حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ثقافات / سينما

"ليف أولمان" (2/2): ممّثلة ومخرجة!

ترجمة وتقديم علي كامل

"شيء رائع أن تذهب لمشاهدة فيلم لغرض التسلية. لكن، شيء رائع أيضاً في بعض الأحيان، أن تذهب لا لكي تتسلى فقط بقدر ما تتأمل ما يعرض أمامك على الشاشة وتتساءل:(ماذا يعني هذا الفيلم؟ ماهي القيم التي يطرحها؟)، أو ربما تغضب وتنزعج أو من الممكن ان تهدأ وتقول:(سوف أصمت قليلاً ولن أتكلم لبعض الوقت). وهذا بالضبط هو ما ينبغي على المشاهد أن يفعله بعد مشاهدة الفيلم. أي أن يكون متمماً للعملية الأبداعية أيضاً وسوف يعثر على أشياء في الفيلم لم يفكر بها الكاتب أو المخرج أو الممثل مطلقاً". ليف أولمان

في مذكراتها التي صدرت عام ١٩٧٧ بعنوان "تغيير" (*) كتبت ليف أولمان تقول: "إنني أكتب عن شخص أعرفه جيداً، شخص أعرفه حق المعرفة، عن إمرأة نشأت وترعرت في النرويج وكل ما طرأ عليها من تغيير. إمرأة تمتهن عملاً جربته وخبرته كحق خاص (....) أريد أن أُظهر هذا الشخص من دون قناع وأقول:"هلو، هذه أنا".".

على الرغم من أن ليف أولمان هي مواطنة نرويجية إلا أن قدمها لم تطأ أرض النرويج لحين أصبح عمرها سبعة أعوام، فقد ولدت في اليابان عام ١٩٣٨ من أبوين نرويجيين حيث كان والدها جوني أولمان مهندساً يعمل ويقيم هناك آنذاك. كتبت أولمان تقول:

"ولدتُ في مستشفى صغير في طوكيو. أخبرتني أمي أنها تتذكر شيئين لحظة ولادتي:الأول، أنها رأت فأراً يمّر من أمامها وإعتبرت ذلك بمثابة فأل حسن، والثاني، إن إحدى الممرضات تقدمت نحوها وهمست في أذنها باعتذار قائلة: (إنها بنت. هل تفضلين إخبار زوجك بنفسك؟").

بيرغمان المعّلم والعاشق

لا يمكن الحديث بالطبع عن ليف أولمان الإنسانة والفنانة دون التطرق لعلاقتها العاطفية والإبداعية ببيرغمان. فإذا كان بيرغمان هو الخبير في رسم شقاء الإنسان، فأولمان هي القماشة التي كان يرسم عليها ذلك الشقاء. فقد ارتبط اسمها به وكاد ظله الوارف أن يحجبها لفترة طويلة وهذا ماكان يثير فيها القلق حقاً. تقول:"كنت أحس أنني لا شيء بدونه"!. وعن أول لقاء به تقول:

"كان ذلك عام ١٩٦٦. لقد كان إنغمار قد شاهد بعضاً من أفلامي قبل أن ألتقيه وحين إلتقيت به أحسست كما لو أنه شيء ما قد انبثق من صفحات مجلات هوليوود السينمائية. كنا نسير في الشارع أنا وهو وبيبي أندرسون، وفجأة أوقفني وقال:"أريدك أن تمثلي في فيلمي القادم".. (تضحك).. حينها فكرّت: أوه يا إلهي، إن هذا شبيه تماما بما يحدث في مجلات الأفلام.. (تضحك).. لقد كان حينها يتهيأ لإخراج فيلم كنت سألعب فيه دوراً صغيرا لكنه مرض فجأة وألغي الفيلم. عندئذ، ولأجل أن نغيّر مزاجنا ونبتهج قليلاً أنا وبيبي سافرنا نحن وأزواجنا إلى بولندا وتشيكوسلوفاكيا. وهناك في تشيكوسلوفاكيا أخبرتنا السفارة النرويجية أن رسالة وصلت من إنغمار. يبدو أنه أراد منا العودة على الفور. كان ما يزال راقداً في المستشفى، وكان يتطلع في صورة بيبي وصورتي، كما عرفت فيما بعد، حين خطرت له فكرة فيلم "بيرسونا" وقد كتب له السيناريو وهو في المستشفى.

عدنا إلى النرويج وبدأ تصوير الفيلم بعد أسبوعين تقريباً. لم يجري أي إختبار لنا. لا شيء. فقد إستوحى كل شيء من صورنا فقط.. (تضحك).. حينها فكرنا أنا وبيبي أن هذا الفيلم لن يراه أحد لأنه كان غريباً جداً.. (تضحك).. لقد كانت تجربة رائعة حقاً.

بيبي كانت واحدة من أفضل صديقاتي يومها، أما أنا، فقد وقعت في غرام أنغمار...(تضحك)" (**).

كثيراً ما كان بيرغمان يرّدد جملته الشهيرة بأنه يوظف ليف في أفلامه "لأنها بمثابة روحه الثانية". أما
هي فتقول:"في معظم العلاقات، لا يمكنك مطلقاً أن تفهم الشخص الآخر وتستخدمه إبداعياً في ذات الوقت، إلا أن بيرغمان فعل ذلك معي، على الرغم من أنه سرق بعض الأشياء من حياتي لا سيما في فيلمه (مشاهد من الحياة الزوجية)".

