حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«ابن بابل» يواجه جراح التاريخ العراقي

كوابيس النظام السابق في زمن الاحتلال الأميركي

محمد الأمين

إنّه أوّل فيلم عراقي يوزع تجاريّاً في بيروت. شريط محمد الدراجي الذي أثار الاهتمام (والنقاش)، حيثما عرض، يصل إلى الصالات اللبنانية الأسبوع المقبل بعدما قدّمته «أيام بيروت السينمائية». محاولة لطيّ صفحة ماض صعب يرزح تحت المقابر الجماعية...

فيلم «ابن بابل» الذي يصل قريباً إلى الشاشات اللبنانيّة، تنقّل بين مهرجانات عدّة، كان آخرها «مهرجان الفيلم الهولندي» في أوتريخت الذي اختتم به دورته الثلاثين. «في هذه المدينة تشكّلت التجربة السينمائية لمحمد الدراجي» تذكّر ديجنا فان نيلن من إدارة المهرجان. وتضيف أن المخرج العراقي الشاب الذي يحمل الجنسية الهولندية، «يمثّل نموذجاً للجيل الجديد في السينما الهولنديّة».

في لقاء مع الجمهور الهولندي، استعاد الدراجي المصاعب التي واجهها في الحصول على الدعم المالي: «اتصلت بالجهات الرسمية المعنية في بغداد لدعم الفيلم، لكنّها اشترطت عليّ أن أغيّر هوية الشخصية المحورية من كردية إلى عربية. بعدها، توجهت إلى الجهات الرسمية في إقليم كردستان، لكنّها رأت في الفيلم بروباغندا للعرب، وإغفالاً للسياسات العنصرية التي مورست ضد الأكراد». باختصار، أراد الدراجي أن يقول إن فيلمه لم يكن مرضياً عنه من قبل السلطات الرسميّة في بلاده مهما كانت...

ولعل الدافع وراء تحقيق هذا الفيلم يسهم في الإجابة عن الكثير من الأسئلة. الدراجي كما قال في حديثه، كان شاهداً خلال طفولته على مأساة خاصة، إذ فقدت إحدى قريباته زوجها خلال الحرب العراقية الإيرانية، وعايش عن قرب حزنها الذي رافقها حتى في المناسبات السعيدة، كحفلات الزواج وأعياد الميلاد. ثم جاء اطّلاعه على حكاية امرأة كردية تبحث عن ابنها المفقود في جنوب العراق، ليحفّزه على الدمج بين الحكايتين واعتمادهما في فيلمه الروائي الثاني.

في «ابن بابل»، تبحث امرأة كردية عن ابنها الضابط في الجيش العراقيّ الذي سيق إلى حرب الخليج الثانية، ليلفّه الغياب بعد اعتقاله في أحداث 1991. بعد ثلاثة أسابيع على الاجتياح الأميركيّ لبغداد في 2003، تسمع الأم أنّ ابنها يقبع في أحد سجون النظام السابق في مدينة الناصرية جنوب البلاد. هكذا، تخوض رحلة من جبال كردستان إلى الناصرية، مروراً ببغداد وبابل، ومعها حفيدها الذي لم ير والده منذ ولادته، أي قبل 12 سنة.

يقوم سائق كردي بمساعدة الجدة وحفيدها عبر إيصالهما إلى بغداد. السائق هو الشخصية الوحيدة التي ترافق أم إبراهيم وحفيدها من شمال العراق إلى بغداد. في العاصمة العراقية تُتجاهل ويُتعامل معها بلا مبالاة حين تطلب المساعدة من الأهالي، حتى لتبدو هذه اللامبالاة صعبة التصديق على أرض الواقع، وإن حاول الفيلم ربطها بعدم إجادة الجدة للغة العربية بغية التواصل مع المحيط.

موسى لا ينفكّ يطلب الصفح عن جرائم النظام السابق بحق الأكراد

في بقية المشوار في بغداد والناصرية، في عمق الجنوب العراقي، تواجه المرأة الكردية صعوبات عدة، فيما يسعى حفيدها أحمد إلى التواصل مع الآخرين بحكم قدرته البسيطة على التفاهم باللغة العربية. الشخصية العربية الأساسية في هذا المقطع من الرحلة هي موسى، العضو السابق في الحرس الجمهوري، والمشارك في العديد من عمليات قتل الأكراد وإبادتهم. لم يتوغل الفيلم في حكاية موسى التي تتلخّص في امتثاله لأوامر قيادة عسكرية حوّلته مجرماً وقاتلاً. دوره للأسف لا يتعدى تقديم الاعتذارات لأم إبراهيم عن جرائم أخبر عن اقترافها، فتضطر في نهاية المطاف إلى الصفح عنه. تردّد بصوت عال: «لقد صفحت عنك يا موسى».

