حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الوتر" جعجعة بلا لحن إسراف في الشكل ..فراغ في المضمون

تقدمها : خيرية البشلاوي

لست أمام فيلم مصري وإنما شريط مَسَخ. استنساخ مضطرب لفيلم التشويق الغربي اللاهث الإيقاع. متشابك الخيوط المؤُسَسَ حول السؤال اللغز: من فَعلها؟!

فمن فعلها فعلاً؟ وقَتل الموسيقار الشاب حسن؟ وحسن غاوي حريم. يلعب علي كل المقامات. ويغوي الشقيقتين "مايسة" عازفة الكمان و"منة" عازفة التشيللو ويضاجع كل واحدة علي حدة ولكن علي نفس الكنبة في نفس الفيلا المعزولة المطلة علي البحر في منطقة العجمي علي شاطئ الإسكندرية. الفيلا يمكن أن تكون في أي منطقة علي الخريطة. فهي غارقة في اضاءة تكرس الغموض والعزلة.

وعلاقات الشاب القتيل ليست فوق مستوي الشبهات علي الأقل بالنسبة لمحُقق البوليس ــ محمد سليم ــ الذي "ينكُش" في حياة القتيل ويقلب كشكول حياته الملئ بعلامات استفهام مصطنعة ومضللة وليست  منطقية. ويبحث في حياة  "منة" و"مايسة" وكل واحدة منهما نقيض الأخري. والاثنتان الشقيقتان من صلب موسيقار ومايسترو كان مشهوراً قبل أن يتوفاه الله. تاركاً زوجة لم تستطع الصمود أمام الوحدة بعد رحيل الزوج. فتزوجت عربيداً مخموراً يعتدي عليها بالايذاء البدني وعلي ابنتيها بالإيذاء الجنسي!! والأم رغم انحلال الزوج ووحشيته ونهمه الحسي وشكله المنفر لم تتخلص منه بالطلاق مع أنه ممكن وما أيسره في هذه الحالة!

والمفارقة أنها سيدة شديدة الانضباط والصرامة والاعتداد بالنفس "!!" "لعبت دورها سوسن بدر".
والمفارقة الأكثر إثارة للسخرية أن محقق البوليس نفسه مضطرب نفسياً. وفي حياته مأساة مشابهة مع اختلاف التفاصيل. فقد قتل زوجته لأنه كانت "تخونه" في الحقيقة. وعلي عكس ما تظاهرت بأنها فريسة للاغتصاب.. فالزوج رجل البوليس مشغول بعمله والزوجة كانت تحبه بجنون. ومن ثم أسلمت نفسها "للموديل" الذي كانت ترسمه وقد فاجأها متلبسة.. وتظاهر بأنه صدق ادعاءاتها فأطلق رصاصة أصابتها في مقتل ومن ثم خرج من الحادثة بريئاً ولكنه ليس  معافاً نفسياً.

الحب والجريمة

تداخلت جريمتا القتل. قتل "حسن" الموسيقار "أحمد السعدني" وقتل زوجة رجل الشرطة "مصطفي شعبان" وتقاطعت خيوط عشق الأختين الحلويين لهذا القتيل الحليوة الحساس. مع عشق المحقق لزوجته الفنانة التي أيقظت ذكراها "مايسة" عازفة الكمان التي جري التحقيق معها هي واختها "منة".. فتحول التحقيق في جريمة قتل شاب وجد غارقاً في دمائه داخل فيللته. إلي قصة مرتبكة جداً يغرق فيها الشرطي المحقق والمتهمة وشقيقتها وأنها التي طالها الاتهام كحيلة لتكريس عنصر الغموض إلي أن تنزاح الستار عن القتلة الحقيقيين ونعرف من قتل القتيل وبكي عليه ثم ارتبط بعلاقة مسلية مع الشرطي المكلف بالتحقيق في الجريمة.

