حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مشهدية ناجحة لحكاية عادية مع هفوات فنية

كمال الرياحي – تونس

الريف التونسي من جديد يطرح في السينما التونسية من خلال رؤية إخراجية للمخرج معز كمون في فيلمه الجديد آخر ديسمبر. فيلم يعرض الآن للعموم في قاعات السينما في تونس العاصمة وضواحيها.

الفيلم يقص حكاية بسيطة لعائشة؛ فتاة ريفية تعدت العشرين سنة قامت بدورها هند الفاهم تطرد من مصنع الخياطة الذي تشتغل فيه نتيجة رفضها الاستجابة إلى تحرّشات مديرها وفي نفس الوقت تعيش قصة حب حميمي مع أحد الشبان الذي وعدها بالزواج ثم فرّ من القرية وترك لها جنينا في بطنها. في ذلك الوقت يصل من العاصمة آدم؛ طبيب فارّ من فضاء مديني يذكّره بفقدان عائلته الصغيرة. الطبيب الذي قام بدوره الممثل النجم الآن في الدراما التونسية والعربية ظافر العابدين ظهر أيضا  كعازف غيتار يثير الارتياب في عيون أهل القرية تتعلّق به الفتاة لكن أمها تعرض عليها الزواج من أحد شبّان القرية العاملين بفرنسا والذي يعود إلى القرية بحثا عن زوجة صالحة. الفتاة لا تتردد في القبول لأن غايتها هي الفرار من جحيم القرية الذي يمثل فضاء منغلقا تحاصره الحجارة من كل مكان. تحاول الفتاة التخلّص من الجنين فتنزل إلى المدينة بمساعدة الطبيب, يحرّض رئيسها في مصنع الخياطة خطيبها بتركها لسوء سمعتها.

وينجح في ذلك.القرية تعيش حالة من التوتّر فالحكومة تسعى إلى إنزال المتساكنين في الجبل إلى تجمّع سكني بنته خصيصا لهم. بينما الأهالي يرفضون النزول ويتمسّكون بالحرية في مساكنهم التي توارثوها ويرفضون جميع الإغراءات. يحاول أحد النافذين هناك أن يستميلهم بإنشاء فرقة للرقص العصري فيستنجد بأحد الشطّار فيأتيه بمجموعة من المومسات لأداء عرض راقص فتفشل عملية التدريب التي سهر عليها موظف السلطة الذي ينشغل طوال الوقت بحياة سرية مع زوجة أحد سائقي سيارات الأجرة قام بالدور الممثل الكوميدي لطفي بندقة المهوس بكتابة الشعر مما جعله يهمل زوجته الثانية ولا يستمع إلى إشارات ابنته الصغيرة التي فشلت في لفت انتباهه إلى خيانة زوجته. تتأزم حال البطلة وتهم ببيت الطبيب ذات ليلة ثم تتراجع في آخر لحظة وتركض باتجاه الجبال يتبعها الطبيب إلى القمة ويدعوها إلى النزول لكنها تسقط سقطة قوية تكاد تكون مميتة يطلب الإسعاف، ليظهر في مشهد أخير الطبيب أمام زورقه يريد الإبحار تلتحق به الفتاة فيعرض عليها أن ترافقه في جولة وتشي النهاية بأنهما سيكملان الحياة معا.

حكاية بسيطة يرويها فيلم معز كمون في مشاهد رائعة كانت أشبه ما تكون بلوحات رسم كلاسيكي لطبيعة حية، فقد نجح المخرج نجاحا كبيرا في اختيار فضاءات التصوير واختيار تلك القرية النائمة على ربوة جبل قاس بصخوره الناتئة مثل عقول أهله المتوحشة. ومن المعروف أن معز كمون من مناصري السينما الجماهيرية وهو من الجيل الثاني من السينمائيين التونسيين والذي يلي مباشرة جيل الرواد ويحسب له في تجربته السينمائية مع الأشرطة الطويلة ابتعاده عن الطابع الفولكلوري وتعامله بمنتهى الواقعية والجدية مع الواقع التونسي المعاصر بلغة سينمائية جديدة لذلك جاء فيلمه فيلما سلسا دون تعقيد يروي قصة إنسانية ومعيشا تونسيا ممكنا في معظمه لولا بعض الهفوات التي بدت واضحة في الشريط وأهمها اللهجة التي كانت تتحدث بها البطلة خاصة والتي لم تغادر القرية وتحلم بالخروج منها من ناحية ومن ناحية أخرى كانت ترطن بلهجة مدينية في أكثر من مشهد وخاصة مشهد تألّمها اقر اكتشافها لحملها والسقطة الثانية للفيلم هو المغالاة في التخييل الذي بدا ساذجا ومسقطا أحيانا خاصة فيما تعلّق بقصة بعث فرقة للرقص العصري وقد بدت مشاهدها بلا معنى وغير مستساغة في تطوّر الحكاية، حكاية سكّان القرية المتمسّكين بقمم الجبال ومساكنهم القديمة. والذي أهملهم الفيلم بعد ذلك إلى النهاية ولم يحسم في أمرهم أصلا ولا أوضح حتى أنهم ظلّوا متمسكين برأيهم بل انه أظهرهم في مظهر الانتهازيين عندما ختم مشاهدهم بأن اتفقوا أن تدفع لهم الدولة كي يغادروا البيوت العالية وهنا يسقط المخرج عن الرفض الجماهيري رمزيته لأنه أصبح رفضا من أن المساومة لا من أجل المبدأ.

