حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

سمراءٌ/شقراءٌ :شعر المرأة في الفنّ، والسينما

صلاح سرميني ـ باريس

كما حال الرسم، النحت، والتصوير الفوتوغرافي، كيف وظفت السينما شَعر المرأة ؟

معرض (سمراءٌ/شقراءٌ) الذي بدأ في 6 أكتوبر 2010، وانتهى في 16 يناير 2011 حكى لنا قصة هذه الملحمة الرائعة.

هنا، حوارٌ أجرته الصحفية "ماري – إليزابيت روشي" مع "آلان برغالا" مُنظم المعرض، و"ماتيو أورليان" المُتعاون الفنيّ في "السينماتيك الفرنسية"، ونُشر في مُلحق (TéléObs).

·         من أين جاءت فكرة المعرض ؟

آلان برغالا : من ذوقٍ خاصٍّ، ودهشة، كان دافع تجسيد شَعر المرأة مركزياً في الرسم، والنحت، وأصبح أكثر أهميةً مع السينما، ومع ذلك، لا يوجد كتابٌ حول هذا الموضوع، لا في الرسم، حيث يشكلُ تجسيد الشَعر تحدياً حقيقياً، ولا في السينما.

·         سمراءٌ/شقراءٌ، هذا النقاش أثار البشرية منذ قديم الزمان، ويجعلنا حالياً نبتسمُ أيضاً...

آلان برغالا : وهذا الأمر بالتحديد ما يُثيرٌ الاهتمام، الانطلاق من سؤالٍ يبدو للوهلة الأولى سطحياً، وجذاباً، ولكن، عقيماً، وبنبشه، ندركُ بأنه المفتاح لأشياء أكثر جديةً مما نعتقد، الحديث عن الشَعر هو احتضانٌ لتاريخ الفنّ، وتاريخ مجتمعاتنا، أسمرٌ، أشقرٌ، أو أحمرٌ، قصيرٌ، أو طويلٌ، مرفوعٌ، أو منسدلٌ، لقد حافظ شَعر النساء دائماً على علاقةٍ وثيقة مع تاريخ المُجتمعات، والأساطير، ونستشرفُ فيها علاقات الرجال، والنساء، سواءً من جهة الإغواء، أو مقاومته.

·         في المعرض تهتمٌ بالحركة المُرتبطة بالشَعر.

آلان برغالا : لقد قدم الرسم قائمةً تتعلقُ بالحركة المُرتبطة بالشَعر، ولم تفعل السينما، في الجوهر إلاّ الاستحواذ عليها، ولكنّ حركات النساء مع شَعرهن في السينما أكثر إنجازاً، حيث تمتدُّ في الزمن، والحركة، ما يُغيّر كلّ شيء.

·         هل بإمكان الشَعر أن يكون أداة قياسٍ سوسيولوجية ؟

آلان برغالا : بالتأكيد، لو تفحصنا اللون الأشقر في القرن العشرين، نجد بأنه يشترك في تاريخ كبير جداً، وفي بعض الحالات، الأسوأ، انظري إلى ملصقات مستحضرات التجميل اليوم، إنها تتبع بالضبط التحوّلات الاقتصادية، والجيوسياسية، فكرة (سمراء/شقراء) تستقبلُ الزائر في العالم المُبهج، والمُتلألئ للأسطورة، ومن ثمّ تقوده تدريجياً نحو دوائر أخرى للفهم .

·         في المعرض، يتضحُ بأنك تنهج فصلاً طموحاً، تاريخ، وجغرافية الشعر..

آلان برغالا : كيف نُفسر إمبريالية اللون الأشقر التي عمّت خلال القرن العشرين من الدول الإسكندنافية إلى ألمانيا، ومن الولايات المتحدة إلى روسيا، لقد حاولنا الإجابة على هذا التساؤل، ولم يتمحور التركيز حول الغرب فقط، حيث تواجدت في المعرض آسيا، أفريقيا، والبلاد العربية، وكمثال، يمتلكُ الشَعر في الهند أهميةً قصوى، لا يوجد مشهد حبٍّ بدون مروحةٍ بالقرب من الممثلين، يجب أن يجعل الشَعر المشاعر العاطفية واضحةً، وجلية.