الطريف أن أغرب الضالعين في هذه "الفبركة" التي لا تنطلي إلا علي من يلغي تفكيره ويستسلم إلي عناصر الإلهاء الترفيهية الفارغة التي تطول عناصر التصوير والاضاءة والموسيقي فقد كان المخرج ــ والحق يقال ــ شديد الحرص والإسراف أيضاً في استعراض مهارات غيره من المشاركين في صنع الفيلم.. أقول إن معظم الضالعين في الجريمة ــ الفيلم -من الموسيقيين الذين يعزفون الألحان علي أوتار الآلات الموسيقية!! وأن القتيل الموسيقار تم اغتياله باستخدام "وتر" صلب جز علي رقبته حتي أسلم الروح وملأت دماؤه أرضية الحجرة وغطت جانباً من "النوتة" الموسيقية التي تقتضي آلتين موسيقيتين لعزفها "الكمان والتشيللو" أي الأختين "مايسة" "غادل عادل" ومنة  "اروي جودة".

القتيلة الأنثي رسامة ولها أياد بيضاء علي الفن التشكيلي.. وكذلك الأب "المايسترو" الراحل وصديقه المايسترو "أشرف زكي" الذي يرعي ويتابع موهبة الأختين في دار الأوبرا المصرية التي شهدت بعض أحداث الفيلم..

الإسراف المحمود

أشرت إلي "الإسراف" الفني الذي انعكست مظاهره علي القيمة الانتاجية للفيلم وأيضاً علي الجانب  الجمالي الشكلي ولكن السطحي الذي يغلف حكاية ملفقة متهافتة لمجموعة من المرضي النفسيين في أجواء غريبة ومضطربة ولولا لغة الحوار العربية وصورة الرئيس في مكتب الشرطي محقق البوليس لقلنا أن الفيلم "بضاعة" ليست مصرية الصنع.. حتي الأثاث في مكتب رجل البوليس يبدو عليه "الإسراف" في الشياكة.

واللافت أن هذا الاهتمام اللافت إزاء الشكل وابراز امكانيات بطلته الرئيسية "غادة عادل" وبروز ملامحها الجميلة في اطار بورتريهات غريبة لوجهها وفن زوايا مختلفة  لا تفرضها ضرورة درامية لم يقابله اهتمام جدي بالسيناريو "محمد فايز" وبالموضوع الذي تعالجه الحبكة البوليسية المختارة فالشكل الفني إذا لم يكن في خدمة مادة موضوعية جيدة البناء مقنعة وأيضاً في خدمة شخصيات يمكن تصديق "حكاياتهم" والبيئة التي تدور فيها أحداث هذه الحكايات. يظل هذا الشكل فارغاً وبلا قيمة حتي لو اجتهد المخرج "مجدي الهواري". 

الإســـكندرية في فيلميـن وجهان لعملة واحـدة مضروبة

المفترض أن أغلب أحداث فيلم "الوتر" تدور في الإسكندرية وكذلك فيلم "شوق" أو "Lust" حسب التسمية الانجليزية ومعناها "شهوة" أو "شيقة" إشارة إلي رغبة جنسية مفرطة. وأعتقد أن المخرج يلعب علي العينين. فهناك شوق حسي جارف لدي الشقيقتين اللتين ارتكبتا جريمة الزني بدافع "الرغبة" و"الشهوة" أو الانتقام ربما من الواقع البائس الذي جعلهما يسطوان علي "جوال" النقود التي جمعتها الأم من التسول في مدينة القاهرة.

والمصادفة غير المقصودة بالتأكيد أننا ازاء شقيقتين في فيلم "الشوق" يفصل بينهما محيط أكبر من البحر المتوسط يفصلهما عن الشقيقتين في فيلم "الوتر" ومحيط بنفس الاتساع بين البيئة "الشيك" اجتماعياً وثقافياً في الفيلم  الثاني. وبين الفقر شديد الانحطاط والقسوة في الفيلم الأول.. وبين صورة الأم التي ترتدي البالطو "الفرير" والساعة الذهبية الأثرية "antique) في صدرها وبين تلك الأم التي تضع الطرحة السوداء الكئيبة وتمارس الدجل في الحارة ممتهنة التسول ثم تقيم بجوار متسولة أخري علي رصيف بجوار محطة القطار في القاهرة.. فارق بين أختين تعزفان الكمان والتشيللو. وأختين يردحان ويصرخان ويولولان في الحارة البليدة. في البيت المظلم قبل أن يهربا إلي شاطئ البحر ومعهما الغنيمة التي كنزتها أمهما من عائد التسول.

