حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«زهايمر».. ومن السيناريو مـــا قــــتـــل!

محمود عبدالشكور

يحاول «عادل إمام» فى فيلمه «زهايمر» الذى كتبه «نادر صلاح الدين» وأخرجه «عمرو عرفة» أن يقدم نموذجاً إنسانياً جديداً لرجل تجاوز سن الشباب يتعرض لمأزق، ويضعه فى حالة أقرب إلى الامتحان، ولكن محاولة «إمام». تبدو هذه المرة فاشلة لأسباب تتعلق أساساً بالسيناريو الذى لم يفلح لا فى الإمساك بخيوط الموضوع الأصلى، ولا فى ضبط المعالجة بين الجدّ والهزل، ثم أكمل المخرج دائرة الفشل عندما لم يستطع أن يقدم إيقاعاً حيوياً متدفقاً خاصة فى الأجزاء التى يراد لها أن تكون ضاحكة، كما أنه لم يستطع أن يبتكر حلولاً تنقذنا من الإحساس بأننا أمام مسلسل عربى تليفزيونى يأخذنا من مكان مغلق إلى مكان مفتوح أو دولة أخرى مثل لبنان نمر سريعاً وكأننا أمام محاولة لإثبات «حالة» بأن الفيلم فيه مشاهد خارجية وخلاص.

كانت أولى مشاكل سيناريو «زهايمر» فى عنوانه الخادع، وفى مشاهده الأولى الأكثر خداعاً، فالفيلم يريد أن يوحى لك بأن موضوعه هو مرض «الزهايمر» الذى يدمر ذاكرة كبار السن، يستيقظ أحد هؤلاء وهو تاجر الأقمشة الثرى «محمود شعيب» «عادل إمام» فيجد الممرضة «منى» «نيللى كريم» تشرف على علاجه، ويجد خدماً لا يعرف أحداً منهم باستثناء خادمه القديم «حامد» «ضياء الميرغنى»، ويحاول الجميع بمن فيهم الابن الأكبر «سامح» «فتحى عبد الوهاب»، والابن الأصغر «كريم» «أحمد رزق» إقناعه بأنه مريض بالزهايمر، وأن مشكلته فى رفضه تعاطى الدواء مما يجعله ينسى المحيطين به، ولكننا سنكتشف فجأة أن هذه المشاهدة الأولى- وهى بالمناسبة الأفضل والأكثر تأثيراً- ليست إلاّ مجرد مقلب من الأبناء لإيهام الأب بأنه مريض، وبالتالى يسهل قبول دعواهم للحجر عليه للحصول على أمواله، وتسديد ديونهم لأحد البنوك بعد تورطهم فى الاقتراض، وهكذا ينتهى فيلم ليبدأ الفيلم الأصلى، وهو قيام الأب برد المقلب للأبناء مستخدما الخدم، ومُستعينا بذكائه لتلقينهم درساً أخلاقياً فى كيفية معاملة والدهم، ومن البداية المؤثرة التى يغلب عليها الطابع الجاد إلى بقية الفيلم التى تغلب عليها المقالب الساذجة التى يصعب تصديقها، يتأرجح «زهايمر» صعوداً وهبوطاً، ويتورط كاتب فى «فبركة» أحداث ومواقف كثيرة كأن يعرف الأب بالمؤامرة من خلال مشهد بالصدفة مع سباك جاء لإصلاح حنفية بالفيللا، وكان يعتمد طوال الوقت على تعاون الخدم الذين خانوه وتآمروا مع ابنيه، بل إنه يغفر لهم لأنهم فى حاجة للمال، بل إن المؤلف لم يفترض أبداً لجوء الابنين لطلب المال مباشرة من الأب بدلاً من هذه المؤامرة الطويلة العريضة التى يتورط فيها أحد الأطباء وأحد المحامين وممرضة ومجموعة كبيرة من الخدم والحشم.

