حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خمسة عقود على أفلام العمالقة (الأخيرة)

ستينات السينما: إبداعات فنية وأبعاد سياسية في كل اتجاه

محمد رُضا

على جانبي السينما

لم تكن الستينات  طيراناً بجانح واحد. صحيح أن تلك التيارات السينمائية  التي ذكرتها في الحلقة السابقة  كانت فاعلة، لكن كذلك السينما السائدة التي تجاوبت وكانت تمنح المخرجين حريّات لم تمنحها، في الخمسينات وما قبل،  إلا لمن أثبت جدارته تجارياً وفي مناسبات ضيّقة. حتى هيتشكوك كان قبل "سايكو" محكوماً بقبضة المنتج ديفيد أو. سلزنيك.  

في العام 1962  أنجز ديفيد لين أحد أكبر أفلامه"لورنس العرب" وهو تابع خطّه من الإنتاجات الكبيرة حتى منتصف الثمانينات حين أخرج "ممر الى الهند"  (1984) مروراً بـ "دكتور جيفاكو" (1965) و(أفضلها) "إبنة رايان" (1970)0

في هوليوود كان جون فورد، هوارد هوكس، هنري هاثاواي، روبرت ألدريتش (مارس ألواناً أسلوبية مختلفة وأخفق حين حاول بزّ هيتشكوك)، فرد زينمان، جون هيوستن، بيلي وايلدر، وليام وايلر، انطوني مان، ستانلي كرامر، روبرت وايز، دونالد سيغَل وآخرون كثيرون لا زالوا يعملون في تلك الحقبة جنباً الى جنب كل الجيل الذي بدأ خطواته في ذلك العقد او قبل أعوام قليلة جدّاً منه، ومنهم  روبرت ألتمن، جون كازافيتيز، سيدني لوميت، سيدني بولاك، جون فرنكنهايمر،  سام بكنباه، آرثر بن، روبرت موليغن، ألان ج. باكولا، رالف نلسون، هال أشبي، فرنسيس فورد كوبولا، مارتن سكورسيزي والعديد جداً سواهم0

في إطار السينما الأميركية كان المجال متّسعاً للتقليد الجيد وللإبداع الجيّد  وكان هناك الأفلام الرديئة في الجانبين لكن لم يكن لهؤلاء السينمائيين الأفذاذ دخل فيه.  هذا الامتزاج لم يلغ المصادر السياسية التي تعبّر عنها الأفلام: المحافظون لهم سينماتهم الجيّدة، والليبراليين لهم سينماتهم الجيّدة. والمعركة بين الطرفين كانت للمرة الأولى والأخيرة (مع نهاية السبعينات) متعادلة وبالغة الثراء0

 معظم النقاد العرب كانوا كسالي في ذلك الحين حيال فهم الصورة الحقيقية لما تعنيه تلك الفترة. فمن كان على عداء مستحكم مع هوليوود بناءاً على معطيات أن كل شيء أميركي معاد، وأن الأمر الواحد (أيا كان) إما أبيض تماماً او أسود تماماً والى الأبد، لم يعترفوا مطلقاً تقريباً بالمتغيّرات الحاصلة. استمر هيتشكوك مخرج أفلام رعب (ولا شيء آخر) واستمر سام بكنباه مخرج أفلام عنف وكلينت ايستوود حين أطل، لم يكن سوى يمينياً محافظاً يحل المشاكل بيدين متعسّفتين0

هذا الموقف منسوج من خيوط أوروبية على نحو عام. فقط أولئك الذين كانوا يحبّون السينما للغتها ولذاتها ولتقنيّاتها وأساليبها وليس لمصادرها استطاعوا الوقوع في حب ستانلي كوبريك باكراً وأفلام  مايكل أنجلو أنطونيوني في وقت واحد، او أفلام انطوني مان (الذي عبّر عن الغرب الأميركي أفضل من تعبير جون فورد  في عدد من أهم أعماله) وأكيرا كوروساوا او إنغمار برغمَن0