ربما جاءت النتائج مختلفة لو اختار الدراجي السيناريو ذاته من أجل إنجاز فيلم وثائقي يتناول حكاية امراة كردية تبحث عن ابنها في جنوب مفجوع بالمقابر الجماعية. لكنّ فيلماً روائياً يتناول هذه القضية الشائكة يستدعي معالجة دقيقة لحدث عام، ويخضع للمساءلة في نقاط عديدة، إذ إنّ اختيار الحلول السهلة والصوابية السياسية في معالجة جرائم النظام العراقي السابق، يحتاجان الى وعي، لا في قراءة الحدث فحسب، بل في تجسيده سينمائياً.

ليس معقولاً أن يكون معظم الضحايا من الكومبارس، فيما شخصية واحدة من الجهة الأخرى هي الشخصية المحورية. أما القول بالتواصل مع أمجاد التاريخ الوطني القديم الذي يتجسّد في اسم الفيلم ومشاهد منه، فهي من الخرافات الحديثة السائدة في الثقافة العراقية، ولا يمكن زعزعتها بسهولة، وقد تبنّتها الانتلجنسيا العراقية نفسها.

المصادفة تشاء أن تكون المقابر الجماعية قريبة من الأماكن الأثرية التي كانت مسرحاً لحضارات بلاد الرافدين... لكنّ الرابط بين الحدثين يظل ذا طابع ثقافي نخبوي. وهذا الجانب الرمزي والذهني في النهاية، قد لا يصلح إطاراً تتحرّك ضمنه شخصيات الفيلم القادمة من الطبقات الشعبية.

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

وتاهت ديما الحرّ في الطريق إلى سجن الرجال

سناء الخوري 

حطّ «كل يوم عيد» رحاله أخيراً في بيروت، حيث انطلقت عروضه التجاريّة. ثلاث نساء في road movie، وسيناريو يكتفي بالابتكارات المشهديّة

على طريق مقفر بعيد جداً عن بيروت، كما نفهم، باص محمّل بالنساء. الوجهة «حبس الرجال». رصاصة طائشة، تقضي على السائق (بيرج فازيليان)، فتسرح المسافرات على الطريق الخاوي، بعزم من قرّر التوجه إلى السجن سيراً على الأقدام. في باكورتها الروائية الطويلة «كل يوم عيد» (2009)، تنجز ديما الحر «رود موفي» (فيلم طريق) بصيغة المجهول. نتتبّع مصير ثلاث نساء من دون أسماء، وجدن أنفسهنّ في حلقة مفرغة. امرأة حارس السجن (هيام عباس) تحمل معها مسدس زوجها. سيدة مرتبكة وقلقة، وجدت نفسها مضطرة لإيصال السلاح إلى صاحبه بعدما نسيه في البيت. تلتقي بذات الثوب الأحمر (منال خضر). أنثى واثقة، مع كعب عالٍ، وسيجارة، وورقة طلاق. إمضاء زوجها السجين على تلك الوثيقة سيحرّرها. تنضم إليهما عروس (ريا حيدر)، هشّة، وحالمة، لا تجيد العربيّة. أرادت لقاء هشام، عريسها الذي شهدنا اعتقاله الأليم في المشهد الأول من الشريط. ما يجمع النساء الثلاث أنّ كل واحدة منهنّ تعيش وصولها إلى السجن كمسألة وجوديّة. تبدو شخصيات الحر كأنّها ولدت من الفراغ، قبل أن يشتّتها القدر على الطريق. تماماً كما سيشتّت لاحقاً، طيور دجاج محمّلة في عربة شحن سائقها (فادي أبو سمرا).

في باكورتها الروائية الطويلة، تثبت الحر قدرتها على امتلاك بصمة أسلوبية خاصة. المضمون البصري للشريط عوّل كثيراً على صيغة الحلم أو السراب. المشاهد مشغولة بروحيّة فنان تشكيلي: ألوان فاقعة (الأحمر على وجه الخصوص)، واحتفاء بالتفاصيل الأنثويّة. بعض لقطات الكاميرا جاءت مبتكرة. كأن تختار العدسة زاويتها بين رجلي منال خضر، وهي تخلع سروالها الداخلي.