وهكذا ومنذ ذلك الحين أصبح بيرغمان معلمها الأول وعشيقها الدائم وتواصلت علاقتهما الإبداعية والعاطفية تلك وأثمرت إبنتهما لين أولمان، وكذلك تسعة أيقونات رائعة أخرى هي:

ـ العار (١٩٦٨) بدور إيفا روزنبرغ

ـ ساعة الذئب (١٩٦٨) بدور ألما بورغ

ـ آلام آنا (١٩٦٩) بدور آنا فروم

ـ صرخات وهمسات (١٩٧٢) بدور ماريا

ـ مشاهد من الحياة الزوجية (١٩٧٣) بدور ماريانا

ـ وجها لوجه (١٩٧٦) بدور د. جيني إسحاقسون

ـ بيضة الأفعى (١٩٧٧) بدور مانويلا روزنبرغ

ـ سوناتة الخريف (١٩٧٨) بدور إيفا

ـ سارباندا (٢٠٠٣) فيلم تلفزيوني. بدور ماريانا

في الفيلم التلفزيوني الأخير"ساراباند" لبيرغمان، تقرر مارينا (التي لعبت دورها ليف أولمان) زيارة زوجها السابق في بيته الصيفي في يوم خريفي جميل بعد ثلاثين عاماً من الانفصال. وحين يسألها عن سبب قدومها، تجيبه: "لأنك أنت من طلب مني الحضور".

وحين كان بيرغمان يحتضر في جزيرة فارو في نهاية شهر يوليو عام ٢٠٠٧ غادرت ليف بيتها الصيفي في النرويج وسافرت لرؤيته ووداعه، إلا إنه لفظ أنفاسه الأخيرة حال وصولها، ومع ذلك فقد كانت تريد أن تقول له: "إنك أنت من طلب مني الحضور".

تقول أولمان:"لقد جئت لأقول له وداعاً. لا أدري إن كان قد عرف بمجيئي، لأن هذا شيء مهم جداً بالنسبة لي". تحولت أولمان فيما بعد إلى ميدان الإخراج المسرحي والسينمائي، وهي تعترف أنها إستخلصت الكثير من دروس بيرغمان بهذا الشأن وتتذكر خصوصا جملته التي كان يردّدها على مسامعها دائماً مثلما تقول: "كان يقول لي دائماً أن الشيء الجوهري الذي ينبغي عليّ عمله وأنا أمّثل هو أن أوظف لأدواري كل أوهامي وخيالاتي وأي شيء آخر كنت قد فعلته في طفولتي ".

كمخرجة سينمائية أنجزت أولمان أربعة أفلام مميزة لعل أبرزهما "اعترافات خاصة" ١٩٩٦ وفيلم "الخائن" ٢٠٠٠، اللذان اعتمدا على مخطوطتين كتبهما برغمان على أمل أن يخرجهما يوماً ما وكلاهما مستمد من حياته الخاصة. الأول، يتناول الحياة الزوجية التعيسة لوالدي بيرغمان، والثاني، يُظهر الدمار الذي تحدثه امرأة عبر إقامة علاقة حب مع أفضل أصدقاء زوجها.

وهكذا تمر السنوات ويأتي الوقت الذي تخرج أولمان من ذلك الظل الوارف الأمين لتقف لوحدها على قدميها، فقد تألق نجمها ليس كممثلة ومخرجة سينمائية فحسب، إنما أيضاً كممثلة ومخرجة مسرحية أيضاً فقد جسدت أدوار عديدة على خشبات أشهر مسارح العالم. وأولمان اليوم تشغل منصب سفيرة للنوايا الحسنة في إطارعملها مع منظمة يونيسيف، فضلاً عن تأسيسها لمنظمة تعنى باللاجئين من النساء والأطفال.

تقول أولمان، وهي في سن الثانية والسبعين، أنها تتحرق شوقاً في العودة إلى جذورها الأولى، إلى خشبات المسرح النرويجي بعد أربعين عاماً من الغياب، بل إن لديها رغبة في القيام بجولة طويلة في شمال بلادها وهي تستقل واحدة من حافلات الانتاج السينمائي، وهو شيء لم تفعله منذ إن كانت ممثلة ناشئة.

بغبطة طفل تضيف:"سيكون ذلك ممتعاً حقاً"... "إنه نوع من العودة والوداع في نفس الوقت. إنها دورة كاملة من البدء إلى البدء.".

القسم الثاني: ليف أولمان المخرجة

إن آخر دور لعبته ليف أولمان كممثلة هو شخصية الجّدة في فيلم "عبر زجاج معتم" ٢٠٠8 وهو من إخراج جيسبر نيلسون وهو مسك الختام لممثلة أمضت ستة وأربعين عاماً وهي تقف أمام الكاميرا، لتنتقل إلى الوقوف خلف الكاميرا هذه المرة، ليس كممثلة إنما كمخرجة. تقول أولمان في هذا الصدد:" حين وقفت خلف الكاميرا عرفت تماماً أهمية أن تكون ممثلاً"!.

كمخرجة، أنجزت أولمان خمسة أفلام روائية هي:

ـ حب (١٩٨٢) سيناريو وإخراج

ـ صوفيا (١٩٩٢) سيناريو وإخراج.

ـ كريستين لافرانسداتار (١٩٩٦) سيناريو وإخراج.

ـ اعترافات خاصة. مسلسل تلفزيوني (١٩٩٦) عن مخطوطة لبيرغمان.

ـ الخائن (٢٠٠٠) عن مخطوطة لبيرغمان.

أما في ميدان الإخراج المسرحي فقد أنجزت عام ٢٠٠٩ عرضاً مميزاً لمسرحية تنيسي وليمس "عربة اسمها الرغبة" لعبت فيها كل من الممثلة الاسترالية كيت بلانشيت والبريطانية كيت وينسل الدورين الرئيسيين. الجدير بالذكر أن أولمان كانت هي نفسها قد لعبت الدور الرئيسي في هذه المسرحية لأول مرة عام ١٩٧٥على مسارح برودواي.

