حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الموجزفي تاريخ السينما 1/3

عدنان مدانات

قيل في السينما أنها صناعة وفكر وفن. قيل أيضا أن تاريخ السينما العالمي هو تاريخ الصراع بين السينما باعتبارها صناعة والسينما باعتبارها فنا وفكرا إنساني النزعة.

على جبهة الصناعة، احتدم و لا يزال الصراع يحتدم بين سينما الإنتاج الضخم بتقنياته الباهظة الكلفة وبين سينما أفلام الكلفة البسيطة والموازنة المنخفضة. ودار ويدور الصراع على جبهة الفن بين سينما الجماليات وسينما الترفيه القائم على الحركة والتشويق. أما على جبهة الفكر فقد قام الصراع بين السينما التي تعكس الواقع بصدق وتتضمن قيما إنسانية والسينما التي تقدم واقعا زائفا مصطنعا وتكرس الشخصية الفردية على حساب القيم الاجتماعية الإنسانية.

تجسد هذا الصراع بين السينما صناعة والسينما فنا من خلال الممارسة العملية والنظرية بشكل ملموس وتحدد من خلال الصراع بين السينما الأمريكية وبين السينما في باقي أرجاء العالم. وإلى حد ما يجوز اعتبار هذا الصراع الممتد على مدى القرن العشرين وحتى الآن، شكلا مبكرا من أشكال الصراع ضد الهيمنة الأمريكية، أو ما بات يصطلح على وصفه في زمننا الحالي بالعولمة، في عناصرها الثلاثة: الصناعة والفكر والفن.

على مدى القرن العشرين، وبدءا من العقد الثاني منه، وعبر فترات زمنية متنوعة كان المؤشر الأوضح تعبيرا عن هذا الصراع بجبهاته الثلاث هو بروز التيارات والمدارس السينمائية المختلفة في بعض أرجاء العالم، أحيانا من منطلقات فنية جمالية، وأحيانا من منطلقات فكرية وطنية، وأحيانا أخرى من منطلقات سياسية. وهي تيارات ومدارس، على اختلاف دوافعها وظروفها التاريخية واتجاهاتها، كانت تصب في مجرى واحد في نهاية المطاف،  ويتأثر واحدها بالآخر، وتتفاعل فيما بينها.

جمعت كل تلك التيارات والمدارس السينمائية ما بين النظرية والتطبيق في آن واحد. في بعض الأحيان كان للتطبيق سبق الأقدمية وفي أحيان أخرى كانت البداية تنطلق من النظرية. وفي كل الأحوال تبقى الكتابات النظرية والبيانات التي كانت تصدرها جماعات سينمائية المصدر الأهم للتعرف على مبادئ تلك التيارات والمدارس السينمائية، وهي التي تمنحها اسمها الرسمي.

منذ العقد الثاني من القرن العشرين توالت التيارات والمدارس السينمائية ونذكر هنا، على سبيل المثال لا الحصر بعض أهم هذه التيارات والمدارس السينمائية: المدرسة التعبيرية الألمانية، السينما الثورية السوفيتية، الواقعية الشعرية الفرنسية، " السينما الحرة " أو الواقعية الاجتماعية البريطانية، الموجة الجديدة في السينما الفرنسية وما انبثق عنها من نظرية " سينما المؤلف "، الواقعية الإيطالية الجديدة، السينما السياسية الإيطالية، " سينما نوفو " أو السينما البرازيلية الجديدة، السينما المباشرة أو " سينما الحقيقة " ( في السينما الفرنسية خاصة )، السينما الألمانية الجديدة، جماعة " الدوغما " الدانماركية.