كل هؤلاء وغيرهم

على ذكر هؤلاء اليابانيين والأوروبيين لابد من القول أن كل ما هو مطلوب اليوم للشعور بالهلع حيال الفوضى الفنية المنتشرة بين العديدين من المهتمّين ومن حمل رايات النقد من دون علم او تخصص او معرفة في السنوات الأخيرة هو قراءة أسماء المخرجين الذين كانوا يعملون في السينمات الأوروبية واليابانية واللاتينية في ذلك الحين، ومقارنتها (خارج إطار هذا المقال) بالحفنات المتفرقة الموجودة في تلك الدول وسواها اليوم. ليس أن العدد الكلي اليوم لا يصل الى ما كان عليه العدد الكلي قبل خمسة عقود، وبل كذلك القيمة الفنية لما كان ممارساً وما وصلت اليه الممارسة اليوم0

أنا، كمن يقف على نصب تذكاري مليء بأسماء الضحايا. تلاحق عيناي أسماء لم يعد معظمها موجود معنا، ومن هو موجود معظمه لا يعمل. القائمة لن تكون شاملة ووافية، لأنني بعد حين سأقرر أنه عوض الاستمرار في الكتابة، عليّ أن ألجأ إلى محراب من جديد كل منهم استزيد وأعاود عصر أيام الأمس الجميلة.

ساتياجيت راي (الهند)، صلاح أبوسيف (مصر)، توفيق صالح (مصر)،  فديريكو فيلليني (ايطاليا)، مايكل أنجلوأنطونيوني (ايطاليا)، ألان رينيه (فرنسا)، جاك تاتي (فرنسا)، جان كوكتو (فرنسا)، جان- بيير ملفيل (أبو السينما الجديدة بأسرها- فرنسا)، غريغوري شوخراي (روسيا)، لاريسا شوبتكو (روسيا)، لوي مال (فرنسا)، لوي بونويل (اسبانيا)، إنغمار برغمن (السويد) يان ترول (السويد)، ايف بواسيه (فرنسا)، ألان تانر (سويسرا)، أورماني أولمي (ايطاليا)، ياسوجيرو أوزو (اليابان)، ميغويل ليتين (تشيلي)، أندريه تاركوفسيكي (روسيا)، بيير باولو بازوليني (ايطاليا)، ( كارول ريد (بريطانيا) سيرغي بارادجانوف (الإتحاد السو?ييتي)، كونراد وولف (المانيا الشرقية)، توماس غويتريز أليا (كوبا)  وأضعاف ذلك من مبدعين تفاوتت شهرتهم ولم تتفاوت عطاءاتهم0

هل يمكن لهذه الفترة أن تعود بعد حين قريب او بعيد؟

لأسباب تتعلّق بالحاضر السياسي والثقافي والوسائط التقنية المختلفة التي نتداول عبرها شيء  قريب من الثقافة، فإن هذه العودة مستحيلة. تبقى العودة على طريقة كريستوفر نولان. أغمض عيناك واحلم أنك هناك. هذا ما أفعله كل يوم وكل ليلة0

المصرية في

31/10/2010

 

لوك بيسون... مخرج غريب الأطوار

لارس أولاف بيير 

يباشر المخرج الفرنسي لوك بيسون، أغنى صانعي الأفلام الأوروبيّين الذي حققت أعماله نجاحات عالميّة من بينها The Fifth Element، في بناء أحد أكبر استوديوهات الأفلام في أوروبا، وذلك في ضواحي مدينة باريس في فرنسا.

يقف بيسون وسط موقع البناء على أرض جرداء فتتطاير ذرات الرمل الى وجهه، وتلوح في الأفق آثار مصنع لا تزال عواميد الأساس فحسب صامدة فيه. يلقي بيسون نظرة حوله ولوهلة يخيَّل إليك، بسترته السوداء المصنوعة من الجلد وخوذته البيضاء الواقية وجزمته المطاطية زيتيّة اللون، كأنه آخر رجل على وجه الأرض.

