حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«دائرة الفساد».. رجال يصعدون علي سلم الجشع

كتب محمود عبد الشكور

هناك معنيان للفيلم السياسي، الأول مباشر وحقيقي ويعني تلك الأعمال التي تناقش وتحلل وتراجع وتنتقد سلطات الدولة السياسية المعروفة: تشريعية وتنفيذية وقضائية، وقد يضاف إليها أيضًا سلطة الصحافة الرابعة، ودورها في بناء الرأي العام أو تضليله، أما المعني الثاني فهو واسع للغاية، ويكاد يعتبر كل فيلم روائي أو وثائقي لأنه يناقش شأنًا من شئون الناس في عصر من العصور كما يمكن من خلاله اكتشاف طبيعة النظم السياسية التي تحكم الناس في سنة إنتاج هذا الفيلم أو ذاك، وقد شهدت الصالات المصرية أحد أهم الأفلام السياسية بالمعني الأول المباشر وهو فيلم «Bagman» أو كما عرض تجاريا تحت اسم «دائرة الفساد»، وفي رأيي - أن الفيلم - وهو إنتاج كندي يقوم ببطولته الممثل الأمريكي الرائع «كيفن سباسي - أخطر وأفضل علي كل المستويات من فيلم «أوليفر ستون» الضخم «وول ستريت - 2»، كما اعتبره من أفضل الأفلام التي شاهدتها في فضح العلاقة بين السلطة والمال في دولة ديمقراطية فما بالك بما يمكن أن يحدث في الدول غير الديمقراطية، يمكنني أن أضيف أيضًا أننا أمام فيلم ذكي لا يكتفي فقط بسرد تفصيلات وقائع حقيقية عن أشخاص حقيقيين، ولكنه يخرج من العام إلي الخاص، هناك جشع فردي جعل الأفيش يحمل هذه العبارة الساخرة «in greed we trust» أو «نحن نثق في الجشع» بدلاً من العبارة الشهيرة المكتوبة علي الدولار الأمريكي «in God we trust» أو «نحن نثق في الله» ولكن الجشع الفردي يجد الفرصة والمناخ الذي يسمح بتغوّله.

لابد من الاعتراف أولاً قبل الدخول في تحليل الفيلم أن المشاهد المصري قد تزعجه بعض التفصيلات القانونية والسياسية، كما أن الحكاية كلها قائمة علي وظيفة يطلق عليها بالإنجليزية «lobfyist» ويترجمها الفيلم في مشاهده الأولي ويشرحها بأنه الشخص الذي يقوم بالضغط والتأثير علي أعضاء الكونجرس للحصول علي مصالح شخصية، ويقوم بالتأثير علي رجال القطاع الخاص لتحقيق نفس الهدف، وسيتكرر هذا المصطلح كثيرًا لأنها مهنة بطلنا «چاك أبراموف» الذي لعبه ببراعة مشهودة «كيفن سباسي»، لابد أن تعرف أيضًا أن «أبراموف» شخصية حقيقية شغلت وتشغل أمريكا، ويقضي حاليا بقية السنوات الست التي حكم عليه بها (تحديدًا 5 سنوات و10 شهور) بتهمة الاحتيال وإفساد موظفين عموميين، وقد كان أحد نجوم الحزب الجمهوري، ومن أبرز مؤيدي «چورچ بوش» الابن، ومن المنتظر أن ينهي سجنه في 4 ديسمبر عام 2010، من المهم أن تعرف أيضًا أن مخرج الفيلم «چورچ هكينلووبر» سجل 20 ساعة في السجن مع «ابراموف» الحقيقي، وزاره 4 مرات اصطحب في إحداها «كيفن سباسي» الذي سيلعب دوره، ثم قام كاتب السيناريو «نورمان سنايدر» بصياغة كل التفاصيل، والطريف أن عام 2010 شهد أيضًا فيلمًا وثائقيا عن فضيحة «إبراموف» بعنوان «كازينو چاك» أموال الولايات المتحدة، و«كازينو چاك» هو بالمناسبة الاسم الأول لفيلم «Bagman» قبل تغييره، أما معني «Bagman» فهو الرجل جامع المال، ويستخدم تحديدًا مع رجال المافيا.