كما كانت النهاية فجائية فالانتقال من ذروة الحدث الدرامي وهو سقوط البطلة من الجبل وظهورها بعد ذلك عند الشاطئ مع الطبيب في مشهد رومانسي ختامي بدا مشهدا مبتورا رغم أن التقطيع والمونتاج كان متميّزا من أول الفيلم إلى غاية النهاية المبتورة. وإن كان البطل قد أنقذ البطلة في آخر الفيلم كأنما هو بذلك ينقذ السنة برمتها وهي قراءة ممكنة للعنوان"آخر ديسمبر" فإن النهاية كادت تسقط الفيلم بفجاجة القطع والقفز لولا ما رأيناه من حرفية عالية على امتداد الفيلم وأحسب أنه في الامكان ترميه بمشهد أو مشهدين واحد عن مصير قصة الأهالي وحكاية الترحيل ومشهد بين حادثة السقوط ومشهد النهاية.

وكان المخرج قد سبق أن تحدّث عن فكرة فيلمه قائلا:

انطلقت فكرة فيلم " آخر ديسمبر" عن ملاحظة شخصية لحياة و طموحات المرأة الريفية. مقتنعا بوجوب تغيير نظرتنا لها ذلك أن الفتاة الريفية لها أماني و أحلام مثلها مثل امرأة المدينة. فعائشة بالرغم من ضيق ظروفها تطمح لحياة أسعد.

بهذا الشريط أردت أن أقترب إلى هذه الفتاة التي أصبحت متعلمة و منفتحة على العالم و في الآن نفسه أردته شريطا حيا بعيدا عن الميلودراما و ذلك بشخصيات واقعية و طريفة و قريبة من الجمهور في الآن نفسه.

وكنت قد خيّرت أن أشاهد العرض مع الجمهور بعد يومين من بداية عرضه ولاحظت أن الجمهور مازال غفيرا. وكانت فرصة لأسأل بعض الشباب الذين كانوا يشاهدون الفيلم فأكّدوا لي أنهم لا يعرفون المخرج وأنهم أتوا لمشاهدة نجوم الفيلم الذين أصبحت لهم قاعدة جماهيرية من خلال إطلالتهم التلفزيونية ممثلين أو ضيوفا في برامج التوك شو. وكانوا يقصدون ظافر العابدين الذي أدّى دور الطبيب ببراعة كبيرة ولطفي العبدلي الذي أدّى دور العامل العائد من فرنسا بحثا عن زوجة تقليدية.

وفي المقابل احتد بعض الشباب عن الصورة التي قدمها الفيلم عن المرأة الريفية والتي أظهرها في مناسبتين امرأة متحررة جنسيا تمارس الجنس في العراء أو تخون زوجها وتدخل عشيقها البيت في حضور ابنته.

والواضح أن معز كمون يسلك مسلكا واضحا في الإخراج من خلال البحث عن جماهيرية للفيلم من ناحية ولكنه لا يتنازل عن الرؤية الفنية الراقية من خلال اجتهاده في تنفيذ تلك اللوحات الخلابة حكت حال القرية الجميلة المسماة بالزريبة من ولاية سليانة. سندتها موسيقى تصويرية ممتازة متناغمة مع وجود الغيثارة في الفيلم.

