حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«في مكان ما» بين البندقية والعاصمة اللبنانية

فيلم صوفيا كوبولا في افتتاح الدورة العاشرة

يزن الأشقر

ترتفع الستارة هذا المساء في «قصر الأونيسكو» عن دورة جديدة من «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» الذي تشرف عليه كوليت نوفل، ويفرد مساحة أساسيّة للسينما العالميّة. على البرنامج جديد جوسلين صعب وإيلي خليفة، فيما لا يزال الغموض يكتنف مصير فيلم ديغول عيد. هل تفسح الرقابة عن «شو صار» كما وعد وزير الداخليّة؟

بعد التتويج الذي حظيت به في «مهرجان البندقية السينمائي» (فينيسيا) بصفتها أفضل مخرجة عن فيلمها «في مكان ما» الذي يفتتح اليوم الدورة العاشرة من «مهرجان بيروت السينمائي الدولي» في «قصر الأونيسكو»، ها هي السينمائية الأميركية الشابة صوفيا كوبولا (1971) تعود اسماً بارزاً عالمياً في مجال الإخراج. هذه الحفاوة تأتي بعد الجدل الذي رافق فيلمها قبل الأخير «ماري أنطوانيت» الذي انقسم حوله النقاد. مع ذلك، فقد اتفقوا جميعاً على صورتها السينمائية الجذابة، وإن لم تكن صاحبة تجربة نسوية راديكالية ذات تعبيرات راديكاليّة، مثل شانتال أكيرمان أو جين كامبيون، أو الفرنسيتين كاثرين بريلاّ وأنييس فاردا، أو حتى سميرة مخملباف. أي أنّ محاولة إدراج سينما صوفيا ضمن تجربة إخراجية نسوية مؤثرة، أمر مبالغ فيه، خصوصاً عند الأخذ في الحسبان غياب الأيديولوجيا في أعمالها، وإن كان شريطها «ضائع في الترجمة»، يتناول القلق الوجودي في القرن الحادي والعشرين.

صعود اسم صوفيا كوبولا في الساحة الأميركية لم يأت مصادفةً. هي ابنة المعلّم فرانسيس فورد كوبولا. لكنّها في بداية مسيرتها لم تبد اهتماماً بالإخراج، بل بدأت بتمثيل بعض الأدوار الصغيرة، أولها ظهورها طفلةً في الجزء الأول من ثلاثية العراب (1971)، وفي أفلام أخرى من توقيع والدها أيضاً. لكن الدور الأهم والأكثر تأثيراً جاء في الجزء الثالث من العرّاب (1990)، إذ كانت هذه المشاركة خاتمة مسيرتها التمثيلية القصيرة بعد حصولها على جائزة أسوأ ممثلة صاعدة!

تركت صوفيا التمثيل لتتجه إلى كتابة باكورتها السينمائية بعنوان «إلعق النجمة» (1998) وإخراجها. وهو فيلم قصير من 14 دقيقة مقتبس عن رواية شعبية للمراهقات بعنوان «زهور في العلية» لفيرجينيا آندوز، صوّر باستخدام كاميرا 16 ملم بالأبيض والأسود. تناول الشريط قصة أربع فتيات يحاولن تسميم فتيان بالزرنيخ. برز في هذا العمل أسلوب كوبولا الذي ستتخذه طريقاً لباقي أفلامها، بدءاً من طبيعة صورة «الحلم الجميل» إلى اللقطات الطويلة وتركيزها على الجسد الأنثوي. ثم جاء فيلمها الروائي الأول «انتحار العذارى» (1999) المقتبس عن رواية بالاسم ذاته للأميركي جيفري يوجينيدس. يحكي الشريط قصة انتحار خمس فتيات من إحدى عائلات الطبقة الوسطى المتدينة في ميتشيغان في السبعينات. الفيلم الذي نال استحسان النقاد أبرز اسم صوفيا نجمةً جديدةً في عالم الإخراج، بتناوله مواضيع البلوغ والكبت الذي تتعرض له الأنوثة في بيئة مغلقة.