·         من هم برأيكَ أكثر السينمائييّن الكبار الذين اهتموا بشَعر المرأة ؟

آلان برغالا : كلّ السينمائيين صوروا شَعر النساء، ولكنّ المُعلمين الكبار في هذا الجانب قلائل جداً، هيتشكوك، ميزوغوشي، بونويل، أنطونيوني، برغمان، غودار، لينش، فاسبندر، وبعض آخرين، اجتازت أفلامهم المشاعر الفريدة التي يُثيرها عندهم شَعر النساء، وكأنّ رغباتهم السينمائية تركزت حول الشَعر.

·         (سمراءٌ/شقراءٌ) ليس مجرد معرض حول السينما، إنه يمنحُ نظرةً واسعةً حول الفنّ بشكلٍ عام.

آلان برغالا : لقد تركز اهتمامنا حول إنشاء فروع، وأنساب، فقد أظهرنا بأنّ السينما في بداية اكتشافها، تشرّبت التقاليد الفنية، تماماً عندما أصبحت اليوم، على العكس، مصدر إلهامٍ للفنانين.

ما أريد قوله، بأنّ تيمة الشَعر في تاريخ الرسم يُشكل نصف المعرض، بينما يُظهر النصف الآخر كيف تبنّت السينما، وأطالت هذا الدافع .

كيف نُضيء شَعر المرأة، كيف نُصففه، أيّ حركاتٍ نمنحه، أيّ مادة، أيّ علاقةٍ مع الحكاية التي نريد أن نحكيها، في هذا المجال، أو ذاك، لم يتوقف الفنانون عن طرح هذه التساؤلات على أنفسهم .

·         في المعرض قدمت فنانين من الطراز الأول، أوغوست رودان، دانتي غابرييل روسيني، أرنولد بوكلاين، فرانسيس بيكابيا، فرناند ليجيه، بول ديلفو، أندي وارول،...

ماتيو أورليان : يعبرُ المعرض قرناً من تاريخ السينما، والفنّ، لقد تخيّرنا عرض أعمالٍ تنتمي إلى حقبة معاصرة، وبالآن ذاته، نهاية القرن التاسع عشر، عندما كانت السينما ما تزال في مراحلها الأولى، وأيضاً لوحات ما قبل "الرافائيلية" إلى جانب أعمال فيديوية لفنانين مثل "مارينا أبراموفيتش"، وهكذا تشكلت بينها، والسينما لعبة من الاستيحاءات، الصدف، والتقاطعات.

(سمراءٌ، شقراءٌ) ليس معرضاً بترتيب زمنيّ، ولكن، إيجاد حوار بطريقةٍ غير متوقعة، بين الأعمال الفنية، ومقاطع من الأفلام، وخلق معنى بمعرفة تحريض فضول الزوار.

·         لقد رغبتَ بأن تجعل الزائر يحلق في سيناريو حقيقيّ.

آلان برغالا : انطلاقاً من ذوقي الخاصّ، أحبّ المعارض التي تتخذ لها مساراً خطياً، إنها أفضل طريقة لقصّ حكاية.

·         هل لكَ أن تُحدثنا عن الوثائق الأرشيفية النادرة التي وجدتها من أجل هذا المعرض ؟

ماتيو أورليان : نعم، بما في ذلك فيلماً تسجيلياً أنجزه التلفزيون الأمريكي في الأربعينيّات، زمن الحرب العالمية الثانية، في تلك الفترة الحاسمة، طلبت الحكومة الأمريكية من مواطنيها، النساء بشكلٍ خاصّ، حشد طاقاتهم، بينما كان الكثير منهنّ يصففن شعرهن على طريقة "فيرونيكا لايك" ويتركن خصلةً تغطي إحدى العينيّن، وهو أمرٌ لا يتفق أبداً مع جهود الحرب، والعمل في المصانع، وبطلبٍ من الحكومة، عمدت الممثلة إلى تمثيل فيلم دعائيّ قصير، شرحت فيه لماذا قررت، ولأسبابٍ وطنية، تغييّر تسريحة شعرها، ويظهر الفيلم بعدها كيف تبنّت العاملات تلك التسريحة الجديدة، تعتبر تلك الوثيقة مثالاً رائعاً للتفاعلات بين السينما، والتغييّرات الاجتماعية.

في (سمراء، شقراء) هناك أيضاً مقدمة افتتاحية، لقد كانت واجهة مبنى الـ "سينماتيك" مُغطاة بشَعرٍ اصطناعيّ هائل الحجم، أحمر اللون، عملٌ تشكيليّ نحتيّ للفنانة "أليس أندرسون".. 

