حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

خطة تيمورية سبكية بالنكهة الإحسانية

بقلم : -د.وليد سيف

لا شك أن تامر حسني هوالوحيد الذي استطاع أن يعيد المطربين إلي عرش النجوم السوبر في السينما بعد الراحل الخالد عبد الحليم حافظ. ولا شك أيضا أن محمد السبكي له دوره في تحقيق هذا النجاح منذ ان تولي إنتاج أفلام تامر بطريقة شبه احتكارية، وبما هومعروف عنه كمنتج يقاتل من أجل نجاح فيلمه جماهيريا علي حساب أي معايير فنية، بداية من حرصه علي تحقيق التوليفة التجارية في كل عناصر الفيلم وأيضا بطريقته وأسلوبه الخاص في الدعاية المكثفة والتي تخاطب جمهور الفيلم بلغته . بل وحتي في متابعته الدؤوبة ورقابته الصارمة علي شباك التذاكر وكل دور العرض التي تطرح أفلامه. العنصر الثالث والأساسي في الفريق هو بالتأكيد أحمد عبد الفتاح الكاتب الشاب المتمكن حرفيا والقادر علي التوفيق بين الرؤية السبكية والتيمورية، فتامر عادة هو صاحب الفكرة أوالقصة علاوة علي شروطه كنجم وممثل للدور الأول.

ويمكنك أن ترصد في سلسلة أفلام تامر والسبكي الملامح الخاصة بكل منهما. فتامر ينشغل جدا بطبيعة الشخصية وروحها المرحة والجذابة لجمهورها وطبيعتها المنفتحة مهما اختلفت تفاصيلها. أما السبكي فهو الحريص دائما علي ألا يخلو أي مشهد من إفيه ضاحك مهما كانت جديته، وألا يخلو العمل من مواعظ مباشرة مهما كانت هزليته وسوقيته.

في ( نور عيني ) أعتقد أن السيناريست واجه معاناة أكبر لتحقيق التوليفة المطلوبة حيث انضم إلي الفريق وائل إحسان وهومخرج ناجح له اسمه وطموحاته وقناعاته الدرامية التي يصمم علي تحقيقها لتضاف إلي الخلطة السبكية والتيمورية النكهة الإحسانية. وبالطبع لا يجد أحمد عبد الفتاح وسيلة لتحقيق هذه الخلطة المركبة قالبا أسهل من الميلودراما الهندية القديمة - حتي ولوكانت الهند نفسها قد كفت عن استعمالها - بما تضمه من عناصر مأساوية ولمحات غنائية وعاطفية كما تستوعب أيضا فكاهات غليظة وبدائية.

بداية مضطربة 

وملامح البدائية تبدأ من لقطة الفيلم الافتتاحية مع شجرة مورقة، ربما من باب التفاؤل ، تهبط منها الكاميرا تلت داون لتتابع مجموعة من الصبية يلعبون الكرة في الشارع، فنتبين حميمية العلاقة بين اثنين منهما . سيكبران في المشهد التالي مباشرة  وسرعان ما نتعرف علي أحدهما يلعب دروه عمرويوسف أما الآخر فهو نور أو تامر حسني الذي يصحب ظهوره تصفيق حاد من جمهور الشباب والفتيات  في ظاهرة نادرة. وفي مشهد سريع ومضطرب يهاجم عمروعميد كليته الذي تخطاه في التعيين مع انه الأول ليعين ابنه مكانه. وفي إيقاع أسرع ينتهي عمرومن تجهيز حقيبته ويودع صديقه نور في المطار وهو يعده أن يعود حينما يتأكد من أنه سيستطيع أن يسترد حقه في بلده.

