حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

الفيلم ليس سيرة ذاتية لها

سمير ذكرى: «حراس الصمت» محاولة لم تكتبها غادة السمان

دمشق - فؤاد مسعد

اختار المخرج السينمائي سمير ذكرى لفيلمه الجديد عنوان «حراس الصمت» ليحّمله بذلك دلالة ما يتناول عبره من قضايا وأفكار تمس عمق البيئة الشامية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من خلال قصة فتاة تعيش ضمن أسرتها الدمشقية إلا أن عادات وتقاليد المجتمع تكبلها وتحاول خنق موهبتها بينما هي تسعى بشغف لإقناع المحيطين بها بما تقدمه من إبداع في إشارة إلى شخصية الكاتبة السورية غادة السمان.

ويعتبر «حراس الصمت» الفيلم الروائي الطويل الخامس للمخرج سمير ذكرى وهو مأخوذ عن «الرواية المستحيلة ـ فسيفساء دمشقية» للكاتبة غادة السمان التي وصفت سيناريو العمل بالقول إنه «سيناريو ناجح وفيه تكثيف سينمائي أمين لروح نصي»، يؤدي شخصيات الفيلم نجلاء الخمري، نجاح حفيظ، مازن منى، الطفلة كارين قصوعة، مديحة كنيفاتي، جمال منير. وهو من إنتاج المؤسسة العامة للسينما في سوريا. ولإلقاء مزيد من الأضواء الكاشفة عن الفيلم كان لنا هذا اللقاء مع مخرجه.

·     صرحت غادة السمان قائلة «تلك الرواية ليست سيرتي الذاتية، ولكن فيها شيء مني» فإلى أي مدى ستكون السيرة الذاتية حاضرة في الفيلم؟

- العمل الفني الجيد يخرج من إيثار المبدع بشكل عام، ولكن هناك قول يعتبر أن كل عمل فني يحوي شيئاً من مؤلفه، وهي لا تريد أن يخضع الموضوع لمحاكمة سيرة ذاتية شخصية خاصة، وإنما أن يأخذ الموضوع عموميته، فالسيرة الذاتية ينبغي أن تلتقي مع العام، وهذا ما قامت به بامتياز الكاتبة غادة السمان. حتى أن هناك تفاصيل قد تكون متخيلة والتقت فيها مع العام فأضافت الى الخاص.

محاولة خامسة

·         هل يمكننا الحديث عن خطوط جديدة في الفيلم وخطوط أخرى تغيرت لتتناسب معه؟

- بالطبع فالبناء الدرامي خاص بالفيلم وغير موجود في الراوية، وكما قلت لغادة السمان بما أن الرواية مؤلفة من أربع محاولات للسرد ثم محاولة خامسة لم تُكتب، فيمكن اعتبار الفيلم المحاولة الخامسة التي لم تكتبها، ففيه روح الرواية بالكامل والشخصيات وفهم الكاتبة.

وللكاتبة حقها في الجنس الفني الذي تقدمه وهو الرواية، ولي حقي في الجنس الفني الذي أقدمه وهو الفيلم السينمائي، ولكل منهما أسلوبه في الكتابة، وغادة السمان هي من أعطت هذا الحكم، فبعد أن أرسلت إليها السيناريو عبّرت عن سرورها بما تضمنه من حلول سينمائية، حتى أنني عبر بعض النقاط ذهبت في الفيلم أبعد مما ذهبت هي إليها في الرواية.

الفتاة الكاتبة في الرواية لم تُعلن عن نفسها كاتبة لكنها في الفيلم أعلنت رغم المحرمات. وبعد أن انتصرت وأثبتت نفسها بدأت بإعلان قصصها تباعاً وهذا غير موجود في الرواية. وأرى أنه من الطبيعي عندما تنتقل من نوع الى آخر أن تطور العمل، علماً بأنه قليلة هي الأفكار الخاصة بي، إذ تتميز كتابة غادة السمان بفكر غني ويتطابق مع تفكيري فليس هناك حاجة الى أن أضيف، لا بل أعطتني في الرواية مشاهد تخدم التفكير المنفتح والحضاري والمستقبلي.