يقول بيسون البالغ 51 سنة: «صوّرنا أفلاماً عدّة في هذا الموقع خلال السنين المنصرمة، فقد وجدنا صوراً كثيرة هنا، معظمها كان صور دمار». أما الآن فينوي بناء مدينة الفيلم (Cité du Cinéma) في موقع محطة طاقة سابقة في مدينة سان دونيس، في ضاحية باريس الشمالية.

إذاً، بيسون في صدد تشييد أكبر استوديو في فرنسا، على مساحة 60 ألف متر مربّع. ستتضّمن المنشآت تسعة مواقع تصوير، مدرسة للفن السينمائي ومسرحاً يضمّ 450 مقعداً ومقهى يسع لألف شخص. تؤمن مجموعة من المستثمرين بمن فيهم: مصرف وشركة عقارية وشركة بناء وبيسون نفسه، مبلغ 216 مليون دولار لتمويل هذا المشروع.

«المخيّلة كالعضل»

يقول بيسون: «نقف الآن وسط مبنى يملأه النور، كأنه جادة يمكنك التنزّه فيها، أترى ذلك؟ لكن ما تراه مساحةٌ فارغة وبعض البنائين. لكن بيسون تصوّر في قرارة نفسه المبنى مشيّداً بكامله، يضيف: «المخيّلة كالعضل، عليك أن تمرّنها باستمرار وعلى مدار الساعة، فتصبح قادراً على الإبداع من لا شيء».

على مدى سنوات، لم ينجح إلا القليل من صانعي الأفلام في ابتكار أكثر من عالم. أما بيسون فأخرج 13 فيلماً بما فيها The Big Blue عام 1988 وفيلم الخيال العلمي The Fifth Element عام 1997. كذلك، ألّف أو شارك في كتابة حوالى 40 نصاً لأفلام سينمائية وأنتج ما يقارب المئة فيلم. وقد افتُتح في ألمانيا أخيراً، المشروع الذي أخرجه حديثاً وهو مستوحى من سسلسة هزليّة تحمل اسمThe Extraordinary Adventures of Adèle Blanc-Sec.

رُزق بيسون من ثلاث نساء بأربع بنات وصبيّ، ولعلّ هذا ما دفعه بصورة جزئيّة الى تأليف Arthur، سلسلة كتب مخصّصة للأطفال، بيعت منها ثلاثة ملايين نسخة وسرعان ما تحوّلت الى سلسلة أفلام سينمائية. وسيُعرض الجزء الثالث منها في دور العرض الفرنسية راهنًا.

أعلنت صحيفة «لو موند» الفرنسية منذ سنوات عدّة أنّ بيسون «أمبراطور السينما الفرنسيّة». أما اليوم فبات أغنى المخرجين الأوروبيين، وكأنه يشيّد cité du cinema تكريماً لأعماله وليثني على نجاحاته.

يحبّ الجمهور في أفلام بيسون، مشاهد القتل المفرطة والمعارك المسلّحة والمطاردات، بالإضافة الى صورة الأبطال البريئين. يترك بيسون الساحة دائماً أمام النساء الجامحات سواء ظهرن في العصور الوسطى في فرنسا أو في البندقيّة الآن أو في نيويورك في المستقبل.

أماّ النخبة في مجال صناعة الأفلام في فرنسا التي تتناول الطعام في مطعم Fouquet الراقي في شارع الشانزليزيه فتعتبر أعمال بيسون كوجبات الطعام السريعة. طالما صنّفت هذه النخبة بيسون كشخص ينزع الى المادية غير مثقف تطاول على الفن السابع.

