حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

مهرجان الرباط يفتتح دورته السادسة عشرة بانقلاب يجعلها دورة أولى حقيقية... نخبوية وتنافس غير متكافئ مع «المونديال»

الرباط – ابراهيم العريس

من الإطلالة الأولى على برنامج فعاليات مهرجان «الرباط» السينمائي الذي يبدأ نشاطه مساء اليوم، في العاصمة المغربية، يبدو هذا المهرجان وكأنه جديد يقام هذا العام للمرة الأولى. بيد أن الذين يتابعون النشاطات السينمائية في المغرب، يعرفون جيداً ان المهرجان قديم، وأنه يقام عادة ضمن إطار مجموعة من التظاهرات الثقافية في هذه المدينة، تتوزع طوال أسابيع على حدائق ونوادٍ وصالات ومؤسسات من شتى الأنواع. أما الشعور بالحيرة في هذا العام، فإنه مشروع وينبع من حال التجديد التي يعيشها حقاً في دورته الحالية والتي تمثل انقلاباً حقيقياً فيه شكلاً ومضموناً. ولنقل هنا على سبيل الإنصاف، إن المهرجان الرباطي، حين ولد قبل أعوام كثيرة، كان طموح مؤسسيه ان يكون قريباً من الشكل الذي هو عليه بدءاً من اليوم، لكن تراكم الظروف وضروب التأجيل وطغيان النشاطات الأدبية والاحتفالية الاستعراضية جعل نهضته السينمائية مؤجلة. أما اليوم، فإن الفارق يكمن في احتضان المركز السينمائي المغربي له، من طريق الناقد محمد باكريم، الذي رأى الفرصة مناسبة لتجديد شامل، يجعل لمدينة الرباط، اسوة ببعض المدن المغربية الأخرى، مهرجانها السينمائي المتكامل والمستقل. ومن هنا تشهد هذه المدينة، بدءاً من اليوم ولعشرة أيام مقبلة، عيداً سينمائياً حقيقياً.

تجديد شامل

ومنذ البداية، هنا لا بد من الإشارة الى ان التجديد الحاصل، لا يتناسب حتى مع الطموح الذي كان عليه المشرع قبل شهور، حتى وإن كان يفترق كلياً عما كان منه في الدورات السابقة. فالحال انه بعد وضع أطر نظرية موجهة، وبعد رسم خطط وأهداف وتظاهرات عدة كان عليها ان تشكل متن هذه الدورة، عادت الطموحات وتقلصت بعض الشيء. غير أن المطمئن في الأمر هو ان التقلص كان كمياً وليس نوعياً. إذ حافظ المشروع على هيكله الأساسي، كمكان اضافي للسينما العربية والعالمية المميزة، وعلى منعته لإطلاق سينما المؤلف، ونقطة التقاء لنخبة المتفرجين بما يحدث من جديد وتجديد في السينما العربية. وكذلك تم الحفاظ على وضع جزء كبير من المشروع، تحت هالة المخرج العربي الكبير الراحل يوسف شاهين، الذي ستقدم باسمه جائزة لأفضل فيلم عربي. وكذلك سيقدم، تقديماً أولياً على أية حال، قسم خاص بمتابعيه وتلامذته من الذين بعدما تأسست خلواتهم الأولى معه، انطلق كل منهم متفرداً، ليشكل ما يمكن الاصطلاح على تسميته بـ «التيار الشاهيني في السينما المصرية»، مع العلم بأنه كان في الوسع توسيع دائرة هذا التيار الشاهيني بضم اسماء عربية إليه، طالما اننا نعرف ان تأثيرات شاهين فعلت فعلها في سينمات جزائرية ولبنانية وفلسطينية وسورية. ولكن يمكن هنا التسامح مع هذا الانحصار، إذ نعرف ان المهرجان لم يتمكن، حتى، من ضم اسماء مصرية شاهينية الى فعاليات هذا القسم، فاقتصرت على عرض أفلام لثلاثة من «غلاة» الشاهينيين هم: اسماء البكري، خالد الحجر ويسري نصرالله... عرض سترافقه ندوة ومحاضرة حول التيار الشاهيني هذا.

اما في مجال المسابقة العربية، فإنها ستشهد بدءاً من اليوم تنافساً بين حوالى نصف دزينة من الأفلام، للحصول على «جائزة يوسف شاهين»، من طريق لجنة تحكيم يرأسها المخرج المغربي المعروف مؤمن سميحي. وهذه الأفلام هي «كيك – أوف» للعراقي شوكت امين كوركي و «كل يوم أحد» للبنانية ديما الحر و«المر والرمان» للفلسطينية نجوى نجار و«مصائر متقاطعة» للمغربي ادريس شويكة و«عصافير النيل» لمجدي احمد علي و«المسافر» لأحمد ماهر، من مصر... وربما أفلام غيرها ايضاً. صحيح ان ما يمكن ملاحظته هنا هو ان معظم هذه الأفلام قديم، سبق ان عرض في مهرجانات، بل حتى في صالات عديدة خلال العامين الفائتين، مع ما يتنافى مع الشروط المعهودة للتنافس على الجوائز في المهرجانات... لكن هذا لا يقتصر في هذه الأزمنة على هذا المهرجان الرباطي الوليد، بل هو صار سمة اساسية من سمات معظم المهرجانات العربية، نظراً الى تكاثر هذه المهرجانات، في ظل تضاؤل عام في إنتاج الأفلام العربية الصالحة للتباري في المهرجانات وعلى الجوائز... بالتالي يغفر لمهرجان «الرباط» ما بتنا، منذ زمن، نغفره لمهرجانات أكبر وأغنى وأقدم.