·         إلى أي مدى يمكننا القول ان الرواية هي البستان الخصب للسينما؟

- لقد عملت على فيلم «بقايا صور» للكاتب حنا مينه وأخرج الفيلم المخرج نبيل المال، كما قدمت «حادثة النصف متر» عن رواية صبري موسى، وفيلم «تراب الغرباء» عن رواية لفيصل خرتش، أما فيلم «الوقائع الغريبة» المأخوذ عن «الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبو النحس المتشائل» لإيميل حبيبي فكانت هناك أسباب إنتاجية وراء إيقاف هذا المشروع، كما جرى إيقاف إنتاج فيلم «الزورق» عن رواية حسن سامي يوسف.

وهناك مدرستان، المدرسة الأميركية التي يهمها الحتوتة من الرواية ومن ثم هي تقدم الفيلم الذي تريد، والمدرسة الأخرى التي تقول فلنأخذ الرواية لأنها قيمة بحد ذاتها وبالتالي ينبغي أن تكون مخلصاً في نقلها باللغة السينمائية المُعبّرة. كما قالت الكاتبة غادة السمان في شهادتها عن سيناريو «حراس الصمت» «كان المخرج أميناً لروح النص»، وقال صبري موسى عن «حادثة نصف متر» انني ذهبت بالفيلم بعيداً عن الرواية ولكني ذهبت عميقاً فيها، وبالنسبة إليّ فهذا ما أفضله في تناول الروايات أي أن أقدم قراءتي.

عقل كبير

·         ما ميزة أن تنهل من أدب كتبته امرأة؟ هل هناك اختلاف بين كاتب وكاتبة؟

- الكاتب الكبير سواء كان ذكراً أم أنثى هو ذو العقل الكبير، فليس هناك كاتب كبير متحيز أو ضيق الأفق أو غير متسامح إنسانياً. وبالتالي لم أشعر بأنني أقدم فيلما عن رواية لأنثى، وأرى أنه في داخل كل منا هناك جانب ذكوري وآخر أنثوي.

·         إلى أي مدى سنقرأ في فيلمك الجديد ما هو بين السطور؟

- في أي فيلم أو أي عمل أدبي إن لم تقرأ ما هو بين السطور فهو عمل غير جدير بالمتابعة، فالغموض هو واحد من أهم مواصفات الأدب والفن العالي المستوى وأعني بالغموض ما هو بين السطور تحديداً وليس اللاشيء أو الفراغ، فالغموض هو ما يخفي شيئاً ما، ودائماً هناك ما هو بين السطور ولكن ستُفاجأ أن (حراس الصمت) عمل معاصر جداً.

بيئة دمشقية

·         وصفت الكاتبة غادة السمان دمشق بأنها «عصيّة» فإلى أي درجة كانت عصية عليك؟

- الفيلم يتناول البيئة الدمشقية التي تعود إلى أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وهي مختلفة عن التزوير الذي يحصل في بعض الأعمال التلفزيونية لأن هذه الأعمال لا تمثّل البيئة الشامية بينما لدى الكاتبة غادة السمان البيئة الشامية موجودة بسلبياتها وإيجابياتها وحكمتها وعلاقاتها، وتؤدي في الفيلم الفنانة نجاح حفيظ دور الجدة وهي شخصية أساسية ومحورية تتمتع بالحكمة رغم أنها أميّة.