آلان برغالا : أحب فكرة أن يكون المعرض مكان إنتاج، ومنها انطلقت مبادرة منح هذا الـ "برج" الضخم لـ"أليس أندرسون"، بالمقابل، منحنا الحرية الكاملة لستةٍ من السينمائييّن بتصوير أفلام قصيرة تتمحور موضوعاتها حول شَعر المرأة، وأيضاً مهمة تصفيف سينوغرافيا المعرض لـ "ناتالي كرينيير" التي قدمت عملاً مبتكراً للغاية مبدعةً عالماً خاصاُ بكلّ تيمة من تيمات المعرض باقتراح تفاعلية حقيقية مع الزائر.

·         بالنسبة لكَ، منظم المعرض، من هي السمراء، ومن هي الشقراء ؟

ألان برغالا : لويز بروكس، مارلين مونرو، في الحقيقة، عندما نتحدث عن أسطورتين مثلهما، فإننا لا نكتشف جديداً في هذا الموضوع.

الجزيرة الوثائقية في

25/01/2011

 

"طبق الديابة".. النفايات الطبية صناعة وتجارة الموت

أمل الجمل 

في "مصر" يُجرم قانون البيئة رقم 4 لسنة 1994 أي نقل أو تداول أو إعادة تدوير للمخلفات الطبية. لأن مخلفات المستشفيات مثل الحقن المستخدمة أو أكياس الدم أو الإبر والمشارط وغيرها من الأدوات الطبية تتسبب في نشر الأمراض المعدية والأوبئة ومنها الإيدز، وكل من فيروس "سي" (C)، و"بي" (B)، أي أشد الفيروسات فتكا بالكبد، فهما يُسببان سرطان الكبد وسرعان ما يقضيان على الإنسان

ينص القانون أيضاً على وجوب التخلص من هذه النفايات بالحرق أو بالدفن، على أن تكون درجة حرارة الحرق 120 درجة مئوية حتى تقتل كل شيء طبقاً للقانون. لكن الفيلم التسجيلي "طبق الديابة" للمخرجة الشابة "منى عراقي" يُثبت بالدليل القاطع، المرئي والسمعي، أن الواقع الطبي في "مصر" متردي تفوح منه روائح الغش والفساد إذ لا يحترم القانون أو المواثيق الدولية. فالحرق إذا تم أصلاً يكون عند درجة 40 أو 45 درجة مئوية، أي أن هذه المخلفات الخطرة حتى بعد حرقها تظل شديدة الخطورة وقابلة للفتك بالمتعاملين معها.

أثبت الفيلم أيضاً أن المخلفات الطبية بكافة أنواعها وبدرجات خطورتها- خصوصاً ما يتم وضعها في أكياس حمراء لأنها مُعدية وشديدة الخطورة، أو ما يتم وضعها في أكياس صفراء لأنها مخلفات حادة – لا يتم حرقها وإنما يتم نقلها وتداولها، مع ان المفروض أن ذلك جريمة يُعاقب عليها القانون. أما الجريمة البشعة الكبرى هى إعادة تدوير هذه المخلفات واستخدامها في صناعة الأواني وعلب الطعام البلاستيكية والأكياس ومُبسم النرجيلة وغيرها، كذلك يتم تدوير بعضها الآخر ليُصنع منها الأدوات الطبية مثل الحقن والسرنجات وغيرها الكثير والكثير.

والمفروض أن كل المستفيات فيها محرقة. هذا هو المفروض والحتمي والضروري لأن القانون يُلزمها بأن تقوم بحرق كل مخلفاتها. ليس هذا رأينا وحدنا أو رأي صانعة الفيلم، لكن المتخصصين أيضاً ومنهم د/"ماهر الأعصر" - خبير أمراض الكبد الذي عمل في بعض المستشفيات الحكومية – يُؤكد بحسم: "المستشفيات تنفذ ما يطالب به القانون وتتخلص من مخلفاتها بالحرق.. أصل هتوديها فين؟!" 

