حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رؤية خاصة

بورليسك

بقلم : رفيق الصبان

(بورليسك) هو الأسم الذي يطلق علي برامج المنوعات الاستعراضية التي تعتمد علي الرقص وعلي شيء من التهريج والقاء النكت الساخنة.. وهو نوع شاع كثيرا في فترة ما بين الحربين.. خصوصا في المانيا التي كانت تتهاوي رويدا رويدا تحت وطأة النظام النازي الوليد.. وكان الفنانون يجدون في (البورليسك) وسيلة خصبة للتعبير عما في نفوسهم من احباط وآمال مدفونة ورجاء في مستقبل يبدو قاتما في كثير من جوانبه.

ولقد عبرت الأداب الالمانية والانجليزية خصوصا عن هذه الفترة بكثير من المسرحيات والعروض بما في ذلك الكاتب المسرحي الشهير برثولت برخت.. وقد قدم الكاتب الانجليزي كريستوفر اثروود قصة رائعة تصور هذا الجو وهذه الفترة باسم (وداعا يابرلين) ثم نقلها الي فيلم سينمائي. ثم الي اعداد مسرحي وموسيقي باسم (كباريه).. تحول بعد ذلك الي فيلم شهير.. لعبت بطولته ليزا مانيللي وفاز بأكثر من جائزة اوسكار.. واعتبر نجماً في الأفلام الاستعراضية ذات الخلفية السياسية المتينة.

وها هي هوليوود تعود مرة أخري لتقديم فن البورليسك في فيلم امريكي بحث دون اي خلفية سياسية ظاهرة.. معتمدة هذه المرة.. علي شيوع هذا النوع من الاستعراضات الخفيفة في كثير من ارجاء الولايات المتحدة الامريكية.

(بورليسك) هذه المرة.. هي اسم حانة تديرها مغنية قديمة تدعي (تسي) وتقدم فيها استعراضات تعتمد علي رقص له طابع جنسي صريح.. وعلي زبائن متحررين جنسيا.. لا فرق بينهم بين السوي والشاذ.. والحانة تعاني رغم جماهريتها الخاصة.. بالكثير من المتاعب المالية.. ويتحين رجل أعمال اشبه بالحوت.. الفرصة لكي ينقض علي الحانة ويشتريها.. ليزيلها ويقيم بدلا منها عمارة عالية.. اشبه ما تكون بالمول التجاري.

لكن صاحبة الحانة.. التي بنت هذه الحانة بجهدها ودموعها ونضالها بالاشتراك مع رجل وقف الي جانبها منذ البداية.. تحاول بأقصي جهدها المحافظة علي حانتها.. وعلي التراث الفني الذي تقدمه.. وان تحمي راقصاتها وزبائنها.. وهذا (المكان) الذي اصبح بشكل او بآخر (وطنها) الحقيقي. الخلفية اذن في هذا الفيلم الامريكي.. هي خلفية اجتماعية لا سياسية.. وان كانت هموم المجتمع تعب اخر الأمر شئنا ام ابينا في بحر السياسة.

ويؤكد هذا الاتجاه الاجتماعي في الفيلم الشق الآخر منه.. والذي يتعلق بفتاة صغيرة موهوبة وتلعب دورها المغنية (كريستينا) والتي تعمل موظفة صغيرة في مكان بعيد عن العاصمة (مدينة ايوا) والتي تحلم بمستقبل فني.. يؤهلها للشهرة، خصوصا انها تملك صوتا جميلا.. ورشاقة جسدية وطموحا وعنادا لا ينتهي.

وتقرر الفتاة الريفية الصغيرة غزو المدينة.. واللجوء الي حانة بورليسك.. لعلها تجد فيها موطئا اول لتقدمها الصغير.. التي تحاول صعود ادراج الشهرة.

الفيلم يروي اذن في شقه الثاني محاولة هذه الفتاة الريفية الوصول الي حلمها الصعب الي جانب محاولة المغنية العجوز انقاذ حلمها القديم المهدد بالانهيار.