كان يُفترض أن يتدفق إيقاع الفيلم مع تحول المعالجة إلى ما يقرب من الكوميديا الخفيفة، ولكن ظل الإيقاع يزحف، حتى المشاهد التى كان يجب أن تحدث فيها قطعات «معتز الكاتب» تأثيراً كوميديا مثل تكرار القبض على الأب وإيداعه السرير بمعاونة رجل عملاق لم تنجح فى تفجير الضحكات الصاخبة، وكان مدهشاً بالفعل أن أفضل مشاهد وأداء لـ «عادل إمام» فى المشاهد الأولى المؤثرة وغير الكوميدية، بينما بدا أداؤه باهتاً فى بقية الفيلم، ورغم اعتماد الفيلم على أسماء لامعة مثل «محسن أحمد» «تصوير» وموسيقى «عمر خيرت» إلا إنك لن تخرج إلاّ بديكورات «صلاح مرعى» وبمشهد رائع وحيد قدمه «سعيد صالح» مع رفيق مشواره «عادل إمام».

مجلة أكتوبر المصرية في

28/11/2010

 

«الجانب الأعمى».. كيف تصنع بطلا من منطقة عشوائية؟

محمود عبدالشكور 

انطباعان مُتناقضان تخرج بهما بعد مشاهدة فيلم «The Blind side» أو «الجانب الأعمى». الأول أن الفيلم الإنسانى الجميل يستحق فعلاً أن ينافس على أوسكار أفضل فيلم فى التصفية الأخيرة بين عشرة أفلام فقط، والانطباع الثانى هو أن بطلة الفيلم «ساندرا بولوك» التى حصلت على الأوسكار عن دورها فى العمل قدمت دوراً عادياً تماماً لدرجة أننا لا نعتقد حتى أنه أفضل أدوارها، وربما كان هناك ممثلات أخريات أكثر استحقاقاً للجائزة، ولكن هكذا أراد أعضاء الأكاديمية الأمريكية لفنون وعلوم السينما تكريماً لفريق عمل جيد ومتميز.

الفيلم الذى أخرجه «جون لى هانكوك» مأخوذ عن قصة حقيقية لأحد نجوم كرة القدم الأمريكية الذين ولدوا وعاشوا فى منطقة شديدة الفقر، ولكن أسرة ثرية «تبنت موهبته وساعدته على النجاح. ومفتاح العمل كله هو تعبير «المنطقة العامية» أو «الجانب الأعمى». والسيناريو الذكى يستخدمه بمعنى مزدوج: الأول المعنى الكروى المعروف، أى المنطقة المكشوفة وراء خط الدفاع التى يأتى منها المهاجم الخصم بعيداً عن العيون لإحراز الأهداف، أما المعنى الثانى فهو المنطقة الفقيرة العشوائية على أطراف المدينة التى لا يعرف عنها أحد شيئاً، ولكنها مصدر الخطر حيث يخرج منها المجرمون والمغتصبون. الفيلم يقدم بالتفصيل كيف يمكن أن يتم صناعة بطل من هذه المنطقة؟ وكيف يتحول بطل الحكاية ضخم الجثة قليل الحظ والتعليم من مهاجم افتراضى للمجتمع إلى مدافع عنه؟

وتلتقى الفكرتان معاً عندما يصبح الشاب العملاق مدافعاً يحمى فريقه من أخطار «المنطقة العامية» فى مباريات الكرة، ويصبح أيضاً مدافعاً عن أسرته الجديدة الثرية بعد أن عرف معنى الانتماء، ومعنى أن تشعر بالتقدير والاحترام.

