حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عاد إلى الشاشة بدور مركب لفت الأنظار

حسان مراد: جائزة أفضل ممثل في بروكسل مهمة لي معنوياً

عبير جابر من الدوحة

أسباب كثيرة أبعدت حسان مراد من أمام الكاميرا، وجعلته يكتفي بالوقوف خلفها منتجاً للبرامج. لكن عودته إلى الشاشة بفيلم "شتي يا دني" توجها بتنويه لجنة التحكيم في مهرجان أبو ظبي السينمائي الدولي وجائزة أفضل ممثل في المهرجان الدولي السابع والثلاثين للأفلام المستقلة في بروكسل.
يتحدث حسان مراد عن تجربته لـ"إيلاف"، ما قبل "شتي يا دنيي"، فيعود إلى مرحلة تخرجه من معهد الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانية "كان هذا في أواخر الثمانينات، ثم عملت في لبنان لفترة قصيرة قبل أن أغادر إلى فرنسا ومن بعدها إلى كندا". لكن الغربة لم تكن نهائية حيث عاد مراد إلى بيروت.

مرحلة انتقالية

شكلت العودة الى الوطن مرحلة جديدة من مسيرة مراد المهنية، فخلال تواجده في لبنان أدى العديد من الأدوار الرئيسية الهامة في أعمال مسرحية وعدد من الأدوار السينمائية، يقول مراد عن هذه المرحلة "اشتغلت مجموعة أعمال منها مسرحيات "طقوس الإشارات والتحولات" لنضال الأشقر و"يا اسكندرية بحرك عجايب" ليعقوب الشدراوي و"الميسان" لروجيه عساف. كما لعبت أدواراً ثانوية في العديد من الأفلام ومنها "متحضرات" civilisees مع المخرجة الراحلة رندة الشهال و"البيت الزهري" مع جوانا وخليل جريج و"بيروت الجزائر" مع مرزاق علواش.

لم يستمر الإستقرار في لبنان طويلاً، ونتيجة الوضع العام ولظروف خاصة به غادر مراد إلى أبو ظبي بعقد عمل في محطة تلفزيونية منتجا للبرامج، وخلال هذه الفترة لا يعتبر حسان مراد أنه ابتعد عن مجال التمثيل "ولا للحظة واحدة، كنت أعيش فيه حتى أثناء عدم عملي في التمثيل. لأن عملي فعلياً سببه أننا لا يمكننا العيش من مهنة التمثيل، خاصة في لبنان. لهذا السبب كنت أفتش عن عمل آخر لأؤمن مستقبلي ومستقبل أسرتي".

إتصال يغير المسار

خلال العام الماضي، كان المخرج اللبناني بهيج حجيج يبحث عن بطل لفيلمه الجديد، وكان الدور مركباً ويحتاج لمن يؤديه بشكل مقنع. فوقع الإختيار من ضمن مجموعة على حسان مراد الذي تلقى اتصالا من حجيج يسأله فيه "إذا كنت مستعداً لعمل تجربة أداء". لم يمانع مراد بل وافق وسافر إلى بيروت لإجراء التجربة "شاهد بعدها المخرج بهيج حجيج المزيد من الممثلين المرشحين لهذا الدور، وبعد عدة أشهر طلب مني أن نجري تجربة ثانية وهكذا كان، وحصلت على الدور. وبدأت العمل عليه. وكنا نتواصل باستمرار عبر الهاتف، لأن هذه الشخصية التي أؤديها شخصية مركبة، اشتغلت عليها كثيراً حتى وصلت الى هذه النتيجة".

مراد: المخطوف العائد

يروي مراد تفاصيل عن دوره في فيلم "شتي يا دنيي" فهو دور رامز الرجل المخطوف الذي اختفى لمدة 20 سنة، ويعود يعدها إلى عائلته، ويحاول استعادة حياته لكنه لا يستطيع فمعنوياته منهارة بعد سنوات السجن وجسده متعب يلازمه الربو المزمن، بالإضافة الى نوبات الذعر التي بدأت تصيبه أحياناً فيتصور أنه ملاحق من قبل سجانيه السابقين. وتحاول زوجته تحاول مساعدته لكن عودته تغير حياة الأسرة فيبقى هو على هامش هذا البيت. وفي تفاصيل الدور يتحدث مراد عن "خروج رامز بحثاً عن الأكياس الورقية، حاملاً لمجموعة منها وكأنها الأمر الوحيد الذي يقدر على حمايته ويخلق له الأمل". ومن خلال المعنى الرمزي للكيس الورقي نجد البطل كما يقول مراد "يفتش عن حياته، كأنه يحاول استعادة ما فقده من خلال تفتيشه عن الأكياس في المدينة". يصف مراد الأكياس بحاملة "الرموز الكثيرة وهي حجة في السيناريو" لذا نجده يدور في الشوراع بحثا عن هذه الحرية التي فقدها خلال 20 سنة، إضافة لكونها حجة للهروب من منزله حيث يجد نفسه مرفوضاً من قبل ابنه وابنته.

