حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الشبكة الاجتماعية" جديد دايفيد فينشر حول السلوك الإنساني والاجتماعي

مؤسس "فايسبوك" المتفرّد بثرائه وعبقريته والوحيد مثلنا جميعاً

ريما المسمار

من "سبعة" إلى "قضية بنجامن باتن المثيرة للفضول" ومروراً بـ"نادي القتال" و"غرفة الرعب" و"زودياك"، اشتغل المخرج الشاب دايفيد فينشر على موضوعة السلوك الإنساني بتجلياته المتراوحة بين العنف والهوس والإرهاب الاجتماعي. في الظاهر، تبدو أفلامه متصالحة مع الأنواع السينمائية السائدة أكانت الرعب أو البوليسية أو التشويق. ولكنّها في العمق تناقض التوقعات التي يمليها النوع فتذهب في الاتجاه المعاكس كما هي الحال مع "زودياك" الذي يصور على مدى ساعتين ونصف الساعة تحقيقاً في جرائم قتل عدة من دون أن تصل خاتمته إلى حلها كما تفترض شروط النوع السينمائي الذي ينتمي إليه أو الأحرى يوظّفه. بقدر معاندتها الالتزام بمعايير النوع، تتشارك أفلام فينشر على أرضية سوداوية تبعث القلق في النفوس وتولّد الإضطراب قابضة على ذلك المجهول الذي لا سبيل إلى فهمه - ناهيك بحلّه - في السلوك الإنساني. ينطبق بعض تلك المواصفات على جديده "الشبكة الاجتماعية" (The Social Network) ويتناقض بعضها الآخر معه. فعلى الرّغم من مقوّمات الحكاية المتجذّرة في السلوك الإنساني والاجتماعي، يحافظ الشريط على نبرة جذلة وأجواء مرحة من دون أن يبتعد تماماً من سوداوية الظرف الإنساني التي وسمت شخصيات أفلامه الأخرى. ولكنّ على الرغم من المشهد الأخير الذي يصور مارك زاكربرغ في وحدته المدوّية، لا يخلّف الشريط تلك الغصّة أو الاضطراب المعهودين. هل لأن لزاكربرغ ما يعوّض عليه؟ أم لأننا نحن المشاهدين بيت القصيد الذي يغمز فينشر من قناة وحدته وعزلته؟

يتناول "الشبكة الاجتماعية" سيرة مارك زاكربرغ مؤسس موقع التواصل الاجتماعي الأشهر على الإنترنت "فايسبوك" وزميله المشارك في المشروع إدواردو سافرن، استناداً إلى سيناريو اقتبسه آرون سوركن عن كتاب بن مزريتش "الملياردير بالصدفة" الصادر عام 2009. محور الكتاب كما الفيلم هي الدعاوى القضائية التي واجهها زاكربرغ بعيد إطلاق الموقع ضد طرفين: سافرن والأخوين وينكلفوس. اتهمه الأول بإقصائه عن المشروع بتخفيض أسهمه إلى ما دون الواحد في المئة، بينما تلخّصت دعوى الأخوين وينكلفوس باتهام زاكربرغ بسرقة فكرتهما لإنشاء "فايسبوك". والواقع أنه لولا تلك الدعوى التي أقامها سافرن لما أبصر كتاب مزريتش النور ذلك أن الأخير شكّل أحد مصادر الكاتب الرئيسية في استقاء المعلومات الواردة في الكتاب. على الرّغم من ذلك، لم ينجُ الأخير من النقد الموجّه تحديداً إلى اشتماله على معلومات غير دقيقة، يعزّزها أسلوبه السردي البعيد من النبرة التوثيقية المعتادة في الكتب غير المتخيّلة. على أن فينشر المفتون بالسلوك الإنساني وتأثيره الاجتماعي لم يبالِ بكل ذلك النّقد، منطلقاً إلى إنجاز فيلم يعرف مسبقاً أنه سيثير الجدل لا سيما أن شخصيته المحورية واقعية وما تزال حية ومؤثرة في الزمن الحاضر. في معظم الأحيان، يشهد هذا النوع من الأفلام القائم على سيرة شخصية واقعية على إسهام الأخيرة في حال كانت موجودة كما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، في فيلم "أرين بروكوفيتش" الذي مثلته جوليا روبرتس. وفي الغالب، تبصر أفلام السيرة النور بعد ارتحال شخصياتها من دون أن يجعلها ذلك أقل عرضة للجدل.

