حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان

"مهرجان السينما الأوروبية" ينطلق هذا المساء ويستمر عشرة أيام بـ34 فيلماً

عــــــــودة الإبـــــــن الــمـــنـــبــــوذ!

هوفيك حبشيان

34 فيلماً أوروبياً في انتظاركم في "متروبوليس" (أمبير - صوفيل)، بدءاً من هذا المساء والى الخامس من الشهر المقبل. في حين تستعد الصالات اللبنانية التجارية لاستقبال موسم الأعياد متجهة بخياراتها صوب الخفة والاستهلاك، طمعاً بالمزيد من الأرباح في شبابيك التذاكر وفي نقاط بيع الفوشار والمكسرات، تقدم بعثة المفوضية الأوروبية مهرجانها السنوي الرصين الذي يتكرر للمرة الـ17، بعناوين جديدة وأسماء فيها المتماسك الذي يلخص جزءاً من السينما الأوروبية الحالية وفيها المبتدئ الذي مرّ خلف الكاميرا للمرة الاولى في سياق تجارب مشجعة تتسم بالوعي الفني والفكري والانساني. هذا المهرجان الذي يعلن أهدافاً واضحة (الترويج الثقافي لنتاج قارة) يشكل الفسحة الأهم للفيلم الأوروبي الذي يقف خارج حسابات الموزعين، لأسباب وأسباب، ليست كلها مرتبطة بتجاهل المُشاهد لهذا الفيلم.

فالصنّاع الأوروبيون لهذا الفنّ لا يبذلون جهوداً قوية لإيصال افكارهم الى بلدان بعيدة. أبلغ دليل على ذلك عدم تجاوب بعض السفارات مع هذا المهرجان، اذ يكتفي القائمون عليها بالحد الأدنى، ويرسلون الى المفوضية ما يتيسر من هذا اليم الوفير من الأفلام التي تُنتج في بلدانهم. عدم ايمان بعض السفارات بأهمية ملاقاة الجمهور اللبناني (أو غير اللبناني تفادياً لشخصنة القضية) يجعلها تلجأ الى عرض فيديوي لأفلام كان يمكن الحصول عليها بنسخها السينمائية (35 ملم). لكن ما تفعله هذه السفارات اللامبالية هو إحضار نسخ "دي في دي" أو "بيتاكام"، كي تُعفى من النفقات التي عليها تحملها إذا أرادت استيراد بكرات الـ35. قبل بضع سنوات، ما كان من الممكن أن نسمع أن سفارة دولة بريطانيا العظمى جاءت بفيلم لأحد مخرجيها الكبار بنسخة فيديوية. لكن يبدو أن الأمر بات يتكرس كلما زادت الأعباء المادية على عملية شحن الأفلام من أوروبا الى بيروت، وكأن الأمر يتعلق بسفارات بلدان فقيرة أو نامية. نتيجة هذا السلوك المخزي، بات لدينا اليوم في هذه الدورة، 20 فيلماً من 35 بنسخ إما "دي في دي" أو "بيتاكام"، وهما طبعاً غير النسخ السينمائية التي تأتي بالرؤية الجمالية الأعمق للون والاضاءة وبُعد الخلفية. في مثل هذه الظروف، كيف يمكن الا يستنجد المُشاهد بشاشته المربعة في المنزل ليشفي غليله من انماط سينمائية لا يملك طريقاً اليها.

في سبيل التوضيح أو فتح النقاش، ينبغي القول ايضاً ان مهرجان السينما الأوروبية ليس تظاهرة للأفلام الفنية. هناك لغط كبير حول هوية هذا الحدث الذي يراد منه أن يكون وجهاً من وجوه الصراع العبثي مع السينما الأميركية (على طريقة الفيلم التافه "هتلر في هوليوود") المنتشرة بكثرة. فمن السذاجة الاعتقاد ان السينما الأوروبية هي سينما فنية منزهة عن المصالح الربحية والترويجية والتجارية، في حين يجري تصوير زميلتها الأميركية، وبأسلوب لا يخلو من الكاريكاتور، باعتبارها عدواً لكل أشكال التعبير الشخصي في السينما، وكأنما تتبلور ضمن منظومة محددة يتحرك فيها السينمائيون وتعوق ابداعهم الحرّ. هذا كلام كليشيه يقع فيه كثيرون. وحده المسح الشامل يبيّن الحقيقة.

