حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ثقافات / سينما

فيلم "واحد – صفر"... قضايا كبيرة وحلول صغيرة

حميد عقبي من باريس

قادني الفضول والصدفة لمشاهدة فيلم واحد - صفر من تأليف مريم نعوم واخراج كاملة ابوذكري- وبطولة الهام شاهين، خالد ابوالنجاء زينة، نيلي كريم واخرين، ولم يحظ الفيلم بالكثير من النقد والكتابات حوله قليلة جدا رغم أنه أثار ضجة كبرى عند عرضه بسبب اعتراض بعض رجال الكنيسة المصرية عليه باعتباره يشوه او يحرض على التمرد عليها كونه في احدى شخصياته يتناول مصير امراة مسيحية تحاول الحصول على تصريح بالزواج مرة ثانية بعد طلاقها من زوجها الاول التي لم تكن سعيدة معه.

اتفق مع الصديق والاستاذ طارق الشناوي والذي ادلى برأي مهم وهو "يجب على الاقباط عدم الغضب من تناول قضاياهم في الدراما المصرية باعتبارهم جزءا من المجتمع المصري والعربي" وهذا فعلا امر مهم وعلى السينما والدراما ألا تتجاهل الاقباط او بقية الاديان الاخرى الموجودة في المنطقة مثل اليهود والصابئة واليزيديين وغيرهم ويجب ألا يكون ظهور شخصية من ديانة ثانية لغرض سياسي بل علينا ان ننظر الى الناس بسواسية بغض النظر عن الدين او المذهب او اللون او الجنس او حتى الهوية الجنسية وما اجمل ان يكون الفيلم مساحة تلاقٍ انساني يغوص في هموم واحلام الناس دون تمييز او عنصرية كون الفن السينمائي فنا انسانيا بالدرجة الاولى.

من اللحظة الاولى يفتح الفيلم شهيتنا لطرح شخصيات مختلفة ومتباينة وقضايا عديدة مهمة، ينقلنا من مكان الى اخر ومن حلم الى حلم ومن هم الى هم محاولاً كشف واقع حاضر يزخر بالكثير من المشاكل في ظل متغيرات عصرية واجتماعية معقدة وحساسة، على الفن السينمائي ان يبحر ويغوص بشجاعة لتلمس هذا الواقع وابرازه بل وقراءته قراءة عميقة وذلك من خلال التعمق في دواخل الشخصيات واقول التعمق وليس مجرد سرد للحالة الاجتماعية فقط بل على الفن ان يجعلنا نحس بروح الشخصية وندرك الاضطراب والقلق ويكون الشريط متنفسا للبوح بالحلم.

هنا بهذا الفيلم الهام شاهين تقوم بدور شخصية امراة مسيحية فشلت في تجربتها الاولى في الزواج وقضت سنوات كي تنال الطلاق من زوجها الاول ثم تقع في حب شاب لطيف ووسيم هو"شريف" الذي يقوم باداء شخصيته ممثل رائع ومتميز هو خالد ابو النجاء، هذه الشخصية مرتبكة ومضطربة تلجأ للخمر للفرار من شيء ما لكننا لم نتمكن طيلة الفيلم من لمس هذه الشخصية ولم تتح لنا المخرجة الوقوف معها لوحدها قليلا كي نفهم ما يعكر صفوها، هكذا تعاملت المخرجة مع اغلب الشخصيات ولعل الايقاع السريع وتوالي الاحداث لم يخدم الفيلم بشكل جيد ولعل المخرجة ارادت ان ينجح فيلمها جماهيرياً لذلك لجأت إلى بعض الاغاني والاستعراضات الراقصة.

فكرة الفيلم ذكية فاحداث الفيلم تدور في مساحة زمنية معينة بسيطة حيث ينتظر الجمهور المصري مباراة نهائية للمنتخب للفوز بكأس افريقيا، يسود الشارع التوتر وترتبط الشخصيات بهذا الحدث العام بطريقة مباشرة او غير مباشرة وتصبح بعض مصائرها معلقة بالفوز اي نصر كروي هو بمثابة انتصار وطني، لا عيب في استغلال هذا الحدث كون لعبة كرة القدم لم تعد مجرد لعبة عادية بل اصبح يتم استغلال الفوز بطرق سياسية.