وفي عام 2003، ظهر فيلمها الثالث «ضائع في الترجمة» ليؤكد أهميتها سينمائيةً أميركيةً جديدة، إذ حصد إعجاباً نقدياً كبيراً وفاز بسبعين جائزة، إضافة إلى 59 ترشيحاً. الفيلم دراما جادة بلمسة كوميديا خفيفة تدور أحداثها في طوكيو، عن علاقة تجمع ممثلاً مشهوراً (بيل موراي) كهلاً وكئيباً من علاقته الزوجية المملة، ومتخرجة شابة متزوجة حديثاً من رجل مشغول (سكارليت جوهانسون)، غير واثقة من طريقها في الحياة. روحان ضائعتان في مدينة ذات أوجه متعددة. حمل الفيلم طابعاً وجودياً عبر تناوله الوحدة والقلق والغربة. فرصة التقاء الشخصيتين في الفندق ذاته توفر لهما فسحة روحية يبحث كلاهما عن ذاته في الآخر. بلغ أسلوب كوبولا الإخراجي أوجه بتقديمها هذه المحاولة في فهم العلاقة بين الإنسان والمكان. تظهر طوكيو ساحرة، واستخدامها اللون الأزرق والموسيقى المنتقاة، منح صورتها السينمائية جمالاً حلمياً وفرض عليها نوعاً من الهدوء المريح، في خضم ضياع الفهم والمعنى الذي تعانيه شخصيتا الفيلم.

الفيلم مستوحىً من سيرتها مع والدها فرانسيس فورد كوبولا

لكن عملها الرابع «ماري أنطوانيت» (2006)، وهو بيوغرافيا عن الملكة الشهيرة منذ زواجها من لويس السادس عشر حتى نهاية حكمها، أحدث اختلافاً نقدياً بل استهجان الجمهور. ورغم إجماع النقّاد على جودة الصورة والإخراج الفني للديكور والأزياء، فإنّ تجنب كوبولا طرح الموضوع سياسياً أثار الاستياء، إذ ارتأت تصويرها طفلةً بريئةً وساذجة في جو سينمائي يمزج بين القدم والحداثة. هذا الابتعاد عن التناول الجاد لشخصية تاريخية مهمة وما رافق حكمها من أحداث، أثار استياء الجمهور الفرنسي.

لكنّ فيلمها الأخير «في مكان ما» (2010)، أعاد اسم صوفيا إلى التداول، مترافقاً مع الجدل مرة أخرى وانقسام النقاد، بنيله جائزة «الأسد الذهبي» في الدورة الأخيرة من «مهرجان البندقية السينمائي». وقد اتُّهم السينمائي الأميركي كوينتين تارانتينو الذي كان رئيس لجنة التحكيم في الدورة، بالتحيز لعشيقته السابقة كوبولا، رغم رده بأنّ منح الجائزة حصل بالإجماع. الفيلم الذي تجري أحداثه في لوس أنجليس يلقي نظرة على حياة ممثل هوليوودي (ستيفن دورف) في دوامة من التخبط والملل، الى أن تظهر فجأة ابنته ذات الـ11 عاماً (إيل فانينغ) للمكوث معه. تستمد كوبولا أحداث الفيلم من طفولتها مع أبيها فرانسيس، كما ذكرت في احدى المقابلات، وكانت قد شكرته على تعليمها في خطاب تسلمها الجائزة.

