حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

صالة لواحد

حرب الإستقلال الجزائري على شاشتين 2

بعد 44 سنة على إطلاقه: معلومات غير معلنة عن “معركة الجزائر

محمد رضا

جاء فيلم جيلو بونتيكورفو "معركة الجزائر" عملاً روائياً مُصاغاً كما لو كان فيلماً تسجيلياً  ومستخدماً مواد وثائقية لكن حتى الغالب الروائي مُعالج على نحو يبدو كما لو كان العمل تقريراً إخبارياً وتلفزيونياً. ودار الفيلم  حول الأحداث التي عصفت بالجزائر  في السنوات الخمس السابقة للاستقلال في 2/7/ 1962 حيث يبين الفيلم عمليات المقاومة الجزائرية وأساليبها القتالية و في المقابل تكتيكات القيادة العسكرية الفرنسية لمواجهة الثورة ووقع كل ذلك على المدنيين الجزائريين منهم والفرنسيين. عمليات تفجير انتحارية وفتح نار عشوائي على الفرنسيين في مقابل قمع الفرنسيين للجزائريين وسوء معاملتهم يسيران جنباً إلى جنب. ومع أن القوّات الفرنسية تنجح في تدمير الخلية التي كانت سيطرت على حي القصبة (حيث معظم الأحداث) إلا أن الفيلم ينتهي بالمشهد الذي يؤرخ لاستمرار الثورة  فيما بعد.

تألّف سيناريو الفيلم من مذكّرات أحد القادة في حركة "جبهة التحرير الوطنية" وهو سعدي ياسف الذي، وكما تقدّم معنا في الجزء الأول من هذه الدراسة، كان أحد منتجي الفيلم..

في حديث بيننا في مهرجان “كان” قبل بضع سنوات كشف الياسف أن الفيلم الذي كان في بال السيناريست الإيطالي فرانكو سوليناس، والمخرج جيلو بونتيكورفو كان مختلفاً عن ذلك الذي تم تصويره فعلاً. أخبرني أنه سعى، وأحد القادة الجزائريين للحركة،  لدى الكاتب الإيطالي فرانكو سوليناس ولدى المخرج جيلو بونتكورفو لتحقيق فيلم عن الثورة،  وأن تلك النسخة الأولى من السيناريو كانت تدور قصتها حول   ضابط فرنسي يناهض العنف والتعذيب الذي يمارسه الجيش الفرنسي (والقوات المحمولة جوّاً) على المجاهدين والشعب عموماً.  أمر جيّد لولا أن المحور كان سيتألف من فرنسيين جيّدين ضد فرنسيين أشرار، وهذا ما لم يكن سينفع الثورة الجزائرية كون القضيّة، تبعاً لذلك، كانت ستبقى محض فرنسية. والنيّة كانت أيضاً الاستعانة بالممثل الأميركي بول نيومان لكي يلعب دور ذلك الضابط. كتب سعدي ياسف سيناريو بديلاً لكن جيلو وجده  أحادي النظرة على الأرجح ما نتج عنه ولادة سيناريو ثالث من سوليناس هذه المرّة قريب من الفيلم الذي تم تصويره ويحمل على أسلوب العنف الذي اتّبعه الطرفان معاً..

كل من سوليناس وبنتيكورفو يساريان، والثاني كان عضواً في الحزب الشيوعي في تلك الفترة، لكن الفيلم لا يعكس تجاوباً غير محدود مع الثورة الجزائرية وذلك لأن المخرج أصر على الإمساك بالعصا من الوسط مساوياً بين عنف الثوّار وعنف القيادة الفرنسية من دون التوغّل مطلقاً في المضمون السياسي لدى الطرفين. هذا ناتج عن تمسّك المخرج وكاتبه بأسلوب التأريخ التسجيلي بحيث حد من منح الصورة مثل ذلك العمق، ومن رغبة المخرج في منح الفيلم معالجة واقعية لا تتفاعل على نحو قصصي بل تستمد قوّتها مما تعرضه. في النهاية، الفيلم إدانة للعنف من دون تحميل المسببات والموجبات عند الطرف الجزائري على نحو نظري أو خطابي. في المقابل، هناك تصوير لبطش الفرنسيين وموافقة الجيش على استخدام التعذيب من دون إدانته إدانة ناصعة (لكنها موجودة). لكن في طيّ ذلك ورغماً عنه تصل رسالة مفادها أن الثورة استطاعت بصرف النظر عن أسلوبها تحقيق النصر. وفي المشهد النهائي حين يسأل فرنسي موجهاً حديثه لجزائري: ماذا تريدون، يأتيه الجواب شعبياً عارماً: الاستقلال. إزاء الكلمة ترجح كفّة الفيلم تجاه الثورة من جديد