 ***

إنني لا أسير تحت ظلال بيرغمان إنما أستنير بضيائه (**)

·         دعينا نتحدث عن الخلفية الاجتماعية الخاصة بك. أنت ولدت في طوكيو، أليس كذلك؟

ليف: نعم. كان والدي يعمل مهندسا مدنياً في اليابان، وحين إندلعت الحرب العالمية الثانية تمكنا من الفرار إلى كندا. عمل والدي مدرباً للطيران في معسكر تدريب للطيارين النرويجيين والأنكليز كان يطلق عليه "نرويج الصغيرة" وتوفي هناك. ليست لديّ أية ذكرى عنه للأسف الشديد!. لكن الذي عرفته فيما بعد، أن من بين الطلاب الذين تتلمذوا على يديه هو "ثور هيرداهل" الذي أصبح فيما بعد مستكشفاً شهيراً وقد تم توثيق مآثره في فيلم كون تيكي الذي حاز على جائزة الأوسكار عام ١٩٥١. أتذكر ماقاله لي حين إلتقيت به بعد سنوات وبالصدفة، قال:"لقد أحبّ الجميع والدك، لأنه كان الضابط الوحيد الذي يحب أن يتحدث معنا وكأننا أناس حقيقيون". كان ذلك شيء رائع بالنسبة لي ان أسمع ذلك، لأنني ليس لدي أي ذكرى عنه.

·         وكيف وقعت في غرام المسرح ومهنة التمثيل عموماً؟

ليف: كنت أمّثل في مسرح المدرسة دائماً. كنت فتاة خجولة على غرار معظم الممثلين في البدء. أحببت الكتابة أيضا وكتبت نصوصاً مسرحية وكنت أقوم بكل تلك الأشياء بمتعة وبهجة. يومها قالت لي والدتي:"حسنا إذا أردت تحقيق ذلك بالفعل فينبغي عليك أن تكملي تعليمك أولاً". إلا إنني بدلاً من ذلك سافرت إلى لندن ودرست فن التمثيل لمدة عام في "أكاديمية ويبر دوغلاس" للفنون المسرحية.
كان الدور الأول الذي لعبته على خشبة المسرح هو آنا فرانك في مسرحية "يوميات آنا فرانك". ومن بعد مثلت أدواراً في الكثير من الأفلام النرويجية والسويدية.

الفيلم الأول الذي مثلت فيه مع بيرغمان هو "بيرسونا" عام ١٩٦٦ حين كنت في سن الخامسة والعشرين، وهي الفترة التي بدأت فيها التمثيل حقاً في السينما. لكن مع ذلك كنت أواصل عملي في المسرح أيضاً.

·         كيف كان عملك مع أنغريد بيرغمان في فيلم "سوناتة الخريف"؟

ليف: شيء مذهل! أنغريد سيدة حقيقية وصعبة للغاية في نفس الوقت. ومثلما جعلتني أفتخر بها كامرأة جعلتني أنا أيضاً أشعر بالفخر لأنني امرأة حين كنا نمثل معاً.

ربما هي الشخص الأول والوحيد الذي لم أرَ مثله من قبل في طريقة تعاملها مع إنغمار. لقد كانت صعبة الإرضاء، وكانت تناقشه بكل صغيرة وكبيرة بجرأة وأحياناً بفضاضة، وكانا في شجار دائم بشأن النص. (تضحك).

أتذكّر حينما كنا نعمل في (سوناتة الشبح) حيث كنت أقوم بدور البنت وهي بدور الأم. ثمة مشهد في الفيلم تقوم فيه البنت بتأنيب أمها لأن الأخيرة تريد العمل كعازفة بيانو. لقد طلب بيرغمان منها أن تقول لابنتها:"أرجوك سامحيني. أرجوك أن تحبيني"، لكنها رفضت ذلك بشكل قاطع وقالت له: ينبغي أن أصفعها على وجهها بدلاً من ذلك".

ثم بدأ الشجار وتصاعد الصراخ فتوقف التصوير وخرجا معاً لبعض الوقت ثم عادا ثانية وفعلت هي ما أراد. إلا إن الغريب في الأمر هو إن الكلمات التي كانت تتفوه بها لم يكن لها صلة بالتعبير المرسوم على وجهها!. لقد كانت شيء لا يصّدق.

كان إنغمار لا يحب العمل معها لأنه لم يتعود العمل بتلك الطريقة، ومع ذلك، نجح من خلال ذلك الشجار والجدال أن ينتزع منها أداءاً رائعاً وفريداً.

كانت ثمة رابطة حقيقية تربطنا نحن الإثنين. لقد إشتركنا بتجارب كثيرة في أفلامنا وحيواتنا. كانت أنغريد تحتمل الأشياء الصعبة بكياسة ولباقة، على العكس مني، فقد كنت ميالة للشجن والنحيب قليلاً. (تضحك).

كان بوسعها أن تروي كل تلك القصص المروعة التي قاستها في هوليوود حين كانت منبوذة أول الأمر، دون أن تبكي أو تتشكى مطلقاً. كانت تقول:"إنني لا أنظر إلى الوراء، بل أتطلع دائماً إلى المضي قدماً".

·         هذا يذكرني بجملة شهيرة للاعب كرة البيسبول الشهير ساتشير بيج يقول فيها:"لاتنظر إلى الوراء، فقد يسبقك أحد ما".

ليف: أوه هذا شيء رائع. وهو بالضبط ما ينطبق على الحياة التي عاشتها أنغريد بيرغمان. أتذكر حين كنا نعمل في فيلم "سوناتة الشبح" كانت مريضة جداً، لكنها لم تشكو أو تتذمر أو تتحدث عن مرضها مطلقاً. كانت أنغريد امرأة في غاية الشجاعة والجرأة، وكانت تقوم بأعمال جسدية إتضح لي لاحقاً أن من المستحيل لأحد القيام بها وهو يعاني من السرطان.

