حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

عايش (****)

بقلم: محمد رضا*

دراما | عايش هو شخص ميّت في واقعه. هذا الى أن يرى سبباً للحياة في فيلم المخرج السعودي الجديد الذي يلتقي مع أعماله السابقة في سرد حكايات الوحدة الإنسانية٠

"عايش" هو الفيلم الذي نال الجائزة الأولى في الدورة الأخيرة لمهرجان الخليج السينمائي ورابع أفلام المخرج بعد "إطار" و"سينما 500 كلم" و"مطر" وكلّها أفلام استحقّت جوائز نالتها ام لم تنلها. "عايش" يمشي علي خطوات "مطر" و"إطار" الى حد بعيد، ليس من حيث الموضوع بل من حيث تأطير الشخصية الوحيدة التي تعيش مكتفية بنفسها ووسط عالمها الصغير. ملفت كيف أننا في "إطار" و"مطر" ("سينما 500 كلم" كان تسجيلياً وليس فيلماً روائياً قصيراً كحال باقي أعمال آل عياف) نكاد لا نلتقي بشخصية أخرى إما مطلقاً ("إطار") او غالباً ("مطر") لكن المخرج هنا يفتح الباب لأوّل مرّة لشخصية شريكة في صنع حياة بطله. وعلى طريقته الخاصّة يضع في النهاية أملاً في حياة بطله. ربما أمل هش لكنه أمل كبير بالنسبة لبطله٠

عايش هو إسم الرجل الخمسيناتي الذي يعمل حارساً في مستشفى حكومي. اختيار الإسم ناجح من حيث أنه يرمز الى وضع شخصه كما يخفي سخريته من هذا الوضع أيضاً. اللقطات الأولى لعايش تظهره كما لو لم يكن حيّاً على الإطلاق. تحت غطاء أبيض يلتقط المخرج قدميه منتصبتان خارج الغطاء ثم الرجل نفسه مستلق على ظهره. لا نلحظ تنفّساً ولا نسمع زفيراً او شخيراً. هذا قبل أن يرن الجرس لجانبه فيمد يده لإطفاء الجهاز. في تلك الليلة التي يقصد بها عمله، ستفوته الحافلة وسيصل متأخراً بعض الشيء. الحارس الذي كان ينتظره نام على كرسيه وينصرف من دون رد السلام. عايش يدخل شرنقته يحرس الموتى الموضوعين في برادات في مشرحة المستشفى. ليس هناك الكثير مما يستطيع القيام به. لكنه عالمه المتماشي، كما نلحظ سريعاً، مع حياته. إنه وحيد في بيته ينام فيه كالموتى ووحيد في عمله مع الموتى. أحد موظّفي المستشفى (الأعلى شأناً) يطلب منه أن ينتقل الى قسم الحضانة وهناك يفتح عايش عيناه على الحياة كما لم يرها من قبل. يقف عند النافذة ينظر الى الأطفال داخل العنبر متعجّباً وهو الذي لم يتزوّج وماتت والدته وهي تنجبه وليس لديه أهل او أسرة٠ حين ينقذ حياة طفل من حيث لم يعلم، يتدخّل ذلك الموظّف، الذي -من دون تمثيل عاطفي- فهم وحدة عايش، لكي يحمل عايش الطفل الذي أنقذ حياته. لحظات صادقة ومهمّة للفيلم ولحياة عايش وهو يتلقى الطفل بين يديه تستمر وهو خارج من القسم وهو لا يزال مادّاً يديه كما لو أن الطفل فوقهما. عايش في نهاية ذلك اليوم يعود الى منزله شخصاً جديداً: اشترى درّاجة نارية والتقط لعبة كبيرة على شكل دب كان تركها وراءه شخص خرج خائب الأمل إذ كان ينتظر ذكراً، وحين ينام (في لقطات ما بعد عناوين وأسماء النهاية) ينام كالطفل وإلى جانبه ذلك الدب٠