هذه كلها أسماء لتيارات ومدارس وحركات سينمائية ذات منشأ جمالي و فكري، انتشرت في العالم وكان لها دور كبير في التأكيد على الارتباط الكبير بين السينما والواقع. ومع ذلك فمعظم هذه التيارات اكتسبت طابعا قوميا خاصا بالبلدان التي انبثقت منها وارتبطت بقضاياها ومشاكلها الاجتماعية والإنسانية. وهي كلها تقف، بهذه الدرجة أو تلك، موقفا مناقضا أو حتى مناهضا لتيار السينما الأمريكية المهيمن على أسواق العرض السينمائية في العالم والذي اصطلح على تسميته بالسينما الهوليودية .

كانت " التعبيرية " الألمانية هي المدرسة أو التيار الأول في تاريخ السينما العالمي. عكست هذه المدرسة الفنية بداية النفسية الجماعية الألمانية ما بين عامي 1903 و 1933 والتي اشتدت أزمتها بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى. شملت التعبيرية كل أنواع الفنون، لكن تأثيرها على السينما الألمانية بدأ منذ عام 1919 (مع فيلم: مقصورة الدكتور كاليغاري"). ما يميز "السينما التعبيرية" من الناحية الفنية استبدال التصوير الواقعي بالتصوير المؤسلب، حيث الديكورات مبالغ فيها وتعتمد على الخطوط والزوايا الحادة، وحيث الإضاءة شديدة التباين تغلب فيها الظلمة على النور، بهدف التعبير عن الحياة الداخلية المضطربة. وفي " التعبيرية" استعيض عن التناسق الجمالي بالتنافر البصري، في زمن باتت الفوضوية فيه تهدد النظام الاجتماعي.

في العشرينات أيضا ظهرت السينما الثورية في روسيا الاشتراكية على يد مخرجين كبار مثل سيرغي ايزنشتاين وفسيفولد بودوفكين ودزيغا فيرتوف، والتي أرست أسس السينما السياسية التي وضعت السينما في خدمة النظام الثوري الجديد. ولكن فضل مخرجيها الأساسي كان اكتشاف أو تطوير وسائل التعبير السينمائية وخاصة المونتاج الذي تم التعامل معه في البداية على أنه وسيلة التعبير السينمائية الرئيسية.

فسيفولد بودوفكين

في الثلاثينات برزت " السينما الشعرية " في فرنسا. وكان المؤرخ السينمائي جورج سادول هو الذي أطلق تعبير "السينما الشعرية" ليصف به مجموعة الأفلام التي أنتجت في أواسط الثلاثينات والأربعينات والتي كانت تعالج مواضيع مستمدة من واقع الحياة الاجتماعية واليومية ولكن بروح شعرية. من أبرز ممثلي هذا التيار المخرج مارسيل كارنيه، الذي تعاون في عدد من أفلامه مع الشاعر جاك بريفيه. ومن اشهر أفلامه التي كتب نصها جاك بريفير فيلم " أطفال الجنة ". كما اشتهر المخرج رينيه كلير بأفلامه الواقعية الشعرية ومنها فيلم " تحت سطوح باريس ".

وفي أواخر الأربعينات بدأت تتبلور في السينما البريطانية حركة إنتاج واسعة لأفلام تعنى بمشاكل الواقع والإنسان سميت بتيار الواقعية الاجتماعية أو " السينما الحرة ". وكان المخرج ليندسي اندرسون هو الذي بلور هذا المصطلح في كتاباته النقدية والتحليلية لأفلام زملائه. طالب مخرجو أفلام هذا التيار بالقطيعة مع نموذج الحياة المصطنعة المزيفة التي تقدمها السينما الهوليودية، وتحقيق سينما بريطانية تعبر عن الموقف الشخصي للمخرج من الإنسان و المجتمع ومشاكل الحياة اليومية. من أشهر أفلام ذلك التيار فيلم " انظر خلفك بغضب" و"وحدة عدٌاء المسافات الطويلة ".

