حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

لبلبة : الوحدة تقتلني بعد رحيل أمي

حوار: مايسة أحمد

عندما يرحل عزيز لدينا تختفي الالوان من الحياة ويسيطر الضباب والغيوم علي كل ما يحيط بنا..

عندما التقيت الفنانة لبلبة هذه المرة لم أصدق أنها لبلبة التي نعرفها جميعا بالابتسامة المشرقة التي لا تفارق شفتيها وانطلاقتها وحيويتها المعهودة.

كانت تحاول ان تتماسك وترسم علي شفتيها ملامح ابتسامة واهنة..

كيف لا تكون كذلك وقد فقدت امها التي كانت بمثابة ابنتها لسنوات طويلة منذ اشتد عليها المرض.. فتبدلت الأدوار بينهما.

لبلبة فضلت أن نلتقي بمنزل شقيقها الأكبر الراحل ادوارد حيث تسكن زوجته الآن.

لأنها لا تستطيع العودة حتي الان إلي المنزل الذي جمعها بوالدتها علي مدي سنوات طويلة.

كنت علي وشك ان ابادرها بالسؤال عن سبب لقائنا في منزل شقيقها تحديدا..

لكنها فاجأتني بالاجابة وكأنها قرأت افكاري قائلة: منذ وفاة والدتي لم احتمل ان ادخل شقتي التي كانت تجمعنا فيها أجمل الأوقات، فالذكريات كلها تشهد عليها الجدران خاصة أننا كنا نتقاسم غرفة واحدة وأنام إلي جوارها حتي ان الكثيرين لم يصدقوا ذلك وكانت الدهشة تعلو وجوههم عندما أخبرهم. ولكن بالنسبة لي كان الامر طبيعيا لاني كنت أحاول طوال الوقت ان أكون الي جوارها عسي ان تحتاج إلي أي مساعدة.. فكنت أهب من النوم فورا وأسألها عما تريد.. وأقفز من السرير وامسك يديها.. وسبحان الله كانت  قوة »غريبة« تدب في جسدي فجأة لدرجة أني كنت أحملها بنفسي دون ان أشعر بأي تعب أو ارهاق.. حتي اذا انتهي الأمر أنام لمدة ساعتين فقط في اليوم وأنزل بعدها للتصوير مباشرة وأحيانا كثيرة اجلس معها في البيت دون ان اسعي لأي عمل وأفاجأ بأن السيناريوهات تعرض علي.. »يمكن ربنا كان بيبعتلي الشغل عشانها«.

لن تصدقي اذا اخبرتك اني مازلت أصر علي عدم تغيير اي شيء في الشقة.. فقد اعطيت المفتاح لبعض اقاربي ليحضروا لي مايلزمني من هناك وطلبت منهم الا يغيروا مكان اي شيء حتي الاشياء الخاصة بأمي مثل النظارة الطبية والعصا التي كانت تستند عليها.. لدرجة أن ملابسي السوداء لم احضرها بنفسي من الشقة رغم ان الجميع يطالبوني بان اغير اي تفاصيل في المكان حتي لا اتذكرها وأبكي.. ولكني ارفض تحريك اي شيء من مكانه.. ونصحوني ايضا بضرورة السفر لقضاء عدة أيام بالخارج بعيدا عن كل تلك الذكريات.

·         ولكن يجب ان تكوني أقوي من ذلك وتتغلبي علي آلامك..

- قاطعتني قائلة: حاولت أن أقوي من عزيمتي وأذهب الي الشقة، لكني لم احتمل.. فمبجرد وصولي إلي العمارة، وعندما شاهدني رجال الامن اجهشوا بالبكاء.. فلم احتمل لأنهم كانوا يبكون تأثرا بحالي بعد أن اصبحت وحيدة..

وهنا لمعت عيناها بحزن دفين لا يشعر به الا من فقد عزيز لديه.. ففضلت ان أوجه الحديث في اتجاه آخر..

·         .. ألم تأخذي بنصيحة المقربين لك وتسافرين إلي أي مكان بعيدا عن كل هذه الضغوط؟

- حاولت ان تتماسك وقالت : فكرت أن أقوم بذلك وبالفعل لبيت دعوة الجميلة ليلي علوي وزوجها د.منصور الجمال وذهبت معهم الي العين السخنة حيث حرصا علي اخراجي من حالة الحزن التي اعيش فيها وبالصدفة التقينا هناك بالمخرجة ايناس الدغيدي التي كانت في الشاليه المجاور لنا، وقابلت بعض اصدقائي هناك منهم أحمد وهدان وزوجته لينا.. وغيرهما وكانوا جميعا يحاولون التخفيف عني وكنت اتنقل بين الشاليهات لقضاء الايام معهم.

·          في أوقات الحزن والانكسار نحتاج جميعا لان نشعر بوجود الاخرين حولنا.. فهل هناك من تخلي عنك في هذا الوقت؟

- اجابت علي الفور: اطلاقا. فجميع اصدقائي من الوسط الفني يسألون عني وكانوا بجواري لحظة بلحظة حتي من لم يجمعني بهم اي عمل من قبل.. وعلي رأسهم ليلي علوي وعادل امام وزوجته وابناه محمد ورامي، والهام شاهين وميرفت امين وابنتها منة وزوجها شريف رمزي ومني زكي واحمد حلمي وهند صبري التي تتصل بي يوميا ودلال عبدالعزيز ورجاء الجداوي ومنة شلبي ووحيد حامد وهاني رمزي وغيرهم.. أخاف ان اكون نسيت اي شخص لكنهم جميعا حرصوا علي مواساتي والاطمئنان علي بعدها تليفونيا بصورة يومية.. وكذلك حسين فهمي الذي كان خارج مصر وقت العزاء يتصل بي كل يومين تقري
با ليقوي من عزيمتي ولا أنسي أيضا نبيلة عبيد فكانت متأثرة جدا بوفاة والدتي لانها ايضا فقدت امها منذ فترة ليست طويلة
.. وطبعا كان هناك أقاربي ومنهم نيللي وفيروز حريصون علي الاتصال والتواجد معي طوال الوقت.