·     جنح ما قدّ.م في الدراما التلفزيونية من أعمال تندرج ضمن إطار البيئة الشامية إلى احد منحيين إما المنحى التقديسي للبيئة أو منحى جلد الذات. فكيف قدمت البيئة الشامية في «حراس الصمت»؟

- لا يمكن المقارنة بين الفيلم السينمائي وبين ما يُقدَّم من أعمال تلفزيونية، لأن النوع الفني المُقدَّم في «باب الحارة» مختلف تماماً فهو يُسمى «قص شعبي» فن الحكواتي وهو فن خارج الصراع وخارج مفهوم الدراما بمعناها العلمي، وبالتالي تطرح في المسلسل خطوط عريضة يتلقفها مُشاهد مُتعب جالس أمام الشاشة الصغيرة ليرى قصة شعبية وصراعا بين الخير والشر وعائلة متآلفة يغار بعضها على بعض وتجمع المال للفقير. ولكن الفيلم السينمائي لا يمكن أن يكون خارج الدراما، فالدراما هي فن إدارة الصراع. وفي «باب الحارة» تقديس ساذج للبيئة.

بطل شامي

·         كثيرون خاضوا غمار الأعمال التي تتناول البيئة فغرقوا في جماليات المكان وضاعت الفكرة.

- هذا يعود الى مستوى ثقافة هؤلاء (الكثيرون) وبأي وعي يتمتعون، وفي رأيي أن «باب الحارة» كرّس أموراً كان عليه أن يضع مسافة بينه وبينها كالذكورة المطلقة.

وأعتبر أن خير من قدم البيئة الشامية هو نهاد قلعي، فغوار الطوشة (الفنان دريد لحام) هو البطل الشامي بامتياز ولديه ذكاء كبير أما أبو عنتر (ناجي جبر) فخفيف الظل وهذه هي الروح الشامية.

القبس الكويتية في

06/10/2010

 

جدل متصاعد في دراسات عن لغة السينما

عصام الياسري 

أثارت إهتمامي الموضوعات التي نشرت في موقع حياة في السينما على الأنترنيت الذي يحرره الكاتب والناقد أمير العمري. وهي مجموعة دراسات شارك فيها نخبة من المتخصصين في حرفيات السينما من فنانين ونقاد، تتناول أصنافاً فكرية ونظرية وحرفية وما هو هامٍ ومفيد في أمور سينمائية متعددة الجوانب. وتأتي المشاركة بناءً على فكرة فتح حوار في حياة في السينما بين الأجيال حول مسألة طرحها السينمائي قيس الزبيدي على الناقد العمري، إستهلها بدراسة حول مصطلح اللغة السينمائية . وفي دعوته للنقاد والمنظرين المحترفين في مجال السينما للمشاركة في الحوار بهدف الإثراء والمعرفة وتبادل الآراء، كتب أمير العمري: (أنشر هنا هذه الدراسة النظرية القيمة التي كتبها الناقد والمنظر والمخرج السينمائي الصديق قيس الزبيدي خصيصا للنشر هنا آملا أن تفتح الباب أمام مناقشة جادة بين نخبة من النقاد العرب الذين أرسلت إليهم هذه الدراسة للتعقيب أو مناقشة ما مرد فيها من أفكار، لعلنا في ذلك نعمل على تجميع النقاد العرب حول قضية فكرية نقدية بدلا من الانغماس في تلك الصراعات الصغيرة المنتشرة في الساحة، وبعيدا أيضا عن الشللية القاتلة التي تبتعد بنا عن جوهر مهمتنا النقدية.. ونحن في انتظار وصول كتابات الزملاء الأفاضل لكي ننشرها تباعا).. لكن لم يشارك، حتى الان، للأسف إلا أربعة كتاب هم الناقد محمد رضا والناقد د. بدر الدين مصطفي والدكتور ناجي فوزي والكاتب أمين صالح فيما علمت بأن الأستاذ العمري قد وجه الدعوة لأكثر من عشرين ناقداً، تحمسوا للمساهمة في الحوار، إلا انهم لم يفعلوا. على هذا ستختتم الدراسات بتعقيب من قبل العمري، الذي كان يأمل في إصدار الحوارات العديدة في كتاب، ينشره لاحقاً.