لكن بالتدرييج وبعد طرح الأسئلة المستفزة عليه، ومواجهته بأن المخرجة نفسها ظلت على مدار ثلاثة أشهر تشتري هذه المخلفات من مستشفى "قصر العيني" هنا فقط يأخذ الحوار منحى آخر ليُؤكد "الأعصر" أن هناك مستلزمات طبية هو نفسه متأكد من كونها نتيجة إعادة تدوير، وأنه يعرف ذلك تماماً أثناء استخدامه لها مثل السرنجات فهو كطبيب لديه حساسية لمعرفة الأصلي من المُعاد تدويره

يهتم فيلم "طبق الديابة" بمن يحيون في قلب الخطر. ويستند إلى نتائج البحوث التي أُجريت عليهم ففي أول حصر سنة 1996 تم اكتشاف 17000 شخص تم علاج 162 حالة فقط. وفي آخر إحصاء سنة 2008 تم أكتشاف 32000 شخص منهم 361 حالة فقط تم علاجها

مدة الفيلم 35 دقيقة. استغرق تصويره ثلاثة أشهر. اضطرت مخرجته إلى التورط في هذه الصناعة وتلك التجارة والتعامل مع المهربين والإقامة الطويلة في أحد هذه الأحياء حتى تتمكن من تصوير ملابسات تلك القضية الشائكة. قد ينشغل بعض المهوسين بفقدان الجماليات الفنية الضرورية للشريط التسجيلي، بأن الكاميرا الخفية التي لجأت إليها "منى عراقي" أحياناً أثرت على جودة الصورة والإضاءة فجاءت حركة الكاميرا شديدة الإهتزاز ومقلوبة أحياناً، والكادر غير مضبوط، والإضاءة خافتة وضعيفة. مع ذلك ورغم كل ما سبق يُعد الفيلم وثيقة إدانة تفضح هؤلاء المسئولين. ولاشك أن حالة الرعب والفزع الشديد التي تنتاب المرء عقب مشاهدته لهذا الفيلم هى بمثابة ناقوس للخطر، صرخة توعية وجرس إنذار للناس في بلادنا ولغيرهم في المجتمعات الآخرى التي تعيش نفس الظروف الإقتصادية والإجتماعية

الجزيرة الوثائقية في

25/01/2011

 

في فيلم "نبي".. مسلم يتفوق على المافيا الكورسيكية!

سعيد أبو معلا 

على غير عادة الأفلام الأوروبية عندما تحضر فيها شخصية العربي/ المسلم جاء الفيلم الفرنسي "نبي" "  A PROPHET (2008) مختلفا في شخصياته وعوالمه وموضوعه.

فغالبية الأفلام الأوروبية الحديثة عندما تظهر العرب والمسلمين في بناها تقدم قضايا مثل: الاندماج والهجرة والمواطنة والتعايش وقضايا الإرهاب والتطرف وعلاقة الشرق والغرب.. إلخ كمفردات وحيدة تتكرر.. لكن فيلم "نبي" يتجاوز كل ذلك تقريبا ولا يظهر من خلاله إلا لمحة بسيطة عن تلك النظرة العنصرية للمسلمين من داخل السجن هذه المرة، حيث تدور أغلب الأحداث، وفي مقابل ذلك يقدم لنا الفيلم صراعا يظهر كيف يتحول شاب (مسلم مغربي هذه المرة) بفعل الظروف التي يجبر على العيش فيها من شخص خجول ومسالم إلى وحش قاتل وكاسر بدافع غريزة البقاء والاستمرار في الحياة.

هذا المسلم المغربي يتفوق على عصابات المافيا داخل السجن الفرنسي وينشئ عصابته الخاصة التي تتغلب وتتفوق على عصابات المافيا الكورسيكية، ويكون لنفسه عالمه الذي يحميه ويمنحه القوة والغلبة والتفوق.

الفليم الفرنسي الذي عرض ضمن فعاليات بانوراما السينما الأوروبية في القاهرة مؤخرا للمخرج الفرنسي "جاك أوديار" وسيناريو "عبد الرءوف ظافري" وبطولة كل من الممثل الشاب الذي عد اكتشافا بظهوره السينمائي الآسر "طاهر رحيم"، والممثل القدير "نيلز أرسترب"، إضافة إلى مشاركة ممثلين عرب منهم: عادل بن شريف، ورضا كاتب، وهيتشم يعقوبي، وليلى بختي، وفؤاد ناصح، وسليمان دازي.

الخجول وحشا كاسرا

في ساعتين ونصف الساعة هي مدة الفيلم، نشاهد حكاية 6 سنوات من سجن "مالك الجبينة" 19 عاما (يقوم بالدور طاهر رحيم) في أحد السجون الفرنسية التي تسيطر عليها المافيا الكورسيكية؛ من بدايات دخول "مالك" الحدث المتشرد، وصولا إلى تسيده على هذا السجن وتشكيله عصابته القوية، وصولا إلى الإفراج عنه شابا مختلفا أتقن شروط لعبة الحياة وقسوتها في عالم السجون ومنها إلى فضاء الحياة الأرحب.