 كانت على الدوام أول من يحضر إلى موقع التصوير وآخر من يغادر. كنا نخرج عادة في المساءات لنذهب إلى نادي الممثلات وقد كانت أنغريد هي أول شخص ندعوه من خارج مجموعتنا لتنضم إلينا. أتذكرها كيف وقفت يومها وسط مائدة العشاء ورفعت كأسها وقالت:

"لقد كانت لي حياة موسرة ومترفة، لكن، لم يكن لي صديقات رائعات مثلكن مطلقاً". لقد كان ذلك مثير للغاية. ونحن مازلنا نتحدث عنها كثيراً حتى الآن.

·         لننتقل في الحديث عن مهنتك الجديدة. هل الإخراج هو الشيء الذي كنت تتمنينه دائماً؟

ليف: كلا، فقد التحقت بهذا الميدان في وقت متأخر. لقد أتيحت لي فرصة أن أخرج فيلماً قصيراً اسمه "حب" حين كنت في كندا ضمن مشروع أنطولوجي. وهو يتحدث عن شخصين مسنين ومن دون حوار. نسيته فيما بعد تماماً ولم أفكر به مطلقاً، لكنني عدت إليه ثانية لأن شركة إنتاج دنماركية طلبت مني أن أكتب سيناريو له، ومن بعد وجهت لي دعوة للقيام بإخراجه وقبلت الدعوة.

لقد أحسست في الاسبوع الأول من العمل أنني عثرت حقاً على مهنتي الحقيقية، لأنني كنت بدأت أشعر بالإعياء من عملي كممثلة، فضلاً عن دافع مشجع آخر هو وجود الكثير من المخرجين الرديئين هناك. (تضحك).

·         ألم تعد لديك رغبة حقيقية في التمثيل بعد؟

ليف: كلا على الإطلاق. التمثيل يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً. والوقت، هو جوهر المسألة بالنسبة
لي وأنا في هذه السن، فضلاً عن شحة العروض المغرية التي كانت تقدّم لي في السابق، وجزئياً أيضاً لأنني أنا نفسي قررت أن أتوقف عن ممارسة هذه المهنة، ناهيك عن ندرة وجود مخرجين ممسوسين (بالمعنى الجميل طبعاً) مثل إنغمار. وأحياناً، وأنت في سن محددة، عليك أن تكن صبوراً... لحين أن يتفضل عليك الآخرين بدور... كلا، أنا لا أحب ان أفعل ذلك حقاً.

الحياة كانت ومازالت معطاء بالنسبة لي، وها هي تمنحني فرصة جديدة أخرى ممتعة. وهناك شيء آخر رائع للغاية هو أن تجد نفسك وأنت تقف وراء الكاميرا وأمامك ممثل آخر يزهر ويتورد أمام عينيك.

ثمة من كان يقول، ها إنك تدخلين الأربعين، لكنني تجاوزت ذلك السن وكانت فترة رائعة. وثمة آخريقول، ها إنك تدخلين الخمسين، ومرت هذه هي الأخرى بشكل ممتع وجميل. وهكذا تمر السنوات، حيث كل مرحلة لها مذاقها الخاص. وهاهي الحياة تمنحتني من جديد فرصة أخرى لولوج مهنة رائعة هي الإخراج.
الآن أنا في السبعين من العمر وأوّد أخذ فترة استراحة حقاً. ربما للقيام بشيء آخر مختلف. ليس بالضرورة أن يكون ممارسة لمهنة جديدة. الحياة هي هي أينما كنت. وستكون سخية جداً إذا سمحت لها أن تكون سخية، لا سيما بالنسبة لنا نحن الذين نتمتع بالكثير من الخيارات.

·         ماذا تقصدين بفترة إستراحة؟ أتعنين إستراحة من إخراج الأفلام أو من لعب أدوار في الأفلام؟

ليف: مسألة التمثيل محسومة بالنسبة لي.

·         تماماً؟ هل ثمة شيء ما يقنعك بالعودة؟

ليف: حسناً، أنا لا أعرف شيئاً عن الغد مطلقاً، لكنني مع ذلك لا أعتقد أن بإمكاني العودة. لا أريد أن أكون قلقة بشأن طريقتي في رؤية الأشياء. ما أريده فقط هو الاهتمام بالكيفية التي أحيا فيها. أود رؤية حفيدي في رحلة مثلاً. نعم، لم لا؟ أنا لم أفعل ذلك مطلقاً.

·         هل تعتقدين أن التمثيل يمكن أن يكون أرضية جيدة للمخرجين المقبلين، لأعتبار واحد هو قدرتهم على التعاطف أكثر مع الممثلين؟

ليف: نعم بالتأكيد. أنا لا أعتقد أن بوسع جميع الممثلين أن يكونوا مخرجين. في المقابل ثمة الكثير من المخرجين ليس لديهم القدرة على الإخراج. (تضحك). وإذا ما تمكنوا من ذلك، ربما بسبب من هذا التعاطف، فسيكون ذلك رائعاً حقاً.

·         أظن أن الممثلين الذين عملوا معك جاءوا مدفوعين بهاجس هو أنك ممثلة متمرسة في هذا الميدان. لذا فثمة درجة من الثقة ستنشأ حتماً بينكم وعلى الفور.

ليف: ينبغي أن يكون هناك الكثير من الثقة. بادئ ذي بدء، يجب أن تكون منفتحاً مع نفسك، مدركاً أنهم
يعرفون أنك لا تخفي أي شيء عنهم. ثم عليهم أن يثقوا بك لكي يعرفوا أي شيء سيمنحوه لكن شرط أن لا تسيء استخدام ذلك العطاء بالطبع. ينبغي أن يشعروا أنك أشبه بالعاشق وأنت جالس خلف الكاميرا.