كان والدا بيسون معلّمي غطس وأمضيا سنوات من حياتهما يجولان في منطقة البحر المتوسّط مع ابنهما. يطلعنا بيسون على جزء من طفولته فيقول: «بدأت أكتب القصص حين كنت في الـ13 من العمر، حين بلغت العشرين، كنت قد كتبت ما يقارب الـ25 نصاً، صوّرت لاحقاً قسماً منها. وجدت في الكتابة ملاذاً من الواقع، أفضل بكثير من الانغماس بأمور سيئة أخرى كالكحول أو المخدرات. لعلّ هذه الأساليب كافة كالغطس وتصوير الأفلام خدمت غرضاً أساسياً فمنحتني حماسة واندفاعاً لا مثيل لهما».

يضيف بيسون: «لم يكن لديّ أصدقاء كثر حين كنت صغيراً، كنت أتنقّل مع والديّ من بلد الى آخر ولم أكن أملك ألعاباً حقيقيّة. كنت أجمع قطع الصخور والخشب لأصنع منها ألعاباً، وأطلق العنان لمخيّلتي. لو وُلدت في عائلة غنيّة، ما كنت لأبلغ هذه المرحلة المتقدّمة». يُظهر بيسون أنه كان في طفولته ولداً منبوذاً لم يرغب أحد في اللعب معه، ما دفعه الى ابتكار كلّ الألعاب بنفسه. بالتالي، معظم شخصيات أفلامه أفراد مرفوضون من المجتمع.

يروي Subway، أوّل فيلم ناجح لبيسون، قصّة أشخاص مشرّدين يعيشون في نفق تحت الأرض في باريس. يقع أحدهم وهو شاب أشقر من هواة حركة البانك (أي الذين يعيشون في الأحياء المتاخمة ويتميّزون بتسريحة شعرهم ولباسهم اللافت الذي يعكس رفضهم تقاليد المجتمع) يُدعى فريد (كريستوفر لامبير) في حبّ زوجة رجل غني تُدعى إيلينا (إيزابيل أدجاني). سرعان ما يجرّ فريد إيلينا الى عالمه، ويعيد بناء شخصيّتها فتتمرّد في النهاية على زوجها.

وكأنّ شخصيّة فريد العصري وغير الاجتماعي طبعت شخصيّة المخرج، فصبغ هذا الأخير شعره باللون الأشقر البراق وصار يصفّفه بطريقة غير مألوفة مع نتوءات شائكة حادة، وترك لحيته تنمو كثيراً قبل أن يتوّجه الى مهرجان «كان» السينمائي ليقابل كبار النجوم. كان يرتدي بذلة سوداء ويضع ربطة عنق على شكل فراشة شبيهة بثياب فريد في Subway. وجد بيسون صورة الحبيبة «إيلينا» في شخص الممثلة ميلا جوفوفيتش، فجعل منها نجمة أفلام ومعشوقته. حين ظهرا على البساط الأحمر في «كان» عام 1997، كانت ميلا ترتدي ثياباً من السلاسل المعدنيّة، فبدا الثنائي كشخصيتين من Subway.

الفتى المنبوذ

نشعر بأن بيسون يستمتع بدور الشخص المنبوذ من المجتمع. فاختار بناءCité du Cinéma في إقليم سين سان دوني الذي شهد اشتباكات دموية بين شباب والشرطة في خريف عام 2005. كان المخرج يستخدم هذا الموقع لتصوير أفلامه منذ الثمانينيّات وأصبح مندمجاً في مجتمعه.

يقول بيسون ضاحكاً: «لا شكّ في أنّ الكلّ يحلم باقتناء مكتب في شارع الشانزلزيه، أما أنا فقمت بالعكس». ما يعني أنه يتطلّع الى تلك اللحظة حين يضطر المصوّرون الفرنسيون الكبار والممولون الأميركيون الى قصد هذا المكان لتصوير مشاهد من أفلامهم ويخشون أن يلطّخ المراهقون هناك سياراتهم الفاخرة.

لا شكّ في أن بناء Cité du Cinéma أكبر مشروع يقوم به بيسون، ولعلّه أعنف معركة يخوضها. وقد وجد الرأسمالي الفرنسي الكبير هذا في عمدة سين سان دوني الشيوعي حليفاً مهماً له.