قصة هذا الرجل تختصر حياة آلاف المخطوفين في لبنان، من الذين لم يعودوا، لذا تكتمل الحبكة الدرامية بمشهد هروب رامز من بائع ظنه سجانه السابق، ليختبئ في مدخل أحد المباني، وبينما كان يهم بجنون في صعود الدرج بدأت مشاهد التعذيب الذي تعرض لها أيام الأسر تلاحقه، فتجده زينب، وهو في شبه غيبوبة. وتدعوه إلى منزلها وتريه صوراً لزوجها المخطوف خليل أملاً منها أن يكون رامز قادراً على إفادتها بأي معلومات عن مصيره. زينب التي تعيش في ماضيها مقتنعة بأن زوجها على قيد الحياة وأنه سيعود يوماً ما، تجد في رامز صورة زوجها ويجد فيها هو ملاذاً وتنشأ بينهما علاقة غامضة يتشاركان فيها لحظات مؤثرة.

ويتولى أدوار البطولة في الفيلم، الى جانب مراد، كل من جوليا قصار وكارمن لبس وبرناديت حديب وايلي متري وديامان أبو عبود.

وهذا الفيلم هو الثاني عن المخطوفين لبهيج حجيج بعد "مخطوفون" لكنه هذه المرة بدل أن يتناول عائلات ومحيط هؤلاء المخطوفين فإنه يسرد وقائع من حياة أحدهم.

أكثر من جائزة.. ومهرجانات

بدأ فيلم "شتي يا دنيي" مشواره من مهرجان أبو ظبي السينمائي، في شهر أيلول-سبتمبر الماضي بعد نيله منحة لمراحل الإنتاج النهائية من صندوق "سند". وأصبح جاهزاً للعرض العالمي الأول في الدورة الرابعة من المهرجان في تشرين الأول- أكتوبر، حيث اختارته لجنة التحكيم برئاسة المخرج الأرجنتيني لويس بوينزو كأفضل فيلم روائي طويل ومنحته"اللؤلؤة السوداء" لأفضل فيلم عربي في المسابقة.
المحطة الثانية للفيلم كانت في مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي السنوي الثاني الذي نظمته مؤسسة الدوحة للأفلام نهاية الشهر الماضي، من خارج المسابقة ضمن فئة "البانوراما العالمية".

وفي محطته الثالثة في المهرجان الدولي للسينما المستقلة في بروكسل نال مراد بطل الفيلم جائزة أفضل ممثل. وسيعرض الفيلم خلال الأيام المقبلة في مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي بين 30 تشرين الثاني- نوفمبر و9 كانون الأول- ديسمبر. كما سيعرض في مهرجان وهران في الجزائر في الفترة بين 16 و23 ديسمبر.

المقياس الصعب

يعبر مراد أن حلمه دائماً "أن أكون أمام الكاميرا وليس خلفها، وعملياً عودتي النهائية إلى لبنان، لأرى ما يمكنني عمله، وخصوصاً العودة للعمل، فهناك عروض مقدمة لي، لكن وضع البلد غير المستقر يجعلني أضع رجلاً إلى الامام وأخرى للخلف".

ومن المشاريع الجديدة التي ينتظر مراد الحسم فيها "عرض للمشاركة في عمل ضمن الدراما السورية". وهناك دوماً جديد لكن ما حققه مراد يجعله متأنياً في إختيار الدور الذي سيؤديه، فمقارنة بالشخصية التي أداها في فيلم "شتي يا دنيي" يبدو أن المقياس بات صعباً، "الشخصية التي أديتها شخصية حلوة قوية وأعجبتني، واشتغلت عليها كثيراً فإذا أعجبنا دور نسعى ليخرج بالشكل الجميل، وهذا ما أبحث عنه".