بينما خطف الجائزة الأولى في مهرجان فانيسيا السينمائي الدولي  وفوقها مجموعة كبيرة من الجوائز من المهرجانات والجوائز النقدية الأخرى، وووجه بصد عنيف من قبل اليمين الفرنسي وإعلامه وقامت الرقابة في بريطانيا بسابقة حيال فيلم سياسي وهو قطع مشاهد منه اعتبرت نيلاً من فرنسا (هي تلك التي يدافع فيها الكولونيل عن استخدام التعذيب وبعض مشاهد التعذيب نفسها، كما قام الموزّع الأميركي للفيلم بالفعل نفسه. لا أدري أي نسخة عرضت على الأوسكار في مسابقة أفضل فيلم أجنبي، لكن الفيلم الفائز بذلك الأوسكار كان فيلما تشيكوسلوفاكيا من إخراج يان كادار بنبرة يهودية عما آل إليه يهود البلاد خلال الحرب العالمية عنوانه الدكان في الشارع الرئيسي The Shop on Main Street  لكن من ناحية أخرى لا تقل أهميّة، اعتبر الفيلم من قبل الجماعات اليسارية الثورية المتطرّفة في أوروبا، خاصّة في ألمانيا وإيطاليا، مرجعاً وتصويراً لنوعية مقاومة يُحتذى به.  وبعض المؤرخين يذكر أن الفيلم كان الفيلم المفضّل لدى "جمعية الفهود السود" الأميركية وجيش التحرير الأيرلندي وقائد الحركة الألمانية المسلّحة أندرياس بادر المعروفة حركته عبر التاريخ بحركة بادر- ماينهوف

بعد ست سنوات على هذا الفيلم قام المخرجان الفرنسيان إيف كورييه وفيليب مونييه بتحقيق فيلم وثائقي بعنوان "الحرب الجزائرية". كلاهما عمل في التلفزيون الفرنسي قبل تحقيق هذا الفيلم لكن في الوقت الذي لم ينجز كورييه فيلماً سينمائياً آخر (كما يبدو من المراجع المتوفّرة عنه) فإن فيليب  انتقل الى السينما مساعد مخرج لبضعة أفلام (من بينها مستر كلاين لجوزف لوزي) ثم مخرجاً ولو أنه لم يحقق باعاً طويلاً في هذا المجال أيضاً. الفيلم حمل صيغة إخبارية تلفزيونية لكنه هدف للعرض سينمائياً وإذ تحقق له ذلك هوجم من قبل المعارضين وتم رمي جمرات مشتعلة على إحدى الصالات التي عرضته.

في العام ذاته كان هناك فيلم روائي عنوانه "أن تكون في العشرين في الأوراس" حققه رينيه فوتييه، وهذا الفيلم تبع قصّة شاب في العشرين التحق بالجيش الفرنسي وبالتدريج انتقل من شخص بريء ومسالم إلى  مقاتل بلا هوية إنسانية. الممثل الفرنسي ألكسندر أركادي (حاليا في الثالثة والستين) لعب الدور في ذلك العام، لكنه  أنجز فيلماً آخر تناول فيه العلاقة الفرنسية- الجزائرية من زاوية فرنسي لديه ما يخفيه حول ماضيه في الجزائر،  تحت عنوان "العودة إلى الجزائر" في سنة 2000 

لكن لا شيء في تلك السنوات (1972- 1974) ترك تأثيراً كما فعل فيلم مبكر للمخرج المهم إيف بواسيه
RAS
عنوانه بواسيه (الذي لا يزال حيّاً ولو أنه توقّف عن العمل منذ 1991) هو الذي أخرج قبل هذا الفيلم "الاغتيال"، الفيلم الذي تناول حكاية المناضل المغربي بن بركة وعالج بعد ذلك قضايا عنصرية مختلفة تصب في عصب المجتمع الفرنسي..

كل ذلك قبل أكثر من عشرين سنة على بداية الاهتمام الفعّال للسينما الفرنسية بالموضوع الجزائري.  لكن قبل الدلف إلى هذا الجانب، لابد من الإشارة إلى أن تلك الأفلام الأولى في مطلع السبعينات، كانت إسهاماً متواضعاً بالمقارنة مع الأفلام الجزائرية التي تم إنتاجها بعد الاستقلال مثل "السلام الوليد" و"فجر الملعونين" و"رياح لأوراس" و"حسن طيرو"،  والتي تتوّجت، إحتفائياً على الأقل، بفوز فيلم المخرج محمد لخضر حامينا " وقائع سنوات الجمر" بالجائزة الأولى في "كان".

هل كانت الأفلام الفرنسية القليلة المنتجة في مطلع السبعينات تمهيداً لفوز الفيلم الجزائري؟ سؤال سيبقى مغلّفاً بالاحتمالات تماماً  كما الحال بالنسبة لما إذا كانت الأفلام الجزائرية حول تلك الحرب لعبت دوراً في تشجيع الفرنسيين على النظر إلى الواقع والاعتراف بقيام المؤسسة العسكرية اعتماد التعذيب طريقة تعامل مع الثورة ورجالها.