في أواسط الأربعينات ظهرت مدرسة الواقعية الجديدة في السينما الإيطالية والتي سيكون لها تأثير كبير على السينما العالمية. عالجت هذه السينما مشاكل وقضايا المجتمع والإنسان الإيطالي في فترة ما بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية. أهم ما جاءت به من جديد أسلوبيا هو التصوير في الأماكن الطبيعية خارج الأستوديو واستخدام ممثلين غير محترفين، كما في الفيلم الشهير "سارق الدراجة" للمخرج فيتوريو دي سيكا. أول أفلام هذه المدرسة فيلم "روما مدينة مفتوحة " للمخرج روبرتو روسيليني.

روبرتو روسيليني

اتخذت هذه المدرسة شكلا أكثر تحديدا في الستينات من خلال موجة السينما السياسية الإيطالية، التي من أشهر روادها المخرج فرانشيسكو روزي صاحب فيلم " الأيدي فوق المدينة ". وفي حين يعتبر الكثيرون أن أي فيلم هو فيلم سياسي بالنتيجة وبهذا القدر أو ذاك، فإن مخرجي السينما السياسية الإيطاليين أثبتوا أن السينما السياسية نوع فني قائم بذاته وله مواصفاته الخاصة به سواء من حيث اختيار المواضيع ذات الصلة المباشرة بالسياسة( مثلا، فيلم " قضية ماتيه" لفرانشيسكو روزي مخصص كليا لدراسة إشكالية قضية النفط عالميا، علما بأن الفيلم مبني على وقائع حقيقية كليا)، أو من حيث المنهج الفيلمي الذي يبني الرواية بقوة الوثائق.

الجزيرة الوثائقية في

18/11/2010

 

متابعات

الموجز في تاريخ السينما 2/3

عدنان مدانات

في عام 1962 وأثناء انعقاد مهرجان اوبرهاوزن للأفلام القصيرة في ألمانيا أصدر 26 مخرجا وفنانا وكاتبا سينمائيا ألمانيا بيانا عبروا فيه عن رغبتهم في خلق سينما روائية ألمانية ضمن حركة سينمائية جديدة تعكس قضايا الواقع الاجتماعي، متحررة من الاعتبارات التجارية وسيطرة كبار الممولين. من أجل تحقيق أهدافها ساعدت هذهالمبادرة  على إيجاد مؤسسات جديدة للتمويل تتجاوب مع أهدافها. من اشهر مخرجي هذه الحركة راينر فاسبندر و فولكر شلندروف وويرنر هيرتزغ والذين صنعوا أفلاما تنتقد الروح البرجوازية التي بدأت تسود في المجتمع بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومن غرائب الأمور أن أفلام هذه الحركة لاقت صدى عالميا ونجحت خارج ألمانيا ولكن استقبالها من قبل الجمهور الألماني لم يكن بحجم استقبالها في الخارج.

منذ أواخر الخمسينات والستينات انطلقت من فرنسا "موجة السينما الجديدة " التي ضمت مخرجين، بعضهم جاء إلى الإخراج من حقل النظرية، ولكل منهم أسلوبه الخاص، لكن يجمعهم هاجس الحداثة والتجديد. وهذا ما أوضحه الناقد والمخرج فرانسوا تروفو في مقالة له بعنوان " اتجاهات واضحة في السينما الفرنسية " نشرها في مجلة " دفاتر السينما " التي كان يشرف عليها الباحث السينمائي أندري بازان، الأب الروحي لمخرجي الموجة الجديدة الفرنسية. لكن هذه الموجة أفرزت أهم تيارين في السينما الفرنسية والعالمية في تلك الأوقات، أولهما تيار "سينما المؤلف" و يعود الفضل لانتشاره للمخرج والكاتب الروائي والناقد السينمائي ألكسندر أستروك، الذي اعتبر في مقالة شهيرة له نشرها عام 1948 بعنوان " الكاميرا – القلم" أن: " المخرج المؤلف يكتب بالكاميرا مثلما يكتب الكاتب بالقلم".