يعتبر مراد أن الدور "بعد قراءته نأخذ منه صورة نيغاتيف، غير مفهومة ونستخدم التقنية التي نملكها لتبدأ الصورة بالوضوح ونصل إلى الشخصية التي نريدها، ومع ذلك تبقى الشخصية دائما غامضة وناقصة، فإذا أصبحنا على مسافة منها نفكر أنه كان يمكننا أن نضيف شيئاً".

تجربة الخطف

حول محاولته لقاء شخص مخطوف ليعايش تجربته قال مراد "نحن عشنا هذه التجربة، فنحن جيل الحرب في لبنان، وعشنا قضية المخطوفين، وأنا شخصياً سبق أن احتجزت لفترة قصيرة جداً لكن لم أتوصل منها للخروج بمعالم الشخصية". لكنه اعتمد على ما يملكه من وسائل وتقنيات اكتسبها بالدراسة ومراكمة الخبرة "نحن ممثلون ونعتمد على تكنيك للبحث عن تفاصيل الشخصية، فنعمل لها تاريخ خاص بها من أين هي وما هو اسمها، وننطلق من هذا التاريخ لنراكم عبر تجربتنا ما نعلمه عن الشخصية، مع عملنا عليها بأدواتنا الخاصة وهي عمليا جسمنا وصوتنا وذاكرتنا للوصول الى المستوى الذي أراه ويراه المخرج مناسباً".

دور البطولة الأول

يعد دور رامز في "شتي يا دنيي" دور البطولة الأول لحسان مراد وهو يقول عنه "الدور كان برأيي مرسوماً جيداً واشتغلناه بشكل جميل، ولأنه دور مركب وبعيد كل البعد عن شخصيتي أحببته فأديته جيداً". ويشيد مراد بإدارة المخرج حجيج للممثل "للمخرج دور هنا، وبهيج متعاون جداً، ويعطي مجالاً للممثل ليعبر، وإذا أحس بوجود شيء غير مناسب يناقشه فيه، وهناك هامش معه للارتجال المدروس ضمن حدود الدور فلا تخرج خارج الشخصية بل تعطيها عفوية أكثر".

ويعتبر مراد أن جائزة أفضل ممثل التي نالها من بروكسل، أتت نتيجة جهده "تعبت على الدور، وهي تعبير معنوي مهم جداً خاصة أني عملت على الدور فترة طويلة، لذا هي مهمة جدا لي، معنوياً. وكأنها أعادتني للسينما. العودة كانت أسهل مع الجائزة".

ولا ينكر حسان أنه كان يتوقع الفوز بالجائزة "خاصة بعد أن شاهدت الفيلم، أنا وبهيج حجيج فهو أيضاً توقع لي الفوز". وصدف أن مراد لم يكن حاضراً في بروكسل عند إعلان النتيجة نظراً لوفاة والدته.

السينما تحتاج للثقة.. والدعم 

 من وجهة نظر حسان مراد "لا يوجد شيء اسمه سينما لبنانية، هناك السينما في لبنان"، ويلفت الى وجود "أشخاص كثر في لبنان يشتغلون في السينما، وهناك أجيال مبدعة وخلاقة في مجال الأفلام" لكنه يشدد على أن "السينما صناعة تحتاج للأموال، وكل من يريد العمل في السينما يحتاج للتمويل" ويقدم المثل على ذلك فيلم "شتي يا دنيي" الذي عمل عليه المخرج لفترة خمس سنوات ولم يتمكن من تدبير الانتاج بالكامل حتى اضطر لأخذ قرض على حسابه الخاص، مع بعض المساعدات من الخارج إضافة الى تعاون فريق العمل.

وأكد مراد على ضرورة إيلاء السينما اللبنانية "الثقة، فيجب أن يثق الصناعيون والتجار بأن السينما اللبنانية قطاع مهم فيساهموا بصناعة الافلام". وهو يعتبر الأفلام اللبنانية قادرة على "إعطاء مردود للمنتج الذي يحاول ارجاع أمواله، فالأفلام اللبنانية تعرض في المهرجانات وتنال الجوائز وثائقية كانت أم درامية، وهذا دليل على وجود إمكانية لتحسين السينما، لكن هذا يحتاج فقط لهدوء البلد ودعم الدولة وهي ليست بهذا الوارد مع أن السينما جزء من الثقافة".