الأم ذات البالطو "الفرير" زوجة المايسترو المشهور. والأم الدجالة الشحاتة زوجة الإسكافي التي تخبط رأسها في الجدار الصلب حتي ينشق وتنزف حتي الموت. هذه الأم تؤدي دورها في الحالتين الممثلة الممتازة سوسن بدر. وهي في الحالتين بعيدة عن المصداقية وفي الحالتين غير مقنعة ولو فكرنا في قوامها الإنساني سنجدها منفرة حتي لو حصلت علي جائزة أفضل ممثلة!

والشقيقتان في الفيلم الأول "الوتر" والثاني "الشوق" يفتقدان في الفيلم الدوافع والمشاعر المبررة التي تحولهم إلي شخصيات من لحم ودم وروح مصرية يمكن تمثيلها أو التعاطف معها.. والجميع مصابون ــ فنياً ــ بانعدام التوازن والاعوجاج النفسي والخلل السلوكي ومن دون سياق درامي موضوعي مقنع.

الشقيقتان في "الوتر" رغم حالة الغيرة الشديدة والتنافس بينهما يتحدان في جريمة القتل ويستخدمان وتر الآلة الموسيقية التي تعزف ألحان رقيقة وحساسة إلي وسيلة للقتل والتخلص من شاب خدعهما وغرر بهما ــ وفي "الشوق" يبيعان جسديهما لمن يدفع الثمن ثم يتركان الأب ضائعاً جائعاً.

الإسكندرية في العملين ليست المدينة التي نعرفها لا الحارة التي صورها "الشوق" في الحي الشعبي وهي الحارة مسلوبة الروح والعافية ولا الفيلا الأنيقة في العجمي التي شهدت جريمة قتل الموسيقار الشاب وشهدت غرامياته التي أودتپبه إلي هذه النهاية الغريبة.. لا خالد الحجر ولا مجدي الهواري اقتربا من جوهر المأزق الإنساني لشخصيات الحبكة.

هناك "إسراف" مخل في بعث المكان في كلا الفيلمين. إسراف في التغريب وفي الإدعاء وفي افتعال الأحداث وظروف الواقع التي أتي بأناسه.

"الإسكندرية" كانت وسوف تظل "موطناً" لأفلام مهمة في تاريخ السينما ولكنها كمدينة تطرح تحدياً أمام صناع الفيلم. لأنها كائن حي غني متعدد الزوايا والوجوه. أصيل ضارب الجذور. فريد الجمال ومتنوع.. وقليلة تلك الأفلام التي استطاع صانعوها أن يبعثوا جانباً من روحها وتفردها ولعل "رسائل البحر" يدخل ضمن هذه الأعمال أو ربما "ميكروفون" أيضاً الذي احتاج إلي مشاهدة ثانية متأنية للكلام عنه.

المساء المصرية في

23/01/2011

 

«رجل في الظل».. تشويق بطعم السياسة وأشباح تصنع التاريخ

كتب محمود عبد الشكور 

ساعتان من المتعة الذهنية والبصرية هما حصاد مشاهدتي للفيلم البريطاني الفرنسي الألماني المشترك «The Ghost writer » أو كما عرض تجارياً في الصالات المصرية تحت عنوان «رجل في الظل» الفيلم الذي فاز عنه مخرجه البولندي الكبير رومان بولانسكي بجائزة أفضل مخرج في مهرجان برلين ينتمي إلي النماذج الرفيعة في سينما الغموض والتشويق ولكن هذه المرة بمذاق السياسة.. قد لا يكون في هذا الفيلم التحليل العميق للجوانب النفسية للشخصيات - وبالذات نوازعهم الشريرة - مثلما تعودنا في أفلام «بولانسكي» الذي ينظر دوماً بعين الشك إلي الإنسان، ولا يفترض فيه أبداً النوايا الطيبة لأسباب متعلقة بحياة «بولانسكي» نفسه وتجارب عائلته، كان فيلم «رجل في الظل» يحتمل بالفعل هذا التحليل النفسي الأكثر عمقاً، ولكن الحبكة التشويقية والمغزي السياسي استأثرا باللوحة تماماً التي يجب أن نسجل أنها جيدة الصنع لدرجة تذكرك بطعم روائع وكلاسيكيات أفلام الغموض والتشويق، ورغم ذلك ظلت استاذية «بولانسكي» حاضرة كمخرج يعرف كيف يستخدم أدواته باقتصاد وإحكام دون أن يفلت منه مشهد واحد كبيراً كان أم صغيراً.

