكن هذه المرة بدت النجمة السورية القديرة منحازةً بالكامل وصراحةً إلى نبض الشارع المصري و«ثورة الغضب». وقد أبدت حماسةً كبيرة للحديث معنا، فراحت تخبرنا بأنّها هجرت موقتاً عادتها اليومية في القراءة، وباتت تقضي أوقاتاً طويلة جداً أمام شاشة التلفزيون، تتنقل من محطة إخبارية إلى أخرى، لتترقب بفرح عارم ما يحدث في الدول العربية من انقلاب على الأنظمة الطاغية، كما تسمّيها. وتقول: «فرحي مشوب بحزن كبير على القتلى والجرحى الذين يسقطون كل يوم. لكن من المعروف أنّ الثورة تحتاج إلى تضحيات، وما يحدث في الوطن العربي من تونس وصولاً إلى مصر والتظاهرات في دول أخرى، يؤكد بيت الشعر الشهير لأبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر. وأشدّد هنا كثيراً على كلمة «إذا»، لأنّ الإرادة هي الأساس الذي يحرّك الثورة عند الشعوب».

الأخبار اللبنانية في

04/02/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)