في حالة مارك زاكربرغ، تكتسب الحكاية مشروعيتها من تمحورها حول أحداث محدّدة رافقت الحدث الأكبر أي إطلاق الموقع الإلكتروني. ولكن فينشر يوسّع دائرة عدسته ليلتقط أجواء الطلاب داخل جامعة هارفرد، حيث درس زاكربرغ وسافرن، التي تقول الكثير عن دينامية العلاقات وتحكّم الطبقية ومكتسبات الأثرياء منهم.

تبدأ فصول الحكاية في العام 2003 في هارفرد. يختار فينشر مشهداً افتتاحياً، يسلط الضوء على شخصية زاكربرغ: خباياها، دوافعها، هواجسها... في حانة ليلية مكتظة، يجلس (جيسي أيزنبرغ) قبالة صديقته "إيريكا ألبرايت" (روني مارا). المشهد معاصر بامتياز وكذلك شخصيتا زاكربرغ وألبرايت. ولكن النقاش الدائر بينهما يبدو مستلاً من أفلام الأربعينات والخمسينات التي تدور أحداثها في أروقة المدارس الداخلية وسكن الجامعات. يدور الحديث حول "الأخويات" وشروط الانتساب إليها والحظوة التي تمنحها المنتسبين إليها. الإثنان شديدا الذكاء، يلتقطان الإشارات بين السطور ويفسران على أساسها دوافع الآخر وأفكاره. هكذا عندما يُقول لها إنه بانتسابه إلى تلك الأخوية المرموقة سيعرّفها على طبقة لا تحلم بها، تنتفض "إيريكا" وتغادر المكان بعد أن تشتمه وتنهي علاقتها به. ولكن هذا المشهد الذي نقع على مثيله في عدد لا يحصى من الأفلام لن يؤدي إلى محاولة صلح أو اعتذار من أحد الطرفين بل إلى غضب وحقد يدفعان بالشاب إلى هجاء صديقته السابقة بأشنع العبارات على مدوّنته الإلكترونية. إنه عصر تشريع الخصوصية وجذب الانتباه بواسطة الاستعراض من داخل القوقعة الذاتية. هكذا يلتقط الفيلم أول خيوط موضوعه بإعلانه الفضاء الافتراضي مسرح الشخصيات المنكسرة والمضطربة. يتخذ انتقام "زاكربرغ" شكلاً إبداعياً غير بعيد من فكرة "الألم الذي يولّد الإبداع" خلا أنه في عصر السرعة والملتيميديا والتواصل الافتراضي يصبح رد فعل سريع ومؤثر في حيوات كثيرين. البارقة الأولى لعبقرية "زاكربرغ" تتجسد في شكل برنامج الكتروني ينشئه بظرف دقائق ويرسله إلى كافة المنتسبين إلى الجامعة ويمكّنهم من الاختيار بين طالبتين من خلال التصويت على أي منهما تمتلك إثارة جنسية. يتسبب البرنامج بمشكلة كبرى لشبكة الجامعة العنكبوتية بما يضع "زاكربرغ" في مواجهة مع مجلس الجامعة وفترة اختبار. تصل أخبار عبقريته إلى الأخوين وينكلفوس المتحدرين من عائلة ثرية والعضوين في واحدة من أكثر الأخويات تميّزاً في هارفرد، يجدان فيه المبرمج المثالي لمشروع إنشاء موقع "هارفرد كونكشن" الذي يشكل صلة وصل بين طلاب الجامعة. يوافق "زاكربرغ" على عرضهما ولكنه لا يلبث أن يأتي بفكرة أفضل يطلق عليها اسم "ذي فايسبوك" ويعرّفها على أنها "شبكة تواصل اجتماعية حية بين طلاب هارفرد" تتيح لهم التواصل ومشاركة المعلومات بطريقة آمنة وحصرية. يطلع صديقه "إدواردو" على فكرته ويطلب مشاركته من خلال تأمين المصاريف الأولية. مع اكتمال العمل على الموقع، يطلقه أولاً داخل الجامعة ثم لا يلبث أن يتوسع ليشمل جامعات أخرى ومن ثم بلداناً عديدة.