يضيف بيسون: «سأظلّ متمسكاً بهذا المشروع ولن أتراجع قبل أن أثبت للجميع، من سياسيين ومسؤولين في السلطات وأصحاب مصارف، أنني عازم على تحقيق حلمي وبناء هذا المركز للأفلام السينمائية الفرنسية».

يتطلّع بيسون الى بناء مصنع لجميع المعنيين بالأفلام السينمائية يختلف عن الاستوديوهات في فرنسا وفي الولايات المتحدة. في هذا الإطار، لا يرى بيسون نفسه كصانع الأفلام بل ككبير العمال القادر على مساعدة الجميع في إعداد أفلام تستقطب الجمهور.

يرى بيسون أن المشروع يسير بوتيرة بطيئة، يقول: «نحن في فرنسا، لا نأخذ القرارات هنا، بل نضيّع وقتنا في الجدل». يعتبر هذا المخرج البارز الإجراءات برمتّها كزحمة السير التي تعيق مسار مشروعه، مع أنه ينجح دائماً وهو يقود دراجته النارية من طراز هوندا في تجاوز السيارات، ويجد طرقاً مختصرة لتفادي الزحمة الخانقة. عندما تسأله: متى يصبح الاستوديو جاهزاً؟ يجيب ضاحكاً: «خلال أسبوعين».

الجريدة الكويتية في

31/10/2010

 

بطل Hereafter مات ديمون... لم تغيِّر الشهرة فيّ شيئاً

دونا فرايدكين 

يقول الممثّل مات ديمون الذي يربّي بناته الأربع، (وقد رُزق أخيرًا بالرابعة): «غيّرت ثلاثة حفاضات،  ثمّ دخلت الى غرفة إحدى بناتي وتأكدت من أنّ البطانية تكسوها جيداً... هذه هي الحياة، أجد أنها أفضل حياة قد يحظى بها المرء، إذ لا تشعر بحبّ أعمق من الذي تكنّه لأولادك».

متى كانت آخر مرّة نمت فيها ملء جفونك؟ يردّ ديمون هازئاً: «يا إلهي، لا أذكر ذلك حتى، يبدو الأمر بكامله مشوشاً، وكأنني لا أنام أبداً، أكون مسيقظاً دائماً، أغيّر حفاضات الأولاد...». حين يخيّم الليل، يمعن ديمون التفكير في مسائل مهمّة تشغل بال كثر منا: كالحياة والموت وضرورة الاستفادة من الحياة قدر الإمكان. يضيف ديمون البالغ 40 عاماً: «حين يُرزق الإنسان بولد، يتغيّر كلّ شيء في عينيه، فتغدو الأمور أعمق، تشعر وكأنك ترغب في تمضية غالبية الوقت مع أولادك».

يؤدي ديمون في فيلم Hereafter للمخرج كلينت إيستوود، دور «جورج» الذي يتخبّط في مشاعره المختلفة حول هدف حياته. فهو يملك موهبة هي لعنة ونعمة في الوقت نفسه، تكمن في القدرة على التواصل مع الأموات. بالنسبة الى جورج، تشكّل هذه الميزة النادرة عقبة أمام إقامة علاقات عاديّة. يذكر ديمون في هذا الإطار: «أسر قلبي هذا الإنسان الذي يعيش في وحدة موحشة، لا سيّما أنه لا يرغب في ذلك. تحثّ هذه الشخصيّة المرء على التفكير كثيراً، لم أثر هذا الموضوع مع كلينت إيستوود، لكننا نظرنا إليه بطريقة مماثلة».

بعد أن جمعهما الفيلم الدراميInvictus عام 2009، رغب إيستوود في التعاون مع ديمون ثانيةً. إذ يعمل كلّ منهما بطريقة حازمة تتّصف بالجديّة والبراعة. بالإضافة الى ذلك، تلائم شخصيّة ديمون دور «جورج»، الرجل المتواضع وغير المدّعي الذي تثقل كاهله قدراته الخارقة الى درجة أنه يتحاشى استخدامها.