إذا كنت جالساً مع شخص تعشقه حقاً وهو يتطلع إليك ويبدي لك أنك أعذب شخص في هذا العالم، فسوف تُزهر وتتفتح فجأة. ينبغي أن تمنح الممثلين فسحة واسعة من الحرية وأن لا تحاول أن تجعل منهم نسخة من الفكرة التي استحوذت عليك وأنت في ورشة عملك الخاصة.

·         كيف تنتزعين الأداء الجيد من ممثليك أثناء العمل؟

ليف: من خلال الثقة المتبادلة. ينبغي أن أكون جديرة بثقتهم لكي يبدعوا. أنا لن أطلب منهم القيام بشيء أقل أو أكثر إن لم يكن صادقاً حقاً. خذ المشهد الرائع الذي صورناه في فيلم (الخائن) مثلاً، حين تجلس ماريانا (الممثلة لينا اندري) قرب النافذة وهي تتحدث عن محاولتها التخلي عن طفلتها.

المشهد يستغرق ٨ ـ١٠ دقائق تقريباً على الشاشة والكاميرا مرّكزة على وجهها فقط. حين أدت لينا الدور في المرة الأولى كان أدائها رائعاً. لأنها ممثلة.. وأي ممثلة!. إن كل من يرى تقنية ذلك الأداء سيقول، آه، يا إلهي، أية ممثلة رائعة هذه!. لكن، مع ذلك، كنت أعرف جيداً أنها يمكن أن تعطي المزيد.

قلت لها أن أداءك مدهش والجميع سيثني عليك، ولكن أريد أكثر من ذلك. ثم قلت لها:"لينا، فكرّي فقط
بتلك الطفلة الصغيرة التي خرجت تواً دون أن تستدير نحوك، وستظلي تحملين تلك الصورة معك لبقية حياتك. كوني أنت نفسك لينا".

عندما قامت بأداء الدور ثانية حدث شيء ساحر. لم يكن تصفيقاً حاراً في الأستديو كما هي العادة حين يجيد الممثل دوره، بل كان هناك صمت.. صمت ناطق.

حينها غادرت لينا الاستديو حالاً فيما صار بعض العمال يربتوا على كتفها بحرارة. لم تقم لينا بأداء دور الشخصية بل كانت تجسد دور لينا نفسها حقاً. وهذا شيء من الصعب عليّ شرحه.

·         لقد إحتفظت بالعديد من الدروس التي تعلمتها في العمل مع بيرغمان. هل يمكنني القول أنه كان يلقي بظلاله على حياتك المهنية؟

ليف: حسنا هذه هي كلماتك...

·         بل كلماتك أستعيرها من كتابك (تغيير).

ليف: حسنا ولكن مضى على إصدار الكتاب الآن أكثر من ثلاثة عقود...

·         مع ذلك مازال غضاً محتفظاً بحرارته.

ليف: حسناً. ولكنني عشت بعد ذلك أكثر من عقدين آخرين وكان قد مضى على إنفصالنا وقت طويل. مع ذلك، أعتقد أنه ماقلته صحيح. بيرغمان هو أفضل مخرج عملت معه.

لقد عملت معه عشرة أفلام كممثلة ومخطوطتين سيناريو كمخرجة. لكن لا تنسى أيضاً أنك كشخص لا بد من أن تعكس شخصيتك في أفلامك. إنها في الآخِر حياتي التي أعمل في إطارها، وكل ما أقدمه يمثل حياتي وتجربتي الخاصة بي.

أما بشأن التعلم، فإن ما تتعلمه أكثر، وممّن، اذا ماتحدثنا عن الإخراج، فأقول، إن الذي تعلمته من المخرجين الرديئين هو أفضل مما تعلمته من المخرجين الجيدين!.

ستتعلم من الرديئين تجنب عمل الأشياء التي لا يجوز لك عملها مع الممثلين والناس الذين يعملون معك. أعني تلك الأشياء التي تسحق المخيلة ولا تحترم التجربة والخبرة.

بوسعك بالطبع أن تتعلم أكثر وأكثر من ذلك إذا كنت تريد حقاً أن تكون مخرجاً أنت بنفسك. وأود أن أضيف هنا شيء آخر بشأن سؤالك هو إنني لا أسير تحت ظلال بيرغمان إنما أستنير بضياءه.

·         أنا سعيد جداً لهذا التوضيح. طيب، هل دعمك حين أردت أن تكوني مخرجة؟

ليف: بالطبع. وكان داعماً حقيقياً. حين انتهيت من توليف فيلمي الأول "صوفيا" أرسلت له نسخة من الفلم وطلبت منه سماع رأيه. إنه معلمي الأول بلاشك، إلا أن كوني ممثلة، كان التمثيل بالنسبة لي هو أفضل المعاهد السينمائية لأكون مخرجة، لأنني أعرف ما يحسه الممثل في أعماقه، وهذا ما دفعني أكثر إلى احترام الممثل ومهنة التمثيل أكثر فأكثر.

·         لقد تحدثت عن الشجار المستديم بين أنغريد بيرغمان وإنغمار بيرغمان بشأن النص. كيف تعاملت أنت كمخرجة مع المخطوطة التي كتبها إنغمار لفيلم "الخائن"؟

ليف: لم أغير كلمة واحدة منه. لكن ثمة الكثير من الاشياء تم استبعادها بالطبع، وإلا سيستغرق طول الفيلم ستة ساعات. كنت أتمتع بحرية مطلقة في عملي مع النص، لكني لم أغيّر كلمة واحدة. وبما إنني لست المؤلفة، لذا لم يكن لزاماً علّيّ الدفاع عن تلك الكلمات، لأنها كانت موجودة أصلاً في النص.