ديكورات «ويسترن» وحروب غامضة تحوم في الجوار

لكنّ الخيارات الإخراجية أفرطت في الشعريّة، مفضّلةً الجمالية والتجريب على البنية الدراميّة. هكذا، غرق الشريط في الإطالة، لا بل الحشو المجاني. يعزّز هذا الانطباع، المساحة الكبيرة التي يعطيها السيناريو (ديما الحر وربيع مروة) لمونولوجات شبه مسرحيّة. كل ذلك في أجواء سرياليّة من الضيق والاختناق، على خلفيّة مشوّشة، كل ما فيها ينضح بتفاصيل حرب غامضة. اختارت ديما الحرّ أن يبقى الإطار المكاني والزماني مبهماً. المكان مساحات شاسعة من القفار والصخور، أشبه بديكورات أفلام الـ«ويسترن». أمّا الزمان فيمكن أن يكون أي زمان: هناك حرب تتحضّر، وأناس يهربون. مساحة الاستعارة والترميز مفتوحة على كل التأويلات... البديهيّة والمباشرة. هذا هو لبنان يمكن أن نقول، موطن الفزع والقرف والضياع والحروب العبثيّة. تجهيل السياق، أبعد العمل عن الخطابية والمباشرة، ليرميه بين براثن خطاب تعميمي، مسالم وموارب، يفتقد الجرأة والعمق النقدي والرؤية التراجيديّة.

وحدها الرموز والاستعارات تحتلّ اللقطة، حتّى تكاد تثقل على المشهد، وتحجّم متعة السينما. هل نطلب الكثير من باكورة روائيّة تنتمي إلى سينما المؤلّف، كسبت رهانها الجمالي على الأقل؟

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

«وول ستريت»: أوليفر ستون في مسرح الجريمة

عماد خشان 

قد تكون المشاهد المأخوذة لمانهاتن أجمل ما في «وول ستريت ـــــ المال لا ينام أبداً». شريط أوليفر ستون الجديد هو الجزء الثاني من «وول ستريت» (1987)، واستكمال لقصّة غوردن غيكو، الشخصيّة التي نال عنها مايكل دوغلاس (1944) أوسكار أفضل ممثل. لكنّ أسوأ ما في الفيلم هو نهايته الغريبة عن سينما أوليفر ستون، العنيفة في واقعيتها والواقعية في عنفها. منذ متى يرسم صاحب «قتلة بالفطرة» شخصيّات تعرف الحنان ويستيقظ فيها الحسّ الأخلاقيّ؟ هذا لا يلغي أن حبكة مثل حبكة «وول ستريت 2» تحمل من القسوة والوحشية ما جعلها بحاجة ربما إلى قصة ثانوية ذات بعد إنساني.

على مدار ساعتين وربع ساعة هي مدّة الفيلم، نحن أمام قصة ثأر من النوع الذي يجري في ذلك العالم المتوحش. مدينة نيويورك التي تفرض نفسها كشخصية رئيسيّة، تبدو عاجزة عن احتضان أيّ دفء إنساني. معظم اللقطات مأخوذة من فوق وعن بعد، لتنقل الإحساس بمكان بارد وكئيب، هو مسرح مثالي للجريمة. هنا في أبنية الزجاج والفولاذ الشاهقة، وحصون المال، تحاك المكائد على الشركات والأفراد والدول. في هذا الفضاء العدائي، تتكشف بقيّة سيرة غيكو الخارج من السجن. نتذكر أنّ «وول ستريت 1» انتهى إلى سجن البطل بسبب جرائم مالية ارتكبها في الثمانينيات، في عهد رونالد ريغان، أي في عصر إطلاق يد الشركات المالية من دون ضوابط حكومية. وهو العصر الذي اختصره غيكو حينها بعبارته الشهيرة: «الجشع أمر جيّد». بعد 23 عاماً على الفيلم الأوّل، يعود غيكو ليكتشف أنّ الجشع لم يعد جيداً فقط، بل أصبح قانونياً. تدور أحداث الشريط قبيل الانهيار الاقتصادي العالمي الأخير وخلاله. في هذا العالم حيث المال هو القيمة الوحيدة، تؤدّي شائعات منظّمة إلى تدمير شركة توظف 15 ألف عامل، وتدفع برئيسها إلى الانتحار تحت عجلات القطار. كلّ ذلك لتهبط قيمة أسهمها، ويشتريها مَن روّج الشائعة بقيمة زهيدة. في هذه الأجواء يعمل الشاب الطموح جاكوب مور (شيا لابوف)، ويتعلم أصول اللعبة سريعاً بعدما انتحر رئيسه لويس زابيل (فرانك لانجيلا) الذي كان بمثابة أب له.