وفي حرص علي أن تتخلل المشاهد الجادة مشاهد هزلية مثيرة للضحك نتابع في بيت تامر حسني لهو شقيقه الأصغر وأصدقائه مع الخادمة البلهاء مروة حسين أوفتيات الليل أومع جلسات تعاطي الحشيش وجميع أصناف المخدرات مع ما يمكن حشوه بها من نكات غليظة وتهريج ماجن يعتمد علي تبادل السباب والصفعات كأحد الملامح الأساسية للسينما السبكية. لا يتناسب هذا الاسلوب بالطبع مع طبيعة الفيلم بملامحه الرومانسية ولكنه وللحق يحظي بقبول جمهور الشباب الذي أصابته الظروف السوداء من فقر وبطالة وعنوسة بنفس الحالة من الغلظة والبلادة. ولكنك تلمح من حين لآخر محاولات أحمد عبد الفتاح في توظيف أسلوب الحوار المرح المراوغ المناسب لشخصية تامر والذي يتحرك في اتجاه وينتهي بك إلي اتجاه آخر.

ولا يكتفي السبكي بإضفاء بصمته ولمسته الواضحة في العمل بل يواصل ظهوره علي الشاشة بعد أن استهوته اللعبة وأصبح بالفعل وجها مألوفا ومعروفا لجمهور السينما الذي يراه علي شاشتها وأبوابها .  ولكن ظهوره في هذا الفيلم يتكرر بصورة مستفزة لا يخدم وجودها أي شيء سوي ظهور المنتج وتأكيد هيمنته علي الفيلم حتي ولوكان يظهر في صورة شخصية هزلية ويحظي بتعليقات تامر الساخرة منه كرجل ينجذب للرجال والنساء دون تفريق " هي أي لحمة وخلاص..جتك البلا وإنت شبه محمد السبكي".

هزل وملل

وتتوالي فواصل من المشاهد الهزلية لإصرار  نور علي تقبيل حبيبته الكفيفة الرقيقة سارة - منه شلبي - في أماكن عامة.. ثم فاصل آخر من المشاهد التي تعقب تناوله قرصا مخدر اعلي انه دواء للصداع من حجرة شقيقه الذي يعرف جيدا أنه فاسد ومدمن مخدرات. وما يعقبه من مشاهد مفتعلة لتأثير المخدر تفشل في الإضحاك ولا تثير سوي الرثاء علي المخرج الذي يدعمها بكل الطرق من موسيقي ومؤثرات مفزعة ولقطات مخصوصة وكأنه يصنع ملحمة. ويتواصل فاصل الضجيج الصوتي والبصري من الملهاة المثيرة للرثاء إلي المأساة المثيرة للسخرية حين ينهال نور علي شقيقه الفاسد ضربا وكأنه فوجئ بانحرافه. وكما لوكنا لم نره في أول مشهد يتعامل بمنتهي البرود والاستخفاف مع اكتشافه لوجود عاهرة في البيت بصحبة أخيه وصديقه.

وتنتهي كل محاولات السبكي وتامر والممثلين الشباب في الإضحاك فتتم الاستعانة بكوميديان صريح هو رضا إدريس لتسخين المسائل بعد أن وصلت إلي حالة من الفتور القاتل. ويسافر تامر وسارة والفرقة في رحلة إلي لبنان لإثراء الصورة لإرضاء الزبون - المشاهد - وهناك تتواصل أجواء الملل القاتل وقد توقفت المشاهد عن تقديم أي شيء يمكن تعقبه أو انتظاره سوي معاكسة تامر لفتيات لبنانيات بلا مناسبة. ثم يقدم تامر الكليب السينمائي  الذي هو عبارة عن فوتومونتاج، يتفنن فيه وائل إحسان بتميزه في جماليات الصورة والتكوين والتبادل اللوني في الشوتات بين خضار الطبيعة وزرقة السماء والبحر من باب تعبئة الشريط السينمائي.

