حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«قلب مجنون»..

سينما سطحية ترفع شعار «من غير ليه»؟!

كتب محمود عبد الشكور

كانت ستصبح كارثة حقيقية بالنسبة لي لو تسلل فيلم مثل «Crazy Heart» أو «قلب مجنون» للقائمة القصيرة التي تنافست هذا العام علي أوسكار أفضل فيلم، وتضم هذه القائمة عشرة أفلام فقط، ولكن «قلب مجنون» نجح من خلال بطله «جيف بريدجز» في حصد جائزة الأوسكار لأفضل ممثل في دور رئيسي، وفاز «بريدجز» قبل ذلك بجائزة الكرة الذهبية لأفضل ممثل في فيلم درامي عن دوره في نفس الفيلم شاهدت الفيلم مؤخراً وعانيت من ملل المتابعة والانتظار لدرجة أنني فكرت أكثر من مرة في قطع المشاهدة، وهو أمر نادراً ما يحدث لي علي كثرة الأفلام المتواضعة التي أنتظر حتي نهايتها صابراً ومحتسباً. ولكن في «قلب مجنون» ما يستفز بالفعل لأنه يذكرك علي الفور بأفلام تليفزيونية شديدة التواضع والسطحية تبث عادة في سهرة نهاية الأسبوع مع العلم أنني شاهدت لسنوات في فترة السبعينيات علي القناة الثانية المصرية أفلاماً تليفزيونية جيدة ومبتكرة.

العمل الذي كتبه وأخرجه «سكوت كوبر» عن قصة صدرت عام 1987 مستوحاة من حياة مغني الريف الأمريكي «هانك تومسون» كتبها «توماس كوب» نموذج للسطحية في كل شيء: في رسم الشخصيات وفي إدارة الأحداث (إذا كانت هناك أحداث حقاً) وفي تحديد دوافع الشخصيات وأسباب تحولاتها، بل أن السرد يسير خطياً ليكرر ويعيد ويزيد في نفس الفكرة والمعني. حتي الشخصية الأساسية التي لعبها «جيف بريدجز» باجتهاد واضح وهي لرجل دمرته الخمور التي أدمنها لسنوات تبدو سطحية تماماً بشخصية لا تنسي تعاني من نفس المأساة أقربها إلي الذاكرة الشخصية التي لعبها «نيكولاس كيدج» في فيلم «مغادرة لاس فيجاس» وحصل عنها علي جائزة أوسكار أفضل ممثل أيضاً.

أريد أن أوضح كذلك قبل أن نحلل الفيلم أن رأيي في العمل لا علاقة له علي الإطلاق بالأغنيات الريفية الأمريكية ذات الطابع المحلي الخاص، علي العكس تماماً، فالفيلم إذا كان جيداً يمكن أن يجعلك تهتم بما لم تهتم به، من قبل أذكر أنني قلبت الدنيا لمعرفة المزيد عن «إديث بياف» بعد أن شاهدت فيلم «الصغيرة» البديع عن حياتها العاصفة، بل أذكر أنني بحثت عن معلومات أكثر عن شاعر أغاني أرجنتيني شاهدت عنه فيلماً بديعاً في مهرجان القاهرة السينمائي، وتكرر الأمر من قبل عندما شاهدت الفيلم الرائع عن الموسيقار الألماني الشهير «جوستاف ماهلر» فأصبحت مفتوناً بموسيقاه وبحياته الثرية.

ولكن «قلب مجنون» يأخذ شخصية لمغن أمريكي كان يمكن أن تكون ثرية وواسعة الآفاق بحجم احباطاتها ومعاناتها ليقدمها من زاوية محدودة وضيقة وبأقل حد من الابتكار والخيال، ثم يفشل في تفسير دوافعها أو تقديم أي دراسة نفسية أو اجتماعية عن ظروفها الخاصة. يفتح الفيلم مباشرة علي مغني الأغنيات الريفية الذي يطلق علي نفسه «باد بليك» يقولون عنه الأسطورة في حين يقول عن نفسه إنه في السابعة والخمسين من عمره. لديه وكيل أعمال يتفق مع الموتيلات والفنادق الصغيرة والحانات لكي يقدم «باد بليك» أغنياته القديمة المكررة.