لا علم لنا ما ستكون حياة عايش بعد تلك اللحظة، والى متى يستمر بها على منوال جديد: قد يدفعه حب التغيير للزواج وقد ينتكس مجدّداً وينبذ تلك اللحظات التي ارتقت فيها حياته الى مصاف العيش. لكن فيلم عبد الله آل عياف سيبقى لحظات سينمائية جميلة في مشاعرها وفي تصويرها وأجوائها ولو أن الوقت حان لنقلة أكثر صعوبة . لموضوع لا يهم إذا كان في فيلم قصير او طويل، ينسج من شخصيات عدّة حبكة أكثر كثافة في أحداثها تتألّف من مفارقات عدّة وشخصيات تسرد حكاية ما- لكن حتّى ولو كان المخرج (الذي يموّل أفلامه بنفسه) يعرف أكثر مما نعرفه من حدود الإمكانيات كلّها (ليست المادية والتسويقية وحديهما) وبالتالي صعوبة انجاز النقلة التالية، فإن ما أنجزه هنا (وما أنجزه في الماضي) أكثر من رائع. وحتى ولو بقي في إطار أعمال ذات شخصيات أحادية فردية، فإن منح العمل "سماكة" أكبر (كما فعل في "مطر") لن يكون اختيار خطأ في أي حال من الأحوال٠

يعرف المخرج قيمة الصورة في العمل (وقيمة الصوت أيضاً) ويؤلف مشاهده من لقطات طويلة تتيح معرفة المكان والزمان وتأليف الجو بالتماشي مع وضع شخصه. الموسيقا (نقرات بيانو) ليست مجّانية كما الحال مع معظم الأعمال العربية طويلة وقصيرة تملأ الجو كما الديسكو، بل مختارة لتصب في وضع معيّن وتنجح في الوصول الى غايتها من وراء مشاركتها ذلك الوضع٠

إخراج: عبد الله آل عياف

أدوار أولى: إبراهيم الحساوي، عبد الله أحمد٠

سيناريو: عبد الله آل عياف

تصوير: بدر الحمود [ألوان- دجيتال]٠

مونتاج: عبد الله آل عياف (24 دقيقة)٠

موسيقا: بدر فلاته٠

المنتج: عبد الله آل عياف [المملكة العربية السعودية- 2010]٠

عن مدونة الناقد (كتاب السينما) في

28/06/2010

 

مهرجان الأفلام العربية في مدينة روتردام الهولندية:

الفيلم العربي... نافذة للحوار مع أوروبا

منى صالح

مراجعة: طارق أنكاي

تستمر فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان الأفلام العربية التي تحتضنها مدينة روتردام الهولندية، ويشارك فيها عشرون دولة عربية وأوروبية بمجموعة متنوعة من الأفلام التي تعالج العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والشبابية. منى صالح تعرفنا بفعاليات هذا المهرجان.

يولي مهرجان الأفلام العربية هذه السنة اهتماما كبيرا للفيلم الوثائقي، لهذا كان الافتتاح بفيلم "سحر ما فات في عالم المرئيات" للمخرج المصري المعروف مدكور ثابت، وهو أول عرض عالمي للفيلم وعلى مستوى جماهيري. وكما يقول مدير المهرجان، د. خالد شوكت، في حديث مع دويتشه فيله "يعتبر اختيار هذا الفيلم ليكون فاتحة المهرجان إشارة إلى أهمية الفيلم الوثائقي وتكريما له". ويعتمد الفيلم على الأرشيف السينمائي المصري على امتداد مائة سنة، أي منذ اختراع السينما وحتى اليوم.

ومن مراكز الثقل الأخرى في مهرجان هذه السنة برنامج " قوة النساء" حول سينما المرأة وبرنامج "تضارب الأمل" حول ظاهرة الهجرة السرية. ومن الأشياء التي يفخر بها منظمو معرض هذه السنة أيضا، معرض الفن التشكيلي بمشاركة ستة فنانين تشكيليين عالميين وعرب مقيمين في أوروبا. و قد بذل المنظمون جهودا كبيرة لتمثيل أكبر عدد ممكن من البلدان العربية وتم اختيار الأفلام المشاركة بناء على مجموعة من المعطيات الهامة تأتي في مقدمتها الجودة الفنية، أي، كما يقول شوكت، أن يكون الفيلم ذا جودة عالية "لأننا لا نحبذ الأفلام التجارية أو ذات الموضوع الشعبوي."

قضايا الشباب المهاجر

سعى المنظمون لإشراك عدد كبير من المخرجين الشباب الذين يمثلون تطلعات العرب داخل العالم العربي وخارجه. ويعتمد جزء كبير من برنامج المهرجان على إنتاج مبدعين ومخرجين وسينمائيين من أبناء الأقليات العربية في أوروبا. والإمكانيات المتوفرة أمام هؤلاء محدودة لكن منظمي مهرجان الأفلام العربية يقدمون إليهم الدعم من خلال عرض أعمالهم والتعريف بهم. ومن الدوافع الهامة للاهتمام بهم كما يقول مدير المهرجان هو أن سينما الأقليات العربية المهاجرة مرتبطة بقضايا الأقليات وهمومها وبالصراع بين الأجيال، وقضايا الهجرة والاندماج، والعنصرية والتطرف اليميني. هذه كلها محاور هامة استطاعت السينما العربية المهاجرة أن تعكسها إلى حد كبير كما يؤكد خالد شوكت.

