حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

رؤية خاصة

روبين هود

رفيق الصبان

الفيلم يبدأ اذن مع عودة الفارس روبين من الشرق بعد فشل الحملة الصليبية التي رأسها ريتشارد قلب الاسد.. وعودته مهزوما.. وجريحا في كبريائه.. محترقا في داخله.. يتساءل عن جدوي هذه الحرب التي خاضها.. والجرائم الكثيرة التي ارتكبها جنده باسم الدين.

يعود الي بلاده.. التي كان يشغل مكانه فيها شقيقه جون الذي تزوج من أميرة فرنسية لم ترض عنها أمه الملكة.. جون فاسد.. مستهتر.. أناني لدرجة التصلب، ومتحجر القلب لغاية الوحشية انه ينتظر عودة أخيه.. ولكنه يتمني في أعماقه ألا يعود.. كي يعود العرش إليه لان ريتشارد لم ينجب ولدا يرث السلطة بعده.

ريتشارد يخوض آخر معاركه في حصار القلعة الفرنسية التي يحكمها الملك فيليب والتي تشكل تهديدا حاسما لعرش بريطانيا.. ومن خلال حصار القلعة وغزوها.. يقدم ريدلي سكوت أول مشاهد فيلمه المثيرة.. والتي يحسم فيها بشكل قاطع امكانياته السينمائية المبهرة.. سواء في حركة الممثلين أو في المونتاج..  أو في التقطيع أو في الايقاع العام أو استعمال كافة الادوات الفنية لخدمة هدفه السينمائي الذي يحققه بمهارة ملحوظة تشهد بأنه قد وصل إلي أعلي امكانياته وقدراته الفنية.

ومن خلال هذه المعركة الأولي.. التي يستهل بها المخرج أحداث فيلمه.. تتضح شخصية »روبين« وشهامته واخلاصه للعرش.. خصوصا بعد أن يشهد مقتل قائده الذي كان يحمل تاج انجلترا ليسلمه إلي وريث العرش جون.. بعد أن تآمر رجل البلاط الانجليزي جود فري مع الملك الفرنسي علي قتل ريتشارد.. لكي يحل محله جون الخليع المستهتر علي العرش.. مما يسهل علي الفرنسيين بعد ذلك اشاعة التمرد ضده وغزو انجلترا.. وازاحته عن العرش.

اذن منذ البداية.. نحن أمام مؤامرات سياسية للوصول إلي السلطة.. خيانات ومؤامرات قتل ورشوة واثارة ثورة شعبية ونظام فاسد.. يشهد علي كل ذلك روبين الشجاع.. الذي يصر علي ذلك إلي الوصول الي فوتنجهام.. قرية الفارس القتيل الذي وعده قبل أن يموت بأن يعيد سيفه إلي أبيه.

> > >

لا علاقة لكل ما رويناه.. بما اعتدنا ان نعرفه وان نراه في جميع الافلام التي صنعت حول شخصية روبين هود.. الخارج عن القانون نصير الضعفاء ومنقذ الفقراء من بطش وجشع الاغنياء.. والذي طور في نظر الحكايات الشعبية صورة اللص والخارج عن القانون واحالها الي شخصية اسطورية.. تتحدي الزمن.. ويمكن أن تكون مثالا علي الشجاعة والشرف والتضحية.

اذن منذ البداية.. يضع ريدلي سكوت النقاط علي الحروف.. واننا بصدد فيلم تاريخي يتكلم عن السلطة والحرب القذرة »سواء في القرون الوسطي.. أو في أيامنا هذه« وجميع المؤامرات التي تدار حولها ومن خلالها.. وهؤلاء الذين يستغلونها لمصلحتهم دون أن يعبأوا بمعاناة الشعب والجماهير البسيطة.. والانسان بصورته الصافية.

وتتداخل الأمور.. عندما يحاول والد الفارس القتيل روبرت لوكسيلي »ويلعب دوره بمهارته المعتادة وشخصيته المدهشة الممثل السويدي الشهير ماكس فون سيدو« اقناع روبين بتقمص شخصية ابنه.. الذي لم ينجب.. كي لا تصادر الاملاك لصالح الدولة.

وهنا يتعرف روبين علي ماريان زوجة الفارس القتيل.. »وتلعب دورها بتألق وحضور لافت كيت بلانشيت« التي تتمرد باديء الأمر علي هذه التمثيلية المهينة.. ثم تضطر إلي قبولها انقاذا للأرض ولأملاك العائلة.

ويستمر الخائن جود فري في خيانته.. ويشجع الملك الجديد علي فرض الضرائب الباهظة.. كي يمهد لثورة شعبية ضده.. ولتخلي كبار الملاك عن تأييده  تمهيدا للغزو البحري الفرنسي برئاسة الملك فيليب.

وينجح جوزيه الي حد بعيد في مؤامرته.. وعندما يكتشف الملك جون الخيانة ويحاول استقطاب كبار الاقطاعيين للدفاع عن وعن مملكته.. يواجه بالعصيان والرفض.. ولكنه ينجح  مع ذلك في كسب ولائهم للبلاد.. بأن يطلق الوعود بالديمقراطية والتعامل الانساني مع الشعب. يساعده في ذلك روبين الذي تقمص شخصية الفارس القتيل.