ورغم رؤية كوبولا الإخراجية من جمالية الصورة وبساطتها وارتباط الشخصيات بالمكان، فإن الشريط اتهم بالسطحية من بعضهم وبقلة الجودة الروائية. ورغم استمرار الجدل مرافقاً لها، فإن اسم صوفيا كوبولا يبقى مهماً سينمائياً. المخرجة التي كانت ثالث امرأة (وأول أميركية) تترشّح لأوسكار أفضل إخراج، ورابع امرأة تفوز بـ«الأسد الذهبي»، باتت من رموز سينما المؤلف، وتتمتع بحس جمالي للصورة، وبتمسكها بثيمتها الرئيسية، وهي شخصياتها التائهة في دوامة الحياة، عاكسة بذلك روح الشباب القلق.

الأخبار اللبنانية في

06/10/2010

 

فاتح أكين في: Soul Kitchen لولا فسحة... الضحك

زياد عبد الله  

في جديده Soul Kitchen، يخرج السينمائي الألماني التركي الأصل فاتح أكين (1973) من صراع الهوية، وما يعتصر في دواخل شخصياته الممزقة بين انتماءين ألماني وتركي، مثلما رأيناها في فيلمه Head-On («الدب الذهبي»، برلين 2004). ويترك وراءه الشخصيات التي تقف على الحافة ولا تعرف أنّها كذلك، مثلما شاهدناها في فيلمه «حافة السماء» الذي فاز بجائزة أفضل سيناريو في «مهرجان كان» (2007).

هذه المرة، أراد أكين الخروج من المآسي إلى الضحك في Soul Kitchen الذي يعرض ضمن «مهرجان بيروت السينمائي الدولي». هنا، تسير أغاني الصول جنباً إلى جنب مع الطبخ والفشل والفرح ثم النجاح والنهايات السعيدة. يترك أكين أبطاله الألمان ذوي الأصول التركية ونقاط الاشتباك والتصادم مع الثقافة الألمانية، ليذهب في فيلمه الجديد إلى ألمان من أصول يونانية هذه المرة. يتحرك بخفّة لا تلوي على شيء إلا اجتراح الضحك، مع الحفاظ على رهانه المتنقل من فيلم إلى آخر، وهو الشخصيات، على رأسها شخصية زينوس (آدم بوسدوكوس) في Soul Kitchen.

يتمركز الفيلم حول مطعم «صول كيتشن» المتهالك الذي يملكه زينوس على أطراف مدينة هامبورغ حيث المناطق الصناعية والفوضى العارمة. زينوس يصنع وجباته التافهة بعجلة وتخبط، لا بل إن الفوضى تطاول كل شيء في حياته. وهو لا يريد إلا اللحاق بحبيبته التي سافرت إلى شنغهاي. ومن أجل تحقيق ذلك، يبحث عن مستأجر للمطعم، ثم يقع على شيف يشهد طرده من مطعم سابق، فيدعوه للعمل عنده. وسرعان ما يصنع الشيف الجديد نجومية المطعم ونجاحه.

يواصل المخرج شغله على خصوصية الشخصيات

يمضي زينوس في الفيلم وآلام الظهر لا تفارقه، ومعها حال انتصاب دائمة وهو لا يرى حبيبته إلا على «سكايب»، وغير ذلك من حالات صعود وهبوط يكون لأخيه ايليا (مورتيز بليبترو) الخارج لتوه من السجن الأثر الأكبر فيها. إذ يكفي يوم واحد يغيب فيه زينوس عن المطعم حتى يخرّب كل شيء.

لن يذهب زينوس إلى شنغهاي، وستعود الأمور إلى ما كانت عليه بخصوص مطعمه لكن من دون حبيبته. يبقى الفيلم أولاً وأخيراً متمركزاً حول الشخصيات، ونحن نرى خصوصية كل واحدة وخصالها التي يراد لها أن تكون كوميدية ثم تأتي المفارقات.

