حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"خارج عن القانون": فيلم يشوه الثورة الجزائرية 1/2

I – وقائع الفيلم....

أمير العمري

بداية يجب أن أؤكد على نقطتين:

الأول: أنني من المعجبين كثيرا بالموهبة السينمائية الكبيرة للمخرج الجزائري رشيد بوشارب، الذي يقيم ويعمل في فرنسا، فقد أثبت بوشارب عبر أفلامه الستة الروائية الطويلة، مهارة وحنكة، وبرع في التعامل مع الممثلين بوجه خاص، كما أثبت قدرته على التحكم أيضا في المونتاج بحيث يبقي المشاعر الجياشة التي تفيض بها أفلامه، "تحت السيطرة"، أي يحول بينها وبين الانحراف في اتجاه الميلودراما التي تعتمد على المبالغات العاطفية مما يمكن أن يؤدي إلى خروج الفيلم عن مساره "العقلاني".

وقد بلغ بوشارب قمة سيطرته كمخرج على كل جوانب فيلمه، في فيلم "البلديون" (أو أيام المجد) الذي عرض في مسابقة مهرجان كان عام 2006. وقد كتبت عنه في ذلك الوقت، وقلت بالحرف: "جاء عرض فيلم "البلديون" الجزائري، مفاجأة حقيقية لعشاق السينما في مهرجان كان السينمائي. المفاجأة أننا أمام فيلم كبير وعميق وراسخ، سواء في موضوعه أو في طريقة تناول الموضوع".

وكتبت أيضا: "ولعل من أهم ما يميز الفيلم، تركيزه الكبير على موضوع الهوية، أي هوية أبطاله. إننا نراهم هنا دائمي التأكيد على هويتهم، تارة من خلال الملابس التي يرتدونها حتى تحت القبعات الحربية، أو تبرز من تحت قمصانهم.

أما النقطة الثانية التي أود التأكيد عليها فهي أن قراءة الأفلام وفهمها، لا يعتمد على قراءة النوايا، ولا استنادا إلى ما يظهر من "كتابات" رسمية دعائية مصاحبة للأفلام تصدرها جهات "صاحبة مصلحة"، بل على تحليل الصور ودلالاتها، وتحليل الشخصيات وبنائها وكيفية تجسيدها في الفيلم.

"خارج عن القانون"

تكلف إنتاج الفيلم الجديد "خارج عن القانون" لرشيد بوشارب الذي شارك في مسابقة مهرجان كان (ونحن نعتمد هنا اسم الفيلم كما ظهر على الشريط نفسه باللغة العربية) 20 مليون دولار، جاءت أربعة ملايين دولار منها من الجزائر (ساهمت شركة سوناطراك للمحروقات بجزء منها)، وساهم المنتج التونسي طارق بن عمار بثلاثة ملايين دولار، وساهمت جهات الإنتاج الفرنسية بالباقي، أي بثلاثة عشر مليونا من الدولارات.

يطمح بوشارب هنا أيضا، إلى تحقيق فيلم ملحمي  epic كبير، يمضي منتقلا عبر فترات زمنية متعددة، يروي بطريقة مجازية، قصة ولادة الثورة، ولكن بتركيز خاص على دور الجزائريين في فرنسا تحديدا.

ويبدأ الفيلم عام 1925، في إحدى قرى ولاية سطيف، حينما تأتي فرقة من العسكر الفرنسيين يتقدمهم رئيس البلدية (ينادونه سي القايد) لمصادرة أرض يملكها مزارع جزائري، ويخرجونه وأسرته من أرضهم لكي يستولي عليها المستوطنون الفرنسيون. ويراقب الابن الأكبر عبد القادر، في انفعال وألم ما يحدث لأبيه.