ومن خلال هذين الخطين.. يرسم الفيلم احداثه من خلال استعراضات كثيرة مثيرة لا تتوقف.. ومن خلال تصويره المعارك الجانبية التي تدور بين الفنانين في كواليس هذه الحانة العجيبة.. التي تحمل هذا الأسم الشهير (بورليسك). (شير) المغنية الامريكية المعروفة.. ذات الحضور القوي.. تعود للسينما بعد غياب طويل في دور (تسي) صاحبة الحانة.. وتقدم لنا اغنيتين احداهما.. باسم (بورليسك) في مطلع الفيلم والثانية.. (لن اتراجع) في نهاية الفيلم.. تاركة المجال كله للمغنية الشابة (كريستينا) التي تؤدي اغلب اغنيات الفيلم وكامل استعراضاته.

وهناك أخيرا.. قصص الحب التي تمر في سياق الفيلم.. تاركة الكثير من التشويق والشاعرية أحيانا.. كعلاقة (كريستينا) بساقي البار الشاب (جاك) الذي يصبغ وجهه بالماكياج وبدل جميع ظواهره.. علي انه (لوطي) محترف.. والذي يأوي (كريستينا) في منزله.. حيث نكتشف انه انسان عادي الغرائز.. ومرتبط بخطيبته يحبها.. بعيدة عنه بسبب أعمالها ولكنها دائمة الاتصال به هاتفيا.

علاقة حب كامنة.. تلد بين الراقصة الطموحة.. وبين عامل البار.. لا يجسران علي اعلانها ولكن الفيلم يقدمها بطريقة مشوقة وتخلو تماما من الابتذال.. ولكنها ستنتهي بالطبع بعلاقة جنسية.. تكتشفها الخطيبة العائدة.. وتقوم بطرد الفتاة من الشقة.. لاستعارة خطيبها (الخائن).

كذلك نكتشف ايضا.. ان زوج (تسي) ورفيقها في الحياة.. مثلي الجنس يقيم علاقة مع شاب صغير.. تعرف عليه حداثة.. وادخله حياته بشكل قدري مفاجيء.

الأحلام كلها  بعد ان وصلت الي مرحلة التحقق.. تصاب فجأة بهزة عنيفة تدك اركانها.. (تسي) مضطرة لبيع الحانة.. نظرا لتراكم ديونها.. وعجزها عن الحصول علي اية قروض بنكية.. تساعدها علي مواجهة هذه الكارثة.

وفي نفس الوقت.. تخسر رفيق دربها.. وكفاحها.

وكريستينا.. تخسر حبها الوليد.. وتخسر تحقيق حلمها بالظهور كمغنية وراقصة تجذب اليها الأنظار كلها في حانة مهددة بالهدم. وجاك عامل البار.. يكتشف ان حلم حبه الكبير مع خطيبته الغائبة كان وهما.. وان حبه الحقيقي قد افلت منه الي الأبد.

الحلم الوحيد الذي يبدو انه أصبح رهن التحقق.. هو حلم (الحوت) الكبير في شراء الحانة.. وهدمها.. وتحويلها الي جزء من مشاريعه العمرانية الاستغلالية والقضاء نهائيا.. علي هذا النور الصغير.. الذي كان يضيء (العتمة).

لكن الأمور.. تتحول في لحظة واحدة.. عندما تكتشف (كريستينا) طريقة فذة وغريبة لمنع الكارثة.. وهي (شراء الهواء).. وهي طريقة لن اسرد تفاصيلها كي لا اضيع علي المشاهد لذة متابعة الأحداث.. وقوة تشويقها.

المهم.. ان (بورليسك) تنجح في البقاء.. وان كريستينا تحقق حلمها بالشهرة والحب معا.. وان جاك قد وضع حدا لحيرته وانتمائه.. وان (شون) زوج تسي قد اكتشف نفسه ورمي قناع الزيف الذي كان يتحلي به طوال الأحداث.

كما نري.. فان (بورليسك) رغم جمال استعراضاته.. وجموح رائعاته.. وكثرة مشاهد العري فيه.. فيلم يقول الكثير.. كما انه يقدم لنا مثالا.. مدهشا.. علي التعاون بين مغنيتين.. احداهما وصلت الي أقصي درجات الشهرة (شير).