الفيلم مأخوذ عن رواية بعنوان «الشبح» كتبها «روبرت هاريس» الذي اشترك أيضاً في كتابة سيناريو الفيلم المحكم مع «بولانسكي»، أما تعبير The Ghost writer فيعني ذلك الكاتب المحترف الذي يساعد المشاهير في صياغة وكتابة مذكراتهم الخاصة، إنه إنسان موهوب جداً، ولكنه لا يكتب شيئاً يخصه، وإنما يكتب بلسان من يحكي له عن ذكرياته، نستطيع القول إن حضوره افتراضي علي الورق بينما يبقي الكتاب باسم الشخصية المشهورة التي تروي مذكراتها، وفي فيلم «رجل في الظل» بناءان شاهقان متداخلان وممتزجان: مغزي سياسي يدين بطريقة غير مباشرة كلاً من رئيس الوزراء البريطاني السابق «توني بلير» والولايات المتحدة معاً، بل إنه يفسر تأييد «بلير» الأعمي لكل السياسات الأمريكية بأنه كان عميلاً (بالمعني الحرفي) للمخابرات المركزية (CIA) ، أما البناء الثاني فهو تشويقي يقوم علي التفاصيل الصغيرة التي تتجاور لترسم لوحة لا تكتمل إلا في المشهد الأخير.. ويحمل هذان البناءان أربع شخصيات أساسية تمثل مفاتيح الفيلم.

الشخصية الأولي والمحورية هي الكاتب البديل الذي لا نعرف اسمه، والذي يلعبه «إيوان ماكجريجور» المقصود بالطبع إغفال ذكر الاسم تعبيراً عن الدور غير المرئي الذي يقوم به كاتب المذكرات المحترف، أنه بالضبط الجندي المجهول الذي يتعامل مع الشخصية المشهورة كزبون مقابل مبلغ من الدولارات، الكاتب البديل في فيلمنا يقرر ان يخوض مغامرة كتابة مذكرات رئيس الوزراء البريطاني السابق نظير ربع مليون دولار.

أما الشخصية الثانية فهي «آدم لانج» (بيرس بروسنان) وقد رسمت شخصيته بصورة لا تترك مجالاً للتخمين علي أنه «توني بلير» رئيس الوزراء البريطاني السابق، شخص وسيم مازال محتفظاً بشبابه مكروه بسبب دوره في دعم غزو العراق، تطارده سياساته الخاطئة حتي بعد خروجه من الحكم، يحاول في الفيلم أن يصدر كتاباً عن حياته الخاصة وحياته السياسية مقابل الحصول علي 10 ملايين دولار، وينتهي إلي الاستعانة بالكاتب البديل القادم من لندن إلي أمريكا حيث يقيم «لانج» بعد الاعتزال والتفرغ لمؤسسة خيرية تحمل اسمه!