صراع العمالقة في عليائهم، لا يصوّر الفيلم انعكاسه على الناس العاديين

فكرة الأب والأبوة هي الجانب الإنساني الذي يحاول ستون من خلاله كسر حدّة فيلمه. وسط كلِّ هذا المشهد الدموي، هناك نسمة الأمل التي تمثّلها ويني، ابنة غوردون وحبيبة جاكوب. الابنة التي تكره والدها وما يمثله، اختارت أن تعمل في موقع إلكتروني يساري، أخذ على عاتقه تقديم حلول بديلة لمشاكل البيئة، وكشف خفايا مراكز المال والسياسة.

ستون الذي يُعدّ من أكثر السينمائيّين الأميركيين يسارية، استغل الأزمة الاقتصاديّة العالميّة، ليكمل حكاية «وول ستريت». تأتي النسخة الثانية نبوءة تحذيريّة من الطمع والجشع وأضرار غياب الرقابة عن قطاع المال والأعمال.

إلا أن نقطة الضعف في «...المال لا ينام أبداً» هي تركيزه على صراع العمالقة في عليائهم، من دون تصوير انعكاسات هذا الصراع على الناس العاديين وحياتهم اليومية. يقدّم هذا الفيلم نوعاً آخر من الحروب والعنف والقتل. نرى أناساً مثلنا يتصرفون كآلهة، ويحددون مصير حياة الملايين من البشر.

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

زياد بارود: شو صار في واشنطن؟

بيار أبي صعب 

المهزلة المضحكة ـــ المبكية المتعلّقة بعرقلة العرض البيروتي لفيلم ديغول عيد (الصورة) «شو صار؟»، لم تنته فصولاً في بلد الحريّات. هذا الشريط الذي يغوص بشجاعة وصدق في الجراح المشتركة للحرب الأهليّة، خارج أي نزعة فئويّة أو ثأريّة، سحب مرّتين في شهر واحد، من «مهرجان الفيلم اللبناني»، ثم من «أيّام بيروت السينمائيّة» («الأخبار»، ٧/ ٩/ ٢٠١٠). ومع ذلك، فقد اختارت مديرة «مهرجان بيروت الدولي للأفلام» الذي يفتتح في ٦ ت١ (أكتوبر)، أن تقوم بمحاولة ثالثة. لقد قرّرت كوليت نوفل إدراج اسم ديغول عيد على برنامجها، إلى جانب جوسلين صعب وإيلي خليفة، لتقدّم نظرة أمينة إلى راهن السينما اللبنانيّة بتجاربها وأجيالها. لكن سرعان ما اكتشفت أنّها ذهبت بعيداً في التفاؤل حين اصطدمت، هي الأخرى، بجدار الرقابة الأصم. هنا ابتكرت طريقة مقطع من "محاضرة زياد بارود في واشنطن" جديدة (من دون مخالفة القانون)، لفضح عبثيّة الوضع الذي تفرضه سلطة من بقايا زمن آخر: فيلم «شو صار» باق في المسابقة الرسميّة، وإن حرم الجمهور من مشاهدته... وقد ينال جائزة يستحقها، فتكون الصفعة أكبر لحرّاس الانحطاط ومن يقف وراءهم.

«الفيلم لم يمنع... تدخّلت شخصيّاً لذلك» (وزير الداخليّة)

نعم، تقتضي الأمانة عدم تحميل موظفي الأمن العام الوزر كلّه في النهاية. المسؤوليّة تتحمّلها السلطة السياسيّة، بدءاً بوزير الداخليّة الذي فاجأنا بتصريح غريب من واشنطن حيث كرّم أخيراً. شارك زياد بارود يوم ٢٩ أيلول (سبتمبر) الماضي، في ندوة من تنظيم «معهد الولايات المتحدة للسلام» (USIP) بالاشتراك مع «المؤسسة الدوليّة للأنظمة الانتخابيّة» (IFES). وردّاً على سؤال محرج طرحه مروان معلوف، الناشط من أجل الحريّات، عن أسباب منع فيلم «شو صار؟»، أجاب بالحرف الواحد: «الفيلم لم يمنع... تدخّلت شخصيّاً لذلك... كما تعلمون، هذا التزام أخذته على عاتقي».