نحس احيانا ان الشخصيات تهرب من الكاميرا ونجد لقطات قليلة جدا استطاعت الكاميرا الامساك بالشخصية وخصوصا الوجه، لعلها اجمل اللقطات للفتاة " ريهام" هذه الفتاة المحجبة التي امسك بها امين الشرطة بعد رفضها اغراءه لانها تنتظر حبيبها، داخل سيارة البوليس تنهمر دموع ريهام ويتغير مكياجها بحيث يصبح وجهها لوحة تراجيدية لكن الكاميرا انصرفت بسرعة واهملت هذه اللوحة الجميلة الانسانية المعبرة عن الم انساني وخلل اجتماعي خطر، هنا بهذا الفيلم وافلام مصرية كثيرة تجد هناك فلسفة يتم طرحها هي ان الفقراء ليسوا ملائكة والبعض منهم محتال، في هذا الفيلم هناك الطرح نفسه فالحارة الضيقة هي سوق حشيش وموطن البطالة والعنف والدعارة تخرج من هذه العشوائيات ونموذج لذلك زينة التي تقوم باداء شخصية فنانة جديدة تبيع جسدها لمخرج ومنتج كليبات من اجل حفنة من المال وحلمها الوحيد ان يكون لديها شقة ومسكن يجمعها بعائلتها ورغم كل هذه التضحيات الا ان الرجل الذي يسيطر عليها ويستعبدها في حالة غضب يضربها وهو مستعد ان يرمي بها ان كررت مطالبها، هذه شخصية ايضا واقعية لكنها ظلت غير واضحة المعالم وكان هناك مشهد ينتهي فيه الرجل من ممارسة الجنس معها وهي تظل بالسرير وليت الكاميرا اقتربت منها بشكل اكثر وجعلتها تبوح بشكل صادق بأحاسيسها في هذه اللحظة.

شخصية العاهرة من الشخصيات الحساسة والتي يمكننا ان نتلمس من خلالها قبح المجتمع ولا يعني هذا انها شخصية قبيحة بل قد تحمل الكثير من الدلالات والرموز وتفصح بشكل رائع عن ماساة اجتماعية وانسانية، علينا الا نتحامل عليها ونزدريها كونها قد تكون ضحية ظروف قاهرة ونحن في هذا الفيلم امام نماذج نسائية متعددة امرأة مسيحية تحلم بالامومة والزواج ممن تحبه، فتاة محجبة ومتدينة تبحث ايضا عن الحب والامان، فتاة تختار طريقا اخر كي تقاوم الفقر وتبيع جسدها للسيد وللناس جميعا من خلال اغانٍ هابطة والجميع يستمتع بها ويكسب من ورائها وهي الخاسر الوحيد كونها فقدت حبيبها واحترام اهل حارتها، وامراة قامت بتربية ابنها وتعمل ليلا نهارا لتأمين لقمة العيش وفي الاخير يتركها الابن لتحقيق حلم شخصي والهروب من ماضي الام الذي لم نعرف ما هو بالضبط؟ كل نموذج من هذه النماذج موجود في مجتمعنا العربي ولا يمكننا ان ننكره، والرابط بين هذه النماذج البحث عن الحب ومحاولة الشعور بالامن والسلام، في الجانب الاخر نرى نماذج رجالية وذكورية ليست قادرة على فهم النساء والاحساس بالحب فشريف مثلا المشهور والذي ينعم بخير السيدة ما ان يعرف انها حامل منه حتى يتخلى عنها ليعلن العصيان ويرفض احدى الهدايا وهو الذي عاش سنوات يتمتع بنعيمها وخيرها وجسدها، وهذا الشاب الاخر الذي يعمل كوافير ويطمح ان يكون له محله الخاص يكاد يضرب امه ويهددها بقتل اي رجل اخر يدخل البيت وهو قد خسر حبيبته التي ذهبت لحضن رجل اخر يملك المال ولكنها تظل بحاجة اليه وتحس به وحتى في اللحظة التي رآها تُهان امامه وتُضرب لم يستطع فعل شيء ولم يستيقظ ذلك الحب القديم بل لم نشعر به أنه احبها يوماً.

قضايا كبيرة متعددة ومهمة ظهرت بسرعة ثم لم يتم التعمق بها بشكل اكثر عمقاً، وانا لا اظن ان المخرج السينمائي باحث اجتماعي اي ربما يكتفي بطرح القضية ويثير الحوار حولها وليس ملزما بتقديم حل نهائي، لكن إِظهار اي قضية بشكل متعمق يعني تقديم نصف الحل بل واكثر، قد يكون طرح قضية للنقاش والجدل اكثر تاثيراً من تقديم حلول واطروحات نظرية عن طريق الحوار كون هذا يصبح هرطقة، قد يقع المخرج في المباشرة الساذجة وربما لجاءت المخرجة الى هذه النهاية بحيث نرى جميع الشخصيات والنماذج ترقص من الفرح للانتصار الكروي وترفع العلم الوطني وهذا من وجهة نظري اجراء ساذج لا مبرر له ويمكننا ان نوجه سؤالا للسيدة المخرجة لماذا هذه النهاية وما هي الدلالات وهل هذا حل مقنع لمشاكلنا الاجتماعية ان ينتصر الفريق الوطني في مباراة كروية؟