أما بشأن ما كان يحدث بين أنغريد وإنغمار من مشاحنات حول النص، فأظن أن إنغمار ربما كان يشعر بالألم حين كانت تتحدث أنغريد معه بتلك الطريقة. أما بالنسبة لي، فقد كنت أتمتع بكامل حريتي في كتابة السيناريو التنفيذي للفيلم (shooting Script) لأن النص الذي كتبه بيرغمان كان عبارة عن مونولوغ واحد طويل.

لقد أراد مني هو أن أكتب السيناريو التنفيذي، وهذا ما فعلته تماما مثلما جُسّد في الفيلم، لأنه أراد أن تدخل شخصية المرأة وتطرح وجهة نظرها حول ما جرى له في الماضي. لقد سمحت لنفسي أن أنعم بحريتي وليس لأسأله عما إذا كنتُ قد فعلت ما كان يريده.

·         هل جاء إلى موقع التصوير؟

ليف: جاء فقط في اليوم الأخير من التصوير والتقط بعض الصور الفوتوغرافية. لقد كان ذلك شيء رائع منه، شيء مفعم بالثقة تماماً. لقد استغرقت المرحلة التي سبقت تصوير الفيلم (pre-production) عاماً تقريباً، لكنه مع ذلك لم يسأل عن أي شيء مطلقاً. لم يأتي إلى موقع التصوير أو إلى طاولة المونتاج وهذا ما أثار إعجابي به. أنا شخصياً لا أستطيع فعل ذلك، لكنه فعلها.!. لقد كان شجاعاً وكريماً في اظهار تلك الثقة بي. وأنا بدوري، كنت مخلصة وأمينة للنص، ولم أفعل أشياءً كنت أعتقد أنها ستكون ضد نواياه.

·         لنتحدث الآن عن فيلم "الخائن". إن الفيلم يعالج الكثير من الموضوعات التي سبق لبيرغمان أن تناولها في أفلام أخرى لا سيما تلك العلاقات المحكوم عليها بالأخفاق بين الرجال والنساء. مارأيك؟

ليف: نعم. وأود أن أن يشمل ذلك جميع أنواع العلاقات، ليس علاقات الرجال بالنساء حسب، إنما علاقات الرجال بالرجال، النساء بالنساء، علاقات الأطفال بالآباء...إلخ.

إن القضية تكمن في الخيارات، وإذا لم ننظر إلى تلك الخيارات بعمق فإن معظم العلاقات محكوم عليها بالإخفاق، حتى لو بقي الناس يعيشون معاً تحت سقف واحد.

إذا كنت لا تتحمل مسؤولية الشخص الآخر، وإذا لم تفكر مطلقاً بأي شيء تشارك فيه الآخرين فسيكون ثمة حاجز حتماً. إذا لم تستطع فصل ذلك الحاجز وواصلت عمل الشيء نفسه في علاقاتك اللاحقة فإنك ستفاقم الأمر أكثر فأكثر.

إن سبب فشل علاقات كهذه ليس لأن الشخص الآخر لا يطاق، بل لأنك لم تلاحظ الخطأ الذي قمت به، أو ربما لأنك سمحت للشخص الآخر أن يفعل بك مالا تريد. أعتقد أن أمراً كهذا كان أسهل بكثير في الماضي قياساً بوقتنا الحاضر، بسبب وجود الكثير من القيم آنذاك.

كنا نعتقد إننا إذا قمنا بفعل سيء فثمة عواقب ما تنتظرنا، لأننا نؤمن أن هناك إله أو قيماً أخلاقية أو ربما لأننا عشنا فترة طويلة تحت سلطة الوالدين.

لقد فقدنا الكثير من تلك القيم الآن. أعتقد أن الخطر اليوم هو أن حتى أطفالنا يفتقدون إلى وجود قيم لديهم بشأن حياة الآخرين، بل هم لا يدركون أن الحياة هي نعمة عظيمة وإن كل إنسان فيها هو شيء فريد من نوعه.

إن هذه الأشياء جميعاً مصدرها السينما والتلفزيون والكتب وووسائل الاعلام. بوسعك مشاهدة الانتخابات الرئاسية لكن لا تستطيع رؤية الرؤساء المتسابقين على السلطة كبشر مطلقاً. لقد تعودنا كثيراً على سماع الأكاذيب. الناس يخفون أكاذيبهم في التسجيلات الصوتية والجميع يشتري تلك التسجيلات. لهذا أعتقد أن العلاقات ستكون عسيرة لحين العودة إلى تلك القيم مرة أخرى.

·         يبدو أن ثيمة الفيلم شيّدت على حدث حقيقي جرى في حياة بيرغمان منذ وقت طويل.

ليف: نعم، على الرغم من أنها ليست عني. (تضحك) لأن الكثير سألوني عن ذلك. لقد حدث ذلك قبل أن نتعرف على بعضنا البعض. القصة لا تستند كلها إلى واقعة حقيقية. ربما جزء منها فقط، وهو ما بحثه بيرغمان في أحد كتبه. فالمرأة التي كتب عنها في مخطوطته هي امرأة كانت له علاقة حب بها عام
١٩٤٩، وكل وما جرى له معها حدث بشكل واقعي. فلقد ذهبا معاً إلى باريس وطلقت هي زوجها وأنجبا طفلاً، لكنه هجرها فيما بعد هي والطفل من أجل امرأة أصغر سناً. هذا ليس سراً، فقد كتب هو عن هذا الموضوع. المهم في المسألة هو استجابات الشباب ممن هم تحت سن الخمسين أزاء الفيلم، لا سيما الرجال منهم، الذين كانوا أنفسهم أطفالاً لوالدين مطلقين. لقد جاءني أحدهم يوماً وقال لي:"هذا ماحدث لي بالضبط، ولن أدع ذلك يحدث لأطفالي".