منذ البداية، نحن أمام فيلم يراد له أن يكون خفيفاً، يمنحنا فسحة من الضحك وعدداً كبيراً من أغاني الصول والروك مع الاستثمار في كل ما قد يكون مادةً للكوميديا كأن يضيف الشيف وصفته إلى الوجبات فيتسبب بالهياج الجنسي، أو الكيفية التي يعالج بها زينوس آلام ظهره على يد طبيب تركي شعبي، وغير ذلك مما يجعلنا أمام كوميديا ليس لها من الخصوصية إلا كونها تجري في هامبورغ بدلاً من لوس أنجلوس... والأهم أنّها ليست «آكينية» مثل الكوميديا في فيلمه «في شهر حزيران» (2000).

الأخبار اللبنانية في

06/10/2010

 

جوسلين صعب الحكواتيّة المسحورة ً

بحثاً عن صوت المدينة المفقود

سناء الخوري 

السينمائيّة المخضرمة، رفيقة مارون بغدادي ورندا الشهال وبرهان علويّة، تبحث عن آفاق الخلاص من خلال الأدب والكتاب، في فيلم تجريبي بعنوان «شو عم بيصير؟»

«شو عم بيصير؟» ليس مجرّد عنوان فيلم. في شريط جوسلين صعب الجديد، يصير هذا السؤال أزمة ملحّة ترافق الشخصيات والجمهور طوال ساعة وربع ساعة. على الشاشة، تؤدي خلود ياسين رقصتها بشراسة المرأة البدائية. تظهر حيناً ملقاةً مع قلبها في حوض سباحة فارغ، وتنام حيناً آخر بين صفحات كتاب ضخم. أمّا ليليت (جمانة حداد)، فتشرئبّ من على سطح أحد الأبينة المطلّة على ساحة النجمة، ممتطية أسداً مجنّحاً. وبين الاثنتين، يدور نصري الصايغ الابن، كتائه في شوارع بيروت، وفوق سطوحها. جلال خوري، يتقمّص دور كاتب، هو من يخيط كلّ هذه الشخصيات أمامنا، بشيء من العنف والقدريَّة. وحدها، بائعة الهوى (ريا حيدر) تقف في وجهه وتقرّر هجر الرواية عن غير رجعة.

بعد عام ونصف على إطلاق المشروع، في مناسبة «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، أنهت صاحبة «دنيا» شريطها الجديد. فيلم يحتفي بعمليّة الخلق والإبداع، ويسائلها في الوقت عينه، إذ يختار خيال الكاتب محركاً أساسياً لحبكته. يشارك «شو عم بيصير؟» في الدورة الحالية من «مهرجان بيروت السينمائي الدولي»، بالتزامن مع انطلاق عروضه التجارية في 8 تشرين الأول (أكتوبر).

أنهت السينمائية شريطها خلال فترة قصيرة نسبياً، ملتزمة بروزنامة الحدث أي «بيروت عاصمة عالميّة للكتاب»، وتيماته. قد لا نظلم ابنة جيل برهان علويّة، ومارون بغدادي، ورندا الشهال، إن قلنا إنّ الدافع الحدثي والاحتفالي لـ«شو عم بيصير؟»، ترك بصماته واضحة على التجربة. هكذا جاء العمل الذي تشفع له طبيعته الاختباريّة، موشوماً بطبيعة المناسبة ونقاط ضعفها ونواقصها... لكنّ ذلك لن يمنع الجمهور من الاحتفاء بالسينمائية اللبنانية العائدة بعد طول انتظار.

خلال أربعين عاماً أمضتها في ميدان الفن السابع، حملت جوسلين صعب كاميراها في زورايب بيروت، تصوّر يوميات الحرب، وتحولات المدينة. صنعت أكثر من عشرين وثائقياً، وكدّست مادة أرشيفيّة ضخمة. لكنّها المرة الأولى التي يصل فيها شريط روائي من توقيعها إلى الصالات اللبنانية. فعام 2006، حالت حرب تموز دون عرض «دنيا»، شريطها عن ختان الإناث الذي أثار سجالاً واسعاً في مصر. أمّا أعمالها المرجعيّة، فبقيت أسيرة رفوف المكتبات الخاصّة، وإن كانت قد كرّست صاحبتها وسط جيل المؤسسين. من بين هذه الأعمال، «كان يا مكان بيروت» (1995) الذي يحكي عن ذاكرة المدينة الطالعة لتوّها من سنوات الاقتتال. نتذكّر أيضاً «بيروت مدينتي» (1982) الوثائقي الذي كتب نصّه المسرحي روجيه عساف، وصوّرت فيه صعب حريق بيتها، وآثار الاجتياح الإسرائيلي.