كنا ننتظر اكثر من ذلك ليس من النهاية ولكن من الفيلم الذي استطاع شدنا ببداية رائعة وشخصيات متنوعة واماكن عديدة، نحن هنا لا نحاكم اي فيلم وفق معايير تخصصنا في " السينما الشعرية" ولكن لو شاهدنا اي فيلم اكشن اميركي سنجد انه لا يهمل ابدا المعايير الجمالية وتوظيف الدلالات بغض النظر ان كان الفيلم اجتماعيا او عائليا او رومانسيا ورغم وجود نجوم في الفيلم مثلا الهام شاهين هي ممثلة رائعة ذات تجربة كبيرة وخبرة طويلة تعطي للشخصية التي تقوم بادائها روحًا ومصداقية، وخالد ابو النجاء ايضا ممثل لا يستهان به وله مستقبل كبير وعليه ان يحذر من السقوط بافلام تافهة مهما كان الاغراء واختيار ادواره بحرفية ومحاولة الخروج من قالب محدد ويمكنه ان يشاهد افلام عمر الشريف ويرى كيف تحول الشريف الى اسطورة رائعة وكل شخصية يقوم بها الشريف تظل محفورة بالذهن وتظل حية وجذابة.

نحن هنا لا نود محاكمة المخرجة وليس هدفنا احباطها والكثير من النقاد يكتبون بشكل ايجابي حول اي فيلم تخرجه امراة عربية واي فيلم يُعد مُنجزا في ظل مجتمع ذكوري متطرف لذكوريته وقليلات من المخرجات من استطعن اثبات تجاربهن الفنية امثال الرائعة ايناس الدغيدي، لعل هذه الأخيرة حفرت في ذاكرتنا شخصيات نسوية رائعة وانسانية وافلامها مساحة صادقة للتعبير عن الهم النسائي والانساني بشكل صادق ومرعب.

للمكان دلالاته ويمكنه ان يفصح عن تعاسة وحالة الشخصية وهذا للأسف الشديد لم نشعر به كثيراً في هذا الفيلم رغم تعدد الأماكن التي تدور بها الاحداث وهذا عيب ونقص كبير في السينما العربية باستثناء عدد قليل من المخرجين العرب منهم الرائع والخالد يوسف شاهين الذي يجعل من المكان محيطا ومناخا يفيض بالاسطورة ولنقل بالانسانية، من خلال المكان يمكننا التوغل ولمس الروح مهما تكن مساحة المكان غرفة مظلمة او داخل سيارة او فيللا فارهة او شارع عام او مكان طبيعي، في الافلام العربية بشكل عام خصوصاٌ المنتجة حديثا لا قيمة للمكان ولا دلالات له فهو مجرد مساحة جغرافية تتحرك بها الشخصيات لتلقي حواراتها ويتم اهمال نقطة مهمة جدا وهي وجهة نظر الشخصية تجاه الأماكن والأشياء والشخوص الاخرى.

نقطة مهمة يمكننا ان نتطرق اليها وهي شخصية الطفل المتشرد حفيد رجب والذي يصاب بحادثة ونجده في الشارع يبيع الحشيش والاعلام وبعدها نكتشف انه لم يصب بالحادثة وانما رمى بنفسه امام سيارة شريف ويفصح لجده انها تمثيلية يمكن استثمارها لجني ربح مادي، هذا الاجراء من المخرجة لا نفهمه وليتها صمتت ولم تبرر وتوضح هذه النقطة وليتها جعلت مصيره مجهولا ولو انها فعلت ذلك لكان افضل واروع وبذلك سيتحول هذا الطفل لدلالة رائعة حتى وان قبض الجد ثمن حياته ونرى انها دمرت هذه الشخصية دون مبرر.

ونقطة اخرى لا نفهمها وهي عدم اظهار ام ريهام وكانت حاضرة خلال الجدل بين الاختين وكان الحوار بين المتدينة والعاهرة طبيعيا وبسيطا وجيدا ولكن الكاميرا لم تهتم بالام وظلت في الخلف وكان من الممكن ان تخلق المخرجة من الام رمزا قويا ودلالة رائعة باظهارها واظهار ردة الفعل تجاه هذا الجدل.

وقعت المخرجة في اخطاء فادحة واهملت القضايا التي اثارتها وهي قضايا جديدة ومهمة وافرغت الشخصيات التي جذبتنا من الوهلة الاولى من مضمونها الانساني، ليتها تمسكت بالحلم وغاصت في اعماق الشخصيات اكثر ومع ذلك نرى ان فيلم "واحد - صفر" من الافلام الجيدة والجديرة بالمشاهدة ويستحق الجوائز التي حصل عليها ونتمنى ان نرى للمخرجة عملا وفيلما اخر جديدا وليت المخرجة تطلع على هذا الموضوع وترد على بعض اسئلتنا ان امكن.

aloqabi14000@hotmail.com

إيلاف في

25/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)