حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

محفوظ عبدالرحمن لـ«الاهالي"

لو كتبت عن مصر خلال الثلاثين عاماً الأخيرة.. سأكتب مرثية أم كلثوم رمز لإنسان يصعد من القاع إلي قمة المجتمع بالجهد والموهبة

حوار وتصوير: نسمة تليمة

«سيرة كبيرة والبطل إنسان»، ولأنه كتب سيرا ذاتية قدم من خلالها تاريخ وطن، حاولنا أن نسطر معه القليل من السطور عنه وهو صاحب الكثير من الأعمال، وجدناه بالفعل سيرة كبيرة خاصة جدا ومختلفة حقا، بطلها إنسان بالدرجة الأولي، كتب للمسرح والإذاعة والتليفزيون والسينما، درس التاريخ بكلية الآداب وعمل بدار الهلال فبدأ بقصته القصيرة «البحث عن المجهول» حتي وجده في أكثر من 12 عملا مسرحيا ليقدم «سليمان الحلبي»، و«ليلة سقوط غرناطة»، وعندما كتب للشاشة الصغيرة جمعنا جميعا حولها لنشاهد رائعته «أم كلثوم» ليؤكد لنا في كل مشهد أهمية وروعة تلك الأسطورة، وقدم عبدالناصر في أروع حالاته (ناصر 56).

محفوظ عبدالرحمن.. ذلك الرجل الهادئ المبتسم دائما، ذهبنا إليه لنحاوره حول آخر أعماله «أهل الهوي» لنجده يجلس وسط تحفه الفنية التي ملأ بها منزله فها هي صورة تجمع فناني وكتاب ورموز مصر بجوار صورة لجمال عبدالناصر.. وفي الحوار التالي يفتح محفوظ عبدالرحمن خزائن فكره لـ «الأهالي».

·         صرحت بأن العلاقة بين المثقف والسلطة علاقة إشكالية لماذا؟

** هي علاقة جدلية في المقام الأول يشوبها استغلال السلطة لسطوتها علي المثقف، وفي المقابل يحاول المثقف الخروج من هذا، هي تشبه «زواج اثنين يكرهون بعضهما البعض» ولكنه زواج ضروري، لنجد المثقف لا يستطيع أن ينعزل تماما عن السلطة لأنه لا يوجد جهاز ينشر إبداعاته بعيدا عن الدولة ولهذا مطلوب من الدولة أن تسمح بنسبة من الحرية للكاتب حتي تستفيد هي الأخري.

·         وما واقع المثقف من وجهة نظرك في ظل هذا الصراع؟

** الواقع مرير حقا فالحرب ضد المثقفين من وجهة نظري بدأت من بدايات رفاعة الطهطاوي والصراع مع السلطة ولكن الكفة الراجحة دائما كانت للسلطة، فالمثقفون يخسرون دائما إما حياتهم وإما قدراتهم الإبداعية وإما أنفسهم، وفترتنا الراهنة هي الأسوأ في تلك العلاقة لافتقاد النظام رؤية ثقافية.

·         وما دور المثقف المفترض من وجهة نظرك؟

** دور تنويري طبعا، لأن كل حركات الثورة في العالم قائمة علي الثقافة.

بوتيك

·         في كتاباتك الدرامية دائما تستخدم التاريخ.. هل تفعل ذلك لإحداث إسقاط علي قضايا العصر؟

** الإسقاطات تأتي بمفردها، فأنا منذ 40 سنة أكتب أعمالا تاريخية لم أفكر أن أسقط التاريخ علي الحاضر ولكن لحسن الحظ أجد هذا بالمصادفة لأن التجربة الإنسانية تتكرر في ظروف مختلفة وهذا ما يميز الإنسان كما قال أحمد بهاء الدين «الإنسان حيوان له تاريخ».

·         ما الذي يستهويك في الشخصية حتي تكتب عنها؟

** أبحث عن شخصية تمثل شيئا حقيقيا، وللعلم أندهش من فكرة الإقبال علي السير الذاتية في الدراما والتي تكون علي أساس الشهرة بغض النظر عما قدمته الشخصية في الحياة وكأنهم يختارون من «بوتيك» شخصية لامعة «مزينة»، أنا كتبت عن أم كلثوم لأنني حاولت أن أقدم شخصية امرأة استطاعت أن تصل لقمة المجتمع بجهدها وموهبتها، خاصة أننا كنا نهاية القرن العشرين وحاولت أن أكتب عن شخصية تمثل القرن وأعرض معها ما حدث من أحداث تاريخية.

·         أظهرت في مسلسل «بوابة الحلواني» الخديو إسماعيل بصورة أفضل حيث بدا لنا وكأنك ترد إليه الاعتبار.. لماذا؟

** الناس ظلمت الخديو إسماعيل ولو أنه كان لابد أن يظلم فقد تم عزله في 1879 وأنا شخصيا كانت فكرتي عنه أفضل من العوام وأسوأ من الواقع وعندما بحثت جيدا خرجت الحقيقة كما ظهرت بالمسلسل لا أحب أن أظلم حتي من خان إسماعيل كان له مشروع دولة كبري مثل عبدالناصر ومحمد علي.

·         هل البحث في التاريخ يعيد اكتشاف الشخصيات والأحداث؟

** بالطبع نحن نكتشف نقائص الناس وحسناتهم ومواقفهم فحتي الشخصيات الكبري لها نقائص لا يمكن احتمالها وبعضها يمكن احتمالها، فعندما نعرف أن سعد زغلول كان يحب القمار.. لكنه كان زعيما سياسيا من طراز فريد.