لقد أحّب إنجمار أطفاله ولكنه أصبح أباً في وقت لم يكن الرجال فيه يتعلقون كثيراً بأطفالهم.

·         هل فكرّ بيرغمان أن يخرج هذا الفيلم بنفسه في وقت ما؟

ليف: كلا. لقد أعطى النص لي، وقد كان نصاً رائعاً، إلا أنه شخصي جداً!. قلت له: "ينبغي أن تخرجه أنت بنفسك" لكنه لم يرد ذلك، والسبب كما أظن هو نوع من الإحساس بالذنب.

حين إطلعّت على السكريبت أولاً، قلت له:"لماذا لم يكن لديك أي شيء من التسامح نحو شخصية الكاتب؟». قال:"إن الثيمة بمجملها تتحدث عن التسامح." وهذا سبب آخر كما أظن حال دون قيامه في إخراجه. ولأنني كنت حرة في التصرف بالنص فقد غفرت لتلك الشخصية في الفيلم. أعتقد أن من بين الأشياء العظيمة التي كتبها بيرغمان يعتبر هذا النص هو الأفضل. إنه مثل عمل شكسبيري. الحوار فيه مدروس بشكل دقيق.

·         لقد أعجبني أسلوب معالجة ثيمة الفيلم وهي تتفتح وتتكشف ما بين شخصية الكاتب وملهمته.

ليف: لقد قلت لجميع الممثلين أنهم سيلاحظون أن كل شيء يحدث في داخل ورشة العمل بين الكاتب وملهمته هو السعي الدائم لتلك المرأة الملهمة في اثبات وجهة نظرها. فقد كانت تقول دائماً أشياء مثل "أوه، نعم، ولكنهما عاشا فيما بعد بشكل جيد، وقد كانا سعيدين" وهذا ما كان يتعارض تماماً مع رؤية الكاتب الذي يجيبها بدوره: "نعم، لبعض الوقت. ولكن بعد ذلك...." وتصبح الحالة أكثر قتامة وعتمة.

تغادر الملهمة في الآخِر لأنها لا تريد أن تصبح جزءاً من القصة على الإطلاق. وهذا هو تفسيري لذلك على أية حال، وقد كان الممثلون متفقون جميعاً معي في هذا التأويل.

وهكذا كنا نعمل بهذه الطريقة. أنا لا أعرف فيما إذا كان ذلك هو هدف بيرغمان، لأننا لم نناقش السكريبت منذ استلامي إياه. إلا أنه كان مهتماً جداً بتجربة المرأة ورؤيتها تماماً مثلما هو الكاتب في الفيلم. لقد قال لي مرة:"الشيء المثير بالنسبة لي هو أنني لا أعرف ماذا ستفعلينه بهذا الشأن" ولم نتحدث بعدها عن الفيلم قط.

·         شخصية المخرج ديفيد في الفيلم شخصية أقل عاطفية وتملقاً قياساً بالصورة التي رسمها له بيرغمان في النص.

ليف: أنت تعلم أن البعض يظهرون أنفسهم في كتبهم وأفلامهم وفنونهم أنهم غير عاطفيين، لكن يمكن أن يكون لديهم إحساس آخر مغاير تماماً في الحياة. وثمة البعض الآخر من الناس أخف وطأة وألطف في الحياة لكنهم لا يعكسون ذلك في نتاجاتهم الإبداعية.

الشيء المهم هو أن يكون لديك هذا التسامح الذاتي في حياتك وليس في عملك فقط. بيرغمان لم يستطع أن يغفر لنفسه عن بعض الأشياء التي فعلها في الماضي، ولهذا السبب أظن أن بوسعه أن يغفر لشخصية ديفيد في هذا الشأن.

·         رغم وجود الكثير من الأحداث المرعبة التي جرت في نهاية الفيلم لكنني مع ذلك مازلت أشعر بالتفاؤل.

ليف: لقد أحسست أنا شخصياً بالأمل من أجل الطفلة إيزابيل فقط. أعتقد أنها ستذلل الصعاب وستستخدم كل تلك الخبرة بطريقة إيجابية. إنها تمتلك كل تلك الأسرار التي إكتسبتها من هؤلاء الكبار والتي ينبغي عليها أن تضطلع بها.

أعتقد أن إيزابيل ونحن المتفرجون أيضاً، نعرف جيداً إن مافعله هؤلاء الكبار كان شيئاً خاطئاً، وينبغي أن نعتبره نوعاً من التحذير، على الرغم من أننا نأمل أن لا تكون حيواتنا دراماتيكية تماماً هكذا. (تضحك).

إذا لم يكن لديك حرصاً على الناس الذين يجاورونك ويحيطون بك، فسوف يتقوض شيء ما في أعماقك. لهذا ينبغي على المرء أن يُحّب بإجلال هائل، وأن تكون لديه إعتبارات خاصة جداً لهذا الحب.

·         هل كان لديك فكرة حول صعوبة الكيفية التي سيصّور فيها سيناريو كهذا، فهو يبدو كما لو إنه نصاً مسرحياً في نواحي كثيرة.

ليف: النص صعب حقاً لأنه عبارة عن سلسلة من المونولوغات لاغير. لقد أنفقت أكثر من عام في العمل عليه قبل أن أصل إلى معرفة الطريقة التي سأنجزه بها. كان يصعب عليّ في بعض الأحيان حتى أن أفسر للممثلين الكيفية التي أتخيلها عنه، لأنه كان معقداً جداً، إلا إنهم رغم كل ذلك كانوا قد وضعوا ثقتهم فيّ حقاً، وساعدوني على إنجاحه.