الجزيرة الوثائقية في

14/11/2010

 

في تجربة المخرجة ليانا بدر

بشار ابراهيم  

عندما باغتت الروائية الفلسطينية ليانا بدر المهتمين بالسينما الفلسطينية بفيلمها الوثائقي الأول؛ «فدوى حكاية شاعرة من فلسطين»، عام 1999، كانت كمن يرمي حجراً في بئر التكهنات، والتساؤلات، إذ ثمة من رآى الأمر خارجاً عن المألوف، والمتوقع، خاصة من قبل سيدة أثبتت حضورها في مجالي القصة والرواية، ومن قبل في مجال الصحافة، ولم يكن ثمة ما ينبئ، أو يشي، بانعطافتها الحادة باتجاه السينما، حتى لو تسلمت أعلى المناصب الإدارية المتعلقة بالسينما الفلسطينية الرسمية (مدير عام السينما، في وزارة الثقافة والإعلام، في السلطة الفلسطينية)، إذ ليس من الضرورة للمدير أن يكون مخرجاً.
بينما اعتقد البعض أن الأمر «نزوة» مدير، واستعماله لوظيفته، وموظفيه، وسلطاته، وسرعان ما يطويه النسيان، ويغدو نقطة تضمحل في فيض الذاكرة، أو صرخة في واد سحيق، توهماً أن ليس ثمة من همّ أو اهتمام أصيل بالسينما، من حيث المبدأ!..

مع ذلك، وعلى الرغم منه كله، فقد أثبتت ليانا بدر أنها جادة أكثر مما يمكن أن يتوقع الآخرون، وأبعد من وظيفتها الإدارية، ومضت في دروب تحقيق الأفلام الوثائقية، سنة بعد أخرى، وفيلماً إثر آخر، دون أن تفلت اهتمامها الأساس والأول المتمثّل بكتابة الرواية، والقصة، والكتابة للأطفال، بل والشعر أيضاً: «زنابق الضوء».

اليوم، وبعد مضى أكثر من عقد من السنوات على فيلمها الوثائقي الأول، بات لدى المخرجة ليانا بدر، فيلموغرافيا يمكن التوقف أمامها، وأفلاماً لا بد من مشاهدتها، وتأملها، والكتابة عنها، خاصة وأنها حافظت على تلك الروح النسوية الأثيرة، المهتمة بالمرأة الفلسطينية؛ شؤونها وشجونها. همّها واهتمامها. قضاياها ونضالاتها. مع انتباهة للطفل الفلسطيني؛ عالمه، وأحلامه، ومعاناته..

بدأت مسيرة المخرجة ليانا بدر مع فيلم «فدوى.. حكاية شاعرة من فلسطين»، عام 1990، وهو وثائقي طويل (مدته 57 دقيقة)، يأتي كما «بورتريه للشاعرة الفلسطينية الكبيرة فدوى طوقان، وذلك عبر حديث مطول للشاعرة، يأتي حافلاً بتنويعات شخصية للشاعرة، في لحظة بوح حميمة ونادرة.. فيغدو الفيلم رواية بصرية محكية عن تجربة فدوى طوقان، تلك التجربة المميزة، النادرة، الممتدة على سبعة عقود من الزمن، والتي تعتبر خلاصة لمأساة المرأة الفلسطينية بداية، ومن ثم المرأة العربية عامة، وحقيقة مقدرتها على التحقق والنجاح، كما تعتبر تجربة فدوى طوقان على تماس شديد وخاص مع التجربة الإبداعية العربية والفلسطينية، طيلة هذه الفترة، التي تمتد على غالبية القرن العشرين».

وجاء فليمها الوثائقي الثاني بعنوان «زيتونات»، عام 2000، وهو وثائقي متوسط الطول (مدته 37 دقيقة)، مع الفريق الفني نفسه تقريباً (تصوير: عبد السلام شحادة، مونتاج: قيس الزبيدي، موسيقى: بشار عبد ربه)، لتمضي هذه المرة من الحديث عن امرأة واحدة مفردة ومبدعة، إلى الحديث عن أربع نساء الفلسطينيات، في مواقعهن المختلفة، مع العناية التامة بالربط بين المرأة الفلسطينية، وشجرة الزيتون، التي معادلاً رمزياً قوياً، وهو ما جعل المخرجة تمنح اسم الفيلم «زيتونات».

من «أم أحمد»: الفلاحة الفلسطينية، في قرية «سلفيت»، والتي تتحدث الزيتون وفوائده، والعمل المضني للحفاظ عليه، في مواجهة ما يتهدده من أنواع مختلفة من أشكال المصادرة خاصة بحجة الحاجة إلى الطرق الالتفافية تشق الأراضي، وتستوجب تجريفها وبالتالي اقتلاع أشجار الزيتون.. إلى «سامية حلبي»: الفنانة التشكيلية الفلسطينية المقدسية، يمتد الحديث، ويتنوع، ويأخذ أشكالاً متصاعدة، غلى الدرجة التي نرى قدرات المرأة الفلسطينية المناسبة للتعبير عن حالتها الخاصة، وعن ارتباطها بالشأن العام، ومشاركتها الفعالة سواء بالعمل، أو الابداع.. بالمواجهة والمقاومة، والتشبث بالأرض، والدفاع عن أشجار الزيتون، بشتى السبل.

ومع فيلمها الثالث: «الطير الأخضر»، عام 2002، وهو وثائقي (مدته 52 دقيقة)، تنتقل إلى عالم الأطفال الفلسطينيين، أولئك الذين وعلى الرغم وجود الاحتلال، وعلى الرغم من ممارساته القاهرة، إلا أنهم لايفلتون أحلامهم، وسيجدون الكثير من الطرق والسبل للتعبير عن أحلامهم، ومحاولة ممارستها، ولو بالقليل والمحدود، لكن الأحلام ذاتها تبقى غير محدودة أعلى من أسوار الاحتلال، وأقوى من قبضته.