هذه المعلومات سوف تسهِّل عليك المهمة، وستجعلك أكثر استمتاعًا بالفيلم المتماسك الساخر أحيانًا، سيبدأ الفيلم من رجل جشع يريد أن يصنع المال لأسرته حتي لا يصبحوا من الطبقة الوسطي أو من العبيد، ثم سنتقدم خطوة أعمق لنكتشف أن الجشع سيرتدي ثوبين: الدين والسياسة، ثم سنتقدم خطوة أكبر عندما نكتشف أن «چاك ابراموف» ليس الجشع الوحيد، وأن نجاحه الصاروخي هو ثمرة وجود عشرات الجشعين حوله أو في الكونجرس أو بين رجال الأعمال، ثم يضرب الفيلم ضربته الكبري الساخرة عندما يسقط «أبراموف» ليس بسبب يقظة النظام السياسي الأمريكي وإنما بسبب نزق بعض اتباع الرجل، وبسبب غيرة صديقة أقرب مساعديه، بل أن الذين سيحاكمون «إبراموف» وعلي رأسهم السيناتور «چون ماكين» ليسوا أقل فسادًا منه، لقد أخذ رشاوي من فئات تريد الضغط لمصلحتها، ولكنه وزّع أيضًا شيكات التبرعات علي أعضاء الكونجرس، وساعد نصف أعضائه علي الحصول علي مقاعدهم، هنا يتحول جشع شخص إلي دائرة أوسع بكثير بحيث يبدو العيب والثغرات في طبيعة النظام السياسي الذي يسمح بجماعات للضغط، وكما فهمت فإن «إبراموف» سُجن لأنه خالف القوانين الأمريكية في لعبة الضغوط المشروعة تمامًا، أي أنه يحاكم لأنه ارتكب «فاولا» أثناء اللعب، وليس لأنه لعب، وبسبب هذه النظرة الواسعة أقول إن فيلم «دائرة الفساد» والعنوان التجاري موفق جدا هذه المرة - أفضل وأنضج وأعمق وأذكي من «وول ستريت 2» الذي يعيد ويزيد في داء الجشع، والذي ينتهي نهاية شديدة السذاجة والتفاؤل.

نجاح سيناريو دائرة الفساد متعدد الحلقات، هناك أولا براعة رسم شخصية «جاك ابراموف» الذي ينتمي للمحافظين الجدد اليمينيين والذي يضفي علي جشعه تفسيرا دينيا طوال الوقت، فالله منحنا الاختيار إما أن نقبل الحياة كما هي أو نغيرها كما نريد نحن أن تكون، والله علي حد تعبيره يريد سيولة البشر، وتستدعي زوجته «بام» علي الفور فكرة العجل الذهبي الذي عبده بنو إسرائيل، وأمر الله «موسي» بإحراقه واسالته من جديد، «جاك» يهودي متدين لا يخلع «الكيباه» أو الطاقية الصغيرة، وهو أيضا مؤمن بالعائلة «لدية خمسة أبناء»، مخلص تماما لزوجته، ومخلص لثقافته اليهودية لدرجة أنه سينشيء مدرسة أطلق عليها اسم «اشكول»، وربما مخلص للصهيونية حيث سنعرف قرب النهاية أنه إبرم صفقة لبيع أسلحة لشخص إسرائيلي للتصدي لهجمات حركة «حماس».

وهناك ثانيا: البراعة في رسم شخصيات المحيطين به خاصة مساعده «مايكل سكانلين» «باري بيبر» وهو شخص يعشق النساء والثراء ويشتري لصديقته «اميلي ميللر» منزلا ضخما وعملاقا، وعندما يقبض عليه يبيع صديقه ويعترف فورا فيتم الافراج عنه بكفالة مما يجعل «جاك» يردد مقولة «هاري ترومان»: إذا أردت أن تحصل علي صديق في واشنطن فمن الأفضل أن تشتري كلبا، وهناك شخصية آدم كيدان التي جسدها ببراعة مدهشة «جون لوفيتز» المحامي المشبوه وثيق الصلة بالمافيا الذي يبدو أقرب إلي الفتوات منه إلي الأشخاص المحترمين.

