حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«بنتين من مصر»..

المقالة السينمائية والواقعية السوداء

بقلم : دعاء حلمي

كثيرا ما يكون المجتمع هو المحدد الأول لطبيعة الموضوعات التي تعالجها الشاشة الكبيرة ولأن ظاهرة الشكوي واليأس من كل شيء  أصبحت هي السمة الاساسية للمجتمع المصري في الاونة الاخيرة فقد قدمت  السينما  بالتبعية موضوعات يغلب عليها هي الاخري اليأس والاحباط وهو ما ظهر واضحا في افلام الموسم السينمائي الحالي ومنها افلام (عصافير النيل وتلك الايام والديلر وعسل اسود والكبار)  ولكن باختلاف المعالجات التي قدمها صناع كل فيلم منها وهو ما قد نتفق علي بعضها ونختلف في اسلوب المعالجة للبعض الاخر وهو ما حدث بالفعل في فيلم بنتين مصر الذي اختلفت حوله الاقلام فيما اذا كان اسلوب معالجة الموضوع  في اطار درامي يخدم قضيته ام ان  اسلوب الطرح المباشر جعل من الفيلم مقالة في جريدة من جرائد المعارضة مفتقدا الكثير من مفردات اللغة السينمائية؟  فالفيلم يدور حول فتاتين في اوائل الثلاثينات من عمرهما تعمل كل منهما في وظيفة جيدة فحنان ( زينة ) تعمل كأمينة مكتبة في احدي الكليات والاخري داليا ( صبا مبارك )ابنة عمها فتعمل كطبيبة في إحدي المستشفيات الحكومية الا ان الفتاتين ورغم مقوماتهما الشكلية والاخلاقية الا انهما في حالة انتظار لاتنتهي ولا تكتفيان بالانتظار وفقط بل يظلان في حالة بحث متواصل عن زوج منتظر ينقذهما من شبح العنوسة فتلجأ الاولي إلي مكاتب الزواج بلا جدوي رغم تنازلها عن اي شروط لزوج المستقبل والاخري تبحث عنه في غرف الدردشة ( الشات ) علي الانترنت لتتعرف علي جمال ( احمد وفيق ) ذلك الشاب الذي اصبح علي مشارف الاربعينات لكنه يرفض الزواج لتعرضه للتعذيب بسبب نشاطه السياسي مما جعله يخشي علي أطفاله من مستقبل المجتمع المظلم حتي لا يموت احدهم من التعذيب في احد السجون !

 قضية مجتمعية

فجأة يأتي خلاص كل منهما فحنان يأتيها العريس المنتظر خالد (اياد نصار) الذي يعمل استاذا بالجامعة ولكنه يتركها لانه لايستطيع التخلص من هواجسه الخاصة بماضيها فهو لا يستطيع ان يثق في أي فتاة حتي وان تأكد من عذريتها .

ويتقدم للأخري شاب يعمل علي استصلاح ارضه الصحراوية ليحيا بها هو واسرته المستقبلية الا انه يترك داليا لانه صدر ضده حكم قضائي ويجب ان يرحل هاربا من البلد !

لتبقي كل منهما وحيدة في نهاية المطاف مرة اخري الفيلم يناقش قضية ملحة وهي العنوسة التي اصبحت واقعا تلمسه غالبية فتيات مصر لأسباب مختلفة منها الظروف الاقتصادية التي يحياها الشباب بسبب البطالة أو هروبهم إلي الخارج او حتي هروبهم إلي الداخل ورفضهم للزواج خشية  من المستقبل المظلم فالشخصيات بمجملها جاءت محبطة وسلبية وفي حالة من المعاناة التي لاتنتهي.

 لغة الحوار

 اللغة الحوارية التي يتحدث بها جميع شخصيات الفيلم مستخدمين نفس المفردات فجاءت في صورة مباشرة وخطابية اقرب للمقالة منه إلي  حوار في فيلم مثل جمل ( المجتمع فاسد والمنظومة كلها فاسدة مفيش مستقبل احنا بنطالب بالتغير ومستقبلنا غامض والسماد بايظ ليلخص جمال كل هذه السلبية والسوداوية في جملة ينعل أبوالعفن اللي عايشين فيه!!!! )كما استخدمت الجمل الحوارية المباشرة والتي قد تصل إلي حد المبالغة في مشاهد عديدة منها المشهد الذي تذهب فيه  حنان إلي طبيبة امراض النساء التي تكشف عليها لتثبت ان كانت بكرا ام لا؟ وتوجه لها اسئلة صادمة عن تفاصيل عملية الجماع ولم يكتف السيناريو بهذا القدر من المباشرة بل رأيناه في المشهد الذي تناقش فيه الدكتورة الاجنبية الفتيات في المستشفي عن سبب تأخر زواجهن إلي الان لتجيب كل منهن عن هذا السؤال بأسباب  مختلفة لكل منهن في مشهد اقرب ما يكون إلي فقرة في برنامج حواري عن اسباب العنوسة في مصر ونظرة الغرب لنا !!