وإذا كان العام 2002، قد شهد إنجاز فيلم «القدس في يوم آخر/ عرس رنا»، الذي جاء بتوقيع المخرج هاني أبو أسعد، وهو فيلم روائي طويل (مدته 90 دقيقة)، عن قصة لها، وقامت هي بالاشتراك مع السيناريست إيهاب لمعي بكتابة السيناريو، فإنها سرعان ما ستعود إلى الفيلم الوثائقي، من خلال فيلمها «يوميات حصار كاتبة»، عام 2003، والذي يبدو (لأننا لم نشاهده، بعد)، محاولة لتقديم صورة ذاتية عن نفسها، خلال أيام الحصار، البشع، وسيء الصيت، الذي تعرضت له مدينة رام الله، حينها.

وسيلفت نظرنا أن الفيلم جاء من تصويرها، الأمر الذي يدلل بشكل أو آخر على اصرارها على تعلم تقنيات صناعة الفيلم، خاصة التصوير بنفسها، لتكون الكاميرا عينها المبصرة، وهو أمر جدير بالتقدير، حقاً. فأن تسعى لتعلم التصوير، وتقوم بنفسها بذلك، هو مما سوف يمكّنها، كما سنرى في فيلمها اللاحق، من الذهاب إلى ميادين الاحداث والوقائع، والتصوير المرافق لعمليات المراقبة، أو التأمل، أو الحوار والنقاش مع الشخصيات المستهدفة.

أما فيلمها الأحدث؛ «مفتوح مغلق»، والذي حققته عام 2006، وهو فيلم وثائقي متوسط الطول (مدته 42 دقيقة)، فهو لا يبتعد عن قضايا المرأة الفلسطينية، إلا بمدى تداخلها مع مجمل قضايا الشعب الفلسطيني، الراهنة والموجعة، خاصة جدار الفصل العنصري؛ هذا الجدار الذي يتمطّى سادراً في غيّه، ذاهلاً عن أشكال المعاناة العنيفة التي يعيشها الفلسطينيون على حافته. لا يأبه بما يولّده من آلام وحسرات وعثرات، ومن اضطرار في كل لحظة للتحايل عليه، وعلى بواباته، ومعابره، وعلى إطلالته الشاهقة، التي تتصاغر أمامها أحلام الفلسطيني، إلى حدّ أن تتكثف في إمكانية العبور للوصول إلى مدرسة، أو جامعة، أو عمل، أو مشفى، أو أرض، أو مزرعة، أو زيارة صديق أو قريب.

في أحدث أفلامها الوثائقية، تذهب المخرجة الفلسطينية ليانة بدر إلى هناك. إلى حافة الجدار. كأنما تريد أن تعدّ البوابات واحدة واحدة. رقماً رقماً، وهي تعرف أن وراء كل بوابة ألف حكاية فلسطينية وحكاية، وأن عند كل رقم ألف وجع فلسطيني وألم. والجدار صادٌّ ذاهل لا يسمع إسمنته صراخاً، ولا يلتفت لهمسه.. وجنده ماضون في تنفيذ أوامر، لا تمسها نبرة من إنسانية، ولا تنبض فيها وخزة من ضمير.

رواية الحياة اليومية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، باتت رواية العبور من البوابة، واجتياز الجدار، من ناحية إلى أخرى.. كأنما بات الجدار هو بحر الظلمات ذاته، القادم من أساطير الأولين، وأهوال ما يمكن لمخيلتهم أن تنسجها. والمخرجة ليانة بدر، الروائية أصلاً، تطارد تفاصيل الحكاية، سواء قدّمها طفل صغير، أو فتى ناهض، أو صبية يافعة، وصولاً لشهقات العجائز، ودمعاتهن التي تتسرب في حفر أخاديد، نحتتها مرارات الأيام على الوجوه.

الفيلم عبارة عن حفنة من تلك الحكايات المريرة التي يعيشها الفلسطينيون، بشتى شرائحهم العمرية والجنسية، وقطاعاتهم المهنية، وتنوعاتهم الاجتماعية. وتختار المخرجة تقسيم فيلمها على مقاطع متتالية، يحمل كل منها عنوانه الخاص، مانحة الأولوية لما يمكن أكثر تأثيراً في وجدان المشاهد الغربي والعربي على السواء. لذا نراها تبدأ فيلمها بعنوان «مفتوح مغلق: إلى المدرسة»، وتنهيه بعنوان «مغلق مفتوح: إلى الأرض»!..

ما بين مستوطنة وجدار، تتبدى رغبة الاحتلال في مصادرة مستقبل الفلسطيني، ومحو ماضيه، وتتجلى ممارساته الذاهبة إلى توطيد تلك الفكرة الصهيونية المنكرة لوجود الفلسطيني أصلاً. فإن أوجدته الوقائع، فعلى جند الاحتلال أن يقوموا بمحو آثاره، وقطع الطريق على مستقبله، مقدمة لطرده من المكان، وليذهب خلف النهر!..