·         لماذا يتم التعامل مع الأعمال التاريخية علي أنها درجة ثانية؟

** لأنهم لا يهتمون بأي عمل درامي إلا بوجود نجوم كبار فيه فالإعلام ينظر لجودة العمل من خلال النجوم خاصة أن الدراما التاريخية تحتاج إلي ميزانية كبيرة.

أهل الهوي

·         ما الشروط التي تكفل نجاح العمل التاريخي في رأيك؟

** أن يكون الكاتب حقيقيا وموهوبا وتكون لديه معلومات بجانب أن يكون مبدعا فقد يكون الشخص لديه معلومة ولكنه لا يستطيع توظيفها إبداعيا وأن ينفذ العمل في شكل يحمل الإتقان والأمانة والصدق ومراعاة الدقة حتي يتم تجسيد العمل جيدا علي الشاشة.

·         ما الذي استهواك في شخصية بيرم التونسي لتقدمها في مسلسل «أهل الهوي»؟

** تستهويني بالفعل شخصية بيرم التونسي لأنه كان مؤثرا جدا في المجتمع وقتها فهو شاعر عظيم وحياته تمثل فترة مهمة جدا في تاريخ مصر حيث إنه نتاج لثورة 1919 فترك الإسكندرية وذهب للقاهرة وأصدر الجرائد علي حسابه الخاص ليؤازرها وحياته الشخصية أيضا مثيرة دراميا وعاش في بلاد كثيرة.

·         صرحت قائلا: لا يمكن للكتابة أن تتحول إلي احتراف.. ماذا قصدت بالاحتراف؟

** الحرفة بمعني أنني أفعل «المطلوب مني» مثل النجار، أما الكتابة الحقيقية فهي أن أكتب ما أريده قفط وما أجيده ولا أغير موقفي إذا طلب مني هذا، فلا أكتب لأستفيد أنا فقط.

البهرجة بدل الثقافة

·         وهل لهذا السبب أنت مقل في كتاباتك؟

** قد يكون لهذا السبب جزء من قلة أعمالي والجزء الثاني أنني أري الحياة بها أشياء أخري يمكن أن نقوم بها غير الكتابة فأنا أجد القراءة وقد أعجبتني جملة إحدي الكاتبات التي حصلت علي جائزة نوبل عندما قالت «أكتب عندما لا أجد شيئا أقرأه».

·         قدمت حوالي 12 عملا مسرحيا.. ولكنك الآن بعيد عنه تماما لماذا؟

** المسرح في رأيي مثل السيدة التي نحبها وهي أخلاقها سيئة، فقد عانيت من المسرح كثيرا وحدث معي ما قد يقتل أي شخص وقد حققت بعض الأشياء الجيدة ولكنها أقل من أحلامي في المسرح.

·         هل تعاني مصر خللا في دورها الثقافي؟

** بالطبع مصر لها وجود دائم بدورها الثقافي منذ أكثر من ألفي عام علي مر التاريخ ومنذ حضارة الإسكندرية، ولكنها منذ ثلاثين عاما فقط بدأ يختل هذا الدور بشكل مذهل وصعب جدا فالدولة تخلت عن كل شيء له علاقة بالثقافة وبدأت تبحث عن «البهرجة» والكاتب غاب عنه أفكاره وهذا لأن النظام في الأساس لا يقرأ ولا يربط الأشياء ببعضها ولا يفكر في المستقبل.

·         هذا علي الرغم من كثرة الإصدارات الكتابية يوميا في مصر؟

** الإصدارات شيء عظيم لكن توزيعها هو الأهم وهو توزيع سييء، أشك في وجود قارئ لأنه فقد الثقة في الثقافة فنحن نحتاج لرؤية حقيقية بعيدة عن البهرجة والتلميع.

·         هل أنت مؤرخ أم كاتب دراما؟

** أنا كاتب دراما ولكني لابد أن ألجأ للتاريخ وأصوره جيدا ومعظم أعمالي أحرص فيها علي هذا، واكتشفت أن المعرفة الجيدة تحتاج إلي دراسة حتي يكتمل العمل فأنا باحث أيضا لأصل لنتائج مهمة وأعتبر أعمالي توثيقا مهما وقد اكتشفت أن أحد الأساتذة استخدم مسلسل «أم كلثوم» كمرجع في كتاب فشعرت برعب ومسئولية لهذا.

·         هل تضع لنفسك خطوطا حمراء في الكتابة؟

** يضحك قائلا: أطرح فكرة خطوطا حمراء ووردي وبنفسجي، وبلا شك أن كل كاتب لديه خطوط حمراء لا يرغب في تخطيها فالرقابة أساسها ثلاثة أشياء «الجنس، الدين، السياسة» وأري أننا في زمن لا يحتمل مناقشة دينية ولست مائلا بطبيعتي لتقديم الجنس وأتذكر كلمات يوسف إدريس لي أن كل واحد عنده هواجس جنسية ملامحها قبيحة يجب أن نكتبها بمفردها ثم نقطعها، أما السياسة فأنا راغب باستمرار في تجاوز هذا الخط فلا يمكن ألا أقول رأيي ولكن بطريقة فنية.

·         إذا كتبت عن الثلاثين عاما الأخيرة في حياة مصر.. ماذا ستكون ملامح هذه الكتابة؟

** ستكون مرثية فقط لا غير.

المصرية في

21/01/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)