حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما من الجسد إلى الشاشة

حضور عربي في مهرجان الأفلام القصيرة في باريس

 صلاح سرميني ـ باريس

منذ بداياته، وحتى يومنا هذا، يتسّم تاريخ السينما بالتطورات التكنولوجية، مثل الانتقال من السينما الصامتة إلى الناطقة (مع الفيلم الموسيقيّ مُغني الجاز، إنتاج الولايات المُتحدة عام 1927 لمُخرجه آلان كروسلاند)، ومن الأبيض، والأسود إلى الألوان (مع فيلم Becky Sharp ، إنتاج الولايات المُتحدة عام 1935 لمُخرجه روبين ماموليان)، ومن أشرطة السيلولويد بكلّ مقاساتها إلى الأنظمة الرقميّة، وخلف هذه الثورات الصغيرة، والكبيرة، تجسّدت العلاقات التي ينسجها السينمائيون مع العالم الحقيقيّ، وتمثيله في أعمالهم، في هذا المعنى، كانت السينما في كلّ لحظةٍ من تاريخها شاهدةً على عصرها.

وخلال الفترة من 9 وحتى 19 يونيو 2010، سوف يجتمعُ السينمائيون، والجمهور للمُشاركة في الدورة الـ19 لمهرجان الأفلام القصيرة (Côté Court)، حيث تستقبلُ صالة 104 في "بانتان"، وبعض صالات الضواحي الباريسية في (Seine-Saint-Denis) المُسابقات الرسمية، والبانوراما، ولكن الأهمّ واللافت هو البرنامج الإستعادي تحت عنوان (من الجسد إلى الشاشة).

ومن خلاله، سوف نكتشفُ أوجه الجسد في 70 فيلماً تمنحنا الفرصة لإعادة النظر الشكلية، والمضمونيّة في العلاقة ما بين الجسد، والسينما، من القصص الهزلية إلى فيديو الفنانين، أفلامٌ طبعت تطور أشكال الكتابة السينمائية، وفي الآن ذاته الأخلاق، والسلوكيات.

كيف ظهر الجسد، وأيضاً الصوت (صوت الجسد) في الثلاثينيّات بالمُقارنة مع حالته في الستينيّات ؟

كيف قدم السينمائيون جسد الأطفال، والمُراهقين، العري، الرغبة، أو المرض ؟

إلى أي حدٍّ يمكن الذهاب بعيداً في تمثيل الجسد، وأحياناً، ذاكَ الخاصّ بالسينمائيين أنفسهم ؟

هذا البرنامج الإستعاديّ، أو بالأحرى الإسكتشافيّ، يحاول الإجابة عن هذه الأسئلة، وغيرها، من خلال أعمالٍ عبرت قرناً من التاريخ.

تتوزع التظاهرة في 19 برنامجاً، يحظى كلّ واحدٍ منها على عنوانٍ دالّ :

الكلام، المرض، الأجساد المرغوبة، الطفولة، ساشا غيتري/ جان كوكتو، الجسد المُناضل، الرقص، المثلية الجنسية، الجسد في الثلاثينيّات، بوريس ليمان، "القمر البارد"، نوعٌ سيئ، الجسد في الموجة الجديدة، لوك موليه، سن المراهقة، مارينا أبرامافوفيك، فيديو الفنانين، أفلامٌ من اليابان،  الجسد الرمزيّ،....

وعلى الرغم من تنوّعها، لا تسعى هذه التظاهرة بأن تكون جرداً حصرياً لأشكال الجسد على الشاشة، لأنّ الموضوع بطبيعته لا ينضب، ولكنها تقترحُ بالأحرى اكتشاف الجسد من القصص الهزليّة إلى تمثيله في الفنّ المُعاصر.

سوف ترتاد التظاهرة الشواطئ المُزدحمة بالأجساد العاشقة، والمُلتحمة، ترصد الجسد في شيخوخته، أو موته، تتأمل الأجساد العارية، تتساءل عن جسد الأطفال، أو المُراهقين، وتستمتع بالجسد في حالة الحركة (الرقص، والرياضة)، وتتقززُ ـ رُبما ـ من الأجساد المُصطنعة، أو البشعة.

سوف تتكوّن معظم الاختيارات من الأفلام القصيرة، وبالتحديد، التجريبية منها، أو تلك التي تميل إلى التجريب، أو ترتكز على كتابةٍ سينمائية طليعية لمُخرجين أمثال:

شانتال أكيرمان، نعومي لوفسكي، فاليريان بوروفتسيك، جاك روزييه، جان فيغو، جان كوكتو، كريس ماركر، ستيفان مارتي، جان رينوار، أوليفييه سمولدرز، كينيث أنجيه، جان جينيه، جان لوك غودار، فرانسوا تروفو، لوك موليه، بيير كوليبوف، آلان فليشر،....