إضافة إلى "سينما المؤلف" أفرزت موجة السينما الجديدة مصطلح "سينما الحقيقة" أو "السينما المباشرة"، وهما مصطلحان استخدمهما النقاد لتفسير الاتجاه نحو المنهج التسجيلي عند بعض المخرجين الفرنسيين في تلك الفترة، وهو اتجاه يستخدم الكاميرا المحمولة الخفيفة الوزن وتقنيات تسجيل الصوت المباشر المتزامن، لتصوير الأحداث لحظة حصولها في مكانها الطبيعي بدون سيناريو مسبق. كانت نظرية المخرج السوفييتي التسجيلي دزيغا فيرتوف حول تصوير الحياة على حين غرة، التي أعلنها في أواسط عشرينات القرن العشرين هي الملهم لهذا الاتجاه.
أحدث التيارات السينمائية الأوروبية جماعة سينمائية تأسست في الدانمارك في العام 1995 أعلنت عن نفسها عبر بيان سينمائي هام تضمن قسما مميزا يلتزم به أعضاء الحركة. هذه الجماعة هي " دوغما 95 " والتي لفتت أنظار العالم إليها بعد فوز اثنين من أفلام مخرجيها بجائزة مهرجان كان لعامين متتالين. الوجه الأبرز من بين أعضاء هذه الجماعة هو المخرج لارس فون تراير، والذي ابهر الناس بعد فوز فيلمه " راقصة في الظلام " بجائزة مهرجان كان السينمائي.

برر مؤسسو الجماعة حركتهم التي تهدف إلى إنتاج أفلام بميزانيات منخفضة التكاليف وبكاميرات الفيديو الرقمية، بأنها عملية إنقاذ للسينما عن طريق مقاومة التوجهات المهيمنة على السينما السائدة المعاصرة. وتميز هذه الجماعة نفسها عن حركة الموجة الجديدة التي برزت في فرنسا في الستينات بأنها تملك، بفضل الكاميرات الرقمية، الوسائل التي تساعدها على تحقيق أهدافها، في حين أن حركة الموجة الفرنسية الجديدة وضعت أهدافا صحيحة لها ولكن بدون توفر الوسائل الملائمة لتحقيق تلك الأهداف. وبعكس حركة الموجة الجديدة والتي دعت لسينما المؤلف وأفلام التعبير الذاتي، تسعى جماعة " دوغما 95 " للابتعاد عن الروح الفردية في السينما بل وتشترط أن لا تضم عناوين الفيلم أسم مخرج. وتعتبر الجماعة أن شعارات الحرية والفردية التي انطلقت منها الموجة الجديدة الفرنسية أنتجت بعض الأعمال الجيدة ولكنها لم تتمكن من الاستمرار. أما جماعة " دوغما 95 " فقد حاولت الاستفادة مما سمته العاصفة التقنية الهائجة للوصول إلى سينما ديموقراطية، معتبرة أن التقنيات الحديثة باتت، ولأول مرة في التاريخ، تتيح الإمكانية لأي إنسان لكي يصنع فيلما. وتعتبر الجماعة أن السينما السائدة اكتسبت خلال مائة عام من عمر السينما الخبرة في خداع الجمهور عن طريق استخدام التأثيرات العاطفية من اجل جعل الجمهور يعيش في الوهم، في حين أن الجماعة تريد أن تخلص السينما من الخداع والوهم، وبدلا من استخدام التقنيات الرقمية الحديثة في مزيد من الخداع والوهم، كما تفعل السينما السائدة، تسعى الجماعة للاستفادة من هذه التقنيات لإنتاج سينما مختلفة.