هل منع الفيلم أم لم يمنع؟ هل منع أم «لم يرخّص له»، وبقرار شفهي فقط؟ لن نقول «معاليه ما معه خبر شي»، أو «بطل في واشنطن، مغلوب على أمره في بيروت». علينا أن نصدّق حرفيّاً ما أعلنه معالي الوزير. ومن حقّ كوليت نوفل اليوم، بل من واجبها، أن ترى في تصريح بارود الموثّق (راجع التسجيل على موقع «الأخبار») غطاءً رسميّاً لها. فلتعرض فيلم ديغول عيد كأن شيئاً لم يكن!

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

نساء اليمن: الغناء من خلف النقاب

صنعاء ـــ جمال جبران 

منذ الوحدة اليمنية عام 1990، بدأ السلفيون يرسون نظاماً اجتماعياً وثقافياً جديداً. هكذا اختفت الأصوات النسائية قبل أن تظهر موجة جديدة من الفنانات المنقّبات اللواتي أخفين هويتهنّ خوفاً من القتل

رغم فقر اليمن والظروف الاجتماعية السيئة التي يعيشها مواطنوه، فإنّ هذا البلد كان قبل التسيعينات يعيش حياة مدنية كاملة في الجنوب وفي بعض مناطق الشمال، رغم سيادة الذهنية القَبَلية. الأمر الذي أتاح لأهله العيش بتسامح وبلا ممنوعات كثيرة. انعكس التسامح والانفتاح على الحياة الثقافية والترفيهية، فكانت دور السينما مفتوحة للذكور والإناث. وخصّصت الفنادق صالات كبرى لتنظيم حفلات لفنانات معروفات، أو أفراح مختلطة من دون أي حاجز يفصل النساء عن الرجال.

لكن الأوضاع تغيّرت بعد وحدة الشمال والجنوب التي حصلت في أيار (مايو) 1990. وقتها بدأت مجموعة من السلفيين القادمين من أفغانستان العمل على مشروع غير معلن. استمرّ عملها أربع سنوات اغتالت خلالها 130 شخصية غالبيتها من الرموز الفكرية لـ«الحزب الاشتراكي اليمني».

مع انتهاء الحرب التي اندلعت عام 1994، انتصر الشمال على الجنوب الذي كان يطالب بالانفصال مجدداً، وبدا واضحاً للجميع أن فوز الشمال كان بمساعدة مباشرة من المجموعات السلفية. هنا تبلور المشروع الحقيقي للمتطرفين، فكان أول ما قاموا به هو تدمير مصنع «صيرة» للمشروبات الكحولية، باعتباره رمز الدولة الكافرة التي كانت قائمة في الجنوب. بعدها كرّت السبحة وبدأت الماكينة السلفية العمل بكامل طاقتها. اليوم، بعد عشرين عاماً تقريباً، جاءت الحصيلة: زحف الذهنية القبلية على الجنوب، وانطفاء المدنية، وقتل أي إمكان لتطوير الحياة المدنية في الشمال.

من يومها، تحوّل العنف إلى حوادث يومية في اليمن، تبخّرت إمكانيات العيش السهل. أغلقت دور السينما أبوابها لتصبح العاصمة صنعاء مثلاً بلا أي صالة. ومُنعت الحفلات والأعرس المختلطة. ومن الطبيعي والحال هذه، انحسار عدد الأصوات النسائية الغنائية. فرص العمل للمغنيات بقيت محدودة حتى في الصالات المغلقة، وهو ما حرم مجموعة من النساء من مصدر دخلهنّ. وفي وقت اختارت فيه المطربة أمل كعدل (الجنوب) الجلوس في بيتها بعدما حققت ما يضمن لها حياة كريمة، اتجهت الفنانة نشوى (الشمال) إلى عالم التجارة. لكن مصير هاتَين الفنانتَين لم ينسحب على باقي المغنيات. لم تجد الأخريات أي مصدر رزق آخر. وبديلاً عن انحسار الحفلات والمهرجانات، وجدت المغنيات اليمنيات وسيلة جديدة لكسب المال عبر أصواتهن: الغناء بلا هوية أو وجه، وإصدار ألبومات غنائية بأسماء وهمية وبأغلفة لا تحمل سوى صورة لفتاة منقبة لا يظهر منها سوى عينيها! وإلى هذه «الكتيبة»، انضمت لاحقاً فتيات ريفيات اعتقدن بجمال أصواتهن، فهربن إلى العاصمة بغية الإفادة من هذه الموهبة ولو مختفيات خلف نقاب، الأمر الذي يجعلهن في مأمن من ملاحقة ذكور العائلة. ولا شكّ في أنّه لو علم هؤلاء أن أنثى من العائلة قرّرت الغناء، لكانوا لاحقوها، لاسترداد شرف الأسرة المهدور!