قدّم الفيلم الإنسان المديني المتحضر في صورة المنقذ الذي يساعد الفتاة على التخلّص من حملها الحرام ويسعى إلى مساعدة ثم لا يتردد في أن يتزوجها في النهاية وكأنه بذلك يصلح إن يعالج ما ارتكبه الشاب القروي الجاهل مع أنه لم يهمد لذلك الارتباط بعلاقة حب فقد كانت الفتاة تفكّر فيه أحيانا ولم تكن قصة عشق فهي كل ما يستحوذ على تفكيرها هو الخروج من القرية. والحق هو أن هاجس السفر والهجرة كان التيمة المتكررة في الفيلم من خلال بطلة الفلم التي تتوق إلى الهجرة وترك القرية وصديقها الذي وعدها بالزواج وهي أصلا ابنة رجل هاجر وترك عائلته بلا رجعة وتستقبل رجلا عائدا من المهجر للزواج والعودة إلى فرنسا. الكل يريد أن يسافر ويترك المكان الذي بدا على جماله الأخّاذ خانقا بعقلية سكّانه من ناحية وبالانتهازيين من أعوان السلطة الذين لم يتركوا حتى الأعراض فاستباحوا كل شيء ويهمّون بتهجيرهم من بيوتهم. وقد مثلهم عمدة القرية الذي قام بدوره جمال المداني.

فكرة أن الفضاء الجميل لا يكفي لكي يستقر تستقر فيه العباد كان رسالة واضحة في هذا الفيلم الذي استنجد أحيانا بجمل فجة ليوصل الرسالة كقول كحديث أم الفتاة قامت بالدور دليلة المفتاحي حيث تقول معلقة عن تأخر زواج ابنتها " يا حسرة كيكانت رجال في البلاد ما بقى كان المعيز"

هذه الجملة كانت قاسية للكثير من الذين شاهدوا الفيلم رغم أنهم ضحكوا في البداية ولكن جملة متشائمة وقصووية والحق أن السؤال هنا يطرح ما جدوى هذا الفيلم إذا كانت البلاد لم يبق فيها أمل لأنه لا أمل في المعيز؟

الفيلم إلى الآن يحقق نجاحا جماهيريا وسخطا صحفيا ونقديا ولكن أعتقد أن الجمهور هو الأقوى وهو ما يطلبه المخرج ولكن ملاحظات من نحو اضطراب السيناريو واللهجة العامية التي لم يقع الاشتغال عليها والنهاية المبتورة ملاحظات جديرة بالسماع إلى جانب ما أشدنا به من مشهدية رائعة وإدارة ذكية للممثلين وأداء عال خاصة لظافر العابدين الذي بدا متألقا من مشهد الأول قبل الجينيرك والذي يظهر فيه متأثرا باكيا اقر فقدانه لعائلته.

أعتقد أن هناك عملية تلقي غير صحية من الصحافة التونسية للأفلام التونسية لأن الهجوم يكون عنيفا  في العادة ومن صحفيين هم أصلا غير مؤهلين للحديث عن السينما فيكون نقدهم انطباعي  وحتى الانطباعية لابد أن ترتكز على خلفية ثقافية تجعل للناقد الحق في أن يقدم انطباعاته لا أن تكون المنطلقات الجهل بالفن نفسه. البعض قال لماذا هذا الفيلم بمعنى أين قضاياه الكبرى وكأن السينمائي مطالب بطرح قضايا كبرى حتى يكون فيلمه كبيرا. بينما السينما التونسية محتاجة إلى طرح تفاصيلنا اليومية الصغيرة وإن كان الفيلم تطرّق إلى مسائل خطيرة كالعقلية المتخلّفة لبعض المهاجرين الذين يعيشون في الغرب بعقول رجعية لذلك يعودون إلى قراهم بحثا عن إناث عذراوات وتشكل العذرية إحدى أسئلة الفيلم وتناولها المخرج دون إطناب، وكانت الهجرة واحدة من مواضيع الفيلم والانتهازية واستغلال النفوذ والريف المهمّش من خلال حال العيادة المهملة والمفتقرة لأي مرافق.

نتوقع أن يحصد الفيلم جوائز في مستوى التصوير وفي الموسيقى التصويرية وربما يف أداء بعض الممثلين مثل ظافر العابدين.