وتعكس الأفلام العربية المشاركة في مهرجان هذه السنة المشاكل الاجتماعية والسياسية إلى حد بعيد. ويجد خالد شوكت أن السينما هي في طليعة المنادين بالتغيير والمدافعين عن الحريات العامة وحقوق الإنسان وفي "طليعة القوى الحية الباحثة عن عالم عربي أفضل وأكثر صونا لكرامة أهله ومواطنيه"على حد تعبيره.

المهرجان فضاء للحوار مع الأوروبيين

ومن أهداف المهرجان ترسيخ قاعدة الحوار مع أوروبا، ومواجهة حلقات التشدد والتطرف ونكران الآخر الموجود لدى الجانبين العربي والأوروبي، من خلال نقل صورة عن الواقع العربي والإسلامي، لأن الأوروبيين، كما يقول شوكت، لا يتعرفون على العالم العربي إلا من خلال مشاهد مقتطعة في الإعلام وأحيانا من خلال مشاهد ظالمة. وفي إطار هذه المساعي وجه المؤتمر الدعوة حتى إلى النائب الهولندي المتعصب جيرد فيلدرز، مخرج فيلم "فتنة" الناقد للإسلام. فخالد شوكت أراد أن يحاكيه بالوسيلة التي يستخدمها ويقول:"الرجل استخدم وسيلة سينمائية لإبلاغ أفكاره العنصرية، ومشروعه السياسي قائم على اتهام العرب والمسلين بأنهم متخلفون وغير متحضرين وأنهم لا يؤمنون بقيم الحوار." لقد أراد شوكت من هذه الخطوة أن يثبت لفيلدرز وأمثاله خطأ أفكارهم من خلال إجرائهم حوارا هادفا مع مثقفين عرب ومسلمين يعكسون حقيقة الثقافة والحضارة العربية.

لكن فيلدرز رفض الدعوة مما يشكل، على حد قول شوكت، دليلا واضحا على أن أفكاره مجرد دعاية لا تستند إلى أساس، وأنه رجل لا يؤمن حقيقة بالحوار ويضيف في هذا السياق: "أردنا في الحقيقة أن نقول له إنك لم تقابل عربيا تقريبا أو مسلما ولم تجر في يوم من الأيام حوارا هادفا ورزينا مع مثقف عربي أو مسلم يعكس حقيقة الواقع العربي والإسلامي." ومن هذا المنطلق وجه شوكت إليه الدعوة "تعال وتحدث معنا كمثقفين وسينمائيين، ولتنظر إلى أي مدى تبدو أفكارك مؤسسة على أساس صحيح ومتين". لكن فيلدرز رفض تلبية الدعوة لأنه كما يقول شوكت "يخاف من كل حوار هادئ ورزين."

في الوقت نفسه يشير مدير مهرجان روتردام إلى الصعوبة التي تكتنف طريق الحوار ويقول إنه طريق صعب ليس مثل طريق التطرف أو طريق التخريب أو الهدم "أنت تستطيع أن تبني بناية عالية في سنوات عديدة لكن تستطيع أن تهدمها في لحظات."

السينما العربية وحقوق الإنسان

الفنان والمدافع عن حقوق الإنسان، خالد شوكت يجد في الفن والسينما أفضل منبر لمواصلة هذه المهمة الإنسانية وأن السينما العربية تعتبر من أفضل الواجهات التي ارتبطت بقضايا حقوق الإنسان بمفهومها الشامل والعام، ويقول:"نستطيع من خلال السينما أن نبين حقائق كثيرة بشكل هادئ ورزين وأن نرسخ بشكل أو بآخر ثقافة حقوق الإنسان واحترام قيم الحوار والتواصل مع الكرامة الإنسانية".

وتحظى مهرجانات الأفلام العربية التي تقام في هولندة وغيرها من العواصم الأوروبية بإقبال متزايد، مما يقوي أمل المنظمين في توسيع هذه النشاطات وفي اتساع إطار تأثيرها فيما يخدم التفاهم والحوار. أما في مهرجان روتردام الذي يختتم يوم الأحد (27 يونيو 2010) فسيكون مسك الختام حفلاً يجمع بين الدبكة والغناء التراثي الفلسطيني بحضور المغني الفلسطيني المعروف أبو عرب.

حقوق النشر: دويتشه فيله 2010

موقع "قنطرة" في

28/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)