الشخصية الثالثة المحورية هي الزوجة «روث لانج» (بأداء القديرة أوليفيا ويليامز) والحقيقة أن هذه الشخصية هي مفتاح الفيلم كله إذ إن معها فك سرّ الغموض، وفك أسرار مواقف زوجها السياسية، ورغم أن أداء «أوليفيا» مدهش ومتفوق، إلا أن شخصية الزوجة - علي الورق - كانت تحتمل دراسة نفسية أعمق لتفسير مشاعرها المركبة سواء تجاه زوجها «آدم» أو تجاه الكاتب البديل، الحقيقة إنني لم أفهم بالضبط هل هي تحب زوجها أم تكرهه؟ هل تشعر ناحيته بالذنب لدورها في رسم ملامح مأساته أم إنها تشعر فقط بالتعاطف؟ أم أنها تؤدي دورها فقط بجانب زوجها كأي سيدة بريطانية محافظة علي الأقل أمام الناس وتبقي الشخصية الرابعة المحورية، والتي لن نراها أبدا، إنه مايكل ماكارا الكاتب البديل الأول الذي يتم العثور علي جثته غريقًا في أول مشاهد الفيلم، لقد ساهم مايكل في كتابة المسودة الأولي الضخمة للكتاب الذي سيحمل مذكرات «آدم لانج» وبسبب غرقه المفاجئ ستأتي الفرصة لكاتبنا البديل الجديد، شخصية مايكل التي نسمع عنها ولا نراها محورية لسببين: الأول هو أن المسودة التي تركها ستفتح أمام الكاتب البديل الجديد أبواب حل كل الألغاز، وسيظل دور هذه المسودة مستمرًا حتي اللقطة الأخيرة من الفيلم والسبب الثاني الأهم هو أن كاتبنا البديل الجديد سيسير حرفيا علي خط الكاتب البديل الغريق وليس علي خطي الشخص الذي استدعاه لكتابة المذكرات وهي آدم لانج. هناك إذن حيلة خفية في القصة والسيناريو: البطل الأصلي للكتاب هو الشخصية الشهيرة المعروفة ولكن بطله الحقيقي شخص سبحي لا يعرفه أحد إلا الناشرون، ثم سنكتشف بعد قليل أنه حتي الشخص البديل الجديد ليس البطل الحقيقي، وإنما هناك شبح ثالث لا يظهر أبدًا هو «مايكل ماكارا» الحقيقة أن لعبة الظاهر والخفي هي لعبة الدراما كلها سواء في بعدها التشويقي أو في بُعدها السياسي الفيلم الذي يجعل «آدم» يتصدر المشهد كاملاً في البداية يكشف في النهاية أن وراءه شبحا سياسيا هو المخابرات الأمريكية التي نجحت في تجنيده للعمل لصالحها عندما كان طالبا في جامعة «كامبريدج» ومن زاوية حل عقدة الغموض في الفيلم كله سنكتشف في النهاية أن هناك شبحًا آخر لا يخطر علي البال كان وراء تجنيد «آدم» لهذه المهمة.

البناء إذن لا يستخدم كلمة «الشبح» من باب التعبير المصطلح عليه لوصف مهنة الكاتب البديل فقط ولكنه يستنزف الكلمة في كل أبعادها التشويقية والسياسية، ويقول بصراحة إنه يجب محاكمة رجال السياسة علي قراراتهم التي قد تؤدي إلي ارتكاب جرائم، حتي بعد خروج هؤلاء السياسيين من السلطة، ويقول أيضا ان الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تعترف بالمحكمة الجنائية الدولية تقف بمفردها أمام العالم، وتحمل الذين ارتكبوا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ومنهم آدم الذي يتهمه الفيلم بأنه قام بتسليم مواطنين بريطانيين مسلمين اتهموا بالإرهاب إلي الولايات المتحدة حيث تم تعذيبهم والحصول علي اعترافاتهم مما أدي إلي مصرع احدهم.

ولكن صوت السياسة لا يرتفع أبدا فوق صوت الدراما مثل كل الأعمال الناضجة، بل إن الكاتب البديل الجديد ليس لديه أصلا اهتمامات سياسية، ولكنه سيكتشف جرائم السياسيين تدريجيا من خلال دخوله إلي عالم «آدم» وزوجته، بل إن تحول الكاتب البديل يمر بمراحل يبدأ كرجل محترف يضع موهبته في خدمة زبونه المشهور ثم يشعر الكاتب بالخطر وبالخوف علي حياته حتي لا يلقي مصير الكاتب الغريق «مايكل ماكارا»  ثم يصل إلي الاكتشاف الأكبر بأن آدم عميل للمخابرات الأمريكية، وفي كل خطوة مرحلة تقتنع تماماً بما تراه رغم أنه لم يحدث في الواقع، الفـن ـ إذن - أخذ ملامح شخصية واقعية ثم نسج حولها واقعاً فنياً موازياً محكم البناء يجعلك تخرج من الفيلم وأنت تردد: ولم لا ؟

وهذه هي روعة الفن الذي يقدم لك ما يحتمل حدوثه، والذي يصنع واقعاً لا يقل صدقاً عن الواقع المعاش.