ولكن المشهدية الرائعة التي رأيناها والتي شاهدنا مثيلا لها في فيلم نغم الناعورة يوما ما والشعرية العالية للصورة ألا يكون فلكلورا جديدا يدخلنا فيه معز كمون بديلا عن فلكلور المدينة العتيقة؟

سؤال آخر بقي يراودني منذ أن قرأت تصريحا للمخرج إلى جريدة البيان التونسية يسأله الصحفي عن وجود لقطات ساختة من عدمها فيرد المخرج " لا ليس هناك مشاهد ساخنة ولا حتى قبل الفيلم نظيف ويتوجّه إلى كل العائلات" السؤال هنا "هل بقية السينما التونسية سينما وسخة وتتوجّه إلى أبناء الشوارع؟ أم أن حمّى المصطلحات المصرية طالت مشهدنا السينمائي؟ أم هذا الرأي منخرط في الصحوة الدينية في تونس؟ ثم ماذا نعني بالنظيفة لطفي العبدلي يصرخ  في وجه الفتاة معيّرا اياها بفقدان العذرية "ما ناخذش أنت مكسّرة حد ما هو مش ياخذك". ومع ذلك فقد كانت القبل العميقة حاضرة في مشهد من المشاهد.

يشارك فيلم "آخر ديسمبر" في المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة السينمائي الذي سينعقد من 30 نوفمبر إلى 9 ديسمبر 2010، كما تم اختيار هذا الفيلم الجديد ضمن الأفلام المتسابقة على الجائزة الكبرى لمهرجان بيروت السينمائي الدولي الذي سيلتئم ابتداء من 6 اكتوبر القادم.

فيلم آخر ديسمبر لمخرجه معز كمون  قصة وسيناريو المخرج وانتاج مؤسسته سندباد للانتاج سنة 2010  في 104 دقائق  35 ملم  كان تحت عنوان "شهرزاد" وغير اسمه لآخر ديسمبر  حتى لا يصير خلطا بينه وبين فيلم مصري ليسري نصر الله "احكي يا شهرزاد".

للتذكير معز كمون سينمائي تونسي متخرج من المدرسة العليا للسينما والتمثيل بباريس (قسم إخراج)، بعد إنهاء دراسته عاد إلى تونس ليخوض مسيرة طويلة في مجال المساعدة في الإخراج. وهو يمتلك تجربة مهنية ثرية بحكم عمله كمساعد مخرج على امتداد أكثر من 20 سنة مع كبار المخرجين السينمائيين والمسرحين التونسيين و العالميين

وقد فاق رصيده في هذه التجربة الستين فيلما تونسيا و أجنبيا من بينها  مسرحية  « كلام الليل»  لتوفيق الجبالي - الأولى و الثانية ومجموعة من أفلام  للنوري بوزيد  - «ريح السد» و« بزناس»  و«صفائح من ذهب» وفيلم «حلفاوين» لفريد بوغدير و«المريض الأنقليزي» لأنطوني مانغيلا و«حرب النجوم» بجزأيه لجورج لوكاس و«السيدة بيترفلاي» لفريدريك ميتران و«بودي شانغي» لفلوراغومس و«ألقوا السلاح»   لرشيد بوشارب  كما شغل خطة مدير إنتاج لشريط «العيش في الجنة» لبورلام غاردجو.

واخرج معز كمون عدة أشرطة قصيرة وهي «ربما ليلة»(1987) و«صوت النحاس» (1991) و«برج كاستيلو» (1995) و«كاتب عمومي (2001) إضافة إلى فيلم وثائقي بعنوان «مرحلة من التاريخ» (1998) .ويعد فيلم « آخر ديسمبر » ثاني فيلم سينمائي طويل له بعد فيلمه الأول « كلمة رجال» المقتبس عن رواية "بروموسبور" لحسن بن عثمان.

الجزيرة الوثائقية في

23/09/2010

 

"نانوك الشمال" و"ارض بلا خبز" .. وثائقيات مؤسسة

د. فاطمة الصمادي 

في الدراسات السينمائية المعاصرة ،وفي الدروس التي تقدم في كليات الفنون والسينما، لايمكن الحديث عن السينما الوثائقية دون التوقف عند مجموعة من الوثائقيات الكلاسيكية التي كان لها تأثير بالغ على هذا الصعيد وفي هذا المرور نختار ثلاثة أفلام سجلت كآثار لاتمحى في تاريخ الفيلم الوثائقي وهي : "نانوك الشمال"عام 1921 للمخرج الأمريكي روبرت فلاهرتي، "ارض بلا خبز" عام 1932 للإسباني لوئيس بونويل و "ليل و ضباب" عام 1955 للمخرج الفرنسي آلن رينه.