منافسة... منافسات

وما نقوله هنا، يمكن ان نقوله أيضاً – إنما جزئياً – عن مسابقة أخرى أساسية في مهرجان «الرباط» هي مسابقة السينما العالمية، والتي تتألف لجنة التحكيم فيها من روجيه كريستيان ومولود مأمون ومحمد مفتكر وآخرين. فهذه المسابقة تعرض افلاماً منها ما هو جديد، ومنها ما هو قديم نسبياً... ففيلم «ابن بابل» للعراقي محمد الدراجي عرض مرات عدة قبل الآن. وكذلك حال الفيلم الإيراني «القطط الفارسية» لهيمان قبادي...

أما بالنسبة الى الذين يحبون اكتشاف أفلام وسينمات لا تتوافر لهم عادة، حتى في المهرجانات الكبيرة، فإن في إمكانهم ان يعتمدوا على أفلام متسابقة أتت من ارلندا («له ولها» لكن واردروب) وإسبانيا («3 ايام مع العائلة» لماركول) وفرنسا («حرية» لطوني غاتليف) وشاطئ العاج («وهم ضائع» لبرنار مافيلي) واليونان («اكاديمية افلاطون» ليفلبوس تسيتوس) وألمانيا («الفضيحة» لهانز كريستيان شميد) وتركيا – التي لا شك في ان الفيلم الذي يمثلها سيلقى تعاطفاً خاصاً من لدن الجمهور نظراً الى الظروف السياسية السائدة الآن في المشرق العربي – («مومو» لآتالاي تاسديكن) وإيطاليا («نورث آباش» لماركو ريزي) والشيلي («هواشو» لآلكسندرو المندراس...). أما في ما يتعلق بالمشاركة الغربية في هذه المسابقة العالمية فإنها مؤمنة من طريق الفيلم الجديد «أولاد البلاد» لمحمد اسماعيل الذي كان قدم قبل عامين واحداً من أقوى الأفلام المغربية في الآونة الأخيرة «وداعاً أمهات». ولسنا ندري ما اذا كان سيعيد كرّة الجودة والجرأة في عمله الجديد.

من الواضح أن هذه التظاهرات الثلاث («الشاهينيون» و «مسابقة جائزة يوسف شاهين للسينما العربية» و«المسابقة العالمية») تشكل النواة الصلبة في مهرجان «الرباط»، لكنها ليست كل شيء، إذ هناك الكثير من التظاهرات الأخرى، والفعاليات، التي يتطلع اصحاب المهرجان من خلالها الى إضفاء طابع ثقافي/ سينمائي على مناسبة لا يريدون لها ان تكون عادية او مجرد مكان لعرض الأفلام. ومن هنا تأتي تظاهرة خاصة بعنوان «كارت بلانش لسينماتيك طنجة»، تضم عروضاً ومناقشات تشمل أفلاماً آتية من بلدان عربية ومن أزمان مختلفة. وهناك ورش عمل عدة للإخراج والسيناريو، ودرس سينمائي افتتاحي يلقيه الناقد والمخرج الفرنسي آلان برغالا، اضافة الى لقاء مفتوح مع الوفد المصري، وحفلات توقيع كتب سينمائية جديدة. فإذا أضفنا الى هذا سلسلة تكريمات لسينمائيين عرب وعالميين – راجع مكان آخر في هذه الصفحة – وجلسة نقاش حول الموسيقى والسينما (بمشاركة أحمد عيدون، وكمال كمال ويونس ميكري) ومائدة مستديرة حول «صناعة الأفلام الوثائقية» وأخرى حول سينما المؤلف، سنجد أنفسنا امام ما يشبه الأنطولوجيا المتكاملة حول أنواع وأبعاد سينمائية مهمة.