الشاب الضخم اسمه «بيج مايك» الذى يلعبه ببراعة واقتدار «كويوتين آرون» جاء قادماً من أسرة شديدة الفقر وضخمة العدد، الأم مدمنة مخدرات لدرجة أنها مُنعت من رعايته أو الاقتراب منه، والأب ترك الأسرة بعد مولد «مايك» بفترة قصيرة، الشاب تعثر تعليمياً وأصبح أمله الوحيد أن يلتحق بمدرسة تتيح له فرصة الانضمام لفريق كرة القدم حيث يمكن أن يستغل قدراته الجسدية، على الجانب الآخر هناك أسرة «ليا آن» «ساندرا بولوك» الثرية المتزوجة من صاحب مطاعم ناجحة، ولديها ابنة مراهقة وطفل صغير هو زميل «بيج مايك» فى المدرسة، بمعايير الحلم الأمريكى تعتبر هذه الأسرة نموذجية وحققت أحلامها، ولكن الفيلم يمد الأمر إلى آفاق أوسع عندما يطلب من الذين حققوا أحلامهم ألاَّ يكتفوا بذلك، ولكن أن يساعدوا الآخرين على تحقيق أحلامهم.

قدمت شخصية «ليّا» كامرأة قوية الشخصية تحقق على الفور ما تريد، تحب عمل الخير، وتستنكر الطريقة التى يعلِّق بها سيدات المجتمع على خطوتها المفاجئة بأن تحضر «بيك ماك» للإقامة مع أسرتها، ثم تتخذ خطوة أبعد عندما تجعل للعلاقة شكلاً قانونياً بحيث تصبح مسئولة تماماً عنه، بل إنها تدعمه عندما ينضم إلى فريق المدرسة ويحقق نجاحاً مذهلاً كمدافع قوى، ويساهم «بيج ماك» فى الدفاع أيضاً عن أسرته الصغيرة، ثم يقف مندوبو الجامعات الأمريكية الكبيرة للحصول على موافقته لكى ينضم إلى جامعاتهم ثم فرقهم الرياضية تقديراً لمهاراته. العلاقة بين العملاق الأسمر القادم من المنطقة العشوائية والسيدة الثرية البيضاء تبدو بالفعل أقرب إلى علاقة بين أم وابنها، ورغم دور السيدة إلاّ أن العرض بأكمله هو هذا الشاب الذى يمتلك موهبة وذكاء وطيبة حقيقية رغم نشأته فى مجتمع خارج عن القانون، وبسبب تقدير الآخرين له يصبح طالباً ناجحاً، ويكتشف المدرسون قدراته العالية دراسياً وإنسانياً. الفيلم الذكى يقول إن الذى ينتمى إلى عائلة يسهل أن ينتمى إلى فريق ثم جامعة ثم مدينة ثم وطن، وبذلك تستطيع أن تقول إن «الجانب الأعمى» درس مجانى فى فن تحقيق الانتماء بدون خطب أو شعارات، وبدون أى كلمات نظرية، وإنما من خلال قصة حقيقية.

مجلة أكتوبر المصرية في

21/11/2010

 

«مملكة الشر» الفيديو جيم على شاشة بيضاء

محمود عبدالشكور 

اتسعت الروافد التى تستمد منها السينما موضوعاتها، فمن القصص المصورة «الكوميكس» إلى الفيديو جيم، ومن الحوادث الحقيقية إلى الروايات والمقالات، ومن المذكرات الشخصية إلى كتب الرحلات أصبحنا أمام «موزاييك» مدهش وملون. والفيلم الأمريكانى البريطانى الألمانى المشترك «Resident evil, after life» الذى عُرِّض تجارياً فى الصالات المصرية تحت عنوان «مملكة الشر.. بعد الموت» هو الجزء الرابع من سلسلة أفلام تعتمد على إحدى ألعاب الفيديو الشهيرة التى حققت رواجاً ضخماً، بطلة اللعبة والأفلام اسمها «أليس»، أما الجديد هذه المرة فإن مؤلف ومخرج الفيلم «بول أندرسون» قرر أن يقدم مغامرة بطلته الجميلة من خلال تقنية البعد الثالث التى أصبحت حمّى عالمية بعد النجاح الجماهيرى والفنى الذى حققه فيلم «آفاتار» للمخرج «جيمس كاميرون».