المشكلة مع السينما الأوروبية التي تحضر الى بيروت، مرةً كل عام بهذه الكمية الجيدة، بغثّها وسمينها، ليست كامنة في كونها تجارية أو فنية (الاثنتان لا تتناقضان في الكثير من الأحوال، والنماذج كثيرة)، انما في كونها سينما اختارت في الكثير من الأحيان خيارات أصعب في الغلاف والمحتوى. أضف الى هذا، انها ناطقة بلغات، كثرٌ من المشاهدين لا يتكلمونها، وهي قبل هذا كله سينما تدعك تفكر بدلاً من أن تجعلك تتسلى، وغالباً ما تأتي بشخصيات معقدة حُشرت في ظروف بسيطة، خلافاً للسينما الأميركية التي تطرح شخصيات بسيطة في ظروف معقدة.

هذا كله يجعل السينما الأوروبية، أقله في جزئها الأكبر، الابن المنبوذ (على قاعدة: مرغوب لكن رأسه مطلوب) لهذه العائلة المسمّاة سينما، علماً ان أهميتها التنويرية والروحية والسينيفيلية لا تُنكَر. اذاً، ليس كل ما يُعرَض في هذا المهرجان، تحت شعار السينما الأوروبية (هناك أصلاً بلدان أوروبية لا تملك سينما بل سينمائيين)، ينتمي الى "الفن النقي" (بحسب تعريف الروسي المتأمرك كونتشالوفسكي)، ولا نعلن سراً اذا قلنا إن جزءاً من هذه الأفلام يسير في موجة تلبية رغبات الجمهور، مع الفرق أن الجمهور الأوروبي يختلف قليلاً عن الجمهور في أميركا وباقي الأمكنة.

شيءٌ ما يتغير باستمرار في مدينة التحولات بيروت. هذا المهرجان، الذي هو اليوم الأقدم في لبنان، شاهدٌ على هذا كله. شاهد أخرس لا يقول شيئاً. لكن من عباءته خرج جيل من السينيفيليين. الآن، وفيما يدخل المهرجان سنّ العقل، والوجوه تتغير باستمرار، هناك جيل يهاجر الصالات وآخر يموضع فيها نفسه. والـ"صوفيل" التي لا تتوقف عن تنظيم النشاطات السينمائية الموازية، هي بدورها شاهدة اخرى، لا تتوقف عن الانبعاثات المتتالية والولادات الثانية والثالثة والرابعة. هذا كله للقول إن هذا الموعد يربّي الكثير من المتفرجين على مشاهدة من نوع مختلف، مع التوضيح أن المختلف لا يعني في الضرورة الأفضل.

بفضل الخبرة المكتسبة للملحقة الصحافية بشرى شاهين عبر السنوات، يأتي المهرجان الى الصالة جاهزاً فلا يبقى الا عملية الفكّ والتركيب. لا ادعاء ولا خروج على الطموحات البدائية للسينما ولا عقد مزمنة. بيد انه صارت للمصادفة مكانة كبيرة في المهرجان. ففي غياب الهمّ الفني، وتوزيع الحصص السينمائية وفق روزنامات ديبلوماسية، يبقى أن نراهن على المصادفة لمشاهدة ما يجب فعلاً مشاهدته. لذلك ثمة سؤال يفرض نفسه: هل المهرجان هو فعلاً للسينما الأوروبية أم انه مهرجان ما تيسّر من هذه السينما؟ هل هو فعلاً واجهة لسينما تمتلك وجوهاً لا تحصى؟ الدورة الـ17 مرشحة لتردّ على تساؤلات مماثلة!