لا يتكلّف فيلم «مغلق مفتوح»، ولا يدّعي بأكثر مما يريده. إنه يطارد المزيد من تفاصيل الحياة الفلسطينية اليومية، في قرى وبلدات الضفة الغربية المحتلة. يركّز على الجوانب الإنسانية المذهلة، التي تتوالد على حافة الجدار، وأمام البوابات، والمعابر.. قصص ستبدو في كثير من تفاصيلها مما هو متجاوز للمخيلة، ولكنها تعيد المشاهد إلى الواقع، بأقسى صوره.

الجزيرة الوثائقية في

14/11/2010

 

قراءة علمية معمقة لفيلم "الرسالة" 1/3:

من تخييل التاريخي" إلى مجادلة الحاضر

أحمد القاسمي – تونس 

يبدو فيلم "الرسالة" 1 موضوع مفارقة محيّرة فبقدر ما كان يعرض على الشاشات دوريّا، كان النقد يتحاشى الخوض في خصائص تشكيله وطبيعة مع محيطه الثقافي عامة، حتى بدا لنا كالداخل ضمن دائرة اللامفكر فيه يُسكت بتواطؤ نقديّ مضمر على مسلماته وأطروحاته ويُترك جدله مع وحداته الثقافيّة خارج إعادة التقييم. وما يزيد الحاجة الملحة إلى تسليط الأسئلة على هذا الفيلم التحولات العميقة التي تشهدها مناهج النقد وانفتاحها على مختلف العلوم الإنسانيّة. فقد شهد تحليل الخطاب السينمائي على أيامنا تحوّلا عميقا فقطع مع مفهوم الفيلم باعتباره بنية مغلقة مكتفيّة بذاتها وصادر على أنّ "المعنى ينبثق من الصلات المبرّرة بين العلامات والعوامل الاجتماعيّة" 2 فجعل المتفرّج  المشروط بمجمل من الوحدات الثقافيّة بالنتيجة نقطة العبور لاحتمالات المعنى وفق محورين يتجه أولهما صوب الأثر ليتبيّن كيف يتضمّن الفيلم متفرّجه وكيف يفتح أمامه مسارب للمعنى ويسدّ أخرى ليوجه تأويله الوجهة التي يريد. ويتجه ثانيها صوب الحقل الاجتماعيّ للتقبّل وسياقه الثقافيّ ليتبيّن وطأته على النص وعلى احتمالات دلالاته. ذلك أنّ الحدث الفيلمي نصّ يتنزّل ضمن سياق لا يفهم خارجه

ضمن هذا الأفق المنهجي والمعرفي نحاول أن نختبر مفهوم المتفرّج الضمنيّ القائم طيّ فيلم "الرسالة" في ما يشبه طاقة كامنة تفعّل حالما يُشاهد الفيلم كالمشهديّة واختيارات التأطير وسلّم اللقطات لتقصيّ ما تولّد من احتمالات المعنى وما تعقد من جدل مع سياقها الثقافي والحضاري.

I) ) بناء الحبكة وتوجيه التقبّل نحو القراءة الانفعاليّة

يصدر العقاد في خلفياته الإخراجيّة عن التصور الهوليودي المبهر فاقتضى ديكورات ضخمة تدفع انتظارات المتفرّج نحو المشهديّة إنشائيّة الفيلم نحو والإدهاش والإيهام تأسيسا لخطاب سينمائي يؤثر فيسحر أكثر ممّا يجادل ليقنع سبيله في ذلك دقة في بناء الحبكة. فممّا يميّز الفيلم الهوليودي نمو الأحداث عضويّا من رحم الصراع وانتظامها وتدرجها حسب منطق خطيّ يجعل الصورة تمثيلا عضويّا يحدّد مواضع الأحداث وأزمنتها، في لحظات تكاملها أو تعارضها 4 ويكفل العبور من الوضعيّة العبور من الوضعيّة المنطلق (و) إلى الوضعيّة النهائيّة (و') ضمن مسار حركة يتخذ شكل و ف و' (وضعيّة ?› فعل ?› وضعيّة')5 . ويأتلف هذا الشّكل بدوره من أشكال جزئيّة وأخرى فرعيّة مشابهة له في البنية تعتبر هذه الصّورة نموذجا للسينما الواقعيّة.. ويحدّد هذا النموذج استجابة المتفرّج فيتعاطف مع بعض الشخصيات ويتوحّد بها ويتخذ موقفا سلبيّا من أخرى مستعيرا آليات التراجيديا التطهيريّة.