يصوغ فينشر فيلمه بين زمنين: الأسابيع التي سبقت إطلاق "فايسبوك" والمواجهات القضائية بين زاكربرغ وسافرن والأخوين وينكلفوس. على طول الخط السردي، يقدم "زاكربرغ" في هيئة العبقري وما يترتّب على ذلك من سلوك اجتماعي غريب أو انطوائي لإحساس صاحبه بالغربة عن محيطه. ولكن اللافت في كل ذلك أن الفيلم لا يتخذ أي موقف أخلاقي أو إنساني ولا يملي على مشاهده أي أحاسيس جاهزة تجاه شخصيات الفيلم. يستدر زاكربرغ التعاطف في بعض المشاهد ويولّد الحنق في أخرى. البرودة التي يعتمدها فينشر توازي تلك التي تتحكّم اليوم بعلاقة الناس بالانترنت وببعضهم بعضاً. والنص المكتوب على ملصق الفيلم يقول ذلك كله بذكاء ووضوح: لا تصل الى 500 مليون صديق من دون أن تكّون بعض الأعداء". هذه هي حال زاكربرغ الملياردير الشاب الذي قام بإنجاز ضخم في مجال الإنترنت والتواصل هو سمة العشرية الأولى من الألفية الثالثة، حتى الآن على الأقل، وهو بذلك متفرّد. أما الوحدة والعزلة فهما العنصران المشتركان مع كل البشر الآخرين. مثلهم يحاول جاهداً التواصل أو الإبقاء على صلة مع العالم والأشخاص الواقعيين كما تقترح نهاية الفيلم المذهلة: زاكربرغ في مكتب المحاماة وحيداً يقوم بإرسال "طلب صداقة" إلى "إيريكا" ويضرب مفتاحاً على الكومبيوتر كل ثانية أملاً بوصول جواب منها.

بخلاف أفلام فينشر السابقة، يبدو "الشبكة الاجتماعية" أقلّها عمقاً لجهة ما يقوله بين السطور. لا شيء خلف الحكاية مخبأ. ولكن اليست تلك طبيعة الوسيط الذي يتناوله الفيلم؟ العبرة ليست في ما يقال بل في كيفية قوله وهذا هو جوهر الموضوع والفيلم.

المستقبل اللبنانية في

26/11/2010

 