تختار المغنيات أسماء مثيرة مثل «نانسي اليمن»، أو «هيفاء عدن»، أو «إليسا صنعاء»

وكان طبيعياً في مجتمع ذكوري مكبوت أن تلاقي هذه الأصوات رواجاً في سوق مفتوح، يتغاضى غالباً عن جمال الصوت ومتانته لصالح صورة الفتاة المنقبة على غلاف الألبوم، التي لا يظهر فيها غير عينين برموش اصطناعية غالباً. وإلى جانب جمال العينين، يستحسن أن تختار المغنية الغامضة اسماً يسهم في رفع مبيعات الألبوم. وعليه ليس مستغرباً أن تختار المغنيات اسم نانسي اليمن، أو هيفاء عدن، أو إليسا صنعاء، أو روبي المكلا. لكن ماذا عن طريقة وصول هذه الأصوات إلى الشركات المنتجة؟ يقول توفيق (اسم مستعار) وهو صاحب محل بيع ألبومات تابع لشركة إنتاج شهيرة: إن الشركة لا تهتم كثيراً إذا وصلها الشريط عن طريق المغنية نفسها أو عن طريق وسيط. كذلك، فإن جمال الصوت ليس له دور بارز في اختيار الألبوم، «كل شيء يعتمد على طريقة اختيار الصورة على غلاف العمل». وماذا عن الحصول على الترخيص من وزارة الثقافة؟ يقول توفيق إن الوزارة لا تهتمّ كثيراً بملاحقة هذه المواضيع «نحرص دائماً أن تكون كلمات الأغاني بعيدة عن السياسة والدين، وكل ما عداهما مسموح به، حتى الكلام الذي يحمل معاني جنسية».

من جهة ثانية، يقول علي وهو أحد باعة الكاسيتات المتجوّلين، إن هذه الأعمال مطلوبة طوال السنة باستثناء شهر رمضان، إذ يمتنع اليمنيون عن الاستماع إلى الموسيقى في هذا الشهر. لكنّه يؤكد أن بيع ألبومات المنقبات يرتفع مع انتهاء شهر الصوم، ويتصاعد تدريجاً مع عودة الناس إلى وظائفهم.

ويبيع علي بين 20 و50 كاسيتات في اليوم الواحد، وهو يعدّ مرتفعاً مقارنة بمبيعات غيرها من الكاسيتات لفنانين معروفين. أما زبائن هذه الألبومات فهم بالدرجة الأولى سائقو السيارات العمومية، وذوو المستويات التعليمية المنخفضة. هؤلاء يجدون في الكلام السهل والمُغنّى وسيلة للتعبير عن رغبات (جنسية) مستحيلة. 

نحو الكسب السريع

يرفض مدير «مركز التراث الموسيقي» في اليمن جابر أحمد علي فكرة ظهور فنانة منقبة على غلاف ألبوم غنائي. ويقول إنّ على المغنية أن تظهر بشكلها الطبيعي أو أن تمتنع عن الغناء. ويؤكد أن غالبية المغنيات المنقبات لم يدخلن الفن من باب الرغبة في التعبير عن قدراتهن الصوتية، بل لأسباب اقتصادية بحتة. مع ذلك، يبدي جابر أحمد علي تسامحاًَ مع بعض الأصوات الجيدة، ويقول إن أولئك يلجأن إلى إخفاء وجههنّ خوفاً من التعرّض لهنّ لو كشفت هويتهنّ الحقيقية، إذ لا تزال أغلب العائلات اليمنية ترفض فكرة دخول المرأة عالم الفن.