لم يقتصر ظهور الحركات والتيارات والمدارس السينمائية ذات الخلفية الجمالية والفكرية على السينما في أوروبا، ففي ستينات القرن العشرين، و بعيدا عن هموم وتطلعات سينمائيي القارة الأوروبية،  ظهرت في البرازيل حركة سينمائية شابة بدت متميزة في طروحاتها ذات الطابع الثوري وانتشرت عدوى أفكارها بسرعة بين سينمائيي العالم الثالث. تلك كانت حركة السينما البرازيلية الجديدة، المعروفة باسم " سينما نوفو "، ومن أبرز مخرجيها عالميا غلوبير روشا، وهي كانت الأكثر تعبيرا عن تطلعات سينمائيي الدول النامية اليسارية النزعة والأكثر استيعابا للظروف والشروط الإنتاجية التي تحيط بسينمائيي الدول الفقيرة أو النامية. نشأت حركة" سينما نوفو" نتيجة اهتمام عدد من المخرجين اليساريين البرازيليين من الجيل الشاب بالتعبير عن مشاكل التخلف في وطنهم نتيجة هيمنة الكولونيالية الجديدة واهتمامهم بتنمية ثقافة وطنية وبالتزامن مع انتشار حركات المقاومة الشعبية الفلاحية المسلحة في العديد من أقطار أمريكا اللاتينية. وقد طالب أولئك السينمائيين في بيان لهم لاقى اهتماما واسعا في حينه بين سينمائيي العلم الثالث من الجيل الشاب بتأسيس سينما برازيلية ذات هوية وطنية تستطيع أن تلغي الطابع الكولونيالي عن" لغة الفيلم"، وتسعى للتعبير عن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للأمة، عن تاريخها وعن ثقافتها.

وتحت تأثير الواقعية الإيطالية الجديدة والموجة الجديدة الفرنسية، رفض المخرجون البرازيليون نموذج الأفلام المنتجة داخل الأستوديو والتي تعتمد على التقنيات المتطورة المرتفعة الكلفة، وهو كان النموذج المتبع في الأفلام الهوليودية، كما رفعوا شعار " السينما الفقيرة "، أي السينما التي لا تعتمد على الإنتاج الضخم والتقنيات المتطورة للمؤثرات البصرية وغيرها. استمد مخرجو تلك الحركة مواضيع أفلامهم من الأحياء الفقيرة والأرياف وصوروا في الأماكن الحقيقية. كانت أفلامهم تنتج بشكل مستقل من منطلق فكري وسياسي وفني وليس لغرض تجاري. في عام 1965 أصدر الناقد والمخرج غلوبير روشا بيانه الشهير المعنون " جماليات الجوع، دعا فيه زملاءه لصنع أفلام" بشعة، حزينة ومحبطة "، أفلام تضحي باللمعان التقني وتلتزم بكشف بؤس وفقر الشعب البرازيلي.

الجزيرة الوثائقية في

01/12/2010

 

متابعات

الموجز في تاريخ السينما 3-3

عدنان مدانات

لم تفرز السينما الأمريكية عبر تاريخها الطويل المشبع بالأفلام الشهيرة أية تيارات أو مدارس سينمائية ذات منطلقات و طموحات فنية جمالية أو فكرية خاصة، لكنها أفرزت مخرجين أفراد موهوبين تميزوا برؤيتهم التقدمية وبمواقفهم الانتقادية سواء للأيديولوجيا السائدة ومؤسسات السلطة والشركات الكبرى أو للفساد الاجتماعي. ما ميز السينما الأمريكية بشكل عام و أساسي كان تصنيف الأفلام وفق أنواع ( مثلا: الأفلام البوليسية، أفلام التحري الخاص، أفلام الرعب، أفلام الخيال العلمي، أفلام الغرب الأمريكي، الأفلام الاستعراضية )، كل نوع منها ذو نمط محدد البناء الدرامي، وتطوير هذه الأنواع الفيلمية لتبقى محافظة على قوة الجذب الجماهيرية. وكل هذه الأنواع، تنتمي في محصلتها النهائية إلى ذات المدرسة السينمائية الهوليودية بأساليبها الإخراجية القائمة على الحركة الخارجية والتشويق والترفيه وبرسالتها الفكرية والأخلاقية.