قضية

"غودار والأوسكار".. فصول حكاية لا تنتهي

التقديم والترجمة: ريما المسمار

على مدى أكثر من أسبوعين، تسابقت الصحف الأجنبية على نشر تداعيات حكاية "غودار والأوسكار" التي انطلقت أولى فصولها مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي مع نشر "الصحيفة اليهودية" (Jewish Journal) الأسبوعية الصادرة في لوس أنجليس موضوع غلافها تحت عنوان "هل جان-لوك غودار معاد للسامية؟" بقلم توم توغند. تبعه بعد يومين (في الثامن من تشرين الأول) مقال آخر في المجلة الأسبوعية، اليهودية أيضاً، الصادرة في نيويورك، "فوروورد" (Forward)، في عنوان "هل يمنحون معادياً للسامية الأوسكار؟" كتبه بنجامن آيفري. جاء كلا المقالين رد فعل على إعلان أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها منحها أوسكاراً فخرياً لغودار "للشغف، للمواجهة، لنوع جديد من السينما"، على الرغم من أن الإعلان جاء في الخامس والعشرين من شهر آب (أغسطس) في بيان صحفي. إلا أن أحداً لم يحرّك ساكناً حتى ظهور المقالين المذكورين في الصحافة اليهودية اللذين استندا إلى الحيثيات عينها لإطلاق تهمة "معاداة السامية" على غودار. كلاهما ينطلق من تأكيد مكانة السينمائي الأكثر تأثيراً ربما وحيوية وتجديداً وتحريضاً على النقاش حول جوهر الفن السينمائي وحول العلاقة بين النص والصورة - أو "بين ما يقال وما يرى" على حد تعبيره - التي تحتل متن معظم أفلامه السبعين. ارتكزت المقالتان على أحداث منزوعة من سياقها من مثل وصف غودار للمنتج بيير براونبرغر عام 1968 بـ"اليهودي القذر"؛ أو تعليقه في مناسبة أخرى على اتصال المخرج الفرنسي (اليهودي) جان-بيير غوران به ليسأله عن أتعابه، عن مساهمته الفنية في "كل شيء جيد" (Tout Va Bien) عام 1973 بالقول: "آه الأمر هكذا دائماً: اليهود يتصلون بك حين يسمعون صوت ماكينة النقود تفتح". بالطبع لم يجهد هؤلاء كثيراً للعثور على نتف من حوارات غودار أو مقاطع من أفلامه تثبّت "التهمة" ما دامت الأخيرة شبهة تطاول كل من لا يجاهر بمساندة إسرائيل ويقر بـ"عدالة" قضيتها. هكذا يشيرون إلى تعبير أطلقه في مقابلة مع "ليبيراسيون" عام 1991 وصف فيه إسرائيل بـ"سرطان على خارطة الشرق الأوسط". بينما يجدون في فيلمه "هنا وهناك" الذي يقارن بين حياة عائلتين واحدة فلسطينية والأخرى فرنسية "الدليل القاطع" على "معاداته السامية" من خلال جمعه بين صورتي غولدا مائير وأدولف هتلر. على أن انزعاجهم الحقيقي ينبع من مجرد فكرة أنه يساند القضية الفلسطينية.

لا ينقص غودار الدهاء وليس قاصراً عن الاستفزاز كما لا يحتاج إلى من يدافع عنه هو الذي يدلي بآرائه من دون مراعاة لأي اعتبارات خارجية سوى دينامية رؤيته وحيويتها. في المقابل، برزت أصوات محتجة على تلك التهمة بنت جدلها على فكرتين: الفصل بين آراء السينمائي وفنه أو اعتبار تعابيره تلك التي أُخذت ضده منزوعة السياق. ولكن أحداً لم ينتبه إلى أن آراء غودار جزء لا يتجزأ، تفكير إبداعي حي لا يستكين، يتحرّك في أكثر من اتجاه ويقدم الشيء ونقيضه. لا يملك غودار أفكاراً جاهزة ولو أنه يفعل لأدلى بها من دون أدنى تردد بسبب من طبيعته الحرة. ولكنه حين يتحدّث بتشكيك عن فيلم سبيلبرغ "لائحة شندلر" فإن نقاشه معني بالصورة بالدرجة الأولى وقدرتها التأثيرية. وحين ينتقد فيلم كلود لانزمن "المحرقة" Shoah لاستخدامه شهادات أحياء نجوا من المحرقة، فهو إنما يقترح مقاربة مختلفة للموضوع من خلال تصوير "الجلاد" (مقترحاً أن المحرقة تتجسد بشكل حقيقي من خلال تصوير الحياة الخاصة لأحد حراس معتقلات النازية) ويشرع في نقاش فلسفي حول تفضيل اليهود للنص على الصورة بسبب النبي موسى الذي "رأى الشجرة تحترق فنزل من الجبل وبدلاً من ان يقول "هذا ما رأيت" قال "هذه الوصايا العشر".