صحيح انها حوارات تحدث في واقعنا  ولكن هل يمكن نقل كل ما يقال في حياتنا اليومية إلي شاشة السينما؟ وهنا لانناقش قضية الاساءة لسمعة مصر لانها تهمة لا يمكن ان نصف بها فنا ايا كان ولكن السؤال المطروح هل المباشرة والمبالغة في الحوار والشخصيات والبعد عن اللغة السينمائية التي تغلف كل ذلك  والاكتفاء بحالة من البكاء والنحيب المتواصل  اصبحت هي كل ما يلزم لتقديم فيلم جاد يناقش هموم وطنه بغض النظر عن الشكل الدرامي ؟

ولأن الموسيقي التصويرية يجب ان تصور الحالة الشعورية للشخصيات فكان يجب ان تجاري الحالة الكآبية العامة للفيلم فجاءت حزينة مغلفة لغالبية مشاهد الفيلم وكانت في بعض المشاهد اقرب لصوت النحيب لايصال مدي ما تعانيه هؤلاء الفتيات وهو ما قدم في اكثر من مشهد منها مشهد محاولة حنان ارضاع طفل صغير لتمارس أمومتها المفقودة وكذلك المشاهد الخاصة بأحلام البطلات  فكانت الموسيقي الحزينة مصاحبة لغالبية الاحداث لزيادة الشحنة العاطفية الحزينة.

مشاهد قائمة

جاءت غالبية مشاهد الفيلم باضاءة قاتمة وظلال سوداء لتلائم طبيعة الشخصيات والأحداث بالفيلم وكان استخدام الفواصل السوداء بين مشهد واخر من ضمن الاساليب التي لجأ اليها المونتاج للانتقال من حدث لاخر ( وكأن القضية ينقصها سواد ) اما اماكن التصوير فقد اختار المخرج اماكن تصوير داخلي فغالبية المشاهد كانت اما في غرف نوم الابطال او عيادة العلاج النفسي او حتي داخل مكاتب الكلية التي تعمل بها حنان ( زينة ) او داخل المستشفي التي تعمل بها داليا وهو ما زاد من احساس انك تشاهد حلقات حوارية في احد البرامج فلا حركة كاميرا ولا ميزانسين يتحرك من خلاله الممثلين ولا اماكن تصوير مختلفة فبرغم انها التجربة الاخراجية الثالثة للمخرج والسيناريست المتميز محمد امين الا انه في هذا الفيلم افتقر إلي العديد من ادواته التي تميز بها ومنها الروح الساخرة التي كانت تغلف اعماله السابقة في نقده للمجتمع  بالاضافة إلي اختيار ابطال الفيلم  فقد  اختار احداهما الفنانة زينة التي اصبحت المرادف الاساسي للبنت الساذجة البريئة الذي سبق وقدمته من قبل في اعمال عديدة ولم تقدم بشكل جديد وان كانت زادت من جرعة البكاء في هذا الفيلم اما البنت الاخري والتي من المفترض انها بنت من مصر فقدمته الفنانة الاردنية ( صبا مبارك ) وليس الاعتراض علي انها اردنية تقدم دور بنت مصرية ولكن ان تكسر لهجتها المصرية الضعيفة حاجز التواصل مع المتفرج فهو ما اخذ من ادائها الكثير بالاضافة إلي ان تعبيرها في كثير من المشاهد اتصف بالجمود رغم قوة الحدث الذي من المفترض انها تمر به سواء عندما تخلي عنها خطيبها في مشهد المطار او عندما  يتم رفض الماجستير الذي كان يمثل بارقة الامل الوحيدة لها في حين نري اداء مبالغا به وموسيقي حزينة بالخلفية وبكاء شديدا عندما تفاجأ باهتمام جمال بها !!