لابد أن أتوقف أمام رومان بولانسكي كمخرج، أعظم ما فعله في الفيلم أنه جعلك تشعر أنه لا يوجد مخرج، أقصد بذلك أنه اعتمد أسلوباً شديد البساطة في تقطيع مشاهده، كل ما تريد ان تراه سيجعلك تراه في التو واللحظة، هناك عيون موضوعية نري من خلالها الأحداث، عيون محايدة تندهش وتبحث مثلنا، حتي في مشهد اغتيال «آدم» علي أيدي رجل عجوز فقد ابنه في العراق، لم ينس «بولانسكي» هذه الرصانة التي يقدم بها الحدث وكأنه جزء من فيلم اخباري، وحتي في مشهد مطاردة الكاتب البديل كانت الكاميرا تتأمل وتندهش مثلنا، ولم تنطلق الكاميرا بحرية كاملة إلا في مشهد الحفل الأخير حيث تابعت في لقطة متصلة الورقة التي كشفت لغز الفيلم كله. هناك اقتصاد تام في كل شيء، الاعتماد كله علي خلق الجو العام الضبابي والرمادي ولا يظهر الأحمر كلون ساخن إلا في مشهد الفندق الثاني الذي يهرب إليه الكاتب البديل، ساهم في خلق جو منزل المنعزل المطل علي الشاطئ والذي تكتب فيه المذكرات، داخل المنزل مساحات واسعة تشعرك بالبرودة، وخلفيات زجاجية ضخمة تظهر فيها سماء ملبدة بالغيوم، بولانسكي أيضاً أستاذ في إدارة ممثليه الذين يحصلون عادة علي أرفع الجوائز تحت إدارته، هو أيضاً ممثل ويعشق الممثلين، في فيلمنا سنكتشف قدرات «بيرس بروسنان» كمشخصاتي قدير لا تظهر أدواره في «جيمس بوند» عشر إمكانياته.

وسنلاحظ الأداء الواثق الذي قدم به «إيوان ماكجريجور» شخصية الكاتب البديل: الطموح الذكي اللبق في الحديث والمغامر أيضاً، ولابد أنك ستتوقف ممثلي أمام أداء «أوليفيا ويليامز» خاصة في لقطات رد الفعل المحسوبة، لو أفلت تعبير خاطئ من هذه الممثلة القديرة لانهار بناء الحبكة كلها، ولا شك عندي في أن دور المخرج محوري في توجيه «أوليفيا» بالذات لأنها مفتاح الفيلم.

أعتقد جازماً أن مشهد الحفل الأخير، ثم اللقطة الأخيرة من الفيلم التي لا أريد أن أكشفها، سيعيشان طويلاً في ذاكرة كلاسيكيات أفلام التشويق، ربما كان سيرفع من وزن الفيلم كثيراً لو كان الاهتمام أكبر بالملامح النفسية لشخصياته الثرية، ولكن حتي بدون ذلك نحن أمام عمل من أهم وأمتع الأفلام الأوروبية الأخيرة: تشويق بطعم السياسة، ولعبة بطعم الجد، وأشباح تدير الأمور بينما يقف في صدارة المشهد أشخاص لا يمتلكون أي قدرات سوي وسامة الوجه، وأناقة الملبس، وبراعة التمثيل!