«مملكة الشر» فى نسخته الرابعة عمل تجارى متقن الصنع ولا ينقصه الإبهار ويحاول أن يكون مخلصاً لصناعة الأفلام، ويحاول أيضاً أن يقدم التحية لعالم الفيديو جيم حيث المغامرة والحركة المستمرة، ولكن ما أعجبنى بشكل خاص أن المخرج والمؤلف «بول أندرسون» قدم مزيجاً جيداً من الأفلام بفهم وبدرجة عالية من الوعى، وظل طوال الوقت قادراً على استخدام إمكانات البعد الثالث، وموظفاً طوال الوقت قادراً على الإبهار لصالح حكايته التى لا تدعى أى شىء إلا إدانة التجارب العلمية العشوائية تماماً التى تجرى أحياناً على البشر، أما المزيج أو الخلطة المقدَّمة فهى تجمع بين الأكشن والتشويق والرعب وعالم الخيال العلمى، والحكاية عن بطلتنا المعتادة «أليس» التى تكاد تجمع بين جمال الأنثى وشراسة الرجل. إنها تقريباً المزيج المعقد لإنسان الألفية الثالثة. لا تحتاج ألعاب الفيديو جيم أن تقدم تاريخاً للشخصيات، وإنما ترسم لها صفة عامة تتحرك على أساسها من خلال سيناريو صارم: «أليس» فى النسخة الرابعة من «مملكة الشر» تتمرد على شركة «أمبريللا» التى تجرى تجارب فيروسية خطيرة على البشر، وتقوم بتدمير مقر الشركة الرئيسى فى اليابان. بعد سنوات تظهر آثار كارثة التدمير بالقضاء تقريباً على الجنس البشرى. الجميع ماتوا ثم عادوا للحياة كائنات مشوّهة ومتوحشة تعرفها أفلام الرعب باسم «الزومبى»، وسيكون على «أليس»- ربما تكفيراً عن تسببها بشكل غير مباشر فى الدمار أن تحاول إنقاذ حفنة من البشر، وأن تحملهم إلى سفينة ضخمة، ربما هى سفينة نوح العصرية، لتكتشف فى النهاية أن السفينة تخص أيضاً شركة «أمبريللا» الذين لم يتوقفوا عن تجاربهم اللا أخلاقية حتى بعد موت البشر.

ورغم أن سينما البعد الثالث مزعجة إلى حد كبير لأنها تقدم صورة غير معتادة للعين، إلاّ أن المخرج «بول أندرسون» نجح بدرجة واضحة فى استغلال إمكاناتها فى مشاهد الحركة والرعب، فالأشياء تتحرك مباشرة إلى عين الكاميرا فيصبح التأثير مضاعفاً، والحركة البطيئة وإيقاف الصورة وموسيقى شريط الصوت المتكررة تجعلنا نتذكر طوال الوقت أن عالم الفيديو جيم المسلِّى قد أصبح الآن بين يديك على شاشة ضخمة بيضاء.

مجلة أكتوبر المصرية في

14/11/2010

 

«وول ستريت 2» : المال لا ينام و «السيناريست» فى «سابع نومة»

محمود عبدالشكور 

فى العام 1987، قدم المخرج «أوليفر ستون» فيلمه الناجح «وول ستريت» بتكلفة لا تزيد على 15 مليون دولار، ومن بطولة النجم «مايكل دوجلاس» و«شارلى شين»، وهاهو اليوم يعود بعد الأزمة الاقتصادية العالمية وآثارها المدمرة ليقدم فيلمه «wall street 2, money never sleep» أو «وول ستريت 2. المال لا ينام» من بطولة «مايكل دوجلاس» أيضا، ولكن بميزانية أكثر ضخامة «70 مليون دولار».. هنا ينصرف الحديث إلى أسباب الأزمة المالية العالمية ولكن من خلال حبكة أقل جودة وأقل إقناعاً بحيث لم نفهم بالضبط هل يحاول الفيلم أن يتحدث عن غسيل الأموال أم عن غسيل القلوب؟ هل هو ينتقد بنية النظام الرأسمالى الذى سمح بفتح باب القروض «على البحرى»، وسمح للمضاربين أن يربحوا من الهواء أم أن الفيلم يؤكد أن النظام الرأسمالى يقظ وقادر على أن يصحح مساره، ويطرد الذين يحاولون الإضرار به!