ومن نجاحات السيناريو أيضا الإشارة إلي خلل النظام السياسي ممثلا في فكرة جماعات الضغط المعترف بها، وممثلا أيضا في فساد رجال الكونجرس لاعتمادهم علي التبرعات في حملاتهم، وقدم الفيلم صورة بشعة انتهازية لزعيم الأغلبية الجمهورية «توم دلاي» الذي قبل التبرعات ثم تخلي عن «ابراموف» ومن دلائل الخلل أيضا أن اكتشاف انحرافات «ابراموف» وعصابته جاء بسبب إبلاغ صديقة «مايكل» عنه لأنها اكتشفت خيانته لها، وبسبب سواء تصرف «آدم» الذي تسبب في مقتل صاحب الكازينو الشهير الذي اشتراه «ابراموف» من الباطن، صحيح أن الكونجرس يشكل لجنة لمحاكمة «ابراموف» وصحيح أن الصحافة تقوم بدورها ولكن «جاك» يفضح الجميع ويتهمهم بالغش والنفاق والتدليس، بل أنه يقول في أحد ا لمشاهد أن واشنطن هي نفسها هوليود ولكن مع رجال أكثر قبحا.

ومن أذكي ما فعله السيناريو أن بناء الفيلم بأكمله أقرب إلي اللعبة أو المغامرة، وكأن كل هذه الملايين التي يتم ابتزازها تحت اسم الضغط علي رجال الكونجرس ليتجاوز القبيلة من الهنود الحمر لبناء كازينو عملاق مجرد لعبة بلاي ستيشن، البناء كله مثل روبرتاج سريع لاهث، أو كأنه أحد أفلام هوليود عن رجال المافيا، والمعروف أن «ابراموف» من عشاق السينما، كما انتج فيلمين بطولة «دولف لند جرين» أما عن العناصر الفنية فلن أندهش علي الاطلاق إذا رُشح «كيفن سباسي» عن دوره في الفيلم لأوسكا أفضل ممثل، كما لن اندهش لو رشح البارع «جون لوفيتر» لأوسكار أفضل ممثل مساعد عن دور «آدم» الغبي الشره الأحمق، لقد اختار المخرج «جورج هكينلووبر» ايقاعاً سريعاً ومونتاجاً معبراً يمزج بين الأحداث يقدم دلالات ساخرة كأن يمتدح أحد رجال الكونجرس «نزاهة آدم» فيقطع عليه وهو يتلقي الضربات من صاحب الكازينو الذي تعرض للخداع، وكأنه يقطع من أسرة «جاك» وهي تشاهد منزلها الضخم الجديد إلي «مايكل» مع صديقته وهي تشاهد المنزل الذي اشتراه لها، كانت هناك أيضاً تكوينات رائعة مثل مساحة ملعب الجولف الخضراء التي تحتل معظم الكادر في حين يساوم «جاك» زعيم قبيلة الهنود الحمر علي المبلغ المطلوب، ومساحة اللون الأسود التي تحتل معظم الكادر أثناء استجواب «جاك» أمام الكونجرس، لاحظت أيضاً استخدام بعض اللقطات بالأبيض والأسود التي تكسر حد العالم الملون الذي عاش فيه «جاك»، والذي سينتهي بالسجن.

دخل «جاك ابراموف» السجن، ورفع «جورج بوش» الابن صديقه التماسه بتخفيف العقوبة عنه، وينتهي الفيلم بتعهده أن يكون عدواً للجمهوريين عند خروجه بعد أن رأيناه في صور متعددة مع «رونالد ريجان» و«أولفرنورث» بطل فضيحة إيران كونترا» ولكن خطورة الفيلم القوي أنه قال بوضوح أن «ابراموف» لن يكون الأخير، وأن المشكلة ليست في وجود الجشع الإنساني وحده، ولكنها أيضاً في وجود المناخ. والثغرات التي تجعله قادراً علي تحقيق أهدافه.

روز اليوسف اليومية في

07/11/2010

 

إمام وهنيدي وسعد يحولون منتجي الدراما إلي متفرجين

كتب ريهام حسنين 

حالة من الترقب وجس النبض ينتظرها عدد من منتجي الدراما هذا العام خاصة بعد الإعلان عن دخول نجوم من الوزن الثقيل مجال الدراما استعدادا لرمضان 2011 وفي مقدمتهم عادل إمام بالإضافة إلي محمد سعد ومحمد هنيدي، حيث سيخوض عادل إمام المنافسة في رمضان المقبل بمسلسل «فرقة ناجي عطا الله» وحصل علي أجر قدره 25 مليون جنيه بالإضافة إلي أن ميزانية العمل تتجاوز الـ50 مليون جنيه وسوف تقوم شركة سينرجي بجانب قطاع الانتاج بإنتاج العمل أما محمد سعد فقد اتفق مع شركة فيردي علي إنتاج مسلسل «ألف لمبي ولمبي» ويشاركه البطولة سيرين عبدالنور وتأليف سامح سر الختم وإخراج وائل إحسان.