وبيروت لا تغيب عن الشريط الجديد... قد يكون الإنجاز الأبرز لـ«شو عم بيصير؟»، قدرته على التقاط نفَس المكان وتصويره من كلّ زواياه. كأنّ المخرجة كانت تحاول ضم مدينتها واحتواءها. بين اللقطات البعيدة المأخوذة للمرفأ ومحيطه، والتركيز على البيوت القديمة كعنصر مهم في الديكور، والإصرار على تشبيع الصورة باللون الأخضر، تحوّل المضمون المشهدي للعمل إلى بانوراما سينمائية نادرة للعاصمة. «أردت البحث عن روح المدينة المفقودة»، تلفت جوسلين. في هذا السياق، اختارت السينمائية برج المر، المثقل بتاريخ القنص والخطف، وحوّلته إلى سوق عكاظ، مسكون بالكتب والشعر. الفيلم بمجمله يعجّ بمقتطفات من الأدب العالمي، أحيطت بهالة نصوص دينية مقدّسة. كذلك الأمر بالنسبة إلى الشخصيات، إذ كتبتها صعب بوحي من «القصص الشعبية والمرويات الميثولوجيّة».

«برج المرّ» سوق عكاظ معاصرة تدور فيها طقوس غريبة

يترنّح الشريط بين مضمون مشهدي واقعي وبارد، وبين سيناريو يغرق في التجريد. نبرته التأمليّة، تجعله أقرب إلى الـ«فيديو آرت»، أو إلى فيلم سريالي. الطابع الأدبي للعمل، وقالبه السردي الشاعري، إضافةً إلى مناخات السحر والغرابة الطاغية عليه، ثمار همٍّ إبداعي يحرّك هذه السينمائية، ولو أن هذا الهمّ لا يصلنا كاملاً هنا. تلخّص المخرجة تجربتها بمحاولة «صياغة هويّة» بعيداً عن سينما الحرب. فـ«طالما نحن نصنع أفلام حرب، هذا يعني أننا لا نزال نتخبّط في الراهن المقفل، ونرزح تحت عبء الحدث الطارئ. متى نصل إلى مرحلة جديدة، ونصنع سينما هي التي تحدِّدنا». وتختم جوسلين صعب: «لن نتمكن من تحديد هويتنا إلا حين يقترب عملنا الإبداعي من التسامي».

الأخبار اللبنانية في

06/10/2010

 

الفقراء في السينما المصرية عنف وإدمان وعلاقات غير مشروعة

القاهرة - دار الإعلام العربية 

بالرغم من الكم الهائل للأعمال السينمائية والدرامية التي رصدت واقع الفقراء في مصر ـ قديما وحديثاً، فاللافت للانتباه أن الصورة التي قدمت عنهم كانت نمطية، حيث ركزت بشكل كبير على السلبيات الأخلاقية لهم أكثر منها معالجة لقضاياهم.