فى الجزء الأول كانت الحكاية عن الطريقة التى يتم من خلالها الحصول على الثروات السهلة بالمضاربات فى سوق المال الأشهر فى «وول ستريت»، وكانت اللعبة بين المضارب الكبير الخبير «جوردون جيكو» «مايكل دوجلاس»، والمضارب الصاعد الطموح «بادفوكس» «شارلى شين»، وكان شعار الأول المعروف هو «الجشع شىء جيد»، وانتهت الحكاية بعقاب النظام لـ «جيكو» وفى الجزء الثانى نبدأ من خروجه من السجن متسلماً حاجياته على طريقة الأفلام المصرية، بل أنه يحاول بعد ابتعاده عن الأضواء أن يعود إليها من باب تأليف كتاب يحكى فيه تجربته فى المكاسب السريعة، ويدين فكرة الإثراء غير المشروع وغير المنتج، ومنح القروض بدون ضوابط مما تسبب فى الأزمة الاقتصادية العالمية، وفى الجزء الثانى أيضاً، سنعود إلى ثنائية العجوز الخبير عاشق المال، والشاب الطموح الذى يمثله هذه المرة الشاب «جاك مور» «شيالابوف» صديق ابنه «جيكو» الجميلة اليسارية «وينى جيكو» «كارى موليجان بطلة فيلم تعليم»، الحقيقة أن المشكلة لم تكن فى اجترار لعبة العجوز والشاب من جديد، ولكن فى الطريقة العجيبة والمشوَّشة التى رسمت بها الشخصيات المحورية الثلاث، فالأب «جيكو» عاشق المال يتأرجح بين رغبته فى العودة إلى عالم المال وبين محاولة استعادة حب ابنته، والابنة التى تبدو يسارية ورافضة للفوضى التى سببت الأزمة العالمية سرعان ما توافق صديقها وزوجها القادم «جاك» فى الحصول على الأموال التى أودعها والدها باسمها فى أحد بنوك سويسرا وكأنها توافق على غسيل أموال حصل عليها الأب قبل سجنه، حتى «جاك» نفسه لا يعرف بالضبط هل دخل اللعبة انتقاماً لأستاذه الذى دمرته الألعاب القذرة فى البورصة أم رغبة فى أن يكون «جيكو» الجديد.

اختلطت الأوراق فى الجزء الثانى من «وول ستريت»، وانتهينا إلى خاتمة تصالحية تماماً، فالأب الشره للمال اختار أن ينحاز إلى حفيده القادم، و«جاك» سيستفيد من الأموال المغسولة فى مشروع لحماية البيئة، والنظام الرأسمالى مازال قادراً على حماية نفسه، رغم أن المال لا ينام، ولكن يبدو أن السيناريست هو الذى كان نائماً هذه المرة!

مجلة أكتوبر المصرية في

07/11/2010

 