وقد حصل سعد علي أجر قدره 15 مليون جنيه، أما ميزانية العمل فتتجاوز الـ30 مليون جنيه بجانب مسلسل «مستر رمضان مبروك أبوالعلمين حمودة» تأليف يوسف معاطي وبطولة محمد هنيدي الذي حصل علي أجر 15 مليون جنيه وميزانية العمل 30 مليون جنيه، هذه الأجور المبالغ فيها وضع عددًا من منتجي الدراما والذين لهم باع طويلة في هذا المجال أمام ثلاثة حلول فقط إما الاستسلام واللحاق بقطار النجوم والتعاقد معهم بأعلي الأسعار أو مع أنصاف النجوم أو عدم الدخول في المنافسة من الأساس والوقوف بجانب المشاهد لرؤية ماذا سيسفر عنه هذا العام!

فمن المنتجين الذين قرروا عدم خوض المنافسة هذا العام المنتج «أحمد الجابري» الذي قرر أن يكون ضمن صفوف المتفرجين ليشاهد السوق من بعيد خاصة بعد أن واجهته العام الماضي أزمة التسويق في مسلسله «بيت الباشا» بطولة صلاح السعدني ومحمد عبدالحافظ الذي عرض علي قناة الحياة ولم يتم تسويقه حتي الآن لأية فضائيات أخري ولم يعوض هذه الخسائر سوي نجاح مسلسل «شيخ العرب همام» حيث يحاول حاليا تسويقه لعدد من الفضائيات، ويؤكد الجابري أنه يفضل عدم المشاركة بأي عمل لخوفه من الخسائر التي يمكن أن يتعرض لها، كما أن الأجور المبالغ فيها للنجوم جعلته مصراً علي موقفه. ونفس الأمر بالنسبة للمنتج إسماعيل كتكت الذي قرر عدم خوضه المنافسة ولكن بشكل مختلف حيث قرر كتكت هذا العام إنتاج أعمال خليجية ليبتعد عن منافسة المصرية وجاءت رغبة كتكت علي حد قوله بسبب الأجور المبالغ فيها للنجوم التي وصلت لحد 20 مليون جنيه، كما أنه هو الآخر يعاني من ويلات تسويق مسلسله «ملكة في المنفي» الذي لعبت بطولته نادية الجندي، حيث يعاني العمل من صعوبة في تسويقه ولم يعرض بعد رمضان سوي علي شاشة التليفزيون المصري.

أما المنتجون الذين قرروا المنافسة ولكن بعمل أو عملين علي الأكثر فمنهم المنتج «صادق الصباح» الذي كان ينتج في السابق أربعة وخمسة أعمال في العام كما حدث في رمضان 2009 عندما أنتج أربعة أعمال دفعة واحدة هي «ليالي» و«أيام الحب» و«أبو ضحكة جنان» و«راجل وست ستات» أما هذا العام فسيكتفي بعمل واحد فقط وهو «الشحرورة» بطولة كارول سماحة وتأليف فداء الشندويلي وإخراج أحمد شفيق وتم رصد ميزانية له قدرها 35 مليون جنيه ويؤكد الصباح عزوفه عن إنتاج أكثر من عمل بسبب أزمة التسويق التي طالت مسلسلاته العام الماضي ومنها مسلسل «قضية صفية».

كما قرر المنتج محمد شعبان خوض المنافسة هذا العام بعملين فقط هما «محمد علي» بطولة يحيي الفخراني و«سمارة» بطولة غادة عبد الرازق، فالعمل الأول ستتجاوز ميزانيته 70 مليون جنيه وقد حصل الفخراني علي أجر 15 مليون جنيه أما «سمارة» فقد حصلت غادة علي أجر 12 مليون جنيه.

وهناك جمال العدل الذي يبدو أنه سيكتفي هذا العام بعمل واحد فقط وهو «قطار الصعيد».