والسؤال هنا: هل إن هذا البعد الثقافي والسينمائي الخالص، الذي أراد مهرجان الرباط ان يتسم به، في دورته التجديدية الأولى (السادسة عشرة في الترتيب الزمني)، سيكون كفيلاً بإنقاذ هذا المهرجان الطموح، من تداعيات سوء تقدير في مجال التوقيت جعله يقام بالتزامن مع «المونديال» الذي يقدم عليه المغاربة مثل كل شعوب الأرض بكثافة في هذه الأيام؟ ان التزامن بين الحدث السينمائي الرباطي والحدث الرياضي العالمي، كفيل بأن يحرم أي مهرجان سينمائي (وليس مهرجان «الرباط» وحده) من أي جمهور حقيقي... فهل ستؤدي نخبوية التظاهرة الرباطية البيّنة الى اجتذاب جمهور نخبوي يفضل السينما على الكرة... وتعطي بالتالي، التظاهرة الرباطية، أعذارها ومبرراتها ان هي أخفقت في نهاية الأمر... وهذا ما لا نتمناه بالطبع؟

 

تكريمات بالجملة ... من نبيلة عبيد الى أريك رومر

ضمن فعاليات دورته الراهنة، والتي تقام – هذه المرة – تحت شعار التنوع الجغرافي وفي الأذواق الفنية، إذا كان التكريم الأهم من نصيب المخرج الراحل يوسف شاهين، عبر تسمية الجائزة العربية الأساس باسمه، وكذلك عبر تقديم نظرة ما، الى المبدعين المصريين الذين ارتبط عملهم به في شكل أو آخر، فإن تكريمات مهرجان الرباط، تتناول ايضاً أربعة سينمائيين عرب آخرين، إضافة الى المخرج الفرنسي الراحل قبل شهور إريك رومر. ولافت هنا ان الحصص العربية من التكريمات تم تقسيمها بين المغرب العربي (الجزائر والمغرب) وبين مصر، التي يكرم من بين سينمائييها الفنانة نبيلة عبيد، تتويجاً لمسار فني بات عمره اليوم نحو خمسين سنة، والمخرج محمد خان، أحد الرواد المؤسسين لتيار سينما الثمانينات الذي يسمى في بعض الأحيان «الواقعية الجديدة في السينما المصرية». ولئن كان البعض قد تساءل أول الأمر عن جدوى تخصيص نجمة جماهيرية شهيرة مثل نبيلة عبيد بتكريم خاص في مهرجان يتسم - بعد كل شيء بالنخبوية - فإن الجواب أتى سريعاً: الى افلامها الجماهيرية، لعبت نبيلة أدواراً مهمة جداً في أفلام من توقيع بعض كبار السينمائيين المصريين، من عاطف سالم الى عاطف الطيب وصولاً – طبعاً – الى يوسف شاهين الذي أعطاها واحداً من أبرز أدوارها في فيلمه «الآخر». ومن هنا من الواضح ان أي حديث تكريمي مع نبيلة عبيد وعنها خلال أيام المهرجان سيتركز على هذه الأدوار، أكثر مما على أدوارها الأكثر عادية.

في مقابل تكريم المصريين نبيلة عبيد ومحمد خان (صاحب افلام كبيرة مثل «سوبر ماركت» و«خرج ولم يعد» و«زوجة رجل مهم» و«طائر على الطريق»)، هناك تكريم خاص للمخرج والمنتج المغربي عبدالله المصباحي، وتكريم آخر لأحمد راشدي، صاحب أحد الأسماء الكبيرة في السينما الجزائرية منذ بداياتها، والذي بات مساره السينمائي المتواصل يزيد على أربعين سنة، متواصلة حتى اليوم، إذ بعدما حقق راشدي قبل سنتين فيلماً يستعيد ذكرى احد مناضلي الاستقلال الجزائري (مصطفى بلعيد)، يتحضر الآن لولوج مغامرة سينمائية جديدة، فيما يتحدث عن مشاريع أخرى في الانتظار. وللمناسبة، عدا عن حضوره في الرباط لتكريمه، يشارك أحمد راشدي، الى جانب ابراهيم العريس وآخرين، في لجنة تحكيم جائزة يوسف شاهين للسينما العربية في المهرجان.

تكريم ذكرى اريك رومر، هو التكريم الأجنبي الوحيد في مهرجان من الواضح انه – بعد كل شيء – يريد لنفسه ان يكون عربياً، أكثر منه، أوروبياً، حتى وإن كان رومر، قد عرف بفرنسيته وأوروبيته المغرقتين. ولسوف يشمل تكريم إريك رومر، حلقة حديث عنه واستعادة لذكراه، ولكن خاصة ايضاً، عرض ستة من أفلامه التي تواصل إنتاجه لها، منذ بداياته، أواسط سنوات الخمسين بصفته واحداً من مؤسسي الموجة الفرنسية الجديدة وأقطابها – الى جانب غودار وتروفو وشابرول وريفيت وغيرهم – بعدما كان ناقداً في «غازيت دي سينما» ثم «كاييه دي سينما»، عرف بالكتاب المؤسس الذي وضعه مع زميله كلود شابرول حول سينما ألفريد هيتشكوك، ليكون أول كتاب أوروبي يلفت النظر الى ان سينما سيد التشويق، هي أكثر من مجرد سينما بوليسية تشويقية. وجدير بالذكر هنا ان هذا التكريم الرباطي لإريك رومر هو ثاني تكريم سينمائي لهذا المخرج خارج فرنسا... إذ سبقه تكريم له في لبنان قبل شهور عرض بعض أفلامه، وجرى فيه حديث عنه.

الحياة اللندنية في

18/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)