«الرجل الغامض بسلامته» الكلام الكبير فى الفيلم الصغير

محمود عبدالشكور 

لست ضد أفلام التعليق السياسى التى تحدد موقفاً من قضية عامة، ونستطيع أن نعتبر جانباً كبيراً من أفلام مخرجى الواقعية الجديدة تنتمى إلى هذا النوع من الأفلام، ولكن تصبح المشكلة أكبر إذا كانت المعالجة كوميدية بحيث يمتزج التعليق بالسخرية، ولدينا نماذج ناضجة قليلة جداً فى هذا المجال مثل فيلم «جواز بقرار جمهورى» الذى قام ببطولته هانى رمزى، ولكن نفس النجم الموهوب الذى يتمتع بدرجة عالية من القبول خانه ذكاؤه تماماً فى فيلمه المعروض فى موسم العيد تحت عنوان «الرجل الغامض بسلامته» من كتابة «بلال فضل» ومن إخراج «محسن أحمد».. الفكرة عن محاولات الشركات متعددة الجنسيات تنفيذ مشروعاتها بأى ثمن وبكل الطرق والأساليب وباللعب مع الكبار والصغار معاً، أما المعالجة فهى هزيلة فقيرة وحافلة بالفبركة والأحداث التى لا يمكن ابتلاعها مع بعض المايوهات على شواطئ شرم، وكثير من النكات والإفيهات المكشوفة!

هناك مرحلتان تمر بهما الشخصية الأساسية فى الفيلم وهو المحاسب الغلبان «عبد الراضى» «هانى رمزى»: فى المرحلة الأولى التى يقدمها الفيلم بطريقة سريعة نشاهد شاباً مكبوتاً يتحرش بالفتيات فى المطار ومع ذلك يتم إطلاق سراحه بطريقة ساذجة، كما يحاول أن يحارب الفساد فى شركة الألبان التى يعمل بها ولكنه يطرد منها، ونشاهد أسرته الصغيرة المكونة من الأب والأم وأخته المشلولة «مروة حسين»، شخص مثل «عبد الراضى» يبدو ضحية ومواطناً صالحاً يمكن أن يبدأ حياة جديدة بمشروع صغير بمكافأة نهاية الخدمة، ولكن السيناريو أراد له أن يبدأ مرحلة جديدة غريبة بسلسلة من الأكاذيب مستعيناً بسائق سفير سابق تعرف به فى حادثة «!!»، وعلى طريقة «على بك مظهر» فى الفيلم الذى أخرجه الراحل «أحمد ياسين»، يقتحم «عبد الراضى» مجتمع سيدات الأعمال الخيرية، ومثل «على مظهر» يتعرض لكذب متبادل من فتاة أحبها اسمها فى الفيلم «لميس» «نيللى كريم» تعتقد أنه ثرى يمكنه تخليص أسرتها من ديونها، والعجيب أن «عبد الراضى» ينجح بعد تغيير اسمه إلى «رياض» فى أن يصبح مستشاراً لوزير الاستثمار رغم أنه يقدم أفكاراً عادية جداً، بل ويتورط بسهولة مع مندوبة إحدى الشركات متعددة الجنسيات «فريال يوسف» التى تحاول إعادة مصنع الأسمدة المرفوضة فى دمياط تحت اسم جديد، وتحدث جريمة قتل الوزير يتهم فيها «رياض» ويخرج منه كالشعرة من العجين، ويتزوج فى النهاية من «لميس» دون أن تعرف كيف حل مشكلته فى البحث عن عمل، ودون أن تفهم كيف حلّت مشكلتها بالتخلص من الديون!

عمل مصنوع ملىء بالثغرات والقفزات والتجولات غير المبررة وكأن مجرد تناول قضية مطروحة وهامة يعفى المؤلف من كتابة دراما جيدة، وفيلم يخصم من رصيد «هانى رمزى» الذى بدأ مختلفاً ثم تراجع بعد ذلك، كما يخصم من رصيد مصور قدير هو «محسن أحمد» الذى يصر على أن يكون مخرجاً لأفلام متواضعة بدلاً من أن يكون مصوراً لأفلام عظيمة.. حتى «نيللى كريم» تبدو هنا متواضعة الأداء والحضور بالمقارنة بأفلامها السابقة بما فى ذلك دورها فى فيلم «غبى منه فيه»، ثم يزيد الأمر سوءاً طول الفيلم المُفرط مما يجعل المشاهدة عملاً صعب التحمل!

مجلة أكتوبر المصرية في

24/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)