إن كان يمكن أن نطلق على فيلم قديم يعود تاريخيه إلى بدايات القرن العشرين (1921) بأنه فيلم وثائقي بالتعريف المعاصر  فذلك سيكون من نصيب فيلم "نانوك الشمال"   Nanook of the North  للمخرج روبرت فلاهرتي ، الذي وثق بشكل ملفت لحياة مجموعات بشرية عاشت قبل اكثر من مئة عام ومن ذلك فيلمه هذا وفيلم آخر حمل عنوان "ماونا" عام 1926. ويعتبر "نانوك الشمال" فيلما وثائقيا روائيا . عاين فلاهرتي الذي كان عالم معادن في منطقة القطب الشمالي  عن قرب حياة قبائل الأسكيمو الشاقة ، واستوقفت تلك الحياة إهتمامه الذي قاده لصناعة هذا الفيلم.

قام فلاهرتي عام 1920 بالسفر و الإقامة مع إحدى عائلات الإسكيمو ، وكان في تلك الإثناء يقوم بتصوير الحياة اليومية لهم من خلال رجل يدعي نانوك ، وبعد 16 شهرا عاد فلاهرتي و في جعبته كم لايستهان به من الأفلام ، ومن بينها استطاع أن يخرج فيلم "نانوك الشمال" بمدة 75 دقيقة ، ولقي الفيلم عندما عرض توجه النقاد و المشاهدين على حد سواء. و كان من أسباب نجاحه غرابته في ذلك الوقت ودقة صنعه فقد كان أول فرصة يتعرف فيها عامة الناس على الإسكيمو و طريقة عيشهم.وفضلا عن فرادة موضوعه جاء الفيلم من الآثار التي يمكن القول عنها بأنها "منحصرة بفرد" من حيث الجاذبية، وبما حققه من نجاح كان "نانوك الشمال " يفتح الباب واسعا أمام عرض أفلام وثائقية أخرى تصور حياة أقوام مختلفين يعيشون في أماكن قصية من الكرة الأرضية. وعلى صعيد الكلفة الإنتاجية جاءت الكلفة المتواضعة للفيلم لتشجع على إنتاج الأفلام الوثائقية و هو ما جعل شركة بارامونت (Paramont Pictures ) تقرر تمويل فيلم آخر على غرار "نانوك الشمال" .

بعد فيلم "نانوك " إنطلق فلاهرتي ليصنع فيلمه "موانا" ، وتضمن الفيلم مسحة شاعرية و هو يروي الحياة اليومية لسكان جزرالبحيرات الجنوبية في ساموا، وتم هذا الفيلم بعد عشرين شهرا من العمل المتواصل . في هذا الفيلم أدخل فلاهرتي استخدام نيكتيف ال"بانكروماتيك " الذي كان من الممكن مشاهدته بجميع الأطياف اللونية ،وكان منتجا حديثا في ذلك الحين. حاز هذا الفيلم على إعجاب النقاد لكنه لم يحظي بارحيب مماثل من قبل المشاهدين.واصل فلاهرتي صناعة أفلام وثائقية ، لكن هوليوودو بإدخالها لنظام الإستديو، وتدخلها المبالغ فيه في طريقة إنتاج الأفلام الوثائقية و سعيها المحموم لإنتاج أفلام تجارية أصابته بخيبة الأمل،ليهاجر بعده إلى المملكة المتحدة.

أرض بلا خبز..

في 22 دقيقة قدم المخرج الإسباني لويس بونويل عام 1932فيلمه الوثائقي "ارض بلا خبز" ويحكي الفيلم قصة شعب "هوردانو" الفقير في سفوح الجبال التابعة لمنطقة انفصلت عن اسبانيا. يرد اسم هذا الفيلم وحيدا عندما يجري الحديث عن السينما الوثائقية الإسبانية ،لكن بونويل لديه الكثير من الأفلام الهامة ومنها أثره العظيم ذا النظرة السوريالية "الكلب الأندلسي" وفيلم آخر حمل عنوان "العصر الذهبي" إضافة إلى أفلام كوميدية.