يتناول الفنان قيس الزبيدي، الذي يتابع اهتمامه بنظرية السينما، إضافة الى عمله في المونتاج والإخراج. وكما نعتقد، فان مجموعة الآراء حول قضية لغة السينما، التي نشرت، هي ذات قيمة "نظرية وفكرية معاصرة" ، جديرة بالإهتمام كما أنها مثيرة للجدل. وفي مقدمته قبل أن يعرج إلى نصه "مقدمة نظرية أولى للنقاش" أشار الزبيدي إلى أن مفهوم مصطلح "لغة السينما" المتداول، هو مصطلح مُضلل ولا يمتلك رؤية واضحة، مستنداً في جوهر تنظيره إلى رأي للناقد عدنان مدانات في الفصل الثالث "إكلاشيهات المصطلح النقدي المضللة" من كتابه "ازمة السينما العربية" الذي انتشر في الادبيات العربية ـ قبل أكثر من نصف قرن ـ نتيجة لصدور كتاب مارسيل مارتين "اللغة السينمائية" وقاد الى استخدام المصطلح وانتشاره، ويعترف الناقد نفسه، بوقوعه في استخدام هذا المصطلح المُضلل، ومن ثم تراجعه عن استعماله، واستخدم بدله، بعدئذ، "وسائل التعبير السينمائية" رغم أن النقاد العرب، ما زالوا يستخدمونه حتى اليوم، دونما أي شعور بالحرج". لكنه أي الزبيدي أجاز أيضاً وفقاً لنظريته، دفع ثلاثة عناصر هامة "الأساليب Techniques و الوسائل Mittel و المناهج التعبيرية Ansatz Expressionismus" التي يؤثر بلاغة قوامها اللغوي فنياً، وجعلها لا ذات أهمية بالعلاقة مع ما يعرف بمصطلح "لغة السينما"، فيما يعتبر الكثيرون من العاملين في مجال السينما بأن هذه العناصر الثلاثة، هي عمود فن السينما، بمعنى أن أي وحدة منها تشكل لغة خاصة بالسينما، مؤثرة ومتواصلة، كما انها مجتمعة تشكل لغة السينما.. ويعود ليتحدث عن ما أورده المخرج الكبير صلاح أبو سيف: "علينا فهم السينما كلغة ذات ابجدية واضحة ومحددة، شأنها في ذلك شان جميع اللغات الحية كاللغة العربية وما تتضمنه من قواعد للنحو والصرف (...) وكلما اتقنا قواعد اللغة كلما استطعنا التعبير عن مرادنا بأبسط وأدق الألفاظ بحيث يفهم حديثنا كل من يستمع إليه. ونتيجة لذلك يرى إن اللغة السينمائية تتألف ابجديتها من ثمانية حروف: خمسة منها تخص الصورة وثلاثة تخص الصوت. ويسمي أبو سيف لطلابه هذه الحروف الخمسة كالتالي: الديكور والممثل والاكسسوار الثابت والمتحرك والاضاءة"

القضايا الجمالية 

وينطلق الزبيدي في مقدمته موضحاً: "في منتصف سنوات الستينيات حدث تحول كبير في طبيعة القضايا الجمالية واللغوية السينمائية التي خضعت للدراسة والتحليل من قبل منظرين جدد جاؤوا إلى حقل السينما من حقول معرفية أخرى مثل علم اللغة والبنيوية والسيميائية (سيميولوجي) أو علم نظام العلامات. وقد أغنت مثل هذه الأبحاث نظرية وجمالية السينما عبر عقد الصلة بين أصول وقواعد لغة الكلام وأصول وقواعد لغة السينما. وقد عرّفت السيميائية اللغة والفيلم باعتبارهما ينتميان، من جهة، إلى نظم الاتصال، ويختلفان، من جهة أخرى، في أن اللغة، أية لغة، تملك نظام لغة، أما الفيلم، الذي تجمعه مع اللغة أشياء كثيرة مشتركة، فليس له نظام لغة. ولعل هذه المقارنة توضح ما عناه كريستيان ميتز، حينما اعتبر الفيلم لسانا بدون لغة، أو حينما عقب على ذلك امبيرتو ايكو، وعد الفيلم بمنزلة كلام لا يستند على لغة".