بدخول "مالك" نبدأ بالتعرف عليه.. فتى مغربي متشرد، لا يستطيع الكتابة ولا القراءة، عاجز عن حماية نفسه بجسده النحيل، وهو ما يجعله صيدا ثمينا لزعيم المافيا الكورسيكية "سيزار" الذي يسيطر وعصابته على السجن وما يجري في سره وعلنه، فيجبر "مالك" على قتل سجين عربي آخر يدعى الـ"رعيب" كان ذات مرة عضوا في عصابة "سيزار"؛ خوفا من اعترافه، وهو ما يتم بطريقة تؤثر على مالك وحياته.

غير أن فعل القتل الذي لم يكن يرى "مالك" في ذاته القدرة عليه يصبح بداية التحول في فهمه لشروط لعبة السجن وقواعدها، حيث يحظى بحماية عصابة "سيزار" فيعمل خادما لها، وهو ما يجعله يتعلم اللغة الكورسيكية من خلال جلوسه بين أفراد العصابة، ومن ثم يقرر أن يتعلم القراءة والكتابة، وفي اللحظة التي يخرج فيها قسم كبير من أفراد العصابة بعفو عام يلعب دور اليد اليمنى لـ"سيزار"، وهو ما يجعله في ظل سلطة "سيزار" يعمل بوابا بالسجن، ومن ثم يخرج من السجن في أيام بعينها (بعد أن قضى نصف محكوميته) لتنفيذ جزء من مهمات "سيزار" ويعود، في مقابل ذلك كان يقوم بتجارته الخاصة بالمخدرات داخل السجن بالاتفاق مع السجين الغجري.

في تلك الفترة نرى الصراعات على أشدها، فعندما يقرر القيام بعمليات تهريب لصالح الغجري وبالاتفاق مع أحد أصدقائه المسلمين الخارجين حديثا من السجن نراه يصطدم بعصابات عربية تسرق بضاعته كجزء من الصراعات على سوق التهريب، غير أن مالك يكون قد فهم اللعبة تماما فيجبر السارقين على إعادة البضاعة بشرط تقاسم الأرباح.

وكجزء من نشاطات "سيزار" الذي يدير مجموعة من عمليات التهريب وكازينوهات القمار يتطور دور "مالك" الذي يطلب منه الذهاب إلى مرسيليا ليكون مفاوضا لزعيم إحدى عصابات التهريب "إبراهيم الأطرش"، وفعلا ينجز اتفاقا معه لصالح زعيمه، غير أن الحدث الفاصل يكون عندما يقرر "سيزار" قلب الطاولة على مجموعة من العصابات العاملة خارج السجن بقتل زعماء هذه العصابات، وهو ما يطلب من "مالك" تنفيذه، وفعلا يقوم بذلك مع صديقه المريض، لكن بعد أن يجعل أفراد العصابات يدخلون في صراع مرير يصل للسجن يقود إلى قتل بعضهم البعض، عندها تكون الساحة مفتوحة تماما أمام "مالك" ليكون سيد السجن الجديد بعد أن تمكن من تشكيل حماية له عبارة عن جماعة السجناء المسلمين، حيث تمكن من نيل ودهم بإرساله أموالا "للإمام مصعب" زعيمهم خارج السجن لمساعدة المسلمين وتنفيذ مشاريع خيرية.

نقطة اختلاف

يختلف فيلم "نبي" عن الأفلام التي تغلب ويظهر فيها شخصيات عربية ومسلمة، في أنه ينطلق من مساحة مختلفة، ويتعامل مع العرب والمسلمين في فرنسا على أنهم جزء من هذا البلد، لدرجة يقدمهم فيها على أنهم جزء من عالم الجريمة، تارة أعضاء في عصابات كورسيكية، وتارة عبارة عن عصابات تسيطر على سوق التهريب، لدرجة أنهم يظهرون على شكل مجموعة عصابية أو جزء من المافيا العاملة هناك، وهو ظهور نقبله نوعا ما لكونه جزءا من الحقيقة، فالمسلمون أو العرب هم جزء من نسيج الحياة، وعالم المافيا المنظمة لا يفرق بين مسلم وغير مسلم، بل كل ما يهمه أن تنجز مصالحه وتحقق رغباته في الكسب والمزيد منه.