وهو ما تؤكده دراسة حديثة كشفت أن معظم الأفلام اقتصرت على تقديم سلبيات الفقراء، كما جعلت من المناطق التي يقطنون فيمها أشبه بمعامل تفريخ للمجرمين وتجار المخدرات واللصوص وقطاع الطرق، إلى جانب الانحرافات الاجتماعية والعلاقات غير المشروعة تفاصيل أكثر عن صورة الفقراء في السينما المصرية تناولتها السطور التالية.تحت عنوان »الفقراء في السينما المصرية«، رصدت الباحثة دنيا فاروق أبوزيد في دراسة حديثة لها كيفية تعبير صناع السينما عن الفقراء، موضحة أنه خلال النصف الأول من القرن العشرين ركزت السينما على السلبيات الأخلاقية للفقراء بكثافة ولم تهتم بالمشاكل الحيوية والأساسية لهم، بحثاً عن العائد المادي.

بينما قدمت 50% من الأفلام سلبيات الفقراء من خلال التحدث بألفاظ غير لائقة والتدخين والعنف والإدمان، في حين قدم عدد قليل منها واقع المرأة في المجتمعات الفقيرة والأطفال الفقراء، ووضعت حلولاً قاصرة لهذه المشكلة ولم تركز في الوقت نفسه على عمالة الأطفال والتسرب من التعليم أو المعاملة السيئة للمرأة ومعاناتها الدائمة من التحرش الجنسي.

وفى نهاية الدراسة وجهت الباحثة اللوم لصناع السينما لتجاهلهم المشاكل الخاصة بالفقراء في مصر وعدم القيام بالدور الحقيقي تجاه هذه الشريحة الكبيرة في المجتمع.

عيوب وسقطات

ويتفق عدد من المهتمين بصناعة السينما، مع ما خرجت به الدراسة ، مؤكدين أن المشهد السائد للفقير في السينما هو اللهاث وراء لقمة العيش بأي طريقة سواء كانت مشروعة أم غير مشروعة، كما أصبح الدم المراق هو عنوان معظم هذه النوعية من الأفلام التي ترصد قضايا الفقر، مدللين على ذلك بأفلام مثل »إبراهيم الأبيض والجزيرة ودكان شحاتة وحين ميسرة«.

ولفت هؤلاء إلى أن ظاهرة العنف الناتج عن الفقر ليست ظاهرة جديدة، بل إنها بدأت منذ السبعينيات من القرن الماضي بعد ظهور شريحة اجتماعية أفرزها زمن الفقر وموجة الانفتاح، فرفع المخرجون شعار الأفلام الاجتماعية واستعانوا بكل السيناريوهات التي يسود فيها مشاهد قتل وسرقة ودعارة وتجارة مخدرات ونصب وغسيل أموال.

ووضعوها في خط درامي متماسك دون أن يحاولوا إيجاد حلول لتلك الأزمة، وجاء بعد ذلك جيل جديد من المخرجين، على رأسهم المخرج خالد يوسف، وضعوا الفقراء نصب أعينهم ليس من أجل حل مشاكلهم ولكن من أجل استعراض عيوبهم وسقطاتهم.

حفقراء وأغنياء

وبسؤال المخرج خالد يوسف عن أسباب التركيز في أفلامه على قضايا الفقر والجوع والعشوائيات، قال إنه دائما ما ينحاز إلى قضايا الفقراء والتعبير عن همومهم وأحزانهم ومشاكلهم التي يعانون منها منذ قديم الأزل ، نافيا في هذا الصدد تعمده إظهار عيوب الفقراء بقدر ما يسعى لتوضيح قضية معينة أو يناقشها بطريقة صحيحة، كما حدث في أفلام كثيرة مثل »حين ميسرة ودكان شحاتة«.

ولفت يوسف إلى أنه لم يقتصر في أفلامه على رصد مشاكل الفقراء فقط، موضحا أنه ناقش مشاكل الأغنياء أيضاً، وكشف طرق إسرافهم في استخدام المال والثروة بما يقودهم إلى الجريمة على غرار فيلمي »ويجا وخيانة مشروعة«.