سيادة الأنواع الفيلمية في السينما الأمريكية ذات البناء النمطي لا تعني بالضرورة، أن الأفلام الأمريكية جميعها كانت متشابه من حيث المضمون والطرح الفكري. فالسينما الأمريكية هي نتاج صناعة ثرية جدا ومتعددة الإمكانيات وبالتالي متعددة الفرص، وهذا ما سمح لبعض المخرجين الكبار، على مدى تاريخ السينما الأمريكية الطويل، ممن يملكون توجهات فكرية واضحة، من تحقيق أفلام تنتمي إلى الأنواع السينمائية السائدة،  لكنها تتضمن فكرا مستقلا وموقفا معارضا. من النماذج الصارخة على الفكر المستقل والموقف المعارض، نموذج فيلم " وقت الظهيرة " ( عرف أيضا في الأدبيات العربية بعنوان " الظهيرة العالية " أو " قطار الظهر " ) للمخرج فريد زينمان، وهو فيلم، إضافة إلى كونه يربط زمن الحكاية بزمن الفيلم، فهو مصنوع على طريقة أفلام " الويسترن " ولكنه في مضمونه النهائي فيلم يتضمن موقفا سياسيا عبر حكاية عن شريف بلدة يتخلى عن دعمه سكانها الجبناء و يجد نفسه وحيدا في مواجهة مجرمين قادمين لقتله، وهذه الحكاية كانت ذات طابع رمزي واضح للدلالة على الأزمة التي عاشها فنانو هوليود اليساريين الذي تخلى عنهم الجميع ولم يدافع عنهم أحد عندما تعرضوا للاضطهاد في الفترة الماكارثية الشهيرة. كما أن سيادة الأنواع الفيلمية لم تمنع ظهور مخرجين متميزين لهم أسلوبهم الخاص ومواقفهم الفكرية الخاصة، مثل المخرج وودي الآن الأقرب من بين المخرجين الأمريكيين للتيارات السينمائية الأوروبية ومنها " سينما المؤلف".

لكن الحديث هنا لا يدور حول الجهود الفردية لمخرجين أمريكيين كبار، على كثرة عددهم، بل عن تيارات ومدارس سينمائية فكرية أو فنية.

مقابل تلك التيارات والمدارس والحركات الفكرية الفنية السينمائية التي عمت العالم وتأثر بها حتى بعض كبار المخرجين الأمريكيين، كانت " السينما المستقلة " الحركة السينمائية الأمريكية الوحيدة التي خرجت عن طوق صناعة السينما الأمريكية الخاضعة لسيطرة كبرى استوديوهات هوليود. لكن " السينما الأمريكية المستقلة " لم تنشأ على أساس فكري أو جمالي ولم تتأسس كحركة واضحة الأهداف يقودها تجمع سينمائيين متآلف الرؤية.

رسميا بدأت هذه الحركة في أواخر الأربعينات من القرن العشرين عندما صدر في العام 1946 قرار قضائي بموجب قانون منع الاحتكار، يجبر استوديوهات هوليود الكبرى على بيع دور العرض التي تملكها، مما تسبب في تقليص أرباحها إلى حد كبير. وكان من نتائج هذا القرار ظهور نظام المنتج المستقل الذي يتكفل بكل عمليات الفيلم الإنتاجية ومن ثم تسليمه للموزعين ودور العرض. كانت بدايات الإنتاج المستقل تعتمد على إنتاج الأفلام بموازنة منخفضة. وقد شجع نجاح الأفلام المستقلة تجاريا ونقديا مخرجين آخرين على السير في هذا الطريق. من المخرجين الكبار الذين عملوا ضمن هذا النظام بشكل مبكر المخرج ستانلي كرامر والمخرج اوتو بيرمنغر، والاثنان عالجا قضايا اجتماعية وأخلاقية حادة. عالج كرامر قضايا العنصرية، وعالج بيرمنغر مشاكل الإدمان والاغتصاب والانتحار والشذوذ الجنسي. هكذا أدى نظام الإنتاج المستقل بالضرورة وبشكل تلقائي إلى إنتاج أفلام " مستقلة " من الناحية الفكرية عالجت مواضيع تمس الواقع والمشاكل الفعلية. ولم تخل أفلام أولئك المخرجين من تأثر بالتيارات السينمائية الأوروبية، وعلى الأخص بالموجة الجديدة في فرنسا وبتيار " سينما الحقيقة " وتيار " سينما المؤلف ".