توك شو

 مجمل  قضايا الفيلم من الواقع ولكن الواقع وحده لا يكفي كي يصبح فيلما فأحداث الفيلم جاءت اقرب إلي فقرات مجمعة من احباطات الشباب ومشاكل المجتمع وكأنك امام احد برامج التوك الشو التي اصبحت في مجملها لا تقل سوداوية عن احداث الفيلم فإذا كنا نعيب علي الافلام الكوميدية انها عبارة عن مجموعة من الاسكتشات الكوميدية المجمعة لانتزاع ضحكات المتفرج فيبدو انها اصبحت سمة افلام الواقعية السوداء التي اصبحت  تقدم فقرات من الكآبة والاحداث الحزينة المتواصلة  لانتزاع دمعات المتفرج وبين هذا وذاك ضاعت البنية الدرامية والاحداث المترابطة واللغة السينمائية ولم يبق لنا رثاء سوي انها تقدم الواقع ؟؟

جريدة القاهرة في

13/07/2010

 

زمن الدوائر المغلقة

بقلم : محمود قاسم 

تري متي كتب السيناريست المخضرم بشير الديك سيناريو فيلمه «الكبار» بالضبط.. هل كتبه مؤخرا، أم أنه كان أحد السيناريوهات الجاهزة الموجودة عنده منذ بداية الثمانينيات حين كان يكتب السيناريوهات لعاطف الطيب، وآخرين، وليست أبدا الفترة التي كتب فيها أفلاما قامت ببطولتها نادية الجندي وأخرجها نادر جلال؟

أغلب الظن أن سيناريو جيد من كاتب متميز مع التجربة الأولي لمخرج شاب يقدم فيلمه الروائي الأول، يصنعان عملا متميزا، وسط هذا الزخم من الأفلام التي لا تشجع الناقد أن يذهب لمشاهدتها، حتي لا ترتفع درجة حرارته إلي ما فوق الخمسين.

دوائر مغلقة

اسم «الكبار» يوحي بموضوعه وسط الحديث السياسي الاجتماعي المستمر عما يحدث الان ودوما في عالم الكبار، الذين يقيمون في أبراج عاجية، يعيشون في دوائرهم المغلقة المتسعة، يديرون نقودهم السيالة عن طريق تعاملاتهم الدائمة مع كل ما هو ممنوع: تهريب أدوات طبية فاسدة، وتغيير فواتير الاستيراد، وتبرئة كل من  هو مدان، وشراء ذمم المحامين والمستشارين.

وهو موضوع قديم، وإن كان يجدد نفسه، لكنه كما أشرنا أفضل ألف مرة من السادة «الليمبي، ونور عيني، وغيرهما، فعلي الأقل فنحن أمام عمل جاد يخلو من كل التوابل السينمائية التجارية المعروفة، حتي وإن كان الفيلم أقرب إلي سهرة تليفزيونية من السهرات التي توقفت إدارة الإنتاج عن عملها، حيث لم يعد فيها ما يشد الانتباه.

والموضوع الرئيسي لا يتضمن أي جديد مدهش حول رجل القانون الذي لن يغفر لنفسه أنه كان سببا في إعدام مواطن بريء، اكتشف قبل إعدامه بساعات أن محمود لم يقتل، وأنه بريء، فهرع إلي قاعة الإعدام ووصل والمقصلة «حبل المشنقة» قد التفت تماما.. هذا الحدث يدفع وكيل النيابة الشاب كمال القاضي أن يحاول التكفير عن ذنبه، بأن يتقرب إلي أهل الضحية، مهما كانت محاولات صده، وأن يكون دوما إلي جوار الحق.. مهما كانت العقبات حتي وإن ظـهر لنا لفترة أنه حاد عن مسار الحق والخير والفضيلة.

مركب بلا صياد

في ذهني الآن علي الأقل مائة وخمسون فيلما، ورواية أدبية، تتضمن هذه الفكرة، منها روايات كتبها برنارد مالامور، وجون جريشام، والعشرات من الروايات وأفلام الجريمة ومنها في مصر «عيش الغراب» ومسرحية «مركب بلا صياد» لاليخاندور كاسونا التي تحولت إلي فيلم مصري بعنوان «اختفاء جعفر المصري» إخراج عادل الأعصر وبالتالي فإن ما يتعرض له وكيل النيابة كمال، وزميله ضابط الشرطة علي، ليس بالأمر الجديد، وهو أمر بالغ الأهمية في أي عمل جديد نشاهده، وهو أن يحدث الدهشة في داخل المتفرج، لكن الدهشة لا تكاد تتولد هنا، إلا في مشاهد معينة، وفي أن عبقرية الفيلم إذا كانت هناك عبقرية تتجلي في الأماكن التي تم فيها التصوير، حتي لتكاد تتساءل: هل هذه الأماكن في مصر؟ فلا أعتقد، مثلا أن أحدا صور القاهرة الجديدة بمثل هذا الجمال ولا كوبري ستانلي من إحدي شرفات فندق سان جيوفاني.