بمعزل عن هذا كله، يواصل المهرجان الخضوع لشروطه الديبلوماسية، وأولها إسناد الافتتاح الى الدولة التي تترأس الاتحاد الأوروبي في فترة انعقاد المهرجان، لذا وقع الخيار على بلجيكا وفيلم "لوفت" لإريك فان لوي، الذي سيعرض هذا المساء في "متروبوليس" لتبدأ على اثره عشرة أيام من المشاهدة النهمة. قصة الفيلم؟ يستأجر خمسة رجال متزوجين شقة صغيرة ليلتقوا فيها بعشيقاتهم. لكن تبدأ المشكلات عندما يعثرون فيها على جثة لامرأة شابة. لا أحد يعلم هوية هذه المرأة ومن أين أتت.

هذا فيلم بلجيكي لا نعرف عنه الكثير (هل ينبغي التذكير بأن تاريخ انتاجه يعود الى 2008؟)، خلافاً للفيلم البلجيكي الآخر الذي سبق أن عُرض في بيروت لمناسبة انعقاد دورة من دورات "اسبوعا المخرجين": "الدورادو" لبوني لانرز (انتاج مشترك مع فرنسا). مشروع غرائبي لهذا المخرج الذي يضع شخصين على الطريق ليقوما برحلة تدريبية شائقة. الأول تاجر سيارات، والثاني سارق، والموعد الاستثنائي بينهما سيجري حين يحاول الثاني سرقة سيارة الأول. هذه الفكرة وحدها تكفي لصنع كوميديا تخرج من الدروب المطروقة، لكن لانرز لا يكتفي بهذا القدر، بل يأتي بأشكال جمالية مرهفة ومعالجة تعكس روحاً اسلوبية واعدة.

"رود موفي" آخر يحمل بصمات صاحبه: "العالم كبير والخلاص يتربص في الزاوية" للبلغاري ستيفان كومانداريف. يفقد أليكس ذاكرته الى درجة انه لا يعود يذكر اسمه، ما يدفع جدّه الى تنظيم رحلة روحية لهما تأخذهما الى بلده الأم. يجتازان مدناً أوروبية عدة وهما يلعبان النرد التي تعتبر اللعبة الابسط والأكثر تعقيداً في الحين نفسه، وتسمح لأليكس بإعادة اكتشاف هويته. هذا الفيلم الذي تشارك في انتاجه كل من بلغاريا وألمانيا والمجر وسلوفينيا، هو من تمثيل الصربي الكبير ميكي مانوجلوفيتش، الذي رأيناه أخيراً في "سيرك كولومبيا" لدانيس تانوفيتش، ونال العديد من الجوائز في مهرجانات في أوروبا الشرقية والوسطى.

من البقعة الجغرافية عينها، وتحديداً من الجمهورية التشيكية يأتينا فيلم "فتاة صغيرة زرقاء" لأليس نيليس الذي يروي كيف تنقلب حياة سيدة متزوجة عندما تتلقى خبر وفاة مغنيتها المفضلة، فتقرر شراء بيانو والبدء بالعزف عليه. هناك حفنة أفلام في المهرجان، لا نعرف عنها الكثير ولم نسمع بها، لكن تبقى رهناً للاكتشاف اذا ما استندنا الى الملخصات، منها الفيلم القبرصي "أكاماس"، انتاج قبرصي مجري تركي؛ والفيلمان الدانماركيان اللذان للأسف يعرضان بالـ"دي في دي"، "الشعلة والحامض" لكريستيان مادسن و"سعيد رهيب" لهنريك روبن غنز. من اسكندينافيا دائماً هناك الفنلندي "حدود" (انتاج مشترك مع روسيا وأسوج)، الذي تدور حوادثه عام 1918 في نهاية الحرب الأهلية في فنلندا: يُرسَل النقيب فون مانك الى بلدة صغيرة عند الحدود المرسومة حديثاً بين فنلندا وروسيا. هناك يقع في حب معلمة من السكان المحليين مخطوبة سراً الى أحد أفراد الجيش الأحمر الثوري الفنلدني الفار. أما من أسوج، فبالاضافة الى "لحظات أبدية" ليان ترول، هناك الفيلم الجميل لجوزف فارس، "مرجلة"، حيث يصور والده جان فارس على خلفية صدام ثقافات بين الغرب والشرق. الفيلم يختتم المهرجان في الخامس من كانون الأول، في حضور المخرج، ومن المتوقع ان ينزل الى الصالات اللبنانية بعد ذلك.