كانت السينما المستقلة تقوم على نوعين من النظام الإنتاجي. النوع الأول يستند إلى نظام المنتج المنفذ بتمويل من شركات الإنتاج الكبرى، وهو نظام أصبح شائعا في السينما الأمريكية والعالمية بشكل عام، أما النوع الثاني فيستند إلى نظام الإنتاج المستقل لشركات إنتاج صغيرة مستقلة ماليا وتنظيميا عن الشركات الكبرى أو يستند إلى جهد مخرج فرد يتدبر بطريقة أو بأخرى كلفة إنتاج فيلمه.

انبثق عن النوع الثاني من " السينما المستقلة " تيار جديد في السينما الأمريكية أكثر استقلالية سواء من حيث النظام الإنتاجي أو من حيث حرية اختيار المواضيع التي تغوص في قاع المجتمع أو تعالج مواضيع شديدة الجرأة وتتضمن الكثير من الفكر الانتقادي وحرية تجريب الأساليب الفنية الحداثية التي تعكس بدورها تمردا على الأشكال السينمائية السائدة، عرف على نطاق واسع باسم " سينما الأندر غراوند " أو " سينما ما تحت الأرض". وهي سينما تعكس في جانب من جوانبها الوجه التقدمي الإنساني للسينمائيين الأمريكيين، مثلها في ذلك مثل بعض أفلام " السينما المستقلة السابقة عليها. ومع أن " سينما الأندرغراوند " لم تستطع أن تنافس السينما السائدة تجاريا وشعبيا، فقد فرضت تحقق لها اعتراف خارجي وداخلي بتميزها ونالت نجاحا نقديا.

وفيما يخص السينما العربية نشير إلى أن السينمائيين العرب من جيل الشباب الطموح لم يتخلفوا عن ركب زملائهم السينمائيين من دول العالم المختلفة والذين سعوا لتأسيس تجمعات سينمائية مناهضة للسينما التجارية السائدة المبنية وفق مواصفات السينما الهوليودية ولكن بمستوى تقني حرفي متخلف نوعا ما.

كان التجمع السينمائي العربي الأول هو " جماعة السينما الجديدة " في مصر والتي أعلنت عن نفسها عبر بيان طموح يؤكد على ربط السينما بحركة الواقع. ومع أن الفيلمين الروائيين الطويلين الذين أنتجتهما الجماعة لم يكونا بمستوى الطموح، فإن مجموعة من الأفلام التي حققها بعض أهم أعضاء الجماعة، الذين حافظوا على مبادئهم السينمائية والفكرية وساروا على نهج طروحات" جماعة السينما الجديدة، شكلت الوجه المضيء للسينما المصرية في حقبة الثمانينات من القرن العشرين وحتى الآن.

وإلى حد كبير يمكن اعتبار حركة " السينما البديلة " التي انطلقت من دمشق في ربيع عام 1972 امتدادا لطموحات " جماعة السينما الجديدة " وخاصة أن الكثيرين من أعضاء تلك الحركة كانوا من المشاركين النشطاء في حركة السينما البديلة. أما الإضافة التي جاءت بها حركة السينما البديلة، بالعلاقة مع طروحات جماعة السينما الجديدة في مصر والتي أكدت على علاقة السينما بالواقع، فكانت التأكيد على أن هذه العلاقة مع الواقع يجب أن تستفيد من المنهج التسجيلي في السينما ومن تجارب السينما السياسية العالمية كي تصل إلى النتيجة المرجوة.

الجزيرة الوثائقية في

25/12/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)