روز اليوسف اليومية في

07/11/2010

 

ثقافات / سينما

عودة إلى الفيلم الكلاسيكي: أن تكون أو لا تكون

حميد مشهداني من برشلونة

في صيف 1939، كانت الفرقة المسرحية تضع اللمسات الاخيرة لإنتاجها الأخير حول “هتلر” الذي كان يبتلع البلدان الأوربية، وقبل ليلة الافتتاح قررت الحكومة البولونية منع العرض، خشية من غضب “الفهرير” الذي كانت جيوشه على مشارف حدود “بولندا” مما أصاب أعضاء الفرقة المسرحية بالخيبة، أولا ثم الغضب ثانيا، ولكنهم كي يواصلوا النشاط، أضطروا العودة الى تقديم مسرحية “هاملت” التى كان قد انتهى موسمها، فتعود الرتابة ايضا، وكل يوم أثناء العرض، وحينما بطل المسرحية “جوزيف تورا” يقول تلك الجملة “الشيكسبيرية” المشهورة "تكون أو لاتكون" (To be or not to be / عام 1942) كان أحد المشاهدين من ضباط القوة الجوية البولونية قد نهض من مقعده في المسرح واتجه صوب غرفة بطلة المسرحية الثانية، وهي زوجة الممثل الرئيسي “ماريا تورا” معبرا لها حبه وعشقه، وهذا كان يرتبك قبل نطقه الجملة المشهورة كل ليلة، وهذا كان يثير شكوك الزوج في نوايا هذا الطيار.

 وفي ليلة عرض بينما كان مع زوجة الممثل، يصل خبر احتلال “هتلر” لبولونيا مما يضطره المغادرة مسرعا ليلتحق الى وحدته العسكرية، لينتهي بعد الاحتلال الكامل لبلده ينتهي في فرقة عسكرية مركزها “لندن” وأحد أساتذة هذه الوحدة كان جاسوس لـ”الغستابو” منظمة هتلر المخابرتية الرهيبة، أعلن انه سيسافر الى وارشو، وكأنه لم يرد أخذ العديد من الرسائل من هؤلاء الى عوائلهم واصدقائهم، للتعرف على عناصر المقاومة ضد الاحتلال الالماني، والقبض عليهم وهذا الضابط أكتفى برسالة بريئة الى سيدة أحلامه، وحبه الافلاطوني، ولكن هذا الطيار شعر بالشك من سلوك أستاذه المسافر، وبلّغ شكوكه هذه الى القيادة البريطانية التي بدورها سارعت في رسم خطة خيالية لمنع هذا الجاسوس من الوصول الى مقر الغستابو حاملا كل هذه الاسماء والعنوانين التي كانت تمثل مواقع المقاومة ضد النازية، وهذا الطيار يلقى في “باراشوت” على اراضي بولونيا ليصل قبل “الجاسوس” ويحاول منعه، أو عرقلة مهمته في تقديم تقاريره الخطيرة لمخابرات “الغستابو” المخيفة.

هنا تتشابك الامور، وتختلط الادوار، ويمتزج العمل السينمائي والمسرحى، ويصل الى سمو لايضاهى في الاداء، والتقنية، فكلمة السر البريئة من الطيار الى معبودته، وهي “تكون او لاتكون”

أعتبرها الجاسوس مفتاحا لاختراق كل ابواب المقاومة ضد الاحتلال. التي بسببها تتورط الفرقة المسرحية وممثليها بمغامرات عجيبة ومهمات مستحيلة لاصطياد هذا الجاسوس، ومنعه من الوصول الى مقر الغستابو وتقديم تقريره مستخدمين خبرتهم وتجربتهم كممثلين مسرحيين، وهنا يخلد المخرج “أرنيست لوبيتش” دور الممثل المسرحي الذي كان على مدى العصور قلقا اتجاه الحقوق الاجتماعية، نحن في العراق شاهدين على هذا،. ف”يتنكر”هؤلاء بأزياء عسكر الغستابو، مستخدمين “الاكسيسوار” التي كانوا قد تجهزوا بها أثناء “البروفات”على المسرحية التي كانوا على وشك تقديمها، والتي منعت من قبل الحكومة البولونية في اللحظة الاخيرة، وهنا يعكس المخرج الحياة الداخلية والخاصة للفرقة المسرحية، أو اي فرقة، حيث الهموم اليومية، والامتعاض بعضهم من تمثيلم أدوارا ثانوية وبسيط بشكل دائم، وهو هنا يعطي هؤلاء فرصة الكشف عن مواهبهم الحقيقية، وحبهم العمل المسرحي في كل جزء منه، ولكن هنا عليهم ان يؤدوا ادوارهم لاعلى خشبة مسرح ولا في قاعة مسرح، فعلم الاداء في ظروف خطيرة ومعقدة، في بلد محتل، لذالك يجعل من ممثل الادوار البسيطة والثانوية الابدي يقوم بدور “هتلر” وهذا يؤديه بجدارة لان كان يخلم أن يؤدي دورا رئيسيا في اي مسرحية، وحتى جنرالات الزعيم النازي لم يشكوا في أمره.