الدراما تنقصها الواقعية

إنطلاقاً من تجربته الشخصية يخلص مراد إلى أن "التمثيل مهنة وأي ممثل يحتاج للعمل ليعيش ولا يمكن محاسبته على عمل أداه دون مستواه". لكنه يحمل على الدراما اللبنانية كونها لا تأتي بما هو مميز "لا توجد أعمال مميزة فالدراما اللبنانية صعبة، صحيح أنها تحسنت مؤخراً، لكن مشكلة لبنان كبلد مركب من مجموعة طوائف أنه يصعب كتابته". ويوضح أن معظم الأعمال "تتجه للمخدرات والجريمة فتكون نسخة عن المسلسلات المكسيكية، أو تعود بنا إلى القرن 19 بعيداً عن الواقع اللبناني لأنه طائفي". ويتساءل مراد "لماذا لا أرى شخصيات مسلسل لبناني بأسماء حقيقية فكلهم يحملون أسماء سامر وسمير"، لافتاً إن المسلسسلات السورية اجتازت هذه الثغرة "حتى إذا شاهدت مسلسلاً سورياً أشعر أنهم جيراني، لأن أعمالهم فيها الحد الأدنى للعمل الصحيح". 

ويختم مراد بالتأكيد على قدرات الممثلين اللبنانيين "هناك الكثير من الممثلين القديرين، لكن كل ما يحتاجونه هو فرصة للظهور". هذه الفرصة نالها مراد بعد طول انتظار ويبقى أن ننتظر أعماله القادمة لنرى كيف استغلها الممثل المخضرم.

إيلاف في

30/11/2010

 

نقاد يحررون ذاكرة جيلالي فرحاتي المعتقلة

طنجة – من هشام المساوي 

11 سينمائيا مغربيا ينكب على تحليل وإعادة تركيب وإضاءة هوامش مجموعة من الأعمال السينمائية لمخرج أسهم في بناء تاريخ السينما المغربية المعاصرة.

على مدى ثلاثة أيام، انكب أحد عشر ناقدا سينمائيا مغربيا على تحليل وإعادة تركيب وإضاءة هوامش مجموعة من الأعمال السينمائية الطويلة للمخرج المغربي جيلالي فرحاتي، لعل من أبرزها شريطي "ضفائر" و"ذاكرة معتقلة".

ويهدف هذا اللقاء، الذي تنظمه الجمعية المغربية لنقاد السينما في إطار لقاءاتها السنوية "سينمائيون ونقاد"، إلى إلقاء مزيد من الضوء على التجربة السينمائية للمخرج جيلالي فرحاتي، الذي يعتبر واحدا ممن أسسوا للسينما المغربية المعاصرة.

وتمحور اللقاء، الذي انطلق مساء الجمعة بقاعة سينما "باريس" بطنجة، حول "الكتابة السينمائية عند جيلالي فرحاتي"، و"جيلالي فرحاتي وراء وأمام الكاميرا"، و"قضية المرأة في سينما جيلالي فرحاتي"، و"الصمت في سينما جيلالي فرحاتي"، وهي محاور دقيقة ستضمن تجاوبا كبيرا بين المخرج والنقاد، كما يرى رئيس الجمعية المغربية لنقاد السينما خليل الدمون.

وما تزال الأفلام الروائية للمخرج جيلالي فرحاتي تحظى باهتمام خاص من طرف النقاد المغاربة والمهتمين بالفن السابع، هي لازمة اتفق عليها مجموعة من مهنيي السينما خلال شهادات متواترة في حق مخرج "شاطئ الأطفال الضائعين" أثناء افتتاح هذا اللقاء بحضور المحتفى به.

وأبرز الناقد ومندوب المركز السينمائي المغربي بالدار البيضاء السيد محمد باكريم أن "أفلام فرحاتي ليست للاستهلاك، بل إن سينماه تطرح برنامجا متكاملا يشتغل عليه النقاد، ينطلق من بلاغة عناوين أفلامه، ويمر بتوظيف بليغ للدال السينمائي في خدمة المدلول".

وأضاف أن أفلام فرحاتي تتضمن "رعشة المعنى"، وفق تعبير الفيلسوف الألماني هيجل، وهي قد تكون آتية من تعدد الأصوات في العمل الروائي الواحد، ما يؤسس لفضاء حميمي جديد داخل أفلام هذا المخرج المغربي.