اذاً، نحن أمام أفلام واعدة وأخرى عليها أن تثبت مدى قدرتها على الإنضواء تحت لواء السينما الأوروبية التي غالباً ما يُنتظر منها أكثر من قدرتها على العطاء. ينبغي التنويه مثلاً بأفلام مثل "هي، المرأة الصينية" لزياولو غو (صيني، انتاج انكليزي) و"بوتيش" لخليفة تروفو، فرنسوا أوزون (من أنجح الكوميديات على الاطلاق يأتينا من فرنسا منذ زمن بعيد) ونجم المهرجان بلا منازع "رجال وآلهة"، يأخذنا فيه كزافييه بوفوا الى حيث لم نكن نتوقع الذهاب البتة، بموضوع سقيم مثل حكاية قتل الرهبان السبعة في الجزائر. ينطلق من حادثة سياسية ودينية ليبلغ الميتافيزيكي، محاولاً تفكيك لغز الايمان. لنا عودة اليه في الاسبوع المقبل.

 (hauvick.habechian@annahar.com.lb) 

أفـلام أخـرى...

¶ "طريق ايرلندية" لكين لوتش:

هذا الهجاء السياسي لواحد من أهم السينمائيين البريطانيين، كان قد دخل المسابقة قبل ساعات من بداية الدورة الأخيرة من مهرجان كانّ. حتى لوتش نفسه بدا متفاجئاً. ونستطيع القول انه ليس أفضل ما صنعه في حياته. الشريط انعكاس واضح وصريح للموقف الذي يتبناه مخرج يساري ناضل طوال حياته ضد المظالم في العالم. يقول الفيلم ان العنف الذي ذهبت اليه الحرب في العراق وافغانستان بحجة محاربة الارهاب، سيرحل في الضرورة الى الداخل الغربي، على اعتبار ان ممارسات مرتزقة النخبة في الجيش البريطاني المكلفة مكافحة الارهاب وايضاً المتعاقدين الغربيين الذين يساندون عمليات الجيش النظامي، سيجدون سبيلهم الى تصفية حسابات شخصية. الفيلم لا يتحدث عن العراق بل عن عملية تمت فيها تصفية عائلة عراقية، وهي حادثة حقيقية اتهمت فيها فرقة من المتعاونين من "بلاك والترز" الذين قتلوا عمداً سبعة عشر مدنياً عراقياً. لكن لوتش وكاتب السيناريو بول لافرتي، يختزلان هذا الفعل الاجرامي بحادثة سيارة الأجرة، ويضع لوتش ثقله الدرامي على محنة البطل فرغيس الذي يسعى بعناد للانتقام من زميل له حاول أن يغطي مقتل صديق عمره فرانكي. الفيلم، الذي يتخذ اسلوباً مباشراً جداً في طرح الأحداث وتوزيع الاتهامات، لم يثر حفيظة المحافظين كما كان متوقعاً. هذه الطبيعية في المعالجة السيناريستية والتصوير والاداء، تُغرق الفيلم في رتابة شكلانية يصعب الدفاع عنها، لمن يبحث عن اقتراحات اخراجية جديدة. لكننا فهمنا منذ زمن انه يجب قبول سينما لوتش كما هي: قليل من الفن والابتكار والجنون، والكثير من الايديولوجيا والقيم والكلام في السياسة، ولو ضمناً. (السبت 27، الساعة 20:00؛ الخميس 2، الساعة 22:30).