يصف إيستوود ديمون قائلاً: «لا يشبه الممثّلين عموماً، فلا تشعر حين تقابله أنه نجم أفلام لامع، بل رجل عادي يغمره نوع من الأسى، وهو يؤدي أدواره في الأفلام بهذه الطريقة أيضاً، إذ يتعامل مع الشخصيّة بكثير من الواقعيّة والمصداقيّة».

على عكس شخصيّة جورج الذي يبحث عن معنى لحياته، تتمحور حياة ديمون حول أهداف أساسية واضحة: فهو يتطلّع مهنياً، الى إخراج الأفلام ولا يزال ينتظر الحصول على النص السينمائي المناسب، أمّا على الصعيد الشخصي، فهو والد متفانٍ الى أبعد الحدود في تربية أطفاله: أليكسيا البالغة 12 عاماً (وهي ابنة زوجته لوسي) وإيزابيلا ( أربع سنوات) وجيا (سنتان) بالإضافة الى المولودة الجديدة. وعلى الصعيد الإنساني، شارك في تأسيس Water.org، منظّمة غير منحازة تُعنى بتأمين المياه النظيفة وتطهير المياه في البلدان النامية. يصرّح ديمون: «تشغل بالي أمور كثيرة تحتلّ مرتبة مهمّة في حياتي».

يشير إيستوود الى «أنّ ما تراه في شخص ديمون هو ما تحصل عليه: رجل طيّب ويتمتّع بحس من الفكاهة، إنّه شخص عادي. إذا كنت تبحث عن ممثل ليؤدي دوراً عادياً، لا يمكن أن تطلب منه أن يكون شخصاً متكلّفاً، ينظر في المرآة باستمرار».

يذكر ديمون أنه يختار أدواره بتأنٍّ، فهو لا يقبل الأدوار بناء على ما تقتضيه مسيرته المهنيّة، بل وفق ما يمليه عليه قلبه.

يقول ديمون: «قرأت نصوصاً سينمائية عدة، بل الآلاف منها، وكتبت بنفسي نصوصاً سينمائية تشبه الى حدّ كبير طريقة إخراج كلينت إيستوود للأفلام، فهي تبدو ارتجاليّة تعتمد على الحدس، والتي تعكس خبرته الواسعة، فقد أمضى 60 عاماً في مجال إنتاج الأفلام. يمكنك إجراء حديث تحليلي عن فحوى نص سينمائي، لكن في نهاية اليوم إذا لم تشعر برابط شخصيّ تجاه نقطة ما، فلن تتحرّك مشاعرك. لذا، يجب أن يكون الاختيار شخصياً، لأنك لن تستطيع إرضاء الجميع».

لعلّ فيلم True Grit ، إخراج الأخوين ايثان وجويا كوين، الذي يفتتح في الصالات في شهر ديسمبر (كانون الأول)، أصدق مثال على ذلك. يقول ديمون: «وافقت على أداء هذا الدور في الحال، وقرأت النص من باب الشكليات فحسب».

يشرح المنتج سكوت رودين: «يؤدي ديمون دور رجل واثق بنفسه كثيراً وقح أخرق، يُقطع لسانه فيعجز عن الكلام بصورة صحيحة في النصف الثاني من الفيلم».

يبدو أن جدول أعمال ديمون حافل خلال الأشهر المقبلة، إذ سيمضي ثلاثة أسابيع في تصوير الفيلم المشوّقContagion لصديقه ستيفن سوديربيرغ، ثمّ يصوِّر فيلم We Bought a Zoo للمخرج كاميرون كرو في شهر يناير (كانون الثاني). فضلاً عن ذلك، يجد ديمون دائماً الوقت الضروري للقيام بالمشاريع التي يحبّها كثيراً كالوثائقيInside Job الذي يُعرض راهناً في صالات السينما. يسرد ديمون بنفسه المعطيات في هذا الوثائقي الذي يتطرّق الى الأزمة المالية التي هزّت العالم عام 2008.