من طرفنا نعود إلى معنى المصطلح "لغة السينما" في اللغة الألمانية "Filmsprache" أو أدق "Sprache des Films" الى (كرستيان ميتز) الذي يبين ـ تعريب كاتب المقال: إن الفيلم لا يعرف النحو، ومع ذلك، هناك بعض القواعد لاستخدام اللغة السينمائية. بناء الجملة في الفيلم يرتب هذه القواعد ويبين العلاقات بينهما. وبناء الجملة في الفيلم ليس محدد سلفاً، وإنما يتطور بشكل طبيعي، ويخضع لتنمية عضوية. ويضيف أيضاً: في النظم الخطية أو اللغة المحكية، يراعي بناء الجملة من حيث أوجه التركيب الخطي قواعد النحو، وفقاً لمبدأ دمج الكلمات معاً على شكل سلاسل. وفي الفيلم، قد يشمل بناء الجملة التراكيب المكانية. لذلك، يعتمد بناء الجملة في الفيلم تنموياً على كل من الزمان والمكان".

في مطالعته التنظيرية تناول الفنان قيس الزبيدي في أكثر من 6 صفحات A 4 مواضيع هامة تتعلق بمصطلح "لغة السينما"، خضعت للدراسة والتحليل والحقول المعرفية الأخرى مثل علم اللغة والبنيوية والسيميائية Semiotik (سيميولوجي) التي تقوم على التمييز بين الدال والمدلول، أو علم نظام العلامات "لعقد الصلة بين أصول وقواعد لغة الكلام وأصول وقواعد لغة السينما" وقد ساعده في ذلك خبرته الفنية وإطلاعه الواسع على المراجع والبحوث والمقالات الحرفية التي سبق له وإن إعتمدها في تأليف كتابيه التنظيريين "المرئي والمسموع في السينما" الذي صدر عام 2006 وكتابه "مونوغرافيات في تأريخ ونظرية صورة الفيلم" الصادر عام 2010 عن المؤسسة العامة للسينما في دمشق. وأورد الكثير من الأسماء والأمثلة والمراجع والنصوص، واستعمل أسلوباً سردياً ومعلوماتياً مشوقاً لقراءة الاشكالات الطارئة على فنون السينما ومحاولة التعريف بها.