يصور الفيلم صراع شعب "هوردانو" مع الطبيعة للبقاء على قيد الحياة ، بينما يحاصرهم الجوع و المرض واليأس في محيط طبيعي قاس، لايقل قسوة عن ذلك الذي نراه في "نانوك الشمال " ،لكن مع وجود اختلاف و تفاوت لايمكن تجاهله ،فالطبيعة في "نانوك الشمال" وإن كانت قاسية و خشنة إلا أنها ليست عدوا للإنسان، والفرصة متاحة أمام نانوك و عائلته أن يجدوا قوتهم في قلب الطبيعة، أما في "ارض بلا خبز" فالطبيعة وحش عظيم ، وهي في ذات الوقت سبب الفجيعة وأبرز مظاهرها، لكن المجتمع أيضا مساهم في هذه الفجيعة.

في هذا الفيلم يتساوي كل من في هذا المجتمع في الشقاء وجميعهم يتحمل وزر هذه الفاجعة، وإن كان بونويل قد طرح مشكلة إجتماعية غير أنه أحجم عن تقديم حل لها. ونرى في الفيلم جوانب راديكالية، تشبه تلك التي نجدها عند الفيلسوف الألماني فرديريك نيتشه، وهي راديكالية فلسفية وليست سياسية . يمكن القول ان بونويل يشترك بالفكر مع نيتشه ،فكلاهما يرى بضرورة تغيير المجتمع، لكن تغيير المجتمع لايتم مالم نتغير نحن، ونحن لانتغير مالم تتغير أفكارنا. يرى بونويل أن مشكلات كالإقطاع و تغول رأس المال لاتنتهي مالم يتم اقتلاع الجذور الفكرية التي تغذيها.

لاتكمن القضية في "ارض بلاخبز" في "هوردانو" فقط ، ولكنها مشكلة العالم أجمع من وجهة نظر بونويل، إنها قضية "الأرض الخراب" أو "الأرض غير الموعودة" ، فأهالي هوردانو برغم الفقر و العوز ليسو أكثر بداوة من غيرهم من الشعوب . إنهم ممثلون و معرفون للبشرية ، فنحن كبشر نعيش في عالم "لاخبز فيه" من الناحية المادية و المعنوية، العالم المطرود من الرحمة الإلهية.

ليل وضباب..

ورغم أن البعض يميل إلى القول بأن "ارض بلا خبز " هو فيلم سياسي ، إلا أن الإمعان فيه كفكر يجعله في قائمة الأفلام الفلسفية ، لكن "ليل و ضباب" هو فيلم سياسي بإمتياز ، وهو الفيلم الوثائقي الذي أخرجه الفرنسي  آلن رينه عام 1955 ، هذا فيلم فيه من الصخب ما يناقض الهدوء الذي كان يلف معسكر أشفيتش النازي  بعد المحرقة .يوظف الفيلم بذكاء صورا ارشيفية للحرب العالمية الثانية لنشر حالة من التأمل و إعادة التفكير و الشعور بالذنب. بمدة 32 دقيقة وبالأبيض و الأسود يحدث رينه مشاهديه عن مصير السجناء في ذلك المعتقل الشهير، ويعمد إلى إلى طريقة مركزة و مختصرة ، لكنه يركز بشكل أكبر على طرح أسئلة ملحة حول المسؤولية الإنسانية أمام معاناة السجناء و عذابهم. وحصل الفيلم على الجائزة التي تحمل اسم جان فيغو عام  عام 1955.ويصنف الكاتب فرانسوا تروفو "ليل و ضباب" بأنه من أكبر الأفلام التي عالجت موضوع الحرب ، وهو في الواقع فيلم ضد الحرب ينفر منها و يصور جحيمها. وجاء"ليل و ضباب" بداية إنطلق منها رينه ليخرج أفلاما مهمة أخرى مثل "هيروشيما ..معشوقتي" عام 1959 و "العام الماضي في مارين" عام 1969 و "المشيئة الإلهية "عام 1977.

الجزيرة الوثائقية في

23/09/2010

 

ساندرا أبرص: حديث عن المفقودين وتجارب أخرى

نقولا طعمة – بيروت 

الفيلم الوثائقي "17000" لساندرا أبرص من إنتاج الجزيرة الوثائقية، يعرض قضية المفقودين، وقد عرضه في  "يوم المفقود" الذي أحيته جمعية "العمل من أجل المخفيين" بالتعاون مع هيئات معنية بالقضية مساء يومي 3 و 4 أيلول (سبتمبر) الجاري.

ساندرا أبرص أخرجت الفيلم اللبنانية من ضمن سلسلة "شهادات ضد الإنسانية"، واعتمدت فيه على مقابلات مع أهالي المفقودين، وعدد ممن أفرج عنهم، بالإضافة لأشخاص عايشوا القضية، وتراكمها التدريجي، ومنهم من مارس عمليات الخطف.