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

«أفلام المقاومة» تبحث عن جمهورها

باسم الحكيم 

بعد «مهرجان الفجر السينمائي»، ها هو «المهرجان الدولي لأفلام المقاومة» يحطّ رحاله في بيروت. الدورة الأولى تشبه عملية التجريب، وتكتفي بعرض خمسة أفلام من إيران ولبنان وفلسطين

وصار للسينما الإيرانيّة أكثر من مهرجان في العاصمة اللبنانيّة. الموعد السنوي الثابت هو «مهرجان الفجر السينمائي» الذي تنطلق فعالياته في كانون الثاني (يناير) للسنة الثالثة على التوالي. وهو يقام في مناسبة الذكرى السنوية لانتصار الثورة الإسلاميّة. أما الموعد الجديد فهو «المهرجان الدولي لأفلام المقاومة» الذي تنظمه المستشارية الثقافية للجمهوريّة الإسلامية الإيرانيّة للمرّة الأولى، بالتعاون مع قناة «المنار»، و«الجمعية اللبنانية للفنون – رسالات»، و«تجمع سينمائيي الدفاع المقدس» في طهران.

المهرجان الذي يقام في قاعة «رسالات» في منطقة الغبيري (بيروت)، سيستمرّ ثلاثة أيام.

وينطلق عند الثامنة من مساء غد الثلاثاء مع الفيلم الإيراني «كودك فرشته» (الطفل والملاك) للمخرج مسعود نقّاش زاده، ويختتم بـ«أهل الوفا» للمخرج السوري نجدت أنزور (إنتاج «الجمعية اللبنانيّة للفنون – رسالات») يوم الخميس المقبل (20:00). ويتناول شريط الختام العملية الاستشهاديّة النوعيّة التي نفّذتها المقاومة عام 1994 على طريق دير ميماس – مرجعيون (جنوب لبنان)، وعُرفت بـ«عملية الشهيد الحي». علماً بأنّ الفيلم حاز جائزة «مهرجان الفرح».

هكذا ستمثّل الدورة الأولى من هذا المهرجان ما يشبه عملية التجريب، في إطار دراسة ردود الفعل على الأفلام المعروضة بهدف تطوير هذه التجربة في السنوات السابقة. لذلك اكتفى منظّمو المهرجان بعرض خمسة أفلام فقط، بعضها عرض مراراً في مهرجانات سابقة في بيروت وطهران.

إلى جانب فيلمَي الافتتاح والختام، سيعرض الشريط الإيراني «أتوبوس شب» (حافلة الليل) للمخرج كيومرث بور أحمد (الخميس 17:00). وكان هذا الفيلم قد عرض سابقاً في «مهرجان الفجر» الأخير، ولاقى استحساناً جماهيريّاً عند عرضه. وتدور أحداث العمل حول رحلة جنديَّين إيرانيَّين (عيسى وعماد)، وسائق مدني (آمو رحيم) ينقلون 38 أسيراً عراقياً، بعد دخول الحرب الإيرانية – العراقية عامها الثالث.

كذلك سيعرض في المهرجان فيلم «خاكستر سبز» (الرماد الأخضر) سيناريو وإخراج إبراهيم حاتمي كيا (الأربعاء 17:00)، والفيلم الفلسطيني «عصفور الوطن» (الأربعاء 20:00). وفي الشريط الأخير، تدور الأحداث حول يوسف (محمود الشيخ)، وهو فتى فلسطيني فقد والديه في حرب 1967، ثم هاجر مع باقي أفراد عائلته إلى قطاع غزة.

وتبدأ أحداث الفيلم حين يلتقي يوسف بمجموعة مقاومين يهدي له أحدهم عصفوراً، فيتأثّر الطفل بهم ويفكر في كيفيّة الانتقام من قتَلة والديه.

يأتي توقيت المهرجان بعد أيّام من انتهاء «أيام بيروت السينمائيّة»، وقبل يوم واحد على انطلاق فعاليات «مهرجان بيروت السينمائي» (ينطلق في السادس من الحالي). وهو يمثّل أحد النشاطات التي تهتم بها «الجمعية اللبنانيّة للفنون – رسالات»، إلى جانب تقديمها للمسرحيّات والأفلام والأعمال الإنشاديّة التي تحمل الصبغة المقاومة، وكان آخرها حفلة «جداريّة النصر» التي أقيمت في أيار (مايو) الماضي في ذكرى الشهداء عماد مغنية، والشيخ راغب حرب، والسيّد عباس الموسوي.