وإستجابة لدعوة الناقد والكاتب أمير العمري التي جاء فيها أنشر هنا ورقة الناقد السينمائي الأستاذ محمد رضا في معرض التعليق على ما طرحه الأستاذ قيس الزبيدي فيما يتعلق بإشكالية "اللغة السينمائية"، هذا المصطلح الذي نسعي من خلال هذا الحوار بين نخبة من النقاد، إلى استجلائه واستبيانه وتحديد معناه ومغزاه، وليس من الضروري أن تكون مداخلات الأساتذة النقاد محصورة بالطبع في مجال التعقيب أو الرد، بل يمكن أن تأتي متحررة، تستمد أفكارها من وحي ما أثاره قيس الزبيدي، على أن تحلق في نفس الفضاء. ونحن في انتظار المزيد من أوراق النقاد الأفاضل ونأمل أن نتمكن من إصدار حصيلة الجدل حول هذه القضية النظرية في كتاب يجمعنا رغم اختلاف الآراء . كتب الناقد السينمائي محمد رضا يقول: حتى يشعر الناقد السينمائي بالحرج لاستخدامه مصطلحاً معيّناً، عليه أن يكون واثقاً، وفي الأساس مدركاً، لما يكمن في هذا المصلح ومصدره كمفهوم ولماذا هو خطأ لا يجب إستخدامه، في الوقت ذاته، فإن تعريف "لغة السينما" بأنها "حرفة الفنان السينمائي ووسيلته لتحقيق رؤيته وتوضيح موقفه بشأنها، شأن اللغة التي يستخدمها الكاتب وفق القواعد والأساليب البلاغية والنحوية" تعريف لا يفي جيّداً بالمفهوم ومضامينه.. ثم يستطرق قائلاً: لكن أغلب ما أورده الزبيدي ، فيه، بالنسبة إليّ، الكثير من المقارنة بين اللغة التي نتحدّث بها بألسنة شتّي حول العالم وباختلاف الشعوب، وبين السينما التي نستقبلها بصور شتّي حول العالم وباختلاف مصادرها، علماً بأن المقارنة تصل مباشرة الى مبدأ نفي أن تكون للسينما لغة خاصّة بها وذلك لكل الأسباب المقنعة التي أوردها الزبيدي، سواء من معرفته ومعرفته او بالإستناد الى المصادر التي أوردها لإيضاح المسألة المختلف حولها".

سياق ابستمولوجي

وفي هذا الحوار عرج الدكتور بدر الدين مصطفي أستاذ علم الجمال بجامعة القاهرة إلى تناول الموضوع من زاوية "إشكالية العلاقة بين ما هو مرئي وما هو مكتوب"، في سياق ابستمولوجي مفيد على شكل تساؤلات هامة حول كيفية السؤال: " التي تتم بها عملية المعرفة واكتساب الوعي هو منطلقها: أيهما يمتلك الأولوية والسيادة على الوعي..اللغة أم المرئي؟ هل التفكير يتم بواسطة اللغة؟ أي هل العقل يترجم كل ما يراه إلى لغة؟ وبدون هذه العملية تفقد الأشياء دلالتها، أم أن المرئي له لغته الخاصة التي تتجاوز وتعلو على أية صياغة لغوية حتى ولو تمت؟ هل اللغة تستوعب ما هو مرئي، بحيث تنوب عنه في غيابه؟ أم أنها مجرد قوالب وصياغات تحفز الذهن على استحضار الصورة والمشهد؟ خاصة مع الوضع في الاعتبار، الأسبقية الأونطولوجية للمرئي، وأن التفكير يتم بالصورة أولا قبل أن يتم باللغة.. وفي مكان آخر جاء: ولعل هذا يدفعني إلى القول ان اللغة السينمائية (وأنا استخدم كلمة لغة هنا للإشارة إلى أن الصورة السينمائية في النهاية تهدف إلى التعبير، أي أنها وسيلة اتصال معبرة، فهي لغة غير كلامية)، هي لغة سابقة على النظام اللغوي الكلامي، أي أنها لا تخاطبنا من خلال الكلام أو اللسان، بل من خلال نظام مختلف نابع من داخل مكونات الصورة السينمائية ذاتها".

وفي معرض موضوعته التأسيس للبحث عن "الجدل" حول "الجدل" عقب الأستاذ الدكتور ناجي فوزي أستاذ النقد السينمائي بمعهد النقد الفني بأكاديمية الفنون بالقاهرة، على ما طرحه قيس الزبيدي حول مفهوم "اللغة السينمائية"، قائلاً: الجدل حول مصطلح "اللغة السينمائية" هو أمر ظهر بالفعل منذ عقد الخمسينيات من القرن العشرين، وظل قائما لزمن طويل، مع أن المفهوم الغالب للمصطلح في حقيقته يرمي - بالفعل- إلى فكرة التعبير الفني بمفردات التقنية السينمائية المرئية (الفيلم السينمائي بدون تقنية الصوت) ثم المرئية/ السمعية (الفيلم المصحوب بتقنية الصوت).. " فكل من "اللغة المنطوقة" و"اللغة السينمائية" عبارة عن "مادة اتصال"، الغرض منها توصيل معنى معين، فضلا عن ما تتضمنه من معلومة (أو معلومات). فاللغة المنطوقة هي "مادة اتصال لفظية" تتصل بالحاسة السمعية (مع ملاحظة أن الكتابة هي الشكل الاصطلاحي للغة وليست هي بذاتها اللغة)، واللغة السينمائية هي مادة اتصال مرئية بالدرجة الأولى (وبحكم النشأة التاريخية) تتصل بالحاسة البصرية (ولاحقا بحاستي الإبصار والسمع معا).