غالب الظن أن النقاش الذي أثير في الصحافة الأميركية قبل أسابيع قليلة كان دافعه تصريحات نقلت عن غودار عدم اهتمامه بالجائزة والاستخفاف بفكرة السفر آلاف الأميال لتسلم "قطعة حديد". على الرغم من ذلك، لم تتراجع الأكاديمية عن منحه الجائزة، هي التي لم تلتفت خلال تاريخها وتاريخ غودار إلى اي من أفلامه ولا حتى بترشيح واحد. بعضهم وصف استخفافه بالجائزة وعدم حضوره الاحتفال بالسلوك المنفّر والمتعجرف. ولكن ألا يحق لسينمائي من طراز غودار أن يرفض جائزة من جهة لا يعتبرها مؤثرة في الحقل السينمائي؟ أوليس قبوله الجائزة والترحيب بها كان ليعتبر أداءً زائفاً؟

خلال كل تلك الفترة، لم يصدر عن غودار أي تعليق يُذكر. غير أنه منح صحيفة (NZZ) اليومية التي تصدر بالألمانية في زوريخ حواراً (نشر يوم الأحد 7 تشرين الثاني) تطرق فيه إلى الأوسكار الفخري وترجمت مجلة نيويورك بعض مقاطعه. هنا ترجمة إلى العربية لما قاله السينمائي الثمانيني.

·         [ سيد غودار، ستمنحك أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها السبت المقبل أوسكاراً تكريمياً لمجمل منجزك الفني. ماذا يعني لك هذا؟

ـ لا شيء. إذا أحبّت الأكاديمية أن تفعل ذلك فلتفعله. ولكنني أجد الأمر غريباً. سألت نفسي: ماذا شاهدوا من أفلامي؟ هل يعرفونها بالفعل؟ يطلق على الجائزة اسم "جائزة الحاكم" (Governors Award). هل يعني ذلك أن شوارزينيغر (ارنولد) سيمنحني الجائزة؟

·         [ أستميحك عذراً؟ أهم جائزة تمنح الأفلام لا تعني لك شيئاً؟

ـ لا، إنها بالفعل لا تعني لي شيئاً. لعلّها اعتراف متأخر بأنني- مثل لافاييت في حرب الاستقلال الأميركية إبان الثورة ضد الإنكليز- ساندت بداية ثورة.

·         [ أي ثورة؟

ـ في الخمسينات من القرن الماضي، كنت ناقداً في "دفاتر السينما" وكنا نعشق الأفلام المستقلة. اكتشفنا أن مخرجين مثل هيتشكوك وويلز وهوكس حاربوا في سبيل استقلاليتهم الإبداعية داخل آلية الاستديوات الكبرى. بعد الحرب، مجّدنا ذلك بما شكّل في حينه انتهاكاً لمقدسات النقد في الفيلم الفرنسي. كانوا يتّهمون أمثال هيتشكوك بأنهم يصنعون أفلاماً تجارية لا أكثر. إذا كان ذلك هو السبب فقط، كان يمكن الأكاديمية أن تمنح الجائزة شخصاً آخر.

·         أنت تتواضع الآن. أنت وزملاؤك طوّرتم نظرية المؤلف التي تشكّل اليوم "الشريعة" التي بموجبها تُنسب الأفلام إلى مخرجيها.

إن تعبير "سياسة المؤلفين" (la politique des auteurs) اخترعها الصحافيون. عندما كتب فرنسوا تروفو مقالاته الأولى، جل ما قاله هو: مؤلف الفيلم ليس كاتب السيناريو- ليس من يضع القصة على الورق هو المهم وإنما المهم هو من يمسرحها.

·         [ في العام 1980، نقضت "نظرية المؤلف" بما يشبه النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ. لماذا؟

ـ عانيت كثيراً من تبعاتها، كإكثار الحديث عن المؤلف وليس عن أعماله. لهذا السبب لم أذهب إلى "كان" لحضور العرض العالمي الأول لفيلمي الأخير "اشتراكية" (Film Socialisme): كانوا سيتكلمون عني فقط. ولكن الأمر كان كذلك منذ "الموجة الجديدة": لم نكن أكثر من عشرة نقّاد نتحدّث عن الأفلام وليس عن المخرجين. بالمناسبة، تلك كانت غلطة: مع تروفو وجاك ريفيت كنّا نحكي عن السينما فقط وليس عن أنفسنا. لم يعرف واحدنا الآخر.