وسوف تكون فرصة للتعرّف على أفلامٍ لمُخرجين عرب، أو من أصولٍ عربية يعملون في مجال السينما، والفيديو آرت، وكيف ظهر الجسد في أعمالهم : علي شيري، سوسن صايا، عواطف فتار، نينا إسبر، ياسمين المصري، سيدي العربي شرقاوي.

وفي مُسابقة الأفلام التجريبية، والفيديو آرت، تقدم "نينا أسبر" عملها "La Estrella/النجمة".

وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة تُطلّ أسماء عربيّة جديدة على المشهد السينمائي الفرنسي، مثل "سلمى شدادي"، وفيلمها القصير "مرحبا يا جدي".

وفي قسم البانوراما تقدم "الهاشمية" فيلمها "حلال"، و"ياسمين المصري" فيلمها الجديد "المريض، والزبون"، وكعادته، يُحطم "وائل نور الدين" التابوهات مع فيلمه التجريبيّ "في مديح العقل"، ويقدم "عصام متلوتي" فيلمه "وقائع من أفريقيا المُتوحشة، وكذلك يشارك فيلم "منطق الآخر" لمخرجه "فؤاد منصور"

مخرجون عرب يعيشون في فرنسا، أو من أصولٍ عربية وُلدوا فيها، ويُعتبرون جزءاً من المشهد السينمائي الفرنسي، وأفلامهم نتاج الثقافة الفرنسية، حتى وإن تطرّقت موضوعاتها إلى همومٍ، وقضايا عربية.

ولكن، بسبب القحط الإنتاجي العربي، تلجأ المهرجانات السينمائية العربية إلى استيراد هذه الأفلام، وزجها في مسابقاتها، كي يفرح مخرجوها، ويبتهجوا بالجوائز، ولا يبقى للسينمات العربية الوطنية غير كلمة "شكراً"، منطوقة بلغاتٍ، ولهجاتٍ متعددة، ويعود هؤلاء كي ينخرطوا من جديدٍ في سينمات البلدان الأجنبية التي يعيشون فيها، بينما تدور السينمات العربية في حلقات فارغة بانتظار أن يصيبها (الحال).

الجزيرة الوثائقية في

07/06/2010

 

رُمُوز: مايكل مور

 هادي خليل - تونس  

المخرج الأمريكي "مايكل مور" الذي ولد سنة 1954 في ضواحي مدينة "فلنت" (Flint) بولاية "ميشيغان" Michigan، هو صحفي ومخرج وثائقيّ وكاتب ومناضل نشيط في نُصْرَة قضايا الإنسان اليوميّة والتّنديد بظلم الحكّام وغطرسة رأس المال. منذ البداية، فرض نفسه بفضل أفلامه الوثائقيّة الملتزمة كملاحظ لا يهادن لواقع أمريكا المعاصرة خاصّة في ظواهره الاقتصاديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة. كما أصبح شخصيّة إعلاميّة بارزة ومؤثّرة خاصّة عندما يتعلّق الأمر بفضح ممارسات الإدارة الأمريكيّة خاصّة العسكريّة منها. لقد وُجِّهَتْ لهُ انتقادات كثيرة بسبب حضوره الدّائم في وسائل الإعلام، المكتوبة والمرئيّة، وبسبب نظرته الذّاتيّة للوقائع وتبسيطه في تناوله للأحداث السّاخنة التي يمرّ بها المجتمع الأمريكي.

في سنة 1989، أغلقت شركة "جينيرال موتورز" (General Motors) معاملها بمدينة "فلنت" وأطردت ما يفوق ثلاثين ألف من العمّال في مدينة عدد سكّانها لا يفوق مائة وخمسين ألف. استنكر أهالي المدينة هذه الإجراءات التعسّفيّة وحاولوا التّصدّي لها. في هذه الظّروف، قرّر "مايكل مور" أن يصوّر على نفقته الخاصّة فيلما وثائقيًّا مداره هذا السّؤال. أين يوجد "روجي سميث" الرّئيس المدير العامّ لشركة "جينيرال موتورز" في هذه المرحلة التي أصبحت فيها المدينة منطقة منكوبة؟ كان "مور" في هذا الفيلم الذي اختار له عنوان "روجي وأنا" (Roger and me) وراء الكاميرا وأمامها، إذ نراه وسط أهالي مدينة "فلنت" التي يعرفها جيّدًا، طالبا من المسؤول الأوّل عن شركة السيّارات أن يأتي على عين المكان لكي يشاهد الدّمار الذي خلّفه إغلاق المعامل.