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

 

رامي الأمين حجز غرفته في الـ «بوريفاج»

أحمد محسن 

فجأة، اختفى الفندق الشهير الذي زارته أم كلثوم... والسرير الذي نام عليه شارل أزنافور تحول إلى «دولاب» للتعذيب. حتى مساحة السياسيين الذين أحبوه ككمال جنبلاط، وياسر عرفات اختفت. إذ ارتبط «بوريفاج» (بيروت) لسنوات طويلة بالوجود العسكري السوري في لبنان، وتحديداً في ذلك الفندق الذي تحوّل إلى مقرّ لتعذيب قسم من المعتقلين اللبنانيين الذين عارضوا الوجود السوري في سنوات ما بعد الحرب الأهلية.

خلال عدوان تموز 2006، وأثناء سكنه في هذا الفندق الذي عادت إليه الحياة تدريجاً، انتبه مراسل قناة «الجديد» رامي الأمين إلى كثرة الذكريات المرتبطة بهذا المكان، فقرّر توثيقها. هكذا دخلت الكاميرات إلى الفندق، وبعد شهر ونصف من العمل المكثف، سنشاهد الليلة على «الجديد» وثائقي «بوريفاج» الذي تولى إعداده وإخراجه الأمين نفسه.

يتخلّل الشريط (مدّته خمسون دقيقة) مجموعة من الشهادات لأشخاص واكبوا فترة الوجود السوري في لبنان عن قرب. هكذا يطلّ النائب عاصم قانصوه الذي سيتحوّل إلى نجم الوثائقي بامتياز. طبعاً لن يحمل حديثه الكثير من المفاجآت أو من الإدانة لتلك المرحلة، ولن يجد حرجاً في إعلان المعتقل ساحة تعذيب سابقة، «المعتقلون لن يعترفوا إلا بالطرق المناسبة» يقول. ويستفيض متذكراً الحفلة الوداعية الشهيرة التي رافقت خروج القوات السورية من لبنان.

كذلك، سيظهر على الشاشة أحد أفراد الاستخبارات السورية العاملة في لبنان سابقاً، ويدعى أحمد الحجار. وللوهلة الأولى، يتوقع المشاهد أن يسمع بعض الشهادات القاسية. لكن الحجار سيكتفي بالقول «إنّ للـ«بوريفاج» فضلاً على الجميع... كان المحققون يقدمون الشاي للمعتقلين، يسألونهم بعض الأسئلة، ثمّ يغادرون بسلام»!

أما الصحافي أنطوان الخوري حرب، فهو بلا شكّ الشخصية الأساسية في الوثائقي. إذ سيقدّم للمشاهد وجهة نظر مختلفة، لتبدأ معه رحلة الكاميرات إلى قعر المعتقل. يقود حرب الرحلة بنفسه. كيف لا وقد قضى في أروقة هذا الفندق ـــــ المعتقل أياماً سوداء. كان ذلك في عام 1994 حين اقتيد إلى داخل «بوريفاج،» وتحديداً إلى الطبقات السفلى للتحقيق معه ثمّ تعذيبه.

ولا شكّ في أنّه لولا الانطباعات القوية الباقية في ذاكرة الخوري حرب الذي اعتقل هناك، لما وصلت الكاميرات إلى فظاعة الأقبية حيث لم يتغيّر شيء، إلا الطبقة الأولى. كل شيء آخر بقي في مكانه: الزنازين صدأت، والرافعات الحديدية ما زالت في مكانها... وهو ربّما ما دفع رامي الأمين إلى تشبيه هذا المكان بمعتقل الخيام (جنوب لبنان).

كذلك، يحلّ على الوثائقي ضيوف متوقّعون مثل النائب السابق إلياس عطا الله. هذا الأخير كان ضيفاً عزيزاً على «بوريفاج». لكن المفارقة، هي أنّ عطا الله تعرّف إلى المكان في الفترة التي تلت الانسحاب السوري إلى لبنان. كذلك فإنّه لم يذهب إلى هناك زائراً، أو مستطلعاً ذلك المكان الذي هاجمه في السنوات التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ببساطة، سكن هناك في فترة الاغتيالات التي عصفت بالبلاد، لاعتقاده أنه مكان مناسب أمنياً.

الأخبار اللبنانية في

04/10/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)