روز اليوسف اليومية في

23/01/2011

 

الكتاب: ورش كتابة السيناريو «لعب عيال»

كتب سهير عبد الحميد 

ارتبط ظهور أعمال الست كوم منذ سنوات بظهور ورش لكتابة السيناريو ومع انتشار هذه النوعية من الأعمال ذاع صيت هذه الورش حتي تحولت إلي الأعمال الدرامية الأخري لدرجة أن معظم شركات الإنتاج الدرامي أصبح لديها ورشة «خصوصي»

وبالرغم من نجاح عدد من هذه التجارب إلا أن هناك انتقادات وجهت لمعظم الورش حيث اتهمت بسرقة الأفكار من أفلام أجنبية وأن كتابها يفتقدون للثقافة والموهبة وهذا يهدد بعدم وجود جيل ثان من كتاب السيناريو بينما دافع صناع هذه الورش عن أنفسهم مؤكدين نجاحها وأن المؤلفين الكبار نفدت أفكارهم ولم يعد لديهم الجديد وأن عليهم أن يتركوا الساحة للشباب، «روزاليوسف» استطلعت آراء عدد من الكتاب القدامي وأيضا صناع الورش حول مميزات وعيوب ورش كتابة السيناريو فكانت آراؤهم متباينة..

في البداية يقول السيناريست مصطفي محرم: ورش الدراما التي تتبناها شركات الإنتاج ما هي إلا «تهريج» وكتابها غير متمرسين حيث تضم مجموعة من المبتدئين والذي يشرف عليهم أقل منهم خبرة، فقديما كان لدينا ورش كتابة حقيقية مثل ورشة عبدالحي أديب والسيد بدير وعبدالرحيم الزرقاني وهؤلاء كتاب ذوو خبرة ولهم باع طويل في كتابة السيناريو لكن الذي يحدث الآن شيء مضحك فنجد مثلا كاتبا قدم عملا متواضا وفقيرا فكريا ويقوم بعمل ورشة كتابة وكاتب: آخر عنده شوية فلوس أيضا ينشئ ورشة دون النظر للأصول العلمية المتبعة للورش في الخارج ففي هوليوود مثلا هناك نظام الاستديو الذي يضم مجموعة من المؤلفين الشباب يحصل كل منهم علي راتب شهري ويكون لكل شاب دور في كتابة السيناريو أحدهم يكتب قصة وآخر يكتب معالجة لهذه القصة وآخر يكتب حوارا ويضيف افيهات وفي النهاية يذهب العمل لكاتب كبير يضع رؤيته الخاصة عليه وهو الوحيد الذي يخرج العمل باسمه ويكون هذا الكاتب عضوا في نقابة كتاب السيناريو.

ويضيف محرم: المشكلة أن ورش الكتابة أصبحت قائمة علي سرقة الموضوعات سواء من أفلام أجنبية يمصرونها أو من أفلام مصرية قديمة وهذه الأعمال للأسف تسافر لمهرجانات دولية وتكون صورتنا في الخارج سيئة لذلك أنا منزعج جدا من هذه الورش التي من المفترض أن نخرج منها جيلا ثانيا من الكتاب فكيف يحدث هذا دون خلق أفكار وكيف يستطيع كاتب سيناريو أن ينقل صورة المجتمع الذي يعيش فيه دون أن يكون مثقفا بالإضافة إلي أن معهد السينما نفسه يخرج طلبة ضعاف الموهبة والثقافة والذين يدرسون لهم متواضعون ويحتاجون لمن يدرس لهم.

ويري السيناريست مجدي صابر أنه إذا كان المنتجون يلجأون لفكرة ورش كتابة السيناريو علي سبيل التوفير فهذا يعتبر مخاطرة لأن العنصر الرئيسي الذي يتوقف عليه نجاح أي عمل فني سواء فيلما أو مسلسلا هو السيناريو.

ويؤكد صابر أنه ما دامت ورش الكتابة تتم بشكل علني ولا يتم فيها إهدار حقوق اصحابها المادي والأدبي ففي هذا الإطار تكون مقبولة وتعتبر مسلسلات الست كوم هي المناسبة لفكرة الورشة لكن بخلاف ذلك تكون غير مأمونة المخاطر خاصة إذا كان لا يشرف عليهما كاتب كبير لأن شباب هذه الورشة مهما كانت موهبتهم فإنهم قليلو الخبرة.