·         [ لاحقاً، اختلفت مع فرنسوا تروفو. ماذا كان السبب؟

ـ مع الوقت، اكتشفت انه كان يصنع تماماً نوعية الأفلام التي كنا نهاجمها: أفلام السيناريوات! لم تكن أفلام تروفو تتشكّل بالكاميرا وإنما بواسطة القلم. الكاميرا قلّدت ما كان يكتبه قلمه.

·         [ عودة إلى الأوسكار: لماذا لا تحضر حفل تسليم الجوائز؟

ـ لا أملك تأشيرة دخول إلى الولايات المتحدة ولا أريد أن أتقدم بطلب لواحدة ولا أريد أن أسافر تلك المسافة الطويلة.

·         [ مرة أخرى، هناك جدل في الصحف اليهودية حول ما إذا كنت معادياً للسامية. هل يضايقك هذا؟

ـ هذا هراء! ماذا تعني "لا سام"؟ كل شعوب المتوسط سامية. هذا يعني أن "لا سام" تعني "معادياً للمتوسط". هذا التعبير طُبِّق فقط على اليهود بعد "الهولوكوست" والحرب العالمية الثانية. إنه غير دقيق ولا يعني شيئاً.

·         [ قلت مرة أنك "يهودي السينما". ماذا يعني ذلك؟

ـ أريد أن أكون مع الآخرين ولكن أن أظل وحيداً. أردت أن أعبّر عن ذلك التناقض.

·         [ يسكن اليهود عالمك الفكري منذ أواخر الستينات. هل من سبب محدّد لهذا؟

ـ عندما وقعت "الهولوكوست" كنت في الخامسة عشرة. أبقاها والداي سراً على الرغم من انتمائهما إلى الصليب الأحمر. اكتشفتها بعد وقت طويل. حتى اليوم، لا زلت أشعر بالذنب لأنني كنت جاهلاً بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين من عمري. وأنا آسف لأنني لم أتمكن من الوقوف إلى جانبهم. اليوم، من خلال أفكاري، أود أن تكون لي نظرة نقدية تجاههم. أنا عموماً مهتم بـ"الآخر". الأمر سيان مع السود. بدايةً كانوا مستعمَرين ولاحقاً تصرّف الجميع على أنهم مثلنا تماماً. بالطبع يمكن الأسود أن يضع نظارات ويلبس ساعة ولكن ليس هذا ما يجعلنا مثل بعضنا الآخر.

·         [ في "اشتراكية الفيلم" تقول إنه على الرغم من أن هوليوود أسسها اليهود، إلا أن الكل يتطلّع إلى الإتجاه عينه. هل يمثّل اليهود التنوّع؟

ـ يمثّلون التجارة. الاستديوات الكبرى تأسست على أيدي يهود من أوروبا الوسطى وخصوصاً من ألمانيا. لماذا ذهبوا إلى هوليوود؟ لأنهم كان يستطيعون الوصول إلى القطاع المالي الأميركي. اليهود لم يكونوا مخولين للعمل في مجالات المصارف والطب والمحاماة والتعليم. لهذا ركّزوا على شيء جديد: السينما. وسرعان ما توصلوا إلى اتفاق مع المافيا. ولكن إذا قلت هذا، ستتهم على الفور بمعاداة السامية حتى لو لم يكن هذا صحيحاً. الناس لا ترى الصور. على المرء أن يلقي نظرة عن قرب على الأشخاص الذين أسسوا لاس فيغاس.

·         [ تقوم بتفكيك النصوص والصور وتعتبر "بيكاسو السينما".

ـ لا أحب المقارنة، فهو رسم الكثير من اللوحات.

·         [ أين ترى نفسك في تاريخ السينما؟

ـ الباب المجاور.

المستقبل اللبنانية في

26/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)