> > >

ويكتشف جود فري اللئيم خدعة لوكسلي وزيف شخصية روبين فيهاجم فوتنجهام.. ويقتل الاب الضرير ويكاد أن يغتصب ماريان ويحرق المزرعة كلها.

ولكن روبين يقرر مع رجاله مقاومة هذا الخائن.. والاصطفاف حول الملك جون وانقاذ عرش انجلترا وهزيمة الفرنسيين.

وهكذا كما ابتدأ الفيلم بمشاهد حصار القلعة المدهشة سينمائيا  ينتهي الفيلم بمشهد المعركة البحرية.. بين سفن الملك فيليب وجنوده وبين جنود الملك الانجليزي الذي اصطفوا حوله رغم الخلافات.. وثقة بوعوده عن ديمقراطية وحرية قريبة.

في هذه المعركة.. يتفوق ريدلي سكوت علي نفسه.. ويتجاوز ابهار المعركة الأولي بابهار آخر.. لا يقل عنه روعة وادهاشا سينمائيا.

واكاد ان أقول.. ان الفيلم كله هو هاتان المعركتان.. معركة البداية ومعركة النهاية وان ما بينهما.. احداث تشوبها الميلودراما أحيانا.. والنمطية التاريخية المعتادة في هذا النوع من الافلام مع التركيز بشكل خاص علي قصة الحب التي ستنشأ بالضرورة بين روبين وأرملة الفارس القتيل والتي اعطاها اداء كيت بلانشيت مصداقية ما كانت ستتاح لها لولا حساسية هذه الممثلة وقوة تعبيرها وتوازنها الشديد بين دور يشط قليلا نحو الميلودرامية ويجنح أحيانا أخري إلي اللامنطق.

وبالطبع فان المعركة الثانية كالمعركة الأولي.. تنتهي بانتصار ساحق للانجليز علي الفرنسيين وبانسحاب الملك الفرنسي مهزوما.. وبمقتل جود فري بسهم محكم من روبين »بعد ان كاد ان يقتل ماريان التي شاركت في المعركة هي أيضا مرتدية ثياب الفرسان«.

> > >

ولا ينتهي الفيلم عند هذا الانتصار.. بل يسير قليلا ليخبرنا.. كيف أخل الملك جون بوعوده التي اطلقها أمام الشعب كلها، وكيف امر بقتل روبين بحجة ادعائه اسم شخصية فارس قتيل ناسيا انه كان سببا أساسيا في انتصاره.. مما يدفع روبين في الوثائق الاخيرة من الفيلم الي أن يكون روبين هود الذي نعرفه.. ها هي ضمن الفقراء الذي يسرق من الاغنياء كي ينقذ الفقراء والذي يقف مع المظلومين ضد الطغاة.

خمس دقائق أخيرة.. فقط كرسها ريدلي سكوت لروبين هود الذي عرفناه في أفلام سابقة بينما ركز في ساعتي الفيلم علي محور سياسي وتاريخي ومحور عاطفي ميلودرامي يمكن لأي فارس آخر أن يكونه.. سواء كان روبين أم سواه.

الخلاصة أن الفيلم يتمتع بابهار بصري كبير.. وهذا ما دفع ادارة مهرجان »كان« لاختياره فيلما للافتتاح وضمانا لحضور نجوم كبار من أمثال راسل كرو وكيت بلانشيت للسير فوق السجادة الحمراء الشهيرة ولكنه رغم هذا الابهار.. ورغم الطابع السياسي والانساني الذي ركب عليه المخرج.

فانه لا يرتفع إلي مستوي أفلام ريدلي سكوت السابقة.. وان كان يحمل بشكل واضح بصمته وخبرته.

راسل كرو.. الذي اعتاد العمل تحت أمرة سكوت.. تماما في اعتماد دي كابريو العمل تحت أمرة سكورسيزي.. يبدو سلسلا في ادائه.. مقتصدا في تعابيره.. ولان دوره أصلا لا يحتاج إلي كم كبير من الانفعالات ولا يحتوي علي أي تقلبات نفسية تتيح للممثل اظهار مواهبه وامكانياته.. فان الادوار التمثيلية الأخري .. راحت لممثلين من طراز السويدي ماكس فون سيدو في دور الاب العجوز لوكسيلي أو مارك سترونج في دور جود فري الخائن، وخصوصا الممثل الشاب الذي لعب دور الملك جون.. فغطي بادائه المدهش علي جميع الممثلين الآخرين.. فهو تارة العربيد العاشق.. وتارة الملك المتآمر.. وتارة الزعيم الكاذب وأخيرا السياسي الغيور علي سلطته.

اداء شديد التنوع.. ودور شديد الكثافة الدرامية.. استطاع الممثل الشاب بفضله أن يكون البطل الحقيقي للفيلم رغم ستار الشر الذي كان يغطي شخصيته كلها.

وان من يذكر مشاهده مع أمه الملكة أو مع زوجته الفرنسية لحظة اخباره بخيانة جود فري.. أو تعبيراته في المعركة الاخيرة.. عندما علم ان سبب الفوز كان »روبين« وليس جيشه أو شجاعته.

مشاهد تؤكد ولادة ممثل نابغة ينتظر منه الكثير والكثير جدا في أفلام قادمة هذا اذا وجد مخرج متميز وقادر علي تحريك الممثلين شأن ريدلي سكوت.. واذا عرف حقا كيف يختار أدواره القادمة.

أخبار النجوم المصرية في

27/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)