الفلم الذي عرض في 1942 لم يلق حظا من قبل النقاد السينمائيين الذين كانوا وما زال معظمهم كتابا في السينما من الدرجة الثالثة، اذا استثنينا قليلا منهم، فهم أشتهروا بتسطحهم في النقد السينمائي وسردهم الركيك مستندين على “عكازات” أعتدنا عليها فيخترعون جملا جاهزة، ومفردات فيها من الغموض الرديء الى الكلمات التي لامعنى لها، وكأنهم يكتبون لانفسهم، لاحقا سأعود الى موضوع “النقاد” في هذا المقال.

الفلم الذي أخرجه “أرنست لوبيتش” وكتب السيناريو بالتعاون مع “الكسندر كوردا” فيه من التعقيد، والتشابك والخلط مثل ابواب المخرج “المتاهية” والوهمية التي اعتاد عليها في معظم كوميدياته السينمائية، ولكن هذا التعقيد في السيناريو يرتاح في الشريط السينمائي بذكاء مدهش، وهناك من يقول ان المخرج “بيلي وايلدر” ساهم بطريقة أو بأخرى في صياغته، ففي العديد من المشاهد تلاحظ لمسات “وايلدر” سيد الكوميدية السوداء التي لامثيل لها، والقليل من النقاد “الجديين” يعتبرون فلم “تكون أو لاتكون” من أروع وأجمل أعمال “لوبيتش” السينمائية،

اما الممثلون، بدءا من “كارول لومبارد” التي توفيت بحادث طائرة بعد شهرين من عرض الفلم، و”جاك بيني” لعبوا اجمل ادوارهم على الاطلاق، كما يتفق الان على هذا العديد من مؤرخي السينما. أمام مشهد مسرحي _ سينمائي فريد في التأريخ، فبينما يعالج الفلم فترة من مراحل الحرب المأساوية، كان يطرح في ذات الوقت مشاكل وهموم الممثلين، والجدل الطبيعي حول ادوارهم المسرحية، وامتعاضهم من عدم منحهم فرصة القيام وتمثيل شخصيات رئيسية، فهم دائما شبه ثانويين وأحيانا لاينطقون ولو جملة واحدة، في الفلم يضعهم “لوبيشيك” في القمة، فالذي يلعب دور “هتلر” كان يشكو أبدية شخصياته، كحارس، أو بواب وربما يتفوه بكلمة أو كلمتين في كل عمل مسرحي، الى أن ياتي دور حياته المسرحية، فيناط اليه تمثيل دور “الفيهرير” ليس على المسرح، وأنما في خضم الحرب والاحتلال، وينجح في أدائه بطريقة لم يكن ليتصورها هو نفسه.

اما “جاك بيني” فتقع على عاتقه المهمة العظمى وهي قيامه بدور قائد “الغستابو” لينتهي مؤديا دور الجاسوس الذي يضطر أعضاء الفرقة قتله على خشبة المسرح بعد اكتشافه الخدعة المسرحية، ومحاولته اختراقهم بسلاحه، ”جوزيف تورا” وهو يتحرك وسط اعلى مستويات العسكريين النازيين، لم يكن يستطيع اخفاء امتعاضه جهل هؤلاء به وبشهرته وهو كان يعتبر نفسه “ممثل” بولونيا الاول في المسرح، وهو الزوج المخدوع، مخاطرا بحياته، لانقاذ ما تبقى من دوره في “هاملت” المسرحية التي كانت سبب تعاسته، فكل موضوع الفلم يدور حول هذه الجملة “الشكسبيرية” التأريخية، ”تكون او لا تكون” والذي يدخل أيضا في معمعة الحياة الداخلية لفرقة مسرحية بين النقاش والحسد، والنمنمة بين أعضائها تحت أشراف مخرجها المتزمت، كي نرى عالم المسرح من كل جوانبه، على الخشبة، وفي الكواليس، وفي القاعة وخارجها.