لقد مثّل مسار الدعوة الإسلاميّة سندا يغذي هذا التعطّش إلى الحبكة الدراميّة ويجعل الأحداث تتجه رأسا إلى نهايتها والشخصية تندفع اندفاعا صوب هدفها المعلن. فالأمر يتعلق بنشأة الرسالة المحمديّة لمقاومة ما يحل بمكة من فساد وكفر ومجابهة كل أنماط العراقيل من أجل أعلاء كلمة الحق6 . ويمثل الأمر الإلهي بالمجاهرة بالإيمان الحدث القادح 7 الذي يفتح بالفيلم على وجوه من الصراع والمواجهة وفق الشكل و ف و' (وضعيّة ?› فعل ?› وضعيّة') فتنشأ متجهات فرعيّة تتوازى أو تتضافر مثل ذلك الذي يشكّله مسار سميّة بنت الحُباط أم ياسر بن عمّار (و: الوثنيّة ?› ف: الإيمان ومؤازرة ابنها ياسر?›  و': الشهادة ) أو الذي يشكله مسار أبو سفيان بن حرب (و: من أصحاب الجاه والمصلحة في بقاء مكة وثنيّة  ?› ف: الاستماتة في الدفاع عن مصالحه وفي التصدي إلى الإسلام ?›  و': انفضاض أنصاره من حوله وتسليمه بالدين الجديد بعد فتح مكة). تبني هذه المتجهات الفرعيّة بما تشكل من نسيج الشكل الأكبر المؤسس للفيلم  (و: نشأة الرسالة المحمّدية غريبة محاصرة ?› المواجهة والعمل على نشر الدعوة ?›  و': انتصار الإسلام والمسلمين).

أما مرحلة نشرة الدعوة الممتدّة بين الخروج من مكة والعودة إليها فلبت حاجة الفيلم إلى تجسيد المواجهة بين قطبين هما المؤمنون من ناحية ويمثله صحب الرسول وبعض من أهله كعمار بن ياسر وأبي طالب ويتزعمه حمزة ابن عبد المطلب والكفرة من ناحية ثانيّة سادات قريش من أصحاب الجاه والمصلحة الاقتصاديّة في بقاء الوثنيّة ويمثله وأبو لهب وأبو جهل أبو سفيان وتتزعمه هند بنت عتبة. ذلك أن "جميع الأشياء مرتبطة في السيناريو الذي تكتب، لا شيء يحدث مصادفة" 8 يعلن سيد فيلد.

لقد صُدّر الفيلم بمشهد قدّاس يقيمه الوافدون من حجيج مكة لآلهتها فيندفع حشد من القريشيين لتقديم القرابين إلى الآلهة التي تنتصب واقفة أمام الكعبة وانتهى بوصول موكب الرسول إليها بعد عقد الهدنة مع قريش، فتدمّر تلك الأوثان التي جيء بها في بداية الفيلم وينادي بلال من فوق الكعبة أن الله أكبر معلنا انتصار الإسلام وتبليغ الدعوة.

 

 

بين بداية الفيلم (وصول وفود الحجيج إلى مكة وتقديم القرابين) للآلهة ونهايته (وصول الرسول وتدمير المسلمين للأوثان) يتشكل مسار الفيلم ضمن البناء العضويّ المميز لسينما هوليود.

وبين البداية والنهاية تتضافر الأحداث لتشكّل متّجها (Vecteur) يندفع إلى الأمام على هيئة مسار ذلك شأن البدايات والنّهايات في النموذج الهوليودي فهما "دائرتان متّحدتا المركز، مرتبطتان بعضهما ببعض، متوحّدتان إلى الأبد ومتعارضتان إلى الأبد" 9

على هذا النحو منح النموذج الهوليودي في بناء الحبكة الدراميّة وما يستدعي من نموّ عضوي أحداث الفيلم قدرة تأثيريّة متصاعدة تفعل في المتقبّل الضمني بكفاءة فلا تفسح المجال للمتقبّل للتفكير بتلاحق أحداثها وتسارعها بقدر ما تهيّج وجدانه. وكان التقطيع الفني وتدرج سلم اللقطات موجهات تشكيلية تركز على اللقطات القريبة لتبرز ما يرتسم علة وجوه المؤمنين من المعاناة في الشطر الأول من الفيلم لتشكل صورة تأثيرا ذات طاقة انفعاليّة تدفع موترة لشجن المتفرّج وباعثة به إلى الواجهة ثم لمّا امتلك المسلمون أمرهم مال التقطيع إلى اللقطة المتوسطة ليشكل صورة حركةً تعمل وسعها لتنتزع من المتفرّج إعجابه بقدرة المسلمين على التحول من الخضوع إلى امتلاكهم زمام أمرهم وسيطرتهم على الفضاء وقدرتهم على الفعل فيه

 

العبور من اللقطة الكبيرة إلى اللقطة المتوسطة عبور بالمتفرّج من التألم لمعاناة المسلمين إلى الإعجاب بقدرتهم على الفعل والمواجهة.

 

 

الهوامش

فيلم "الرسالة" من إنتاج مصطفى العقاد وإخراجه، 1976 ضمن نسخة عربيّة أسند بطولتها لعبد الله غيث و منى واصف وأخرى انكليزية تولى بطولتها كل من انتوني كوين وأيرين باباس

لمزيد من التوسّع أنظر  Jean-Pierre Esquenazi, Le film, un fait social, Réseaux n 99_ CENT/Hermès Science Publictions P26. 

3 بلغت تكلفة إنتاج الفيلم للنسختين العربية والأجنبية حوالي 10 مليون دولار أمريكي.