أي أن كاميرا الفيلم حاولت اكتشاف أماكن يكاد المصريون يعرفونها أو يشاهدونها، كي يرونها بمنظور مختلف، إلا أن الحدوتة والأشخاص تكاد لا تكون جديدة فالمرتشي شرير، ويفعل دوما ما يجعلك تكرهه. رغم أنه حسب وصف الفيلم لا يكاد يعرف مشاكل من أي نوع، ولا يحتك مباشرة بالناس.. ولعل ما يدفعنا إلي أن نقول إن السيناريو قديم، إن كل هؤلاء الناس لا يستخدمون الأجهزة العصرية خاصة الموبايل في حيواتهم، إلا فيما ندر مثل سكرتيرة كمال التي تبلغه بزواره عن طريق الموبايل.

شخصيات نمطية

مثل هذه الشخصيات النمطية، فلابد لوكيل النيابة أن يصاب بالصدمة، وأن يذهب إلي بيت المعدوم لتوه، لمقابلة أخته هبة، وتقديم يد العون، فيتلقي كلمات خطابية تقليدية منها من طراز الناس دول كلهم مالهومش ضهر.. والمساعد ربنا، و«أمش يا بيه» ولابد لكمال أن يتصرف علي طريقة راسكو لنيكوف، أن يكفر عن خطيئة، وأن يساعد الفتاة فيترك النيابة ليتحول إلي محام.. بعد أن طاردته كوابيس الندم وهو نائم.. وبعد أن مات أكثر من شخص فقاطعت مسيرته مع مسيرة كمال مثل الطفل كريم.

وكعادة هذه الأفلام فإن التغير لا يحدث للبطل من المرة الأولي، فالمحامي الجديد يتعرض للضرب، والتهديد تبعا لمواقفه في المحكمة في مسألة مقتل الطفل كريم، مما يدفع بأهل القتيل أن يغيروا من شهادتهم أمام القاضي، من أجل تلافي الخطر الذي يحوق بالمحامي، وبالأهل أنفسهم، لذا فإن المحامي يلجأ إلي الكباريهات وبنات الليل، ويصل إلي درجة الإفلاس، وهنا فقط يأتي دور الطرف الثاني، صديقه الضابط علي الذي يحاول إعادته إلي رشده، فيقوم بالقبض عليه، وإلقاء بعض التهم ضده، قبل أن يطلق سراحه كنوع من شد الأذن.

ظاهرة أدبية

استخدم السيناريو آلية الحكي علي لسان الشخصية الرئيسية في الفيلم، حيث يعبر عن مكنونه من خلال جمل بعينها، يرددها من أعماقه، فتصبح الصوت المسموع لما يفكر فيه، وقد استخدمها بشير الديك عند اللزوم، وبطريقة خاصة به باعتبار أن هذه الظاهرة أدبية في المقام الأول، وأن داود عبدالسيد هو أول من استخدمها بشكل متكامل، أي أن البطل الشاهد علي الأحداث يقوم بالحكي طوال الأحداث، فلا نسمع سوي صوته، إلا أن كمال في «الكبار» يحكي لنا أحيانا، لكننا نعرف بقية الحكاية عن طريق كاتب السيناريو نفسه، مثل أن تكون السكرتيرة شاهدة علي أن كمال أخذ صحيفة الحالة الجنائية الخاصة بالحاج خالد الصاوي، دون أن يدرك هو ذلك، كما أن قيام الضابط علي بتفحص الملفات القديمة وأوراق صحف زمان للوصول إلي حالة الحاج، لم يكن للراوية دور في الشهادة عليه.

أي أن قيام الشخصية الرئيسية بالحكي هنا جاء علي غير مألوف أسلوب الحكي في الرواية، أو الدقة في الدراما، وجعل الحكي بديلا عن تصوير مشاهد إضافية، قد لا يكون لها لزوم في فهم القصة وحواشيها.