نقاد السينما

الفلم “تكون أو لاتكون” يعتبر من جواهر تأريخ السينما في “الكوميديا السوداء” بدءا من السيناريو، الى الاخراج، الى الاداء الرائع لكل الممثلين. في عام 1942 كانت الحرب العالمية الثانية في أقسى مراحلها، حينما عرض الفلم، والعديد من النقاد السينمائيين لم يعطوا حتى صفرا في تقييمهم للفلم لاعتبارات أيديولوجية، لان الحرب في أوروبا لم تكن شأنهم على الاطلاق، والولايات المتحدة الاميركية لم تكن طرفا في هذا النزاع، وهذا ما يحدث الان عند العديد من “نقاد” السينما العرب، حيث معظمهم يبدأ بقياس الوزن الايديولوجي لاي فلم قبل تقييم العناصر الاخرى، مثل الاخراج، والانتاج والاداء وصياغة السيناريو، وهذا ثقيل على مشاهد السينما، أحاول قراءتهم دائما ودائما اجدني في نفس المطبة السهلة في الكتابة عن السينما التي اعتادها معظم “النقاد“ العرب مما يثير الحزن، وبسرعة انتهي قارئا شيئا اخر، وأحيانا اقل أهمية. لانني أول ما الاحظ في “نقدهم” هو الاصطفاف، الفكري والديني، والاثني ايضا، في التقييم قبل الاعتبارات الاخرى المتعلقة بفن وصناعة السينما، وكأنما مشتغليها مجندون ومطبلون لعقائد، وديانات، وسياسيات معينة، بالتأكيد هذا موجود فعلا في العديد من الافلام الدعائية، ولكن ليس بهذه الكثرة التي جعلت “نقادنا” قوامين على شرف الامة العربية، والتي قادتهم الى السطحية الباهتة في فهم العمل السينمائي المعقد جدا في الكثير من الاحيان، والذي خلفه المئات من الفنانين، والتكنيكيين، و ذوي الحرف، اذا أستثنينا المخرجين وكتاب السيناريو.

ومعظم “نقادنا” العرب والذين اكن لبعضهم كل الاحترام، هم من هذا النوع “المسطف” سياسيا ودينيا، وفقر كتاباتهم دليلا على ذالك. اوصي القراء ان يختاروا اي “ناقد” في اي صحيفة، أو في أي مجال أعلامي ليشهدوا على ما اقول، فصار النقد السينمائي في الصحف العربية بين “شعيط ومعيط وجرار الخيط “ كما يقول المثل البغدادي. فحين عرض الفلم في تلك السنوات العنيفة لم تكن أميركا طرفا في الحرب العالمية كما ذكرت سابقا، وجانب كبير من المجتمع الاميركي كان متعاطفا مع “هتلر” وفي العداء للسامية لان “لوبيتش” كان يهوديا، ”برليني” المولد لذالك أتهمه “النقاد” الفاشلون بضحالة فلمه، وأتهموه بالاعتداء على “شيكسبير” في استخدامه عنوانا لاروع مسرحياته، وبعضهم سماه فلما “سخيفا” رغم ترشيحه لجوائز الاوسكار. من ناحية أخرى، اعترف بعض من هؤلاء “النقاد"، بعد سنوات عديدة، بغبائهم في فهم هذا الابداع الرائع، خصوصا بعدما صنف هذا الفلم تراثا ثقافيا وحفظت نسخته الاصلية في مكتبة الكونغرس الاميركية، وأيضا في مكتب التسجيل الوطني للافلام، وفي معهد السينما الاميركي.

أقول هذا لان “النقاد” السينمائيين العرب معظمهم لم يمسحوا ولم يضيفوا شيئا في مسار صناعة السينما، لا العربية، ولا العالمية.

أخيرا أود الاشارة الى أنني لم ار الفلم الا بعد عام 1980 لانه كان ممنوعا في اسبانيا بقرار من “فرانكو” وهذا الاسبوع شاهدته أكثر من 10 مرات ومازال يثير في نوعا من المشاعر المتناقضة بين الضحك والبكاء.

إيلاف في

07/11/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)