والثانية تشق طريقها الي القمة (كريستينا) ومع ذلك.. قدمتا صورة للتعاون الفني الوثيق بين جيلين.. يمدان يد المساعدة لبعضهما.. عوضا عن ان يضعا العراقيل في طريق كل منهما. قد لاترقي استعراضات (بورليسك) الي الاستعراضات التي رأيناها بفيلم (كباريه).. ولكنها رغم كل شيء.. عودة لروح الاستعراض.. التي انتقدتها هوليوود منذ زمن وها هي تحاول العودة اليها الان.. بطرق ملتوية.. ولكن حاسمة فبعد فيلم ها هو (بورليسك) وفي طريق السينما افلام اخري.. بعضها قادم من برودواي والآخر ستقدمه هوليوود علي طريقتها.. محاولة احياء الزمن البعيد الذي كنا نري فيه افلاما استعراضية.. اصبحت الأن من كلاسيكيات السينما كامريكا في باريس.. وغناء تحت المطر الي جانب الصحوة الكوميدية لسينما هوليوود.. والتي اتت متهادية لتريح عنا قليلا افلام الرعب والخيال العلمي الدموية.. التي وصلت روحنا فيها الي الزلعون.

قصة هوليوود.. تصحو بعد إغفائه طويلة.. لتعود. الي امجادها السابقة ولكن هل يعود هذا الزمن حقا..
ام نردد مع سيدة الغناء قولها
.. (عايزنا نرجع زي زمان.. قول للزمان ارجع يازمان)..

أخبار النجوم المصرية في

27/01/2011

 

بحب السينما

.. وسقطت غادة في مستنقع البون سواريه

بقلم : آيريس نظمي 

لا أكذب عليك اذا قلت انني لا أصدق ان كاتب السيناريو الكبير محمد أبوزيد الذي قدم لنا أهم الأعمال التي تعتبر الآن من كلاسيكيات السينما مثل »العار« و»الكيف« و»جري الوحوش«.. هو الذي كتب سيناريو »بون سواريه«.

فبعد غياب طويل عن السينما يقدم لنا أبوزيد هذا الفيلم الهابط التافه.. الذي ليس له معني لابداية ولانهاية.. وكأننا نري بعض الكليبات المثيرة للجنس من بعض الوجوه الجميلة!

لقد كتبت عن كل أفلامك السابقة اشيد بها.. وعندما تعرض علي شاشة التليفزيون لاتفوتني بالرغم من انني شاهدتها مرارا كثيرة. وبالرغم من فيلم »العار« الذي وافقت علي تحويله إلي مسلسل تليفزيوني.. فمن الظلم أن نقارن بينهما.. وهو نوع من الإفلاس.. هذا هو حال السينما الآن التي تحولت إلي تجارة.. فالشباب والجمهور الذي يعاني الحرمان من العري والرقص والابتذال هو السبب في أن كبار مخرجينا مثل خيري بشارة وسمير سيف وعلي بدرخان وغيرهم.. قد ابتعدوا عن السينما ليظلوا محتفظين بتاريخهم العريق.

هل السبب هو الاحتياج إلي المال بعد أن انفض المنتجون من مخرجينا الكبار الذين يفرضون آراءهم وشروطهم بقبول عمل لمحاولة الانتشار وكسب الرزق.

> > >

هذه مجرد مقدمة اتساءل فيها ما الذي حدث للسينما المصرية؟

قليلون جدا من الفنانين الذين يرفضون التدخل في اعمالهم مثل عادل امام مثلا الذي يشبعنا بأعماله التي لها هدف ومعني حيث يحول المأساة إلي كوميديا مثل آخر فيلم له »زهايمر« الذي يتناول فيه عقوق الابناء. ومع كل احترامي لمحمود أبوزيد.. و»استلطافي« لغادة عبدالرازق.. التي قدمت »زهرة وازواجها الخمسة« فبالرغم من مضمونه.. فقد كانت خفيفة الظل دون افتعال.. أما غادة في فيلم »بون سواريه« فهي تقوم فقط باستعراض جسدها.. لماذا تقبل مثل هذا الدور الذي أقل ما يوصف عنه التفاهة والسخف، فالفيلم تجاري متواضع جدا ومنفذ بطريقة سطحية.. واخرجه أحمد عواض مخرج »كذلك في الزمالك« و»كلم ماما« و »أريد خلعا«.

وهذا منذ الدعاية المنفرة للفيلم التي تقول »اللي اتلسع من الدقي.. ينفخ في المعادي«!!