4 Gilles Deleuze, cinéma I: L'image-mouvement, les éditions de minuit, Paris 1982   P 209.
انظر مفهوم الصّورة فعلا (l'image-action) عند ديلوز ضمن الأثر نفسه ص 196

6 يوجه سيد فيلد، رائد كتابة السيناريو في هوليود الكتاب إلى خلق المواجهات في الفيلم إذ  "يعكس كل عمل درامي صراعا, وإذا عرفت حاجة الشخصيّة فبإمكانك أن تخلق العقبات أمامها وصولا إلى ذلك الصراع" مقدّرا أن قانون نيوتن القائل بأن "لكل فعل ردّ فعل مساوي له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه" ينطبق على باء الفيلم تماما" وعلى خلاف السينما الأمريكيّة تميل السينما الحديثة التي نشأت مع الواقعيّة الإيطاليّة الجديدة واكتسحت السينما الأوروبيّة ومثلت خلفيّة لسينما المؤلف إلى الحركة فيما يشبه النزهة أو حركة مساحات الزجاج فتتواتر بين ذهاب وإياب يفتقد إلى الهدف وتفقد الأحداث بالنتيجة ترابطها العضوي فتهمش الحبكة ويميل الفيلم إلى التشظيّ. لمزيد من التوسّع أنظر  سيد فيلد، السيناريو، ص 34 وانظر أيضا: Gilles Deleuze, cinéma I: L'image-mouvement, PP 279/ 283. 

7 يشير سيد فيلد إلى الحدث القادح بمصطلح موضع الحبكة و"موضع الحبكة إنما هو لحظة في ذلك القالب من الفعل الدرامي "يعلّق" في الفعل وينسجه في اتجاه آخر" سيد فيلد، السيناريو، ترجمة سامي محمد، دار المأمون للترجمة والنشر، 1989، ص 123.

8 سيد فيلد، السيناريو، ص 35 ويقول أيضا " قد لا تقتنعون بفكرة البداية والوسط والنهاية. وقد يقول أحدكم إن الفنّ كالحياة ليس أكثر من لحظات مستقلّة معلقة في وسط كبير لا بداية له ولا نهاية. أنا لا

الجزيرة الوثائقية في

14/11/2010

 

إلى امرأة القرن الجديد: كلي، صلي ، وأحبي

بوابة المرأة –ندى الوادي 

وكأني بفيلم "كلي، صلي، وأحبي" الذي يعرض حالياً على شاشات السينما الأميركية والعربية يعلن إنطلاقة عصر جديد لامرأة لا ترضى وتستكين لأي شيء، ولا تخشى البدء في رحلة البحث عن شيء تفتقده في الحياة، مهما كان الثمن الذي عليها أن تدفعه.

هكذا كانت ليز جيلبرت التي لعبت دورها ببراعة الممثلة الأميركية المتميزة جوليا روبرتس. والتي حاولت من خلاله تجسيد الرواية الشهيرة التي نشرت في العام 2006 لمؤلفتها أليزابيث جيلبرت وأرخت فيها فصولاً من حياتها ورحلة بحثها عن نفسها.

ما الذي تريده ليز بالضبط؟ لعل هذا السؤال لا يغادر ذهن المشاهد لهذا الفيلم، فليز هي امرأة ناجحة مهنياً، متزوجة من زوج يحبها، ومستقرة في أحد أكبر وأنجح المدن في العالم (نيويورك)، فما الذي يدفعها فجأة أن تتخلى عن كل ذلك، وتدخل في تجربة جديدة وغريبة معاً فتقضي عاماً كاملاً في ثلاثة بلدان بحثاً عن نفسها؟ وهل يمكننا أن نجد ليز أخرى بيننا في هذا العصر؟

الحق أن الفيلم الذي تطرق لما عرضته الرواية يحكي قصة مشاعر حقيقية يمكن أن تتعايش معها آلاف النساء في هذا العصر، نساء وجدن أنفسهن فجأة دون "شغف" للحياة، مرتبطات  بعمل روتيني وحياة روتينية تجبرهن على الدوران في حلقة مفرغة دون أدنى متعة. ليز اختارت أن تترك كل ما ورائها، عملها الذي لم تعد تبدع فيه، زوجها الذي لم يعد الارتباط به يشكل فارقاً بالنسبة إليها، واضطرت أن تدفع كل ما تملكه ثمناً لإلغاء زواجها، اختارت ذلك فقط لكي تشعر بالحرية وتنطلق بحثاً عن شغفها الضائع. فهل وجدته؟

شدت الرحال أولاً  إلى إيطاليا بحثاً عن شغفها بالأكل الذي ضاع وسط ازدحام يومها بالعمل والوجبات الصحية. في إيطاليا تحولت إلى امرأة أخرى، امرأة نهمة تتلذذ بما يعرض أمامها من أطايب الباستا والبيتزا الإيطالية، تقول هنا "كيف يمكننا أن نعيش نحن النساء مع هذا الشعور بتأنيب الضمير كلما تناولنا طبقاً لذيذاً خوفاً من شبح كيلوات زائدة تضاف لأجسامنا، متى نتحرر من هذا الشعور بعدم الرضا عن أنفسنا". أثناء رحلتها في إيطاليا لتعلم اللغة التي تتطلب بالضرورة تعلم التعبير بحركات اليدين كالإيطاليين تماماً، بدأت ليز تبحث عن نفسها. وإذا كان لكل شخص في الدنيا كلمة، فقد كانت ليز هي "المرأة التي تبحث عن كلمتها" كما أسمتها صديقتها.