وعلى امتداد ساعة من الزمن، تلخص ساندرا القضية بكثافة وبراعة لافتتين، منطلقة من شخصية باتت رمزية في القضية هي أوديت سالم الفاقدة لابنيها وزوجها أوائل الثمانينات، وساهمت بفعالية- إلى جانب مهتمين آخرين- في إحياء قضية المفقودين عبر إقامتها في الخيمة المنصوبة أمام الأسكوا ببيروت. لكنها قضت منذ نحو عام في حادث سير أمام الخيمة.

تتحدث ساندرا عن ثلاث جهات مسؤولة عن المخفيين قسرا وهي الداخل اللبناني بما يعنيه من صراعات بين القوى السياسية، وسوريا، وإسرائيل. وتقيم مقابلات مع مفقودين محررين، أو أهاليهم من الأطراف الثلاثة بموضوعية.

وكعادتها، تغرق ساندرا في البحث في القضية التي تعالجها حتى تصبح جزءا منها. وتعلق على قضية المخطوفين بأنها " أقسى بكثير من القتل.. إنها صعبة ومرة. لقد جعلتني التجربة معنية بالقضية بالصميم وكأن المفقودين كلهم يخصونني”.

ولساندرا باع طويلة في الفن التصويري، والتوثيق، ولها رؤية وأسلوب خاصين بها، ولشدة ولعها بعملها، تشعرك أنها  ولدت وبيدها آلة تصوير، أو قلم تعد به أفلاما قادمة لزمن غير مرئي. ورغم أن الاهتمام لديها بالفيلم ناعته لم يبدأ إلا في الثامنة عشرة من عمرها، لكنها مجبولة بالفيلم، وبحبه، تعجنه بعقلها وتتصوره بمخيلتها، ولا تبدأ العمل عليه، وتنفيذه قبل الغوص عميقا في تفاصيله باحثة عن كل خفاياه وعناصره، حتى إذا شعرت أن معطياته نضجت، أدركت أنها قطعت نصف المسافة حتى نهايتها.

ساعتئذ يبدأ المشوار التقني والفني والتخيلي لإخراجه.

تجربتها...

لم تكن ساندرا تدرك علاقة الحب بين التصوير والرواية. فهي أحبت التصوير فكان أبواها يذهبان إلى العمل، وتبقى في المنزل تشبع نهمها للتصوير.. تمارسه بكاميرا الهواة. وكانت تحب القصص والأخبار والروايات. ميول لا تحتاج إلى دراسة جامعية ملحة، ولا إلى شهادات عالية بقدر ما تحتاج إلى رؤية ومخيلة و"حاسة شم" حساسة للوقائع.

وقبل أن تكتشف انه بالإمكان جمع المهارتين، الرواية والخبرة التقنية الإخراجية، لإنتاج أفلام وثائقية من أصناف مختلفة، بدأت تشتغل بتقنيات تصوير الإعلانات، وبشكل تخصصي، وبعد ذلك بإخراج برامج متنوعة مع حطات تلفزيونية مثل  MBC و "أوربيت" وغيرها.

سبق عملها الإعلاني- التلفزيوني التوجه للدراسة الجامعية، فالتحقت بالجامعة اللبنانية- الأميركية لدراسة فن لتواصل.

تقول ساندرا إن "التجربة تقدم للفنان أكثر من الدراسة أحيانا على مستوى معين، ولذلك لا ضرورة للدراسات العليا، خصوصا في مجال السينما، فاعتمدت على الحياة العملانية أكثر مما اعتمدت على الدراسة، واكتفيت بالتخرج الجامعي من جامعة ال BA”.

وفي مقابلة معها تحدثت عن بداياتها في العمل التفزيوني حيث أنتجت الكثير من الأعمال، وكانت الأعمال حلقات على المستوى الثقافي والفني وغيره”.

وفي هذا المجال اكتسبت خبرات متنوعة. تقول: "تدربت على مختلف التقنيات الضرورية للسينما مثل الإضاءة والإخراج والمونتاج، وعملت فيها مع عدة شركات. وفي تلك الفترة كنت أحلم أن أكون مديرة تصوير، لكنني نقلت الحلم للإخراج، ولم أكن خاسرة في حلمي. ورحت أشتغل على إعداد الأفلام، وإخراجها بنفسي”.