> > >

تدور قصة الفيلم حول الاخوات الثلاثة اللاتي يعشن في مستوي جيد. الثلاثة هن فتاة خريجة الحقوق.. والثانية خريجة دار العلوم وتعمل مدرسة.. وهي فتاة متدينة.

أما الثالثة فهي فتاة معجبة بنفسها.. تزوجت وفشلت في الزواج بعد خيانة زوجها لها مع الخادمة وهو مشهد الخيانة الذي نراه في كل فيلم.. والمشهد الوحيد لطلعت زكريا الذي كان يجب اظهاره بصورة أعمق.

والفيلم يتناول قضية الميراث من خلال الثلاثة أخوات وذلك حين يموت الأب.. حيث يكتشفن أن والدهن ترك ميراث عبارة عن كباريه »بون سواريه«.. ولكنه مديون بالملايين، وتقرر بنتان منهن تشغيل الكباريه بنفسهما.. بالرغم من اعتراض الاخت الثالثة خريجة دار العلوم المتدينة..

> > >

والفيلم بطولة غادة عبدالرازق ومي كساب والراقصة مروي وحسن حسني وطلعت زكريا ونهلة زكي زوجة المنتج »السبكي« واخراج أحمد عواض.

ولكي يقدم المنتج فيلما تجاريا فقد قدمه بمقاييس السوق.. وحشر رقص وغناء في مشاهد متكررة بدون داع واستعراض لجمال الاجسام.. وقد أخذ هذا مساحة كبيرة في الفيلم وكأننا نجلس في كباريه درجة عشرة.. بل ان معظم الفيلم في هذا الكباريه الذي يدعي »بون سواريه« والتي تحاول اختهما المتدينة »مي كساب« بالتخلص منه..

وتجيء النهاية بدون أي مقدمات ففي المشهد الأخير يلقي البوليس القبض عليهن بتهمة الدعارة.

> > >

اعتقد ان محمود ابوزيد كاتب السيناريو قد قدم الكثير من التنازلات بعد غياب سنوات عن الشاشة الكبيرة.. فوافق علي إدخال الرقصات المتكررة التي قدمتها الراقصة »مروي«. أما مباريات الردح بين حسن حسني والراقصة »مروي« فحدث ولا حرج.. كلمات لم نسمعها إلا في الشوارع وحتي في الشوارع لم نعد نسمعها بين النساء »الشلق«!

ماذا تعمله بنفسك يامحمود.. أبعد أفلامك الناجحة التي تعتبر الآن من كلاسيكيات السينما المصرية تقدم الكثير من التنازلات لتقديم هذا الفيلم التافه؟

وأما عن كلمات الاغاني فأعتقد انها لاتقدم إلا في الكباريهات المشبوهة مثل اغنية »الهانس في الدانس« و»قالوا البط يحب النط«.. والتي تحوي معان جنسية.

> > >

ولا أعرف ما الذي حدث للكوميديا في السينما.. لقد ضحكنا من القلب زمان علي أداء اسماعيل يس، وستيفان روستي، والريحاني وفؤاد المهندس وعبدالمنعم مدبولي وغيرهم.. لكن بدون ان يجرنا إلي الإبتذال.. ولازلنا نحفظ بعض الجمل منها مثل »نشنت يافالح« وغيرها.

وبالرغم من أن الفيلم يقدم لقطات سريعة عن القيم والأخلاق التي جاءت علي لسان »مي كساب« فهي تقدم بطريقة مباشرة فجه.

الفيلم عبارة عن عري ورقصات مبتذلة وتكرارها لدرجة الملل.. ومباريات »الشرشحة« بين حسن حسني ومروي الراقصة، والتنافس بين الأختين »غادة« و»هالة« في العري والرقص.. وان كانت »هالة« قد غطت في بعض الاحيان علي »غادة«.

> > >

مثل هذه الافلام ليس لها أيه قيمة فنية.. بل ان نهايتها ستبقي في زبالة السينما.