كانت المشاهد التي عج بها الفيلم عن رحلة ليز في إيطاليا أحد أروع المشاهد، ليس فقط لمناظر روما الساحرة ، ولا لمنظر الأطباق الإيطالية الشهية التي يسيل لها اللعاب، ولكن أيضاً للحيوية والإشراق اللذين أضفاهما أداء روبرتس على جو الفيلم. ولعل أجمل العبارات التي قيلت في هذه المرحلة كان ما كتبته لصديقها بعد زيارتها أحد آثار روما القديمة المندثرة " لقد تعلمت بأن الدمار ليس بالشيء السيء، فالدمار يأتي بالتغيير ، والتغيير ليس بالضرورة شيئاً سيئاً، لقد تدمرت حضارات في السابق ، وكان دمارها علامة فارقة للتغيير والإزدهار لاحقاً".

في الهند، محطة ليز الثانية في رحلتها الشهيرة، كانت الأجواء أقل إشراقاً بكثير. فها هي ليز تنقلك كمشاهد إلى أجواء إحدى القرى الفقيرة في الهند، حيث البعوض والذباب، والاقتراب أكثر من الحياة المتقشفة وخدمة الآخرين. كان الصديق الأميركي الذي وجدته ليز في منتجع التأمل الروحي الذي قصدته في الهند سلواها الوحيدة وسلوى المشاهدين أيضاً، وربما أمعن مخرج الفيلم هنا في إظهار الحياة القاسية في الهند إيصالاً لفكرة الرواية. كان يفترض بليز أن تتوقف في محطتها في الهند للتأمل الروحي والديني وتصلي، ولأنها لم تجد الكثير مما يجري حولها وجدت نفسها مجبرة على الصلاة. كان انتقال ليز من عالمها المادي بكل أبعاده إلى عالم خال من أبسط الماديات أمراً صعباً للغاية، جسدته روبرتس ببراعة في حركاتها ولباسها وتعبيرات وجهها أيضاً. وترسل كاتبة الرواية رسالة عميقة للنسيان في هذه المرحلة في حوارها مع الأميركي حول حبيبها السابق، تقول : لكنني أحبه، فيقول: وإن يكن ، أحبيه. فترد: لكنني أشتاق إليه، فيرد: وإن يكن، تذكريه، وأرسلي له نوراً وأملاً كلما ذكرته، ثم استمري في الحياة.

وبعد أن تعلمت ليز كيف تأكل في إيطاليا، وتعلمت كيف تصلي في الهند، اتجهت إلى جزيرة بالي الأندونيسية لتتعلم كيف تحب. ولعل المشاهد لا يملك نفسه في هذه المرحلة من الفيلم إلا أن يحب أي شيء وأي شخص، خصوصاً وهو يشاهد المناظر الطبيعية الخلابة التي عرضتها شاشة الفيلم لهذه الجزيرة الساحرة.

والجميل أن إيقاع الفيلم كان متزامناً تزامناً منطقياً مع كل بلد تزورها ليز ومع كل مرحلة شعورية تمر فيها، فقد كان صاخباً ضاجاً سريعاً في إيطاليا، ليتحول إلى بطيء فكري وعميق في الهند. أما في بالي فقد كان ببساطة هادئاً وساحراً، أو ربما مغرياً في الحب. وهو ما فعلته ليز بالفعل عندما وقعت في حب مرشد سياحي برازيلي يستوطن بالي. اتجهت ليز إلى بالي استجابة لنبؤة ذكرها طبيب شعبي تسعيني بدأت به أحداث الفيلم، إذ تنبأ لها بكل ما حصل لها بالفعل، بما فيه عودتها إلى بالي للقاءه والتعلم منه.

في بالي تبدأ ليز مرحلة جديدة من اليوجا الجسمية والفكرية لتفتح مسامها للحياة وللحب، أو كما قال لها طبيبها ومعلمها " تنفسي بكبدك"، ورغم رفضها التجربة عقلياً تقرر في النهاية الاستسلام للحب .

"كلي، صلي وأحبي " فيلم يستحق المشاهدة بجدارة وخصوصاً لأولئك النساء الباحثات عن أنفسهن. وقد تعمدت ترجمة اسم الفيلم بصيغة المؤنث لأنني شعرت بأن الفيلم موجه بالدرجة الأولى للنساء. أو ربما أولئك النساء اللاتي يردن شيئاً ما يصعب عليهن فهمه أو إدراكه، وقد يقضين عمرهن تحسراً عليه.  

عن الكاتبة:

ندى الوادي كاتبة وصحافية بحرينية، حاصلة على ماجستير في الإعلام، وقد حملت رسالة الماجستير عنوان (تحليل للتغطية الصحافية للنساء المترشحات في الانتخابات النيابية الأولى في البحرين في العام 2002).  عملت كباحثة فولبرايت في كلية الصحافة في جامعة ميريلاند الأميركية. تكتب في الصحافة البحرينية منذ أكثر من 6سنوات.

موقع "بوابة المرأة" في

14/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)