¶ "اللصّ" لبنيامين هايزنبرغ:

فيلم بديع عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان برلين. ليوهان هاجسان في الحياة، الركض السريع وسرقة المصارف. هاجسان متناقضان يجعلانه بطلا شعبيا وعدوا للأمة في آن واحد. من هذا التناقض المدهش يولد فيلم هايزنبرغ المنقول من قصة حقيقية. أمر آخر لافت: لا يجري الكلام بتاتاً عن المال والهدف من سرقته. انه هاجس وحسب بالنسبة الى يوهان. يقترح الفيلم تنويعة بصرية عالية المستوى. سواء من خلال نوعية الاخراج أم التمثيل أم تحريك الكاميرا، فنحن أمام سينما أوروبية خالصة ذات موازنة مرتفعة الى حدّ ما، وتستحق التقدير. (الأربعاء 1، الساعة 20:00؛ السبت 4، الساعة 17:30).

¶ "الرباط الأبيض" لميكاييل هانيكه:

قال احد الظرفاء ذات مرة ان مهرجان كانّ يكرم سينمائيين كباراً عن أسوأ أفلامهم. تنطبق هذه الطرفة، جملة وتفصيلاً، على هانيكه و"رباطه الأبيض" الذي نال "السعفة الذهب" عن عمله هذا، العام الماضي في كانّ، من يد ايزابيل أوبير. ليست هذه المرة الاولى ينال فيها هانيكه جائزة في كانّ، فقد سبق له أن مُنح جائزة أفضل إخراج عن "مستور" عام 2005، علماً انه كان يتوقع آنذاك الفوز بـ"السعفة". في المؤتمر الصحافي للفيلم، قال هانيكه إن الشريط كان يمكن أيضاً أن يحمل عنوان "يد الله اليسرى"، ونقول على سبيل المزاح: هل هذه اليد هي التي سهلت عملية نيله "السعفة"؟ بالابيض والاسود يعاين صاحب "مستور"، سلبيات التربية القمعية التي كانت سائدة في أوروبا في بداية القرن العشرين، مستغلاً هذا ليعود الى تيمته الأثيرة: الشعور بالذنب على خلفية الصراع الازلي بين الخير والشر! تجري حوادث الفيلم عشية الحرب العالمية الاولى في قرية ألمانية، سكانها من البروتستانت. سلسلة من الحوادث الغريبة تهز القرية، يعرّف عنها الراوي: "ستبقى معلقة من دون تفسير". ولن يسعى مخرجنا اللماح الى الاضاءة عليها، اذ يسند الى المُشاهد مهمات سدّ الفراغات في النص وبلورة الرؤية. كل شيء يبدأ بموت طبيب الضيعة بعد سقوطه المفتعل عن حصانه. جرائم أخرى تلي هذه الجريمة، ولا احد يعرف كيف حصلت ولماذا. بيد ان مشكلة الفيلم ليست كامنة في النصّ (الرصين جداً) ولكن في الجو الضاغط الذي لا يجد أي متنفس. الرباط الابيض الذي هو رمز للعقاب في الفيلم، لا يلبث أن يلتفّ حول رقبة المشاهد. طبعاً، الفيلم يعود الى زمن أوروبي متزمت وقاس، يبدو بعيداً اليوم. برباطة جأش مشهود لها، ينجز هانيكه فيلماً بارداً موحياً، وله امتدادات في عصرنا الحديث، على رغم ان رائحة الزمن تتصاعد من كل وحداته التصويرية، والاسلوب التلفزيوني في القصّ هو الاكثر حضوراً. (الأحد 28، الساعة 19:30؛ الجمعة 3، الساعة 22:00).

للاطلاع على البرنامج، مراجعة الموقع الآتي: www.dellbn.ec.europa.eu 

نقد

"پوتيش" لفرنسوا أوزون

الضحك في زمن ساركو

تدور حوادث "بوتيش" في سبعينات القرن الماضي. المكان: احدى القرى الفرنسية الهادئة. يضعنا فرنسوا أوزون في جوّ تلك المرحلة منذ لقطة الافتتاحية. لا يكتفي بحملنا الى تلك الفترة، بل يحملنا ايضاً الى أغانيها وألوانها الزاهية وفساتين النساء المنقشة وابداعاتها الصغيرة والكبيرة وسذاجتها. حتى ورق الجدران المزخرفة بالورود تصبح شغله الشاغل في هذا الفيلم الذي يتحول لقطةً بعد لقطة، تحية الى سينما السبعينات. لكن ما الذي يدفع أوزون، الذي يقفز من موضوع الى نقيضه، ومن "جانر" سينمائي الى شريط تأليفي صرف، الى الذهاب الى ذلك الزمان وذلك المكان؟ يمكن العثور على الجواب في واقع أن المسرحية التي يستوحي منها المخرج، قبل أن يشقلبها تماماً، تعبّر عن فرنسا الزمن الحالي بقدر ما تعبّر عن السبعينات. لعبة مرايا تتيح لأوزون التأكيد أن "لا شيء تغيّر" في بلاده منذ عهد فاليري جيسكار ديستان، سوى الأسماء والوجوه. أما الأساليب المنتهجة في الحياة السياسية فهي هي.

من خلال قصص متداخلة، أنجز أوزون فيلماً ساحراً ذا متعة خالصة. هذا أقل ما يقال. تدور الحبكة على ثلاث شخصيات أساسية: رب عائلة من الطبقة البورجوازية (فابريس لوكيني) يهيمن على المنطقة من خلال مصنع المظلاّت الذي ورثه عن والده. هذا الرجل في الخمسينات من العمر، وهو على علاقة غرامية جنسية بسكرتيرته (كارين فيار)، يهمل زوجته (كاترين دونوف، تتجاوز نفسها هنا) التي يقتصر دورها على الاهتمام بأمور العائلة وتدبير شؤون المنزل. يقف لهم في المرصاد عمدة المنطقة ونائبها (جيرار دوبارديو)، رجل يساري لا يزال يحلم بعودة نفوذ البروليتاريا. وعندما يحتجّ عمّال المصنع ويدعون الى الاضراب، يدخل الاطراف الثلاثة في صراع، لتقع مسوؤلية ادارة المصنع في يد زوجة رجلنا المستبد (دونوف اذاً)، مثبتةً انها قادرة على الاتيان برؤية أفضل للأمور.

لن نروي ماذا يحدث بعد ذلك. فالوقائع ستتوالى بإيقاع جهنمي وبسلاسة قلما نجد مثلها في السينما الذكية وذات الأبعاد الاجتماعية التصحيحية. أوزون سينمائي "نسائي" لا شك. افلامه تقارع البطريركية وتمرغ صورة الاب في الوحل. وهو أولاً وأخيراً خلاّق لئيم. انطلاقاً من ذلك، سيجيّر كل سلطة الفيلم الى دونوف، فيما هو سيراقب من على مسافة. من ربة منزل يلقّبها زوجها بالـ"بوتيش" (شخص ضعيف الشخصية يسهل التحكم به، وليس "مزهرية" كما تُرجم في مهرجان أبو ظبي)، ستصير صاحبة كلمة. كل شيء في الفيلم يذكّر بالسياسة المنتهجة في عهد ساركوزي. نزل الفيلم الى الصالات الفرنسية في فترة التظاهرات الأخيرة التي عمّت فرنسا، فبدا كأن ثمة حواراً بين ما يحدث على الأرض وما يدور على الشاشة. نسمع في "بوتيش" جملة "يجب العمل أكثر لمدخول أعلى"، وهو الشعار الذي رفعه ساركوزي في حملته الانتخابية. في مكان آخر من الشريط، يواجه الصناعي الخبيث احد المعتصمين قائلاً له "اغرب من وجهي ايها الحقير!" (Casse-toi pauvre con)، وهي العبارة الشهيرة التي قالها ساركو عندما رفض احد المواطنين ان يسلّم عليه. للأسف، فإن ادراك هذا كله يتطلب درجة معينة من الاطلاع على الواقع الفرنسي، وايضاً متابعة الفيلم بلغته الأصلية.

لا اعرف ماذا كان ليكون الفيلم من دون هذه الاشارات والتلميحات الذكية التي تمنحه بعداً آخر. صديقة فرنسية معارضة لسياسة الرئيس قالت لي إن "بوتيش" صالحها مع ساركوزي لأنه عرف كيف يكون مادة للسخرية، وهذه موهبة لا يملكها كل الرؤساء. اليوم، مع قضية نعت ساركوزي بعض الصحافيين بالبيدوفيليين (في مقابلة معه لم تكن مخصصة للنشر)، يواصل ساركوزي منح الاعلام ما يريده: مادة "بييعة" وإن لم تكن مثالاً في النزاهة، ويبدو أن هذا يكفي الصحافة كي ترضى عليه ضمنياً.

خلف ستار كوميديا البولفار المعقدة، ينتظرنا فيلم لا يريد للمشاهد الا الخير والتسلية الهادفة الى التفكير لا الى التسطيح. هناك عبرة من هذا كله، لكن أوزون يضعها جانباً ليعتني بعالمه الذي يؤمن بأنه لا يزال ممكناً جعله جميلاً. أوزون يعلم جيداً ان الجنس البشري لا يمكن اصلاحه، فيتسلل الى عوالمه السينمائية والغمزات السينيفيلية الكثيرة التي يعجّ بها النص، ضمن ديكور بديع يفرض نفسه في الصورة. كيف لا تستعيد ذاكرتنا "مظلات شيربور"، ودونوف تقف أمام هذه الجدران الملونة التي تبدو كأنها خارجة من شريط جاك ديمي الميوزيكالي؟ وكيف لا نفكر بمعلّم التشويق في المشهد الذي تضع فيه الشقراء الهيتشكوكية دونوف نظارتين شمسيتين وتلبس فولاراً؟ وهل من الجائز الا نفكر بـ"المترو الأخير" أثناء اللقاء بين دونوف ــ دوبارديو؟

ثمة خط رفيع بين السخرية والازدراء. لكن أوزون يعرف جيداً اين يقف. الزاوية التي يشاهد منها ناسه غاية في الأهمية. يملك مخرج "ثماني نساء" قدرة عالية في جعل كل شيء حفل كوكتيل سينمائياً من دون الوقوع في فخّ الاستعرائية.  في الواقع، لا يمكن أخذ اطروحته حرفياً لأن الأشياء عنده تخفي أكثر مما تظهر.

هـ. ح.

(يُعرض غداً، الساعة 20:00 ويعاد عرضه الاثنين المقبل، الساعة 17:30)

النهار اللبنانية في

25/11/2010

 

في زهايمر عادل إمام...

صورة مختلفة لم تذهب إلى النهاية 

(القاهرة - أ ف ب): فيلم «زهايمر» لعمرو عرفة الذي طرحته الشركة العربية في 80 دار عرض تابعة لها، يقدم صورة مختلفة لنجم الكوميديا عادل إمام، الذي تعرضت أفلامه الأخيرة لانتقادات لعدم تقديمها إطاراً فنياً جيداً.

يعود عادل إمام إلى التمثيل للمرة الأولى بعد أفلام عدة أدى فيها دور البطولة وكانت تتركز على القوة البدنية وجذب النساء، بفيلم 'زهايمر' لعمرو عرفة، ليقدم صورة مختلفة لنجم الكوميديا الذي تعرضت أفلامه الأخيرة لانتقادات لاذعة.

وقد واجه عدد من أفلامه انتقادات من بعض النقاد، خصوصا فيلم 'بوبوس' و'مرجان أحمد مرجان'، و'أمير الظلام'، و'السفارة في العمارة' و'حسن ومرقص'، رغم ملامسة الفيلمين الأخيرين قضايا سياسية ودينية تشغل الرأي العام المصري.

لكن ذلك لا يعني عدم وجود أدوار له حظيت برضا كبير، مثل دوره في 'عمارة يعقوبيان'، الذي يعتبر من بين الأفلام المصرية المهمة في السنوات العشر الأخيرة.

ويصور الثلث الأول من فيلم 'زهايمر' المؤامرة التي يتعرض لها عادل إمام من ولديه فتحي عبدالوهاب وأحمد رزق، وزوجة ابنه الأخير رانيا يوسف، الذين جندوا كل المحيطين به بما في ذلك صديقه أحمد راتب لإقناعه بأنه مريض بالزهايمر وفقدان الذاكرة للاستيلاء على أمواله لسداد ديونهم المتراكمة من عملهم في البورصة، بعد أن رفض مساعدتهم وقرر معاقبتهم لتصرفهم في أمواله من دون مسؤولية.

وخلال هذا القسم من الفيلم، يقدّم عادل إمام قدرته التمثيلية كرجل يقاوم هذه المؤامرة، وهو ليس على يقين من أي شيء، وخلال هذا الصراع يقدم العديد من المواقف والمفارقات المضحكة الى جانب تأديته الجميلة لدور الرجل الذي بدأ يقتنع أنه مريض، خصوصا بعد مقابلته صديق عمره سعيد صالح المصاب بالمرض، والذي قدم مشهدا رائعا يسجل ضمن رصيده الفني.

وينتهي الثلث الأول من الفيلم مع اكتشاف عادل إمام مؤامرة أبنائه من خلال عامل التمديدات الصحية، ومع هذا الاكتشاف يعود الى الفيلم ليعيد تقديم شخصية عادل إمام التي عرفناها في الأفلام السابقة من إظهار لقوته البدنية، وكذلك إبراز ذكائه في تدبير المقالب ونجاحه في تجنيد كل الشخصيات التي تآمرت مع أبنائه للعمل ضمن خطته في إعادة تربية أبنائه، الممرضة نيلي كريم والطبيبة هناء عبدالفتاح والحارس ضياء المرغني والخادمة إيمان السيد الى جانب البستاني وملمّع الأحذية.

وفي أحد مشاهد الفيلم المصورة في لبنان، يضع عادل إمام أبناءه أمام لحظة اختيار بين أن يكونوا أبناء صالحين أو أن ينحازوا إلى المال ويهربوا المخدرات الى مصر، لكنهم يختارون الأخيرة.

وبعد العودة واعتقالهم في المطار والإفراج عنهم، بعد أن تبين أن المخدرات التي اختاروا تهريبها الى مصر عبارة عن دقيق، يواجه أبناءه ويبلغهم أنه سدد ديونهم وأنه سيمنحهم أيضا مالاً ليبدأوا حياتهم من جديد ويبلغم قراره الاعتزال، مشترطا عليهم أن تعيش حفيدته معه في المزرعة التي اختارها ليمضي ما تبقى من أيام حياته فيها.

ويرى بعض نقاد السينما المصرية، ومن بينهم طارق الشناوي، أن 'عادل إمام راهن في هذا الفيلم على الفنان في داخله، لكنه لم يمضِ في التجربة الى النهاية' فعاد الى تقديم الشخصية التي عُرفت عنه، وإن كانت بحدود قليلة.

وأعاد الشناوي ذلك الى أن 'كاتب السيناريو لعب دراميا بشخصياته من دون ضابط، فأصبح الجميع يخون الجميع من دون أي مبرر درامي، باستثناء دور عادل إمام والمشهد الذي ظهر فيه سعيد صالح'.

ويراهن أصحاب الشركة المنتجة على أن يحقق الفيلم أعلى إيرادات في موسم عيد الأضحى، خصوصا أنه يُعرض في ثمانين دار عرض وينافس ثلاثة أفلام هي 'بلبل' بطولة أحمد حلمي، و'ابن القنصل' بطولة أحمد السقا، و'محترم إلّا ربع' بطولة محمد رجب.

الجريدة الكويتية في

25/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)