ويمضي الزمن إلى 8 مايو عام 1945، وفي أسلوب وثائقي تقدم الأحداث: مباراة ملاكمة تدور في حلبة جهزت في ساحة شعبية في مدينة سطيف، بين ملاكم جزائري وملاكم فرنسي. فجأة مجموعة من المستوطنين يطلقون النار من الشرفات على جموع الجزائريين المارين في الطريق، وتحضر قوات الشرطة لتطلق الرشاشات على الجزائريين الذين يحاولون الدفاع عن أنفسهم. مباراة الملاكمة تتوقف ويتفرق الحشد. آلاف الجثث ترقد في الشوارع.

وننتقل إلى عام 1953، ونرى مسعود، الابن المتوسط للأسرة، وقد أصبح جنديا في الجيش الفرنسي ضمن قوات المظلات، المتجهة إلى جزر الهند الصينية. وإلى عام 1954، على أحد مقاهي سطيف فرنسيون يجلسون. شاب جزائري يطلق النار عليهم. وعبد القادر يتجه إلى "سي القايد" يغرز سكينا في قلبه، جزاء خيانته لأبناء جلدته.

الابن الأصغر (سعيد) يقنع والدته بعد ذلك بضرورة التوجه إلى فرنسا، على أساس أن مسعود سيلحق بهما هناك، وفي انتظار خروج عبد القادر من السجن حيث يقضي عقوبة جريمة القتل

في باريس 1955، داخل السجن، نرى عبد القادر وسط السجناء الجزائريين السياسيين الذين يرددون الأناشيد الوطنية (لقد بدأت حرب التحرير). ويشهد عبد القادر بعينيه عملية قطع رقبة أحد الثوار بالمقصلة. ويتأثر كثيرا.

وفي إحدى ضواحي باريس (نانتير)، تنتشر أكواخ بدائية جرداء يقطنها المهاجرون الجزائريون وبينهم سعيد ووالدته. أكواخ لا يمكنها أن تقيهم برد الشتاء القارص، بينما الثلوج تغطي المنطقة. تقوم الأم بزيارة ابنها عبد القادر في السجن، وتشد من أزره وتشجعه على الصمود.

سعيد يتعرف على رجل جزائري يعلمه مهنة القوادة في حي بيجال حيث يستغل فتاة جزائرية ويقوم بتشغيلها في الدعارة. يحضر عبد القادر لكي يأخذ منها ما ربحته من مال ويناولها رغيفا تتناوله بشراهة. وبعد مرور ستة أشهر يصبح لديه بعض المال، يحاول أن يعطي شيئا منه لامه لكنها ترفض في استنكار وتعنفه على ما يقوم به من عمل.

في السجن، عبد القادر يُجند لحساب العمل في خدمة الثورة بقيادة جبهة التحرير الوطني. رفيقه الذي يتولى تجنيده يقول له إن الحرب شر لابد منه، لكنها تخدم قضيتنا.

يغادر عبد القادر السجن، ويتمكن من الحصول على عمل بمصانع سيارات رينو التي يعمل فيها الكثير من الجزائريين. لكنه يأخذ في تحريض العمال على الانضمام للعمل السري في فرنسا مع جبهة التحرير "لأن المفاوضات لن تحقق شيئا". مجموعة من الجزائريين من حزب الحركة الوطنية الجزائرية (حزب مصالي الحاج) الذي تنافست معه جبهة التحرير وكان ينادي بالاستقلال عن طريق التفاوض مع فرنسا، يعتدون على عبد القادر بالضرب المبرح، ويهدده زعيمهم، بالقتل إذا لم يتوقف عما يقوم به.

في هجوم مضاد، يعود عبد القادر مع شقيقه مسعود الذي عاد أخيرا من الهند الصينية، إلى ذلك القيادي في حزب الحركة الوطنية ويقوم عبد القادر بخنقه بحبل، بعد أن يقرا عليه حكم الإعدام الذي أصدرته الجبهة باعتباره خائنا.

مسعود يتزوج من "زهرة" الفتاة اليتيمة التي ترعاها والدته. سعيد يعطيه بعض المال كهدية لزواجه. ليلة حفل الزفاف والجميع يحتفلون بالرقص والغناء في الأكواخ البدائية، تحضر الشرطة الفرنسية للقبض على عبد القادر ورفاقه. الشرطة تعتقل أعدادا كبيرة من الجزائريين. يستغل عبد القادر الفرصة ويأخذ في تحريض الجزائريين على الانتفاض ضد الفرنسيين، ويتمكن من تجنيد أعداد كبيرة منهم في الجبهة.