حِقَب زمنية

إلى هنا أكدت الناقدة السينمائية رانيا يوسف أن صورة الفقراء في السينما المصرية شهدت تحولات مهمة على مدار تاريخ السينما، ففي النصف الأول من القرن الماضي قدمت السينما فيلم »غزل البنات« للفنان نجيب الريحاني، وليلى مراد وأنور وجدي.

ونجح الفيلم في تقديم الفقراء بكل صورهم في شكل مرتب، فكان الأستاذ حمام ( نجيب الريحاني) يرتدي ملابس بالية ويحمل منديلاً مقطعاً ولا يحاول اقتناص أموال أو يتعدى على ممتلكات أصحاب القصور الفارهة التي يسكنها الأثرياء، وأشارت إلى أن هذا الفيلم وغيره من الأفلام نجحوا في تقديم واقع الفقراء في إطار سهل بعيداً عن التعقيدات حيث كانت مشاكلهم البحث عن لقمة العيش فقط وبطرق مشروعة.

لكن الحقبة الثانية من السينما المصرية، جاء معظمها- على حد قول الناقدة- منصباً في مصلحة الفقراء وليس عرضاً لمشاكلهم واستعراضا لأزماتهم، حيث قلبت ثورة يوليو الأوضاع الاجتماعية باعتبار أن هذا العصر عصر انفتاح الفقراء، لذلك كان من الصعب إنتاج أي نوع من الأفلام يناقش تلك القضية بعشوائية.

وكان معظمها يلعب على وتر علاقة الحب بين الفقراء والأغنياء وقبول الثاني في معظمها لنداء الحب الذي لا يفرق بين غني وفقير ويظهر ذلك جلياً في أفلام »رد قلبي، وحكاية حب، والأيدي الناعمة«.

عصر الانفتاح

أما الفترة التي قلبت موازين الفقراء في مصر فكانت مع بداية عصر الانفتاح، حيث انتشر اللصوص وقُطّاع الطرق وصعد المتسلقون على ظهور الفقراء، وكان من الطبيعي أن تشهد السينما المصرية خلال تلك الحقبة في السبعينات والثمانينيات ترجمة لتلك الأحداث فأنتجت أفلاماً كثيرة رسمت واقع الفقراء بكل سلبياته، لكنها لم تحاول معالجة تلك السلبيات، ومن تلك الأفلام »زمن حاتم زهران، وحب في الزنزانة، وأهل القمة، والغول، والصعاليك«.

بينما يصف الناقد الفني طارق الشناوي السينما الحديثة بأنها حاولت الاقتراب من مجتمع الفقراء لتناقش مشاكلهم الاجتماعية، لكن الغرض الخفي وراء ذلك هو فضحهم وإبراز مساوئ تلك المجتمعات من أجل تحقيق أرباح مالية، حيث تظهر مجتمعاتهم مطعمة في كل الأفلام بتجار المخدرات والمدمنين واللصوص ويقومون بعمل خلطة يكون مفادها الصراع الأخلاقي بين الخير والشر بصرف النظر عن الدوافع الاجتماعية المحركة لهذا الصراع.

وفيما ألقى الشناوي باللوم على عدد من المخرجين الذين تعمدوا تشويه واقع الفقراء ورصد سلبياتهم، انتقد أيضا المعالجة القاصرة لبعض كتاب السينما لنفس القضية.

حيث أصروا على تقديمهم في صورة المنحرفين أخلاقياً، لدرجة أن جعلوا بيع شرفهم هو أسهل العروض أمامهم مدللاً على ذلك بفيلم »كلمني شكرا« وما تضمنه من ظهور غادة عبدالرازق في دور فقيرة تبيع شرفها من أجل المال، وفي »حين ميسرة ودكان شحاتة« عرّى السيناريو الفقراء وجعلهم سلعة وأداة تبحث عن أي شيء مقابل المال، وهو أمر مخالف للحقيقة؛ لأن مثل هذه التنازلات الأخلاقية لا ترتبط بغني أو فقير.

البيان الإماراتية في

06/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)