أخبار النجوم المصرية في

27/01/2011

 

اللعبة العادلة و الأقاويل المضللة

بقلم : د . وليد سيف 

بعد شد وجذب وإقدام وإحجام، أمكن أخيراً لفيلم (اللعبة العادلة) ان يجد له مكاناً في دور العرض المصرية. وكانت كل أزمة الفيلم تتعلق بمشاركة ممثلة إسرائيلية تقوم فيه بدور صغير إلي جانب نجمنا خالد النبوي. كادت هذه الزوبعة ان تمنع جماهيرنا من مشاهدة أحد أقوي الأفلام الامريكية وأكثرها شجاعة في انتقاد حربها الغاشمة علي العراق. ولاتكمن قيمة هذا الفيلم فقط في أسماء نجومه الكبار شون بين وناعومي واتس ولامخرجه المتميز دوج ليمان ، ولاحتي في انه يطرح معلومات حقيقية وصادقة وأصبح معترفا بها. فهو مقتبس عن مذكرات عملية المخابرات الامريكية السابقة فاليري بلايم الصادرة عام ٧٠٠٢ بعنوان »لعبة عادلة: حياتي كجاسوسة وخيانة البيت الأبيض لي«.

ولكن قيمة هذا الفيلم الحقيقية في انه يعبر ببلاغة وإمتياز عن قضيته، فيصل إلي أعلي درجات القدرة علي التأثير. وهو ما منحه بطاقة التأهل للعديد من المهرجانات الدولية وعلي رأسها مهرجان كان كالممثل الوحيد للسينما الامريكية في المسابقة الدولية. وقد يعتقد البعض ان اعتماد الفيلم علي احداث حقيقية كافيا لوصوله الي هذه الدرجة من الإقناع. وانما في حقيقة الأمر فإن الصدق الفني يختلف كثيراً إقناعا من آلاف المستندات والأدلة حتي ولو كانت موثقة بالصوت والصورة التي اعتمد علي بعضها بتوظيف بارع في إطار رؤيته وبنائه الفني.. وبتوظيف بليغ للمونتاج أتاح لهذه اللقطات ان تلعب دورها في السياق الدرامي وكأنها مشاهد مكتوبة في نص السيناريو.. وكذلك الموسيقي التصويرية التي كانت تضفي ظلالا من السخرية الرصينة أحياناً او التوتر الحاد في احيان أخري، بدقة بالغة ووفقا لطبيعة الموقف ودلالته.

فضائح سوداء

يسرد الفيلم بأسلوب هادئ ومشوق تفاصيل ما عرف بال»بلايم جيت« او الفضيحة السياسية التي فاجأت العالم والرأي العام الامريكي عام ٥٠٠٢ حينما قام ريتشارد ارميتاج نائب وزير خارجية امريكا في عهد جورج بوش الابن بالكشف عن حقيقة السيدة فاليري بلايم ، كأحد عملاء وكالة المخابرات الامريكي CIA .. كان الهدف هو الانتقام من زوجها السفير السابق جوزف ويلسون الذي نشر مقالا في جريدة »نيويورك تايمز« بعنوان »مالم أجد في افريقيا« والذي وجه فيه بالأدلة إتهام إلي ادارة بوش بالتلاعب بمعلومات المخابرات عن برنامج صدام حسين النووي. ولكن بلايم تحالفت مع زوجها لينكشف الستار عن الفضائح السوداء للإدارة الامريكية في مسألة الحرب العراقية. وليصل بنا الفيلم الي هذه الحقائق، تنتقل بنا الاحداث إلي النيجر والاردن ومصر والعراق في مشاهد قصيرة ومعبرة. وحيث نلتقي بخالد النبوي في دور قصير لايقوم به إلا ممثل كبير بأداء بارع وهاديء لشخصية العالم العراقي فيعبر عن حاله وصدق اقواله بعدم وجود أي إمكانية في العراق لتصنيع المفاعل النووي.

هذا هو الإطار السياسي للأحداث ولكن السيناريو الذي يكتبه جيز وجون بيتروث يضعنا في قلب حكاية اسرة امريكية عادية تربي ابنائها بمشقة وسط مشاغل العمل ومشكلات تدبير المصاريف لتحافظ علي مستواها الاجتماعي بعد تقاعد الأب عن عمله كسفير. تعيش الأسرة وسط المجتمع وتندمج بين مجموعة من الاصدقاء، تحرص علي ان يضمهم عشاء جماعي بين حين وآخر. وقد تحدث بين الزوج والزوجة مناوشات وخلافات مثل أي أسرة عادية. ولكن الحياة تتأزم تماما حين ينتقل عناء العمل وهمومه إلي البيت ويتحول إلي موضع شجار بين الزوجين. ويتمكن السيناريو والمونتاج في هذه المشاهد من ان يمزج بين الخاص والعام وبحيث تتفتت المشاهد الطويلة بالمونتاج المتوازي مع احداث اخري لتتحقق حالة من التواصل بين مختلف أبعاد الفيلم. ولتتوزع كمية  المعلومات الضخمة التي يحملها الفيلم بأسلوب يسهل قبولها واستيعابها.