حظي هذا الفيلم الأوّل باستحسان النقّاد ونجح تجاريًّا بصفة ملحوظة، منه بدأت تَتَبَلْوَرُ  السِّمَات الأولى لِمَا سُمِّيَ بـ"أسلوب مايكل مور" وهو أسلوب ناجع واستفزازيّ: المخرجُ هو شخصيّة من بين شخصيّات الفيلم ككلّ، حاضر في كلّ لقطة، وموجود في الصّفوف الأماميّة على ركح الأحداث. يرى "مور" أنّه على السّينمائيّ الوثائقيّ أن يكون عنصرًا فاعلاً في الأحداث التي يصوّرها وأنّه لا يجوز له أن يكتفي بدور الملاحظ الحياديّ الذي ينظر إلى شخصيّاته من عليائه. هذا الالتزام الذّاتيّ الذي دأب "مور" على التّشبّث به في كلّ أفلامه الوثائقيّة هو سرّ تلك الإنسانيّة الفيَّاضة التي تتميّز بها أعماله.
 
سنة 1997، أنجز "مور" فيلما مهمًّا بعنوان The big one وهو بمثابة التّحقيق الاجتماعي عبر الشّركات متعدّدة الجنسيّات وممارساتها التّعسّفيّة والزّجريّة. في رحلته هذه، ينطلق المخرج من سؤال محوريّ يطرحه على مسؤولي هذه الشّركات. بما أنّ هذه الشّركات تسجّل أرباحا طائلة وقياسيّة، كما تبيّنه الأرقام المنشورة، كيف نفسّر إذن أنّ فرص العمل أصبحت ضئيلة وشبه منعدمة. يلجأ "مور" إلى نفس الأسلوب الذي ميّز فيلمه الأوّل: هو حاضر بكثافة، يدقّ أبواب عمارات الشّركات الكبرى المتعدّدة الجنسيّات، ساخرا من المسؤولين الفاعلين ومصرًّا على استفزازهم بقيامه بمبادرات طريفة مثل إهدائهم تذاكر طائرة، حاثًّا إيّاهم على مشاهدة الأطفال الذين يقع استغلالهم بطريقة وحشيّة في معامل شركة "جينيرال موتورز" الضّخمة بكلّ من آسيا وأمريكا الجنوبيّة.

يمثّل Bowling for Columbine الذي صوّره سنة 2002 محطّة مهمّة في مدوّنة "مايكل مور" الفيلميّة. من خلال حدث دَامٍ كان مسرحه معهد بمدينة "كولومباين" بولاية "كولورادو" (Colorado) حيث قُتِلَ سنة 1999 ثلاثة عشر تلميذا من قبل رفيقيهم، يتساءل المخرج عن سرّ انبهار الأمريكيّين بالأسلحة النّاريّة، مطالبا بحدّة بإعادة النّظر في حقٍّ أقرّه الدّستور الأمريكي وفرضته الثّقافة الأمريكيّة ألا وهو حمل السّلاح. توّج هذا الفيلم بجوائز كثيرة ومهمّة وحقّق أرباحاً تُعتبر من أهمّ الأرباح التي سُجّلت في تاريخ السّينما. خلال مهرجان "كان" السّينمائي، تحصّل على جائزة "أحسن فيلم أجنبي".

عُرِفَ "مايكل مور" بكراهيّته للزّعماء السّياسيّين وخاصّة منهم أولئك الذين يتصرّفون مثل رعاة البقر الذين يحقّ لهم أن يفعلوا بمن يعتبرونهم من "المستضعفين" ما يشاءون. من خلال فيلمه Fahrenheit 911 الذي عُرِضَ سنة 2004، يصُبّ المخرج الأمريكي جام غضبه على إدارة "بوش" التي يعتبرها أسوأ إدارة عرفتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة على مرّ التّاريخ، كاشفا خفايا أحداث سبتمبر 2001 والحرب التي شُنَّت ضدّ العراق سنة 2003. تُوِّجَ هذا الفيلم بـ"السّعفة الذّهبيّة" بمهرجان "كان" سنة 2004 وكان ذلك أوّل نصرٍ تُحقّقه السّينما الوثائقيّة عالميًّا.

الجزيرة الوثائقية في

08/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)