ورغم تلك الصورة السابقة فإن الفيلم أبرز في جزء منه تلك النظرة المزرية والعنصرية للمسلمين من السجناء، حيث يتم نعتهم "بالحقراء القذرين"، و"أنهم لا يستطيعون حل مشاكلهم دون نباح كالكلاب"، وأنهم يتجمعون كالكلاب القذرة"، "وأنهم لا يكفون عن التفكير في أعضائهم الجنسية"، و"أنهم يسيطرون على السجن بسجاجيد الصلاة"، وهي بلا شك تعابير عنصرية صدرت عن المافيا الكورسيكية، لكن الفيلم قدم ما يوازي تلك النظرة، حيث نسمع وجهة نظر مأمور السجن الذي يرى أن السجناء المسلمين منضبطون وينفذون الأوامر.

غير أن المسلمين بدوا في السجن جماعة واحدة لا تنخرط مع غيرها من السجناء، حتى أنها رفضت تقرب "مالك/ المسلم" منها لكونه يسير مع الكورسيكيين ومحسوبا عليهم، وهو ما تحول لاحقا وفق تطورات السجن، فأصبح أحد أعضاء جماعة السجناء المسلمين، لكن هذه المرة كزعيم لها بعد أن أصبح زعيم السجن الجديد.

تفاصيل إنسانية

كان الفيلم منذ البداية في تحد كبير، وهو كيف يقدم عالم السجن بتفاصيله وظلمته وقلة مفرداته البصرية القاتمة في جو يشد المشاهدين ويقطع أنفاسهم؟ لكن المخرج تمكن باقتدار من تقديم هذه العوالم والصراعات التي لا حد لها دون أن ينال المشاهدين شعور بالملل بفعل استثماره الكامل لكل المكونات في السجن حتى أصغرها وأدقها، كما أنه صنع من الصراع التقليدي داخل السجون نوعا من الدراما الخاصة التي حققت مفعولها وعكست واقع السجن الذي يشد المشاهدين من توترات وعصابات وجرائم وبؤس وتجارة مخدرات ولعب ووقوف طويل في انتظار أحلام وقليل من شمس لا تأتي إلا لتغيب.

يضاف إلى ذلك أن للكاريزما التي تمتع بها الممثل الشاب "طاهر" ووازاه فيها الممثل الفرنسي "نيلز" (زعيم المافيا في السجن) منحت المشاهدين متعة مضاعفة بالمشاهدة.. فـ"طاهر" كان أحد المرشحين الأساسيين لجائزة أفضل ممثل في مهرجان كان 2008 بفضل أدائه المبهر وتقمصه الشخصية بتحولاتها العميقة.

كما أن الفيلم الذي يقدم لنا عالم المافيا الكلاسيكي والتقليدي والمليء بالصراعات ومشاهد القتل والعنف كسر كل ذلك بمجموعة من الأحداث الفرعية كونت بنيته المتماسكة، فمثلا نرى "رعيب" الذي قتل على يد مالك يظهر له في مناماته وفي صحوه، طيفا يرشده تارة، ويحتفل معه تارة أخرى فيضيء له شمعة، وتارة ينشد له غناء صوفيا... إلخ، إنه نوع من حضور الروح التي تسكن تفاصيل قاتلها، وهو هنا حضور محبب منح مالك أنسا ودفئا في زنزانته الباردة وتحولات شخصيته.

نلمح ذلك أيضا من نهاية الفيلم ذاتها، حيث يخرج "مالك" من السجن فيما تنتظره زوجة صديقه الذي توفي بالسرطان وطفلها الصغير وهما اللذان أصبحا أمانة في عنقه، فيسيران معا في برد الشتاء وكأنهما في بداية حياة جديدة ينشدانها.

في محصلة الفيلم كله يجد المشاهد نفسه واقعا في غرام البطل "مالك"، فهو شخصية رغم تحولاتها تبقى محافظة على طابعها الإنساني الذي تأسر به المشاهدين، حيث ينتاب المشاهد حالة من الخوف على حياة هذا الشاب الذي خرج من السجن لعالم أوسع تسوده الصراعات والمشاكل، فهل يصمد في وجهها كما فعل في السجن، تلك هي حكاية الحياة التي تبقى دوما مفتوحة الأبواب والنهايات أيضا.

الجزيرة الوثائقية في

26/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)