وبعد أن ييأس المشاهد من إمكانية وقوع أي حدث مهم يتفتق ذهن العباقرة عن موقف سوء تفاهم  تنصت فيه سارة مصادفة علي حوار نور مع زملائه عن فتاة  تسعي لإغوائه وهو لايطيقها، فتعتقد أنه يقصدها هي مما لا يصنع مجرد سوء تفاهم بل مأساة مروعة تدخل علي إثرها سارة  للمستشفي . ولا يتمكن نور من توضيح الأمر لها لأنه يواجه في نفس الوقت مأساة مصرع شقيقه الذي يعود من أجله إلي الوطن سريعا. فنري تامر في مشهد موت الأخ بتفاصيله الميلودرامية المبالغ فيها. ويستسلم المونتير لنزوات الممثل والمنتج والمخرج في إصرارهم علي هذا الأداء القديم والركيك . ونعيش لحظات من التمثيل السييء لا يمكن ان تغتفر إلا لنجم تحبه الجماهير وتصبر عليه كثيرا، لكن للصبر حدود. في هذه  اللحظة يكون المشاهد - الطبيعي -  قد وصل إلي حالة من الملل المتناهي والتأكد من سخافة الموضوع وسذاجة التفاصيل ويتهيأ لحل سريع للأزمة وتوضيح سوء التفاهم لينتهي الفيلم. ولكن الأمور ليست بهذه البساطة فالخلطة السبكية لابد أن تكون مشبعة وعليك أن تتجرعها حتي الثمالة.

السبكية الهندية

تسافر سارة للعلاج في الخارج ودونا عن كل بلاد العالم وأطباء العالم لن يعالجها سوي صديق نور الصدوق الذي كدنا أن ننساه بعد أن أهمله السيناريو. ولن نعود له إلا حين يصبح طبيبا ناجحا في الخارج يصنع المعجزات. ولكنه علي طريقة دجالين الموالد سيعيد للبطلة بصرها ودون ذكر أي تفاصيل علمية أوأي خلفية محددة عن حالتها حتي نصدق أن البصر يمكن أن يعود إليها. لكن طبعا كل هذه الأمور في السينما السبكية هي مضيعة للوقت وإرضاء لقلة من المثقفين لا يذهبون إلي أفلامه قطعا.

ولا تتعجب إذا لاحظت أن عمرويوسف لا يحدث أي تغيير  في مظهره أوأدائه بعد أن تحول من مهاجر مغامر إلي طبيب ناجح. وذلك لأنه ليس أداء الممثل فقط الذي لا يتغير فسلوك الشخصية نفسه لا يتغير. فهويعود للوطن من جديد ليتشاجر ثانية مع عميد الكلية لأنه ميز ابنه عليه. وهولا يتصرف كطبيب ناضج قادر علي أن يطالب بحقوقه بأساليب مختلفة غير الصراخ والضجيج وكأنه مطرب كاباريهات أوحلاق في كوافير عاد ليسترد نمرته أومقعده. ومن الغريب أن ثقافة السادة القائمين علي الفيلم لم تتمكن من التمييز بين نجاح الطبيب في الخارج وبين حصوله علي درجة علمية أعلي تتيح له أن يطالب بقوة بمكان في هيئة التدريس.

علي أي حال كل هذه أمور ثانوية، فالمهم أن البطلة سوف تلتقي بحبيبها من جديد بعد أن أصبحت خطيبة صديقه ولابد أن يضحي البطل بالحب من أجل الصداقة حتي يتدخل القدر ويلعب لعبته. لكن متي يلعب القدر لعبته وتتحسن ظروف السينما المصرية ويستطيع صناع أفلامنا الموهوبون أمثال أحمد عبد الفتاح ووائل إحسان أن يبدعوا في ظروف أفضل وأن يقدموا أفلاما تحترم عقلية المشاهد بالفعل وأن يوظفوا فيها قدراتهم ومهاراتهم ومواهبهم بعيدا عن كل هذا التلفيق والزيف والاصطناع وبعيدا عن كل هذه الضغوط المهينة التي تجعل فنانين علي قدر معقول من العلم والثقافة يعملون في خدمة سينما الجهل والجهالة.  وفي ظل ظروف متردية  تتواصل فيها نجاحات سلسلة من الأفلام الرديئة بمزيد من  الإصرار علي سخافتها وسذاجتها.

جريدة القاهرة في

25/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)