سد خانة

بدا ان حكومة جورج بوش وكأنها قررت ان تخوض الحرب ضد العراق، فتسعي إلي تدعيم هذا القرار بالتقارير التي تؤكد علي خطورة التسليح النووي في العراق. ولكن كانت تقارير الخبراء لاتحقق لهم مايصبون إليه، فلم يجدوا سبيلا لا بالضغط عليهم، والتلاعب في صياغة أو تفسير تقاريرهم. كما لجأت في هذا الشأن ايضاً إلي جوزيف ويلسن السفير الامريكي السابق في النيجير ليقوم بالتأكد من المعلومات الخاصة ببيع النيجر للعراق صفقة ألومنيوم ذات مواصفات خاصة إشتبهت بأن لها علاقة بعمليات تخصيب اليورانيوم.

ويعبر شون بين عن جدية السفير السابق وبحثه عن الحقيقة بمنتهي البراعة. وهو يختزل في لقطاته التي تعكس همه واهتمامه عشرات السطور من الحوار التي يمكن ان يحتاجها ممثل أخر. وكانت الصدمة بالنسبة للقيادات ان تقرير السفير أكد ايضاً علي استحالة تورط النيجر في صفقة مثل هذه. ولكن كل التقارير التي كانت لاتصب في صالح الحرب  أو إدانة العراق تقرر تجاهلها، ليتحقق الغزو. فينشر ويلسن مقالا في مجلة النيويورك تايمز تضمن تقريره الذي فضح الإدعاءات الامريكية. وبدأت الحرب بين ويلسون والادارة الامريكية وكأن علي الزوجة ان تحدد موقفها. وهو ليس فقط موقف لصالح أسرتها ولكنه لصالح الحق والحقيقة وكل أسرة آمنة في العالم.

اختيار الحقيقة

لم يكن الأمر سهلا فالتهديدات والاخطار تحيط بها من كل جانب. استحضرت ناعومي وواتس بمقدرة مذهلة شخصية عميلة المخابرات قوية الشخصية المؤمنة برسالتها والتي تتمزق بين ولائها المهني من جانب وولائها الأسري والوطني والإنساني من جانب آخر. ولكنها قررت في النهاية ان تقف الي جوار زوجها ضد الظلم.. وفي تلك اللحظة التي بدأت تدلي فيها بأقوالها تظلم الصورة للحظات لنري مشهداً تسجيليا لفاليري بلايم الحقيقة تحل محل ناعومي واتس وتأخذ مكانها وهي تدلي بأقوالها كما حدث بالفعل، لتنعدم المسافة الفاصلة بين الحقيقة والفيلم كأبلغ نهاية درامية وفنية. قد يري البعض ان العمل لايقدم معلومات جديدة فكل ما به سبق نشره بل ان الكتاب المأخوذ عنه صدر منذ عدة سنوات. ولكن المسألة ليست في المعلومات التي يتضمنها الفيلم وانما في قدرته التعبيرية والتأثيرية ومخاطبته لقطاعات اعرض قد لاتهتم بقراءة الكتب ولا حتي الجرائد التي تختلط فيها المعلومات بوجهات النظر الموضوعية والموجهة. ولكنها بالتأكيد سوف تعرف الحقيقة من هذا الفيلم أو علي الأقل سيتسرب إليها تأثيره المدهش ولغته الصادقة.. وكما كانت التقارير الملفقة والإدعاءات الكاذبة في الفيلم وتحرمنا من مشاهدة هذا الفيلم الرائع الذي ينبغي ان نسعي لعرضه في كل مكان، وان يشاهده ابناءنا ليتأكدوا تماما من أننا أصحاب قضية عادلة.

أخبار النجوم المصرية في

27/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)