اللغة والصورة السينمائية

وفي خضم هذا الجدل حول " لغة السينما" يترك الأستاذ ناجي فوزي الخيارات اللفظية وأساليب تراكيبها، مفتوحة، مقابل القيمة الابداعية للغة السينمائية ومفرداتها (البصرية والسمعية) من خلال تتابعها المونتاجي، قائلاً: والجدل حول مصطلح "اللغة السينمائية" هو بطبيعته، جدل فلسفي صرف، ولكنه يتجاوز حدود "الترف الفلسفي"، وذلك في محاولة للاستقرار حول حدود استخدامه كمصطلح يتعارف عليه كل من يتصل بنشاط الفن السينمائي (الروائي وغير الروائي) من صناع الأفلام ومن باحثين ونقاد لها، باعتباره مصطلحا يعني به "مفردات التعبير السينمائي" التي تشترك مع "النظام الخاص باللغة المنطوقة" (وليست الطبيعية) عن خاصيتها الأساسية وهي "إيصال المعنى".

وعلى الرغم من أهميتها النظرية والفنية فأن الدراسة التي نشرها الأستاذ أمين صالح، والتي تتكون من ثلاثة أجزاء وعلى أكثر من ثلاثة عشر صفحة، لم تكن من وجهة نظري موفقة كونها لا تشكل تحليلاً من منظوره الخاص إنما تشكل ترجمة لنص من كتاب بيتر والين الشهير. وبذلك يكون الأستاذ صالح قد إبتعد وللأسف عن رغبتنا في سماع وجهة نظره سيما في موضوعة هامة من هذا النوع يتناولها نقاد ومفكرون عرب لأول مرة. لكن أمير العمري علق عليها بالقول: "هذه الدراسة تعيدنا مجددا إلى ساحة المقارنة العميقة بين النص الأدبي والفيلم السينمائي" وأردف: "وربما تكون النقاشات حول العلاقة بين اللغة والصورة السينمائية سابقة على ظهور النظريات التي تؤيد أو تعارض مثل هذه العلاقة".

إن فكرة استقراء آراء النقاد والمفكرين المتخصصين في شئون السينما حول واحدة من القضايا المثيرة للجدل في عالم السينما مثل مصطلح "لغة السينما" محاولة علمية قيمة تكشف عن أنساق قائمة على دلالات ومعاني عديدة. نأمل أن تؤسس هذه الآراء السيميولوجية، لدراسات دقيقة حول مفهوم المصطلح عامة وفي الفن والأدب على وجه الخصوص والمنقولة لنا عن لغات أجنبية، والتي تبدو لنا إختياراً مرادف، لكنه مضطرب، في لغتنا العربية. والجدير أن هنالك ثمة أختلاف فكري وتنظيري كبير يدور حول مصطلح "لغة السينما" بين النقاد والمفكرين، على المستوي العالمي. لكن دولوز رغم انتقاده للتحليل اللغوي للفيلم لا ينفي أن الفيلم هو مجموعة من العلامات، لكنها علامات غير لغوية أو بالأحرى "علامات قبل لغوية" ، كما يذكر الدكتور بدر الدين مصطفي.

أدب وفن في

06/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)