·         هل خفف وجودهم الي جانبك من شعورك بالحزن الي حد ما؟

- شعرت ان بجواري اشخاصا يحملون الكثير من الحب لي بداخلهم، وهذه نعمة كبيرة من الله اشكره عليها لكن هذا لم يمنع ان فقدها جعلني اشعر بالوحده.

·         تبادلت مع والدتك - رحمها الله - الأدوار فأصبحت هي الابنة بالنسبة لك وانت التي تتولين شئون حياتها.. كيف بدأت هذه المرحلة؟

- كان ذلك منذ ٦١ سنة تقريبا عندما بدأت رحلتها مع المرض في عام ٤٩٩١ حيث كانت تعاني من كثافة في الدم.. اي ان كرات الدم الحمراء عددها يفوق الاخري البيضاء التي يجب ان تكون متساوية لان كثرتها تؤدي لحدوث جلطات متعددة والغريب اننا اكتشفنا اصابتها هذه بالصدفة البحتة فقد شخص الاطباء هنا في مصر حالتها علي أنها التهاب الاذن الوسطي لتشابه الأعراض بينهما.. وفي احدي المرات كنا في باريس لقضاء ثلاثة أيام.. نذهب بعدها لزيارة شقيقي بانجلترا.. وكان هناك معمل تحاليل اسفل الفندق الذي كنا نقيم فيه فطلبت منها ان نذهب معا لاجراء التحاليل كنوع من الكشف الدوري.. ورغم اني لم اكن اشكو من شيء الا أني قررت ان أخضع ايضا التحاليل لاشجعها..

وللأسف ظهرت النتيجة وطلب الطبيب أن نجري لها تحليلا اخر، وقرر بعدها ان يتم نقلها للمستشفي الامريكي بباريس وأعطوها مجموعة من الحقن والاسعافات اللازمة ومكثنا هناك شهرا وقرر الطبيب بعدها ان نعرض أمي عليه كل ستة أشهر لتأخد بعض الادوية ومنها حقنة فوسفوريك وهي المسئولة عن تقليل نشاط النخاع، وبالتالي لا تفرز كرات الدم الحمراء باعداد كبيرة وكانت تأخذ هذا العلاج كل أربع سنوات وحتي في الفترة الأخيرة التي لم تكن تقوي علي السفر لباريس.. كنت اقوم بذلك فاذهب بالاشعات والتحاليل واحضر لها الأدوية من هناك.. واستقرت حالتها ٠١ سنوات تقريبا.

·         وبعد عشر سنوات من استقرار حالتها الصحية.. ما الذي حدث؟

- بعد اربعة أيام من وصولنا لمارينا ذات مرة أصيبت بجلطة بسيطة بالمخ ومن وقتها بدأ التدهور الصحي في حالتها.. فعدنا في نفس اليوم الي القاهرة.. واصبح المرض يشتد عليها كل شهر ونصف تقريبا فكنا »نجري« علي المستشفي الي ان تستقر حالتها فنعود للمنزل مرة اخري . لكن تحديدا منذ ثلاثة اشهر صحتها اخذت تسوء يوما بعد يوم.

·         ولكن هذه الفترة تزامنت مع تصويرك لفيلم »الأسرة المثالية«.. كيف استطعت التوفيق بين رعايتها وبين العمل؟

- كنت ابقي معها في المستشفي حوالي ساعتين فقط واذهب للمنزل في السادسة صباحا لاحضر ملابس الشخصية واراجع تفاصيل الدور الي ان تحضر المساعدة الخاصة بي فاتوجه الي الاستديو للتصوير مايقرب من ٦١ الي ٨١ ساعة متواصلة يوميا.. دون ان يعرف احد من فريق العمل بهذا كله. وبمرور الايام بدأ الارهاق يبدو علي وجهي فحاول المخرج أكرم فريد ان يسألني عن السبب في البداية لم أخبره ولكن بمجرد سؤاله عن والدتي لم اتمالك نفسي وانهمرت في البكاء واخبرته انها في المستشفي. فطلب مني ان أحدد المواعيد المناسبة لي وعلي هذا الاساس سيقوم بتعديل جدول التصوير كله ليتناسب معي..

وكنت أظل مع والدتي ٢١ يوما في المستشفي ونعود بعدها للمنزل ثم تتعرض لأزمة صحية جديدة فنعود مرة اخري للمستشفي.. وهكذا وكان خوفي عليها كبيرا لانها أمي وابنتي في نفس الوقت وفي آخر مرة بدأت تمتنع عن الطعام.. »وده ماينفعش« لان الأدوية التي تأخذها لابد ان يقابلها تغذية جيدة خاصة انها ايضا كانت تعاني من قرحة في المعدة.. وما أفزعني انها في احدي المرات كان القيء عبارة عن دم.. وكنت عائدة لتوي من التصوير في الحادية عشرة ليلا.. وعندما رأيت أنها أزمة صحية جديدة اتصلت بالطبيب الخاص بها ليخبرني بضرورة نقلها الي المستشفي فورا لتدخل غرفة العناية المركزة.. وجاءت سيارة الاسعاف.. والطريف انه من كثرة استدعاء الاسعاف اصبحت أعرف جميع سائقيها باسمائهم.. وعