حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«عام آخر» جيل الستينات بين خيباته ويأسه المريح

ابراهيم العريس

حدث ذلك خلال الحفل الختامي للدورة الأخيرة لمهرجان «كان» السينمائي حيث بعد أن أعلنت لجنة التحكيم أسماء الأفلام والمبدعين الذين فازوا بالجوائز تباعاً، لم يكن قد بقي عليها إلا أن تعلن اسم الفائز بالجائز الكبرى: السعفة الذهبية. لثوان قليلة بدا شيء من اليقين مخلوطاً ببعض الأسف على وجوه كثر من النقاد وأهل السينما: اليقين بأن الاسم التالي - والأخير - الذي سيعلن لن يكون إلا اسم فيلم «عام آخر» لمخرجه الانكليزي مايك لي. أما الأسف فهو لأن فيلم «العم بونمي...» التايلاندي فاته بالتأكيد قطار الفوز. ففي نهاية الأمر كان ثمة قدر لا بأس به من التعاطف مع فيلم عن الموت والأشباح والحياة بعد الموت في غابات تايلاندا. تماماً كما كان ثمة، ومنذ الأيام الأولى للمهرجان، أي منذ عرض «عام آخر»، وثوق من أنه لن يخرج من دون جائزة كبرى. ولقد ترسخ هذا الوثوق أكثر وأكثر كلما اقترب المهرجان من نهايته، حيث بدا واضحاً انها نادرة الأفلام المعروضة التي تزاحمه مركز الصدارة. غير أن الثواني الأخيرة في الحفل الختامي مرت وكانت المفاجأة إعلان اسم الفائز: انه بالتحديد الفيلم التايلاندي. أما «عام آخر» فكان عليه أن يكتفي من الغنيمة بالإياب. طبعاً يومها لم يحاول أحد أن يقلل من قدر الفيلم التايلاندي... ولكن الكل أجمعوا على أن عدم فوز فيلم مايك لي، ليس أقل من جريمة ارتكبتها لجنة التحكيم في حق واحد من أفضل الأفلام - الإنكليزية وغير الانكليزية التي حققت في الآونة الأخيرة. واليوم إذ يعرض «عام آخر» في الصالات، يقول متفرجو السينما كلمتهم: في مقابل الفشل الجزئي لفيلم السعفة الذهبية حينما عرض (وعدم تصديق كثر أن فيلماً من هذا النوع يمكن أن يكون حقاً قد لفت أنظار لجنة التحكيم!)، يحقق فيلم حفلة الختام المنسي نجاحات كبيرة، ولمرة نادرة على مستوى النقاد والمتفرجين.

ومع هذا هو فيلم من دون حبكة. من دون حكاية مركزية واضحة. من دون نجوم: يكاد يكون فيلماً حميمياً شديد الخصوصية، من دون أن يفوته ان يكون فيلماً شعبياً في الوقت نفسه. لكنه شعبي على ذلك النمط الذي لا يتقنه عادة سوى المبدعين الإنكليز. بل هو أيضاً فيلم ذاتي بطريقة خفية مواربة. أي انه فيلم يقول أشياء كثيرة من دون أن يبدو عليه أنه يقولها. وهذا، عادة، دأب ذلك النوع من الأفلام التي تتمحور من حول جو وشخصيات أكثر مما تتمحور حول مركزية موضوع معين.

مواربة مدهشة

للوهلة الأولى، إذاً، لا يبدو على «عام آخر» انه يريد أن يقول أشياء كثيرة: انه مجرد تعاقب للفصول في بيئة شريحة محددة من الطبقة الوسطى الإنكليزية في زمننا الراهن، أي بعد أربعين سنة، تقريباً، على ازدهار ثورات الشبيبة وثقافة الاحتجاج، وأحلام الغد المشرق السعيدة. والفصول، هنا، أربعة، تمضي خلال ذلك العام الذي يصفه عنوان الفيلم بأنه «آخر». والحقيقة أن «المواربة» تبدأ هنا من العنوان، إذ انه يعطي انطباعاً بأن الفيلم يرسم حكاية عام اضافي يأتي بعد الأعوام التي تمر صنواً له. غير انه - أي العنوان - يحيل الى المستقبل لا الى الماضي. ذلك ان المقصود بـ «عام آخر» هو ان يوحي بتعبير انكليزي اجتزئت الكلمات منه ويقول «... ها هو عام آخر يقربنا من القبر». ونحن إذ ندرك هذا، سنجدنا أمام قلبة في المعنى تؤدي الى شعورنا بشيء من الاستسلام. لعله اليأس المريح. أو هذا على الأقل ما يمكن إدراكه من خلال السلوك العام للشخصيتين المحوريتين في الفيلم: توم وجيري. الستيني عالم الجيولوجيا زوجته المحللة النفسية والتي تضاهيه سناً. إنهما معاً على باب التقاعد يعيشان في منزل عادي في الضاحية اللندنية. يعيشان معاً وداً وحباً واضحين من دون أن يكونا معلنين في شكل مسرحي. انهما راضيان بحياتهما. يعيشان حركة الحياة اليومية، ويراقبان الفصول والناس حولهما من دون - حتى - ان يسعيا لإصدار أي حكم على أحد. والناس الذين حول توم وجيري قلة من أهل وأصدقاء، يمضون هم أيضاً، في معظمهم على الأقل، حياتهم من دون شغف كبير، وإنما أيضاً من دون دراما كبيرة، مع بعض الاستثناءات التي سنصل اليها بعد قليل، اننا هنا أمام المشاكل اليومية، انما في اطار توزيع موسمي، يبدأ - كما الحياة نفسها - بالولادة في الفصل الأول، الربيع، لينتهي بالموت في الفصل الأخير، الشتاء. وذلك قبل أن تدور دورة الحياة والطبيعة دورتها ماحية عاماً، بادئة آخر.

قلنا إن توم وزوجته جيري محوريان. ولكنهما في هذا وكأنهما المحور الذي يرصد ما يحدث من حوله: عواطف الآخرين، خيباتهم، شغفهم، أفراحهم، أحزانهم. فالدراما، والتحولات العاطفية والخيبات والآمال (التي لا شك ستخيب لاحقاً)، تحدث خارجهما. قد تؤثر بهما في لحظة أو في أخرى، ولكن ليس - طبعاً - في شكل جذري. هما هنا كالمؤلف/ المبدع، الذي يصور مصير أبطال عمله الإبداعي وهو يعرف: أولاً، ان ليس في يده حقاً أن يبدل في ذلك المصير، لأنه سيفقد السياق منطقيته. وثانياً، أن ليس عليه أن يكون هو، وحتى عاطفياً، جزءاً من ذلك المصير. ان هذه الكناية في العلاقة بين توم وجيري من ناحية، والآخرين من ناحية أخرى، تكاد تكون هنا على علاقة بسرّ الإبداع الفني نفسه، كما يصوغه مايك لي، المخرج الستيني الذي ما انفك هو الآخر يرصد الحياة وشغفها وشجونها من حوله، منذ ما يزيد على أربعين سنة، فيتصورها مسرحاً وأعمالاً تلفزيونية، وبخاصة أفلاماً سينمائية وضعته دائماً في الصف الأول من المخرجين الانكليز، أعني ذوي «الصفاء» الانكليزي، مثل كين لوتش وستيفن فريرز، والى حد ما ميكائيل ونتر بوتوم، من الذين أثارت اهتمامهم دائماً القضية الاجتماعية. غير أن ما يتعين ان يلفت نظرنا هنا هو ان مايك لي يبدو هذه المرة - وأكثر كثيراً مما في أفلام سابقة له، مثل «عارٍ» و «أسرار وأكاذيب»، وهذان الاثنان حققا نجاحات كبيرة في «كان» وغيره، و «فيرا دراك» و «سعيدة ومحظوظة»- منطلقاً من ذاته وحميمية نظرته الى المجتمع الإنكليزي المعاصر. ذلك ان لمايك لي، سن توم وجيري. فهو مثلهما من الذين عاشوا صباهم بعد مراهقتهم في أجواء فورة الستينات. ومن هنا فإن رصده ما آل اليه مصير مجايليه، انما هو ما ينعكس في الفيلم من خلال شخصيته المحوريتين. ولافت هنا طبعاً أن من يرصده توم وجيري، في شكل أساسي هو نماذج اجتماعية تنتمي الى ثلاثة أجيال متعاقبة: فهناك أولاً الابن، ابنهما الثلاثيني الذي لم يكن متزوجاً بعد عند أول الفيلم. ثم هناك كين رفيق توم الدائم والذي يغرق الآن، وهو على تقاعد أيضاً، في إدمان الكحول وفي أشجانه التي يعيشها في كل لحظة ولا سيما خلال الأسبوع الذي يستضاف فيه ذات موسم في منزل الزوجين الهادئين في مراقبته ومحاولة تهدئته. لكن هناك أيضاً شخصية محورية في الفيلم هي ماري المقتربة من سن الخمسين. انها زميلة جيري في عملها ومتطفلة عليها أحياناً في منزلها. هي تعيش أزمات عاطفية ومتلاحقة. تبدو للوهلة الأولى مناسبة تماماً لتشكل ثنائياً مع كين، لكنها تحاول أن تدفع ابن توم وجيري، الذي يصغرها بعشرين سنة الى الاقتران بها. هي لا تعلن رغباتها بوضوح. لكنها كلية الحضور، لا تتوقف عن شرب الكحول وعن الثرثرة. كل شيء يثيرها ويغضبها وقد ينقل إليها حماسة. هي في نهاية الأمر، الامتحان الأكبر لصبر توم وجيري. امتحان غالباً ما ينجحان فيه. لكن جيري تفقد الصبر في لحظات نادرة وتوبخ ماري كاشفة لهذه الأخيرة حقيقة تفضل هذه ألا تقرّ بها، لا سيما بعدما يأتي الابن الى البيت بفتاة خطبها ويقترن بها، ما يكاد يحطم آمال ماري، التي كانت تمنّت، أن يكون الشاب من نصيبها.

جيل أم حالات فردية

ترى، هل أراد مايك لي من هذا أن يميّز جيله عن الأجيال اللاحقة... من خلال الرسم الهادئ، والارتجالي تقريباً، لاستسلام توم وجيري - وهما اسمان محملان، طبعاً، بمعان سينمائية، انما يصعب ربطها بالشخصيتين -؟ لا يبدو هذا الأمر واضحاً، إذ علينا ألا ننسى مصائر ستينيين آخرين في الفيلم: كين في وهدة يأسه وإدمانه. وشقيق توم الذي يرحل في الموسم الأخير، فشهد في أجواء الحداد عليه بعض أكثر المشاهد كآبة في السينما المعاصرة. والحال ان هذين المصيرين الأخيرين يفقدان توم وجيري سمة الرمز والكناية عن جيل بأسره. ومع هذا قد يتعين علينا، لوضع بعض الأمور في نصاب منطقي، أن نتذكر ونحن نشاهد «عام آخر» ان اختيار مهنتي توم (دارس طبقات الأرض السفلى) وجيري (محللة أنفس البشر وأرواحهم في طبقاتها العليا)، ليس صدفة، بل انه ان أراد المرء التوغل في «طبقات الفيلم» سيقوده في احتمالات جديدة. وهذا كله يضعنا أمام فيلم تخفي عاديته الخارجية، استثنائية داخلية، يدهشنا كيف لم تستوقف محكّمي «كان» كما لم يستوقفهم الأداء المبدع الذي أدته شخصيات الفيلم جميعاً لا سيما ليسلي مانفيل (ماري)، التي أدت طبيعية أدائها الى احتجاج بعض أصحاب النزعة النسوية في بريطانيا - لدى عرض الفيلم - على مايك لي، واعتبروه في فيلمه هذا «عدواً» للمرأة... ناسين مناصرته لها في كل أفلامه... وان في الفيلم الجديد هذا شخصيات نسائية رائعة...

الحياة اللندنية في

19/11/2010

 

كنوز

ابراهيم العريس

طبعاً هناك محطات وشبكات تبث أفلاماً قــديمة، عــربية، وغير عــربــيــة. وأخرى تبث مشاهد من حفلات غنائية «طربية» تعود الى الماضي الجميل. بعض هذه المحطات قامت أصلاً، لأداء هذا الغرض، لكن بعضها يمارسه من نوع «مكره أخاك لا بطل»، لفقره واضطراره الى اجترار ما عنده وهو غير قادر على انتاج أو شراء المزيد. وهذا كله يشاهده المتفرجون وقد يقبلون به وقد لا يقبلون، لكن منهم من يقبل عليه بشغف، خصوصاً من بين كبار السن الذين يثير فيهم هذا حنيناً ما.

غير ان هناك، وفي سياق مشابه غالباً، كنوزاً أخرى تنتمي الى الماضي... تحديداً الى فترة الخمسين عاماً، التي مضت، منذ وجدت التلفزة بشكل أو بآخر في البلدان العربية - ونحن هنا نقصر الحديث عنها وعن تلفزاتها -. والكنوز التي نعنيها هنا، تلفزيونية هذه المرة، أي غير مستعارة من وسائط فنية أخرى، كالسينما والغناء وما شابه. وهذه الكنوز، المحفوظة في أرشيفات عامة، أو خاصة - والتي قد يحتاج معظمها الى بحث مضني للعثور عليه -، تشكل ذاكرة التلفزيون. بل قد يصح أكثر أن نقول: ذاكرة أجيال متعاقبة من الناس، يكاد يكون التلفزيون والتفرج عليه، شغلهم الشاغل منذ عقود، بحيث لا يعرفون سوى الفنون والسياسات ووسائط ايصال هذه وتلك، علاقتهم الوحيدة بكل ما له علاقة بالفكر والابداع. وطبعاً لسنا نلومهم على ذلك. فأن يأتي الفكر والإبداع، عبر الشاشة الصغيرة الى البيوت، خير من ألا يأتيان أبداً. أليس كذلك؟

ما نريد قوله هنا هو أن في التراكم الذي كان على مر السنين، كنوزاً تبدو دائماً في حاجة الى أن تكشف وتستعاد. أن تعاد اليها الحياة. ان تعيش تفاعلاً ما، مع الأزمان الحديثة. وليس فقط من باب الحنين. ولعل هذا، مثلاً، يصدق على الإعلانات القديمة بقدر ما يصدق على الحفلات المصورة، على بعض أخبار الماضي كما على المسلسلات القديمة، وحتى على برامج الألعاب ومسابقات الهواة، والشرائط التوثيقية والمقابلات السياسية والفكرية وغيرها. كنوز هي بصرف النظر حتى عن قيمتها التقنية. كنوز يمكن إعادة العمل عليها كما هي، أو العمل انطلاقاً منها. وليس فقط كيلا تدفن في الخزائن. بل أيضاً كي تعطي قبساً من علاقة خلاقة مع الماضي، ومع أجياله، وكيف كانت هذه الأجيال تفكر... وتعيش وتتلقى الفنون والأخبار وكل أنواع الحيوات الموازية التي - بحسب تعبير أغنية لجان جاك غولدمان - صارت هي الحياة.

فمن ينتزع كل هذه الكنوز من باطن مدافنها؟

الحياة اللندنية في

19/11/2010

 

فرحاتي في ضيافة النقاد

الدار البيضاء - نور الدين محقق 

تستضيف الجمعية المغربية لنقاد السينما في المغرب برئاسة الناقد خليل الدمون المخرج السينمائي جيلالي فرحاتي ، وقد جاءت هذه الاستضافة في إطار اللقاءات السينمائية التي تعقدها الجمعية مع المخرجين المغاربة والتي أطلقت عليها اسم «سينمائيون ونقاد»، وسبق أن استضافت فيها مجموعة من المخرجين المغاربة وأصدرت من خلالها كتباً خاصة بتجاربهم في مجال الإخراج السينمائي، كان آخرها الكتاب القيّم الذي خصصته للتجربة السينمائية للمخرجة فريدة بليزيد.

هذه الاستضافة النقدية الخاصة بالتجربة السينمائية للمخرج جيلالي فرحاتي، ستعقد في مدينة طنجة ما بين 26 و28 تشرين الثاني الجاري، ويتم افتتاحها بكلمات الجهات المنظمة، وبشهادات يقدمها مدير المركز السينمائي المغربي الناقد السينمائي نور الدين الصايل، والناقد السينمائي والأستاذ الجامعي حميد العيدوني، والمخرجة السينمائية ليلى التريكي والممثلة هدى الريحاني، إضافة الى كلمة المخرج جيلالي فرحاتي. ليتم بعد ذلك تقديم البرنامج العام لهذه الأيام السينمائية. هذه الأيام التي ستشارك فيها مجموعة من بين أهم النقاد المغاربة في مجال السينما والصورة وهم: حمادي كيروم وبوشتى فرقزايد وأحمد سجلماسي، ومحمد صوف، وعمر بلخمار، وعبد النبي داشين، ورشدي المانيرا وسعيد شملال، وفاطمة إيغوضان، وأحمد فرتات وادريس الجعيدي ونور الدين محقق. وسيتم تقديم المداخلات كما جرت العادة بذلك في مثل هذه اللقاءات باللغتين العربية والفرنسية وسيليها تعقيب للمخرج جيلالي فرحاتي. ومن المنتظر أن تنصب حول مجموعة من المحاور من بينها على الخصوص «الكتابة السينمائية عند جيلالي فرحاتي»، و»جيلالي فرحاتي وراء وأمام الكاميرا»، و»قضية المرأة في سينما جيلالي فرحاتي»، و»الصمت في سينما جيلالي فرحاتي» ليتم في نهاية هذا اللقاء تقديم كتاب سينما المكلومين « لمؤلفه الناقد السينمائي بوبكر الحيحي، تعقبه مائدة مستديرة حول أعمال المخرج جيلالي فرحاتي ونقاش مفتوح حول مجمل أعماله السينمائية المهمة ، وفي مقدمها فيلم «عند الفجر» وهو آخر أفلام جيلالي فرحاتي ، وفيلم « ذاكرة معتقلة» وهما الفيلمان اللذان سيعرضان لمناسبة هذا اللقاء المهم بمخرجهما. وكما جرت عادة الجمعية المغربية لنقاد السينما في المغرب ، فإن هذه الدراسات المتعلقة بالتجربة السينمائية للمخرج جيلالي فرحاتي ستقوم بإصدارها في ما بعد في كتاب .

وتجدر الإشارة في هذا الصدد أيضا إلى أن الجمعية المغربية لنقاد السينما قررت إعادة إصدار مجلتها « سين.ما» في حلة جديدة وبهيئة تحرير تتكون من: خليل الدمون وحمادي كيروم وعبد النبي دشين ونور الدين محقق ومحمد صوف وعبدالجليل البويري وبوشتى فرقزايد وأحمد فرتات. وهي مجلة سينمائية متخصصة ستمنح للنقد السينمائي المغربي دفعة جديدة هو في أمس الحاجة إليها في غياب مجلات خاصة تعنى به وتمنحه فرصة الظهور والانتشار والتداول.

الحياة اللندنية في

19/11/2010

 

ضحكة ورقصة فيما الجن يبتعد

دمشق – فجر يعقوب 

تتكئ المخرجة الجزائرية الشابة ياسمين الشويخ في منجزها السينمائي على قضايا أنثوية صرفة، فمنذ فيلم «الباب» وصولاً إلى فيلمها الجديد «الجن» سنعيش هذا الانحياز معها، وكأن الشويخ قد حسمت أمرها بهذا الخصوص، من دون أن تبدي تردداً قد يغير من هذا الاختيار. في فيلم «الباب» سوف يتعين على سامية أن تلحق بذلك الضوء الذي يلوح لها للوصول إلى المخرج. ولكن دائماً سيكون هناك عائق يتمثل بأحد أفراد العائلة الذي يطالبها بتقديم خدمة له بوصفها الأنثى، حبيسة الجدران والأفكار والتقاليد البالية.

في فيلم «الجن» سوف نلتقي بالفتاة الصحراوية عنبر، وهي حبيسة من نوع آخر. صحيح أنها تعيش في صحراء ممتدة ووسيعة، ولكنها ها هنا هي حبيسة تقاليد القبيلة وأوهامها عن الجن، وهي أوهام مستمدة من الأسلاف، وتستمر بالانتقال عبر حكم سيدة القبيلة العجوز التي تقرر كل شيء يخص النساء، وهي بذلك تحفظ مكانتها وسطوتها. وما إن تبلغ عنبر حتى تقع عملياً تحت سطوة هذه السيدة المتسلطة والمتحكمة بشؤون القبيلة حفاظاً على الموروث.