المعالجة التقليدية تمثلت في المواجهة بين الأشرار أو الأخيار، أو بين الخارجين عن القانون وبين أشخاص لديهم توقد ملحوظ في الدفاع عن العدل، وقد ظل كمال بريئا، رغم أنه حاول أن يدفع أستاذه الأسبق أن يرتشي مبلغ 5 ملايين جنيه لتبرئة أشخاص ارتكبوا الجرائم فعلا، وقد استخدم الفيلم سببا تقليديا للغاية، كي يجعل المستشار ينطق بحكم البراءة، وقبول النقود التي لم يأخذها، وهو أن ابنته الوحيدة مريضة بالقلب، وأنه في حاجة إلي المال لإجراء العملية، ومن الناحية التاريخية، فإن عمليات القلب المعروفة في الفيلم باسم «زرع قلب» قد تغيرت في العقد الحالي إلي ما يسمي «بالقلب المفتوح» وهي تتكلف الآن مبالغ لا تزيد علي العشرين ألفا علي أكثر تقدير، مما يؤكد أن الديك كتب سيناريو فيلمه منذ سنوات طويلة أو علي الأقل بعقلية كاتب لا يزال يعيش في العقد التاسع من القرن الماضي.

سلوك الأبطال

ورغم أنني ضد انتقاد الفيلم من خلال سلوك أبطاله، لكن لم يكن هناك المبرر أبدًا للمستشار فؤاد القليوبي أن ينتحر وأن يترك ابنته الوحيدة بلا عائل، بعد أن نطق بحكم البراءة، ولا شك أن مسألة الضغط علي القاضي كي يصدر حكمه بتبرئة مجرمين، ليست جديدة علي بشير الديك نفسه الذي استخدمها في واحد من أفلامه الأولي «المحاكمة» عام 1982.

وقد جعل الكاتب من فيلمه مجموعة من المراحل الأولي تحول كمال إلي المحاماة ثم حكاية المستشار الذي انتحر إلي أن يعترف لنا عن طريق حكيه: بدأت مرحلة جديدة تماما في حياتي، قابلت الحاج ثم يعرض الفيلم علينا هذه الشخصية التي ستظهر في حياة كمال، والتي سوف تشتريه وتحوله إلي شخص آخر هذا الحاج هو إنسان شره مريض لديه ضحكاته الساخرة الجنونية هو أقرب في تقلباته إلي كاليجولا في مسرحية البيركالي، إنه رجل الأعمال الذي سعي لاستقطاب المحامي الماهر من أجل أن يصوغ له القضايا، فيبريء المدان، وهو كما يصور الفيلم شخصية ومؤسسة الحاج يتاجر في كل شيء: المخدرات، والدعارة والأراضي.

ممنوعات قذرة

وعلي ناحية أخري نري المحامي وهو لا يزال يراجع أسرة الشاب المعدوم فيدفع لهم مبالغ مالية من ناحية، وينقذ هبة من ممارسة الدعارة في إحدي الليالي ويحاول أن يعثر لها علي وظيفة، في نفس الشركة ثم لا يلبث أن يتراجع، ويحاول أن يثبت أنه لم يبع نفسه، وقد لعبت شخصية الضابط علي في القسم الأخير من الفيلم دورا مهما في إعادة المحامي إلي شخصه القديم، حيث أثبت الضابط أن الحاج يتاجر في الممنوعات القذرة، التي تؤذي الوطن، فهو يتاجر في مخلفات طبية ملوثة، ويبدأ كمال في العودة إلي شخصه القديم، يذهب لتناول الغداء التقليدي «خبيزة» هو فيه حد بيسمع عن الخبيزة سنة 2010، في منزل أم علي، وينام في فراش عادي، وهو الذي جعلته المؤسسة يقيم في جناح فندق ضخم في أحد الأدوار العليا المطلة علي النيل، إلي أن تحدث المكاشفة الأخيرة بين الحاج، والمحامي في حفل أقامه مخصوص، من أجل كشفه علي طريقة المكاشفة المسرحية، ثم قيام الحاج بطرد المحامي من المكان والوظيفة، ويأتي الحل السريع المقتضب أن يقوم المحامي بإخراج مسدس لا أعرف كيف دبره، ويطلق النار علي الحاج.. وخلاص.. بح.. الفيلم خلص.

لعلك سرعان ما سوف تنسي الفيلم، لكن لا شك أن كلا من عمرو سعد ومحمود عبدالمغني هما من أجمل ما فيه..

يود الفيلم حسب الأغنية الأخيرة أن يقول إننا في زمن الكبار.. يا سلام.. وهل كان هناك في أي تاريخ زمن للصغار.. حتي المماليك.. صاروا كبار..  وكانت أزمنتهم أيضا أزمنة الكبار.

جريدة القاهرة في

13/07/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)