·         الممثل إيرلاند جوزيفسون لعب معك كممثلة في معظم أفلام بيرغمان ومن بعد لعب في أفلامك كمخرجة. ما هي نوعية التجربة التي خضتها معه في كلا الميدانين التمثيل والإخراج؟

ليف: حسناً، إيرلاند هو واحد من أعز أصدقائي، ونحن نعرف بعضنا البعض منذ خمسة وثلاثين عاماً إن لم يكن أكثر. وهو الوحيد الذي أثار خوفي وقلقي حين لعبت دور المخرجة معه، لأننا كنا قد تعودنا حين كنا نمثل معاً، على التحدث عن المخرج بشكل سيء في فترات الإستراحة، وكنا نتقاسم كل تلك الأسرار الصغيرة الرائعة. ولا أعرف فيما إذا كانوا يتحدثون الآن عني بسوء أنا أيضاً. المهم، فجأة أنا المخرجة وإيرلاند جوزفينسون الممثل.

على كل حال، كان إيرلاند كعادته رائعاً معي كممثل، وقد تحول في كثير من الأدوار التي لعبها معي كمخرجة إلى مصغ ودود.

 لقد كان أداءه جديداً ويختلف تماماً عن الطريقة التي كان يؤدي بها حين كنا نمثل معاً. لقد لعب في جميع الأفلام الأربعة التي أخرجتها، وأنا لا أستطيع حقاً رؤية موقع التصوير بدونه. إنه إنسان رائع جداً. لقد كان كل شيء يسير بشكل رائع بسببه. أن يلعب إيرلاند في أفلامي هو شيء أفخر به حقاً.

·         مَن مِن المخرجين الآخرين الذين تركوا بصماتهم على أفلامك عدا بيرغمان؟

ليف: «جان ترول» (***) بالطبع هو مخرجي المفضل بعد بيرغمان لأنه كان يجمع بين كونه مصوراً سينمائياً ومخرج في نفس الوقت. جان لا يتكلم كثيراً لكنه حين يشتغل المشهد يبدو لك كما لو أنه يكتب شعراً عبر كاميرته. إنه يمنح ممثله كامل الحرية أثناء العمل، وبعدها ينتقي ما يشاء. إنه شخص قد كرّس نفسه لهذا الفن وهو إنسان وفنان لايُصَّدق. ليس لديه أي طموح سوى أن ينجز فيلماً مميزاً ورائعاً. لهذا السبب، أظن، أنه لم يستطع إخراج أفلام كثيرة في هوليوود. ومع ذلك فهو مازال يعمل الكثير من الأفلام في السويد. لكن الشيء الغريب الذي أثار دهشتي كثيراً بالطبع هو أن أسمع الكثير في السويد
يتحدثون عن فيلم"الخائن"أنه فيلم يتضمن بصمات كثيرة من جان ترول!. ومع ذلك، دعني أكرر ماقلته لك قبل قليل أنني تعلمّت من حفنة من المخرجين الرديئين الذين عملت معهم أكثر بكثير مما تعلمته من أي شيء آخر.

·         هل يوجد ثمة مشروع ما في الوقت الراهن؟

ج: لدي مخطوطات عديدة ترقد هناك، وأود أخذ فترة إستراحة لأرى ما أريد القيام به. أظن أن الفكرة الأكثر قرباً لي الآن هي عمل فيلم مقتبس عن مسرحية "بيت الدمية" لإبسن.

·         في الختام، ماهي النصيحة التي يمكن أن تسديها إلى المخرج السينمائي المبتدىء؟

ليف: أقول له، عليك أن تؤمن بنفسك أولاً ولا تدع الآخرين يؤثرون عليك. ثمة الكثير ممن حولك من يحاول أن يثبط عزيمتك، ليمنح نفسه القوة والسيطرة، فلا تصغي له. ثق بنفسك حقاً. إن أكثر الناس الذين سيقفون إلى جانبك هم الممثلون، ولذا عليك أن تكسبهم إلى صفك، لأن عكس ذلك سيكون المستحيل.

الشيء الآخر هو أن عليك أن تنتقي أفضل المصورين قدر ما تستطيع. لا تدع أحداً ما يحاول أن يسير فوقك. الشيء الأول الذي يفعلونه حين تكون مبتدئاً، وهذه قد مررت بها أنا شخصياً، هو أنهم يحاولوا أن يجلسوا فوقك. تذكر فقط أن تظهر للممثلين أنهم الأهم في موقع التصوير. أن تمنحهم فسحة واسعة كي يبدعوا، وأن لا تكون عبداً لما خططت له أو فكرت به في المنزل. احترمهم وكن معجباً بهم، بل كن أفضل متفرج وأفضل عاشق لهم، وسوف لن تفشل!.

 

هوامش:
(*)
Live Ullmann. Changing. published in UK in 1977 by George Weidenfeld & Nicolson Ltd
(**) ٣ مارس ٢٠٠٨. هوليوود أنترفيو. مجلة فينيسيا ويب سايت. ليف أولمان: المحافظة على الإخلاص!..أليكس سيمون

(***) جان غوستاف ترول (١٩٣١)

مخرج ومصور سينمائي سويدي لعبت ليف أولمان دور كريستينا في فيلمه (المهاجرون) ١٩٧١. عُرف عن ترول أنه عادة ما يقوم بكتابة سيناريوهات أفلامه ثم تصوريرها وإخراجها. الصفة التي وسمت أفلامه الواقعية هو شعريتها التي تبرز سحر الطبيعة وهي التي وضعته في الصف الأول من المخرجين السينمائيين جنبا إلى جنب وبيرغمان و بوويديربيرغ.

لندن
a-film50@hotmail.co.uk

 رجوع إلى: الحلقة الأولى

إيلاف في

20/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)