وعن بداياتها في الأفلام الوثائقية، قالت: "منذ نحو ست سنوات بدأت بالأفلام الوثائقية. هنا علي تأمين الفكرة، وربما طرحها أحد علي، ومتى تقبلتها، تحمست لها، وانطلقت بها. أستخرج الفكرة من الواقع الذي أعيشه، وأنطلق للعمل عليها. المهم أن يكون الدافع متوافرا لنجاح العمل".

أفلامها الوثائقية..

اعتمدت ساندرا خيارات صعبة لإنتاج أفلامها، إن على صعيد الموضوعات التي كانت شديدة التعقيد والحساسية أحيانا، أم على صعيد الأسلوب البحثي المتقدم والمعمق.

تقول إن أول أفلامها هو تاريخي- سياسي عن الرئاسة اللبنانية الأولى منذ بشارة الخوري، أول رئيس رسمي لجمهورية دولة لبنان الكبير، وكان بحدود الساعة طولا. تبعته بآخر عن الرئاسة الثالثة، أي رئاسة الحكومة، بالمنحى عينه، مع إضاءات على إشكاليات حكمت العلاقة بين الرئاستين أحيانا، وطوله أيضا ساعة.

وتنطلق بعد ذلك من الفيلم الهادئ إلى بداية المغامرة مع فيلم "شبح القرصنة"، وهو من جزئين، في ساعة لكل منهما. وشرحت كيف كانت تغوص في إشكاليات موضوعها القاصد للقرصنة الفكرية والثقافية والتقنية الرائجة في عصر الكومبيوتر، بدءا من قرصنة قطع الكومبيوتر الأساسية، والأفلام والأقراص المدمجة، وأنواع النسخ، حتى كادت تتخصص بكل جانب من جوانبها قبل أن تخرجها فيلما موثقا وواسعا عن الأشكال المختلفة لهذه القرصنة في لبنان.

ثم "بيوت بيروت القديمة" وهو وثائقي لساعة عن بيوت بيروت التراثية، وتشكيلاتها، ومصادر تصاميمها الأوروبية المتمازجة مع الطابع المحلي.

وثمة فيلم عن حرب إسرائيل 2006 على الصناعة اللبنانية وكان من المفترض إجراء مقابلة مع وزير الصناعة آنذاك بيار الجميل، وبسبب حادثة اغتياله المفاجئة خلال إنتاج الفيلم، خصصت الفيلم إهداء في بدايته للراحل الجميل.

مع الجزيرة..

إضافة لفيلمها "17000"، وصلت عدة أعمال لها من خلال "هوت سبوت فيلمز" ل "الجزيرة"، فمن ضمن سلسلة "حكايات الشوارع" للجزيرة ، وضعت فيلما عن آخر معاقل ال"كوزموبوليتية" في لبنان وهو شارع الحمراء. وتقول: “عرضت كيف كان الشارع ندا للشانزليزيه، ثم تغير تحت وطأة الأحداث ليصبح شارعا شبيها ببقية أحياء بيروت”.

والفيلم نصف ساعة بحسب شروط "الجزيرة"، وتم من خلال شركة "هوت سبوت فيلمز أيضا.

ومن ضمن السلسلة عينها، جاء فيلمها "عين الرمانة" تحت عنوان "قلعة الصمود"، وقالت: "وضعته من خلال تحقيقات ومقابلات مع الناس في الشارع، من الذين عايشوا حادثة بوسطة عين الرمانة وما تلاها من أحداث على خط التماس التقليدي”.

"نريد نعود" عن اللاجئين العراقيين ضمن سلسلة "شهادات ضد الانسانية" أيضا، وقد "ترددت عليهم كثيرا وأجريت معهم لقاءات عديدة قبل أن أبدأ تصوير الفيلم لكي أعكس حقيقة معاناتهم".

وثمة تجربة فذة في فيلم "ناجي العلي" الذي وضعته من ضمن سلسلة "جريمة سياسية" لفضائية الجزيرة. تابعت ساندرا قضية العلي، ومزجت فيه الرواية بالتوثيق، وصور في خمسة بلدان، مع فريق تصوير وتمثيل وتقني كبير ساهمت فيه جوسلين أبي جبرايل كمديرة تصوير في المشاهد التمثيلية الروائية، فكان عملا مميزا من جزئين، في 48 دقيقة لكل منهما.

لساندرا مشاريع مستقبلية صامتة راهنا.

الجزيرة الوثائقية في

23/09/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)