ويقول السيناريست عمرو سمير عاطف وهو من أوائل صناع الورش: إن ورش الكتابة اصبحت من وسائل تنفيذ العمل الفني بشكل متقن فهناك نوعية معينة من الأعمال الفنية تحتاج لوجهات نظر وأفكار كثيرة مثل الست كوم لدرجة أن صاحب الفكرة الأصلية من الممكن أن يترك العمل وهذا ما حدث معي في راجل وست ستات، بجانب أن أي عمل فني لابد أن يحمل أكثر من وجهة نظر حيث، يضم رأي المؤلف والمخرج والمنتج والممثل.. ويستعيد عاطف ذكرياته مع مسلسل راجل وست ستات قائلا: عندما بدأت في كتابته وضعت الخطوط العريضة للشخصيات ثم اجتمعت أنا ومجموعة من الكتاب الشباب وكتبنا الحلقة الأولي بحيث نحدد الأرضية التي سنكتب من خلالها وأصبح كل شخص مسئولا عن مجموعة من الحلقات وأفكارها وأحداثها.

ويضيف عاطف: قيادة ورش الكتابة مرتبطة أكثر بالموهبة والقدرة علي القيادة وفهم النوع الذي تكتبه الورشة وهذا غير مرتبط بالسن فمثلا حلقات الست كوم تحتاج أكثر للشباب الأقل من 37 سنة لأنها مرهقة جدا وتحتاج لأفكار شبابية ومسألة أن المنتجين أصبحوا يستعينون بورش الكتابة توفيرا لأجور المؤلفين الكبار فهذا غير صحيح لأن كل عمل وله مستوي معين ونوعية معينة من الكتابة.. الكاتبة الشابة مريم نعوم تؤكد استفادها من تجربة ورشة كتابة السيناريو التي خاضتها في مسلسل «بالشمع الأحمر» الذي عرض العام الماضي قائلة: كانت لي عدة مشاركات في ورش كتابة لكنها لم تكتمل إلي أن جاءت تجربة مسلسل «بالشمع الأحمر» حيث شاركت مع مجموعة من الشباب وكنا من سن واحدة وبنفس الخبرة تقريبا حيث اشتغلنا علي السيناريو مرحلة مرحلة واتفقنا علي وجهة نظر واحدة تناولنا من خلالها القضايا في المسلسل لذلك حاولت أن الغي ذاتي واتقبل أفكار الآخرين لأننا قبل أن نعمل مع بعض كنا متأكدين أن وجهة نظرنا قريبة من بعضها.. وتضيف نعوم: ورش الكتابة مناسبة للدراما التليفزيونية لأنها مجهدة وبمرور الوقت سيجد الكاتب افكاره نفدت ويكرر نفسه وأعتقد أن ورش كتابة السيناريو دورها ليس تعلميا ولا يعيبها أن يكون كل كتابها من الشباب بمان فيهم قائد الورشة ومسألة الاقتباس من الأفلام الأجنبية ليست عيبا طالما سنقدمها بوجهة نظر مجتمعنا والمهم هو المنتج النهائي وهناك أعمال مصرية كاملة قائمة علي الاقتباس وهذا موجود من زمان ولم نحترمه نحن اليوم.

المنتج أمير شوقي يشجع فكرة ورش الكتابة قائلا: هذه الورش تخلق جيلا جديدا من الكتاب خاصة أن المؤلفين الكبار خلصت أفكارهم ولم يعد لديهم جديد فليتركوا الشباب يأخذون فرصتهم، كما أن هذه الورش ستخرج افكارا جديدة لأن أعضاءها من الشباب، بالإضافة إلي أن العمل القائم علي فكرة واحدة يختلف عن القائم علي عدة أفكار وكان لي تجربة العام الماضي مع ورش الكتابة حيث تبنيت من خلال شركتي ورشة كتابة سيناريو مكونة من 14 مؤلفا شابا وأشرف عليهم عمرو سمير عاطف وبعدها تخرج كل واحد منهم وأصبح له أعمال خاصة به وبعضهم أصبح يقود ورشة.. وأضاف شوقي أنه لا يشترط وجود كاتب كبير يقود الورشة لأن المخرج والمنتج يكون لهم رأي وخبرة، كما أن الموهبة والقدرة علي القيادة أهم من السن.

روز اليوسف اليومية في

23/01/2011

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)