ضحكة

لن يقف الأمر عند هذا الحد، فالقبر المفتوح، رمز هذا الموروث هو تهديد فعلي لكل من تحاول الخروج عن طاعة العجوز، فسوف تلتقي عنبر، بفتاة أخرى من قبيلتها، شاءت الأقدار أن تسعى نحو حريتها بالخروج الكلي عن هذه الشعوذة المستمرة عبر السنين، وسيكون لتمردها تأثير كبير على عنبر. للفتاة ضحكة عذبة ستكون بمثابة الضوء الذي يقود عنبر نحو تحررها من هذه الأوهام المتمثلة بالقبر. فالجن بوسعه أن يسكن كل فتاة في القبيلة التي تعجبه، إن لم يحظ بالقربان الموعود. الأب الطيب المغلوب على أمره يفشل في تربية ابنته بحسب زعيمة القبيلة بعد وفاة زوجته، فهو يظل مشغولاً بآلة التدنيت الموسيقية، وهي تمثل شغفه وحياته، حتى أنه يسلم بملكية القبيلة لابنته المراهقة. هي حرية من نوع آخر، ربما يجد موازياً له بحبه لابنته عنبر، وقد أطلق عليها هذا الاسم بسبب وحمة ظهرت على قدمها حين ولادتها. بلوغ عنبر سيشكل خوفاً للأب، لأن ابنته ستكون معرضة لقيام الجن وقعوده فيها. هذا ما يدفع بالأب بتذلل واستسلام كاملين لرجاء جن الماء للابتعاد عنها. عنبر من جهتها لا تستسلم لغضب القبيلة وسخطها عليها، فهي تبحث عن الجن، ليس بقصد التصالح معه أو مساكنته، بل بهدف كشفه وتعريته، وما إن تلحق به، حتى تكتشف الفتاة التي خرجت عن التقاليد، وعرضت «أوهام الأسلاف للخطر»، وكأنها بذلك تقود عنبر نحو حريتها وتحررها من لحظات غاشمة بدأت تعيشها في اللحظة التي وصلت فيها سن البلوغ. تدفع الفتاة حياتها ثمناً لحريتها الموقتة، ولكن ضحكتها التي تعودت عنبر عليها لا تموت. تدفن الفتاة في قبر الأسلاف، وعنبر التي تغادر طقس الدفن دامعة تسمع ضحكتها في داخلها، وهذا ما يدفع بها للابتسام، لأنها أدركت أن حريتها هي أيضاً سبيلها الوحيد للاستمرار بالعيش، وإن كان السبيل إلى ذلك هو الموت.

ما يميز «الجن» عموماً، هو التصوير البارع في منطقة التاغيت القبائلية. الرياح التي تذرو حبيبات الرمال الذهبية، كأنها تنذر بمسح درامي متقدم لقصة الفيلم، من دون أن تكشف الشويخ عن الأحداث، وبقايا القصور المهدمة تسمح بتكوينات بصرية مدهشة، حتى أن رجوع الشويخ لاستخدام تلك الرمال الذهبية التي تبدو هنا، وكأن البشر يطأونها للمرة الأولى، يسمح بانكسارات تلعب دوراً في تعظيم الحالة الدرامية لسكان الصحراء الذين يعيشون حياتهم على هدي الأسلاف الكبار، فيما الجن يقرر مصائرهم من دون هوادة. بلوغ عنبر لا يعني مسألة فيزيولوجية بحتة، هنا تأخذ الأمور منحى سينمائياً تقرره كاميرا المخرجة الشابة بوصفه نقطة البداية في مشوار انعتاقها الذي يمثله هذا «البلوغ العقلي».

انعتاق

تميل ياسمين الشويخ في فيلمها، وقد شارك في قسم الأفلام القصيرة في الدورة الماضية من مهرجان «كان»، وفي الدورة الثامنة من مهرجان الفيلم القصير في مدينة طنجة المغربية إلى التأكيد على حجم المشروع الذي يمثله لها، على رغم قصره (20 دقيقة)، إلا أنه يحمل، كما فيلمها السابق «الباب» بذور هذا الانعتاق الذي تبحث عنه المرأة الجزائرية، فكما حالة سامية، كذلك في حالة عنبر. كلا الصبيتين يلحقن بضوء خفي لا حدود ولا مسميات له، اذ يكفي الاستسلام الغامض له حتى تبدأ كل واحدة مشوار الانفلات من سجنها، وهذا الضوء الصعب يمثل في شكل من الأشكال البوصلة الموصلة نحو هذا الانعتاق. لا يبدو أن الطريق نحوه سهل، هو مهدد بالزوال، كما المعيقات التي تصد سامية من بلوغ الباب لمعانقة الضوء القصي، كذلك هي حال الضحكة التي يمثلها خروج الفتاة في «الجن» من معقل الموروث المستحيل. الرمل الذي يتكسر وتذروه الرياح يهدد عنبر كذلك بالامحاء، ولكن الضحكة التي ترن بداخلها تصد عنها عناء غياب تلك الفتاة المثال، ما يدفع بها للرقص في المشاهد الأخيرة على وقع أغنية شعبية جزائرية، وكأن شيئاً من هذا لم يحدث. وكأن الفتاة لم تمت.

الحياة اللندنية في

19/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)