تتحدّث إيميلي بلانت التي تؤدي دور حبيبة ديمون في فيلم The Adjustment Bureau الذي يُعرض عام 2011: «عندما تكون مع ديمون، يحاول قدر المستطاع تجنّب لفت الأنظار إليه، هو نجم أفلام بارع لكنه لا يحبّ أن يسمع أحد يقول ذلك».

يمازح ديمون المصوّرين الذي يأتون لأخذ صور له ويتحدّث معهم عن كرة القدم، ويربّت بلطف على بطن مذيعة حامل تجري مقابلة معه ويقترح عليها أسماء لطفلها. وقد جلس في حفلة خاصة  بـ Hereafter، محاطاً بزوجته وحماته وابنة زوجته.

تقول الممثلة هايلي ستينفيلد التي تشارك ديمون بطولة True Grit: «يعامل الجميع بطريقة متساوية». بدوره، يقول ديمون: «أعيش حياةً عاديّة، ولم تغيّر الشهرة فيّ شيئاً». إذ يعتبر أن الشهرة نتيجةً لعمله في مجال الأفلام.

هل شعر ديمون يوماً تجاه الشهرة كما يشعر جورج تجاه قدراته الخارقة بأنها تضع عائقاً أمام قيام أيّ رابط حقيقيّ مع الأشخاص؟ يجيب ديمون: «لم تشكّل الشهرة مشكلة في العلاقات الصادقة في حياتي، وأحمد الله على ذلك. بالنسبة الى كثر، لا يتّصف الموضوع بأهميّة كبيرة، في النهاية، إنّه رهن بالإطار الذي تلتقي فيه الأشخاص».

يجلس ديمون في المطعم الإيطالي حيث يتناول السلطة مع طبق معكرونة، قبالة النافذة، فلا أحد يزعجه أو يحدّق به، يضيف: «لو كان براد بيت يسير في الشارع الآن، لتصادمت السيارات بعضها ببعض. أنا حقاً محظوظ لأنني لست مضطراً الى التعامل مع وضع كهذا».

لا شكّ في أنّ زواج ديمون من امرأة غير مشهورة، تعرّف إليها في ميامي عام 2003، يساعده في تجنّب التعرّض لأضواء الشهرة. وقد تزوج عام 2005 في حفلة خاصة بسيطة. تعتبر إيميلي بلانت أن زواجه من لوسي أفضل ما قام به في حياته، وتضيف: «نمضي كثيراً من الوقت معهما وأولادهما، إنهم أسرة مرحة».

يتابع ديمون: «تشعر زوجتي ببعض الإرباك تجاه شهرتي، نحن مختلفان على هذا المستوى، نتمتّع بحياة رائعة في نيويورك، بحياة طبيعيّة، وكلّما شعرنا أننا أشخاص عاديون، كلّما عاملنا الجميع على هذا الأساس، نحسّ كأننا جزء من المجتمع وهذا ما نريده، طالما كناّ هكذا، لقد نشأ كلينا مع والدة عاملة».

بالنسبة الى ديمون، إيستوود مثال يحتذى به، فهو لا يرهق نفسه لترويج أفلامه. ويذكر أنه اتّصل بمكتب إنتاج إيستوود منذ بضع سنين ليعرب للمخرج عن رغبته في أداء دور فرانسوا بيينار، في فيلمInvictus (ترشحّ عنه لاحقاً لجائزة أوسكار)، وتوقّع أن يردّ إيستوود على المكالمة ويتناقش معه حول هذا الدور.

لكن مساعدة إيستوود قالت له «إن المخرج ذهب في عطلة الآن ولا يمكن الاتصال به. لكنه سيتّصل في وقت ما، وسننقل إليه رسالتك». يذكر ديمون أنه ردّ قائلاً: «رائع» ثم أقفل الخط وقال للوسي، زوجته: «لقد وجدت للتو الحياة التي أريد أن أعيشها».

الجريدة الكويتية في

31/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)