هيئته مضطربة رغم بقايا وسامة واضحة. مظهره يذكرنا بشكل المصور الكبير والممثل «طارق التلمساني» بعد أن طالت لحيته وطال شعره. لن تعرف أبداً لماذا أصبح «بليك» الذي لا يذكر أبداً اسمه الحقيقي مدمناً للخمور؟ هل كان ذلك بسبب ابتعاد الأضواء عنه؟ أم أن الإدمان هو الذي جعله خارج دائرة المنافسة؟ فيما بعد سنعرف معلومة مهمة جدا هي أنه ترك ابنه الطفل في سن الرابعة، وعندما يحاول الاتصال بابنه وهو في سن الثامنة والعشرين يرفض الابن مقابلته. هل لهذه القصة علاقة بإدمانه للخمور؟ لا أعرف ولا أحد في الفيلم يعرف المهم أن تتكرر أمامك مشاهد لـ«بليك» وهو ينتقل من حانة إلي موتيل يغني علي قدر ما تسمح حالته وهو مخمور حاملاً جيتاره الخشبي في بعض الأحيان تسمع الأغنية كاملة كما في أفلام الخمسينيات المصرية الغنائية، وأحيانًا يكتفي المخرج بجزء منها، وبصفة عامة لا تزيد المواقع الأساسية عن ثلاثة أماكن هي الحانات والفنادق وأماكن الغناء من مسارح وخلافه.. عن طريق الصدفة يلتقي «بليك» برجل في حانة يطلب منه أن يقابل ابنة اخيه الصحفية «جين» التي تهتم بتغطية الأنشطة الموسيقية.. وخلال ثلاثة مشاهد فقط مع «جين» التي قامت بدورها «ماجي جيللينهام» تصبح عشيقته رغم فارق السن، ورغم أن الفتاة الشابة لديها طفل عمره 4 سنوات يدعي «بادي» «جاك نيشوز». بدون مقدمات تعلقت «جين» بـ«بليك» الذي اعترف لها بأنه تزوج أربع مرات من قبل. وبسهولة نجح «بليك» في الحصول علي صداقة الطفل. قد تتصور أن يكون هناك صراع مبكر بين «بليك» و«جين» لإصرارها علي أن يقلع عن الخمر، ولكن أقصي ما ستسمعه منها هو مطالبتها له بألا يتناول الخمر في حضور الطفل!

علي الجانب المهني، لا يفعل «بليك» شيئًا سوي الاستجابة لمطالب وكيل أعماله الذي يطلب منه الذهاب إلي المدينة الفلانية أو إلي الحفل الفلاني فيفعل طلبًا للمال، ويتوقف الفيلم قليلا عند علاقة «بليك» بالمغني اللامع «تومي سويت» «كولين ماريل» الذي يعتبره أستاذه الذي علمه كل شيء والمدهش في العلاقة أن المغني الشاب الوفي هو الذي يتشبث بأستاذه، ويلح في الطلب لكي يكتب له أغنيات جديدة في حين يعامله «بليك» باستعلاء ولا مبالاة بل وبما يشبه الاحتقار، علاقة مثل هذه لا تصدق وفقًا لموقع كلا الرجلين، هل تتخيل مثلاً أن مغنيا شبابيا له جموره العريض يطلب من مغن خارج الصورة أن يشاركه الغناء علي المسرح فيرفص المغني العجوز ويترك المكان كله. هذا والله ما فعله «بليك» عندما أخبروه أن تلميذه نجم النجوم يطلبه لكي يشاركه الغناء أمام آلاف المتفرجين!

أصبحت علاقة «چين» و«بليك» جسدية حميمة حيث نري العجوز السكير يمتع المرأة الشابة جنسيا! وعندما تنقلب سيارته وتكسر قدمه تقوم برعايته في منزلها، وفي مشهد طريف تبكي عندما تراه يكتب أغنية علي سريرها. لماذا؟! لأنها ستتذكر أغنيته فيما قد ينساها هو، وكلما ذهب «بليك» إلي مدينة للغناء تتابعه هي وابنها الصغير بالاتصالات التليفونية. بل وتذهب إلي «هيوستون» لتقيم معه هي والطفل لتنقلب الأمور عندما يدخل حانة للشراب فيضيع منه الطفل. هنا فقط تنسي «چين» حبها وتعنِّف المغني العجوز، وعندما تسترد ابنها تأخذه معها ويتركان الرجل.

ولأن كل شيء يقدم بسطحية وبدون بناء مُتدرِّج، فإن «بليك» يقرر فجأة أن يعالج نفسه من الإدمان، وخلال عدد محدود من المشاهد يشفي تمامًا ويتحول إلي رجل «مصحصح». وبدلاً من أن تبتهج «چين» بالنتيجة وتعود إليه ترفض تمامًا إعادة العلاقات رغم أن دموعها لم تجف في مشهد سابق خوفًا من أن ينساها! يقبل العجوز الصفعة، ويعود إلي تأليف الأغنيات التي نري إحداها يغنيها تلميذه «تومي» أمام الجماهير. وفجأة تظهر «چين» بعد 16 شهرًا من الفراق لنكتشف أنَّها اقترنت برجل آخر، ولكنها تحاول الحصول علي مقابلة صحفية مع «بليك»! من الصعب أن تحتمل كل هذا السخف، ولم يخفف عنك أداء واجتهاد «چيف بريدجز» و«ماجي جيللينهام» الكثير لأن الشخصيات ودوافعها وتصرفاتها غير مُقنعة علي الإطلاق. حتي تقديم المخرج للأغنيات تم بدون أي ابتكار بصري كأن تصاحب مشاهد «فوتو مونتاج» مثلاً تدفع بالأحداث إلي الأمام. كل ما كان يفعله المخرج «سكوت كوبر» أن يقدم زاوية واسعة تظهر سماءً زرقاء مُلبَّدة بالغيوم البيضاء، ولا أعرف بالضبط ما علاقة هذه الغيوم بمشهد يظهر فيه «بليك» وهو يتبادل عبارات الحب مع «چين» وطفلها عبر التليفون؟ هل فهمتم شيئًا من ذلك؟!

روز اليوسف اليومية في

19/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)