الجبهة تفرض ضرائب إجبارية على كل الجزائريين العاملين في فرنسا لتمويل النشاط المسلح، وتحظر عليهم التدخين وتناول الخمر.

عام 1957 تبدأ حملة تبرعات مالية لصالح الجبهة من بين الجزائريين في فرنسا، بمساعدة أعضاء في الحزب الشيوعي الفرنسي من الفرنسيين المتعاطفين.. مسعود يحاول التقريب بين أمه وسعيد. رجل جزائري يدعى عمر، اختلس اشتراكات الجبهة، يقوم مسعود بقتله خنقا بيديه مع عبد القادر.

عبد القادر يحل محل مسؤول الجبهة الذي ينتقل إلى جنيف حيث قيادة الجبهة في المنفى. يأمره الرجل بترك العمل في المصنع. سعيد أصبح الآن صاحب كباريه يطلق عليه "كباريه القصبة" في حي البيجال. مسعود يزوره هناك، ويطلعه سعيد على ما أسسه في مجال تبني شاب جزائري وتدريبه لكي يصبح أول ملاكم جزائري، يعده لكي يصبح بطلا من أبطال الملاكمة يحصل على بطولة فرنسا، يقهر الفرنسيين، وربما يصل أيضا إلى بطولة العالم. سعيد يدفع قسطا من المال تبرعا لتمويل الجبهة لكنه غير مرتاح لهذا "الفرض". مسعود ينبهه إلى أن التدخين محظور بينما سعيد مستمر في تدخين السيجار الضخم مثل أي رجل أعمال.

الشرطة الفرنسية بقيادة الكولونيل فايفر تغرق بعض النشطاء الجزائريين في النهر. ارتفاع وتيرة العنف الفرنسي في مواجهة عمليات المقاومة. عبد القادر ومسعود يهددان جزائريا يعمل ضابطا في الشرطة الفرنسية متزوج من فرنسية، لكي يسلم لهما خريطة بتفاصيل مقر الشرطة. اختطاف الكولونيل فايفر. وتهديده ثم الإفراج عنه. عبد القادر يأمر سعيد بإلغاء مباراة الملاكمة المنتظرة التي اعد لها طويلا لأنهم يريدون تجنيد كل الجزائريين وراء الإضراب العام الذي دعت إليه الجبهة في فرنسا. سعيد يرفض، وعبد القادر يهدده ويتوعده بالقتل. مسعود يبدو حائرا. يعترض على هذا الجنوح في العنف.

مدير الشرطة يشكل منظمة اليد الحمراء لاغتيال الثوريين الجزائريين والتنكيل بهم. تصفيات عنيفة بالرصاص. انفجارات مروعة في الأكواخ ومقتل العشرات. الثوار يهاجمون قافلة للشرطة، عبد القادر ومسعود يتمكنان من النجاة لكن مسعود يصاب ويموت.

ديجول يتعهد بإحلال السلام ويدعو إلى وقف العنف خلال رحلته إلى الجزائر. سعيد يرضخ على مضض لتهديدات عبد القادر بإلغاء مباراة الملاكمة رغم وجود الجمهور بكثافة حول الحلبة وغضب الملاكم الجزائري الشاب. تهاجم الشرطة المكان لاعتقال عبد القادر الذي يهرب ومعه سعيد. في المترو سعيد وعبد القادر وسط مجموعة من الجزائريين الذين يهتفون "تحيا الجزائر". عندما ينزل الاثنان من عربة المترو تطلق الشرطة الرصاص فيقتل عبد القادر وينجو سعيد. الكولونيل فايفر يتوقف أمام جثة عبد القادر ويقول له: لقد انتصرت. لقطات تسجيلية لمظاهرات الفرح بالاستقلال في يوليو 1962.

الجزيرة الوثائقية في

03/06/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)