ولعل "رعشة المعنى" هذه جعلت من جيلالي فرحاتي ليس مخرج أفلام فقط، بل صاحب مشروع سينمائي، سكنه الفن السابع حد "الهوس"، كما يرى حميد العيدوني رئيس مجموعة البحث في السينما والسمعي البصري بكلية الآداب بتطوان.

وتميزت أفلام جيلالي فرحاتي بمساهمتها الوفيرة والمتميزة في بناء تاريخ السينما المغربية المعاصرة وملامستها لمسار النقد السينمائي وإثراء الخطاب النقدي المغربي في زمن عرفت فيه العلاقة بين المخرج المنتج، والمشاهد المستهلك، والناقد المحلل خلخلة جلية.

في هذا الصدد، أشار حميد العيدوني إلى أن أفلام جيلالي فرحاتي، أحد أبرز المخرجين المغاربة، تعتبر محطات في تاريخ السينما المغربية، وكل واحد منها يشكل علامة فارقة في تاريخ الفن السابع، ويؤسس لمرحلة لاحقة من الإبداع، "فتكريمه بمثابة تكريم مرحلة".

وأضاف محمد باكريم في السياق ذاته أن فرحاتي جاء في وقت كان فيه سؤال سياسي يحاصر الفعل الإبداعي المغربي، يتمثل في كيف يمكن التأسيس ل` "سينما وطنية" من زاوية الاتزان، مردفا أن "أفلام فرحاتي أجابت عن هذا السؤال بشكل خاص، إجابة جمالية وفنية وافية".

وقد كانت هذه التجربة الغنية باعثا بث في نفوس مجموعة من شباب مرحلة "جلالي فرحاتي" على الانخراط في الفعل السينمائي المغربي، من بينهم المخرجة ليلى تريكي، التي أقرت عرفانا بجميل جيلالي فرحاتي وأفلامه في تلمس خطواتها السينمائية الأولى.

وبين فرحاتي وطنجة، حكاية عشق لا ينتهي، وتواطؤ صامت حول الإبداع والإمتاع، ففرحاتي الابن البار لمدينة طنجة منذ ولادته بها سنة 1948، آثر العودة إلى حواريها وأزقتها بعد حصوله على شهادة الإجازة في العلوم الاجتماعية من جامعة باريس، لكن ميولاته الأدبية دفعت به دفعا إلى اقتراف خطيئة الإبداع والانغماس في سكرات الفن والانقياد لسحر مدينة طنجة وسطوتها على المبدعين.

في هذا الصدد، قال حميد العيدوني " لكي تكون مبدعا في مدينة طنجة، يجب أن تسكنك مدينة طنجة، وجيلالي منارة فنية وسينمائية بالمدينة".

فبعد عشرين سنة من الغياب عن المسرح، العشق الأول لهذا المخرج المغربي الفذ، مارست مدينة طنجة سطوتها عليه من جديد، واستعادته عنوة إلى "حضن الأمومة" وإلى "أب الفنون" من خلال مسرحية "زنقة شكسبير"، وهي زنقة عرفت قديما بسكانها الإنجليز، وكانت مرتعا وملعبا لفرحاتي الطفل.

واعتبر المخرج المسرحي الزبير بن بوشتى، الذي شارك فرحاتي هذا العمل، أن "زنقة شكسبير" كانت حلما تحقق بعد مطاردته لعقدين من الزمن، لقد كانت موعدا مسرحيا لجيلالي فرحاتي، أرخ لانعطافة هامة للمسرح المغربي.

وأضاف أن فرحاتي يعرف كيف يتبل أداء الممثلين إن في المسرح أو السينما، لقد أعاد الاعتبار لإدارة الممثل وارتقى بدور التمثيل عبر الاشتغال بالخيال والاستعانة بالتفكير، إنه بكل بساطة "ماهر في لغة كيمياء الجسد وإمتاع الفكر ومؤانسة الوجدان"، يختم الزبير بن بوشتى.

من بين الأعمال الروائية الطويلة للمخرج جيلالي فرحاتي، تحفل الخزانة السينمائية المغربية بأفلام "جرح في الحائط" (1977)، و"عرائس من قصب"(1981)، و"شاطئ الأطفال الضائعين" (1991)، و"خيول الحظ" (1995)، و"ضفائر" (1999)، و"ذاكرة معتقلة" (2004)، و"عند الفجر" (2009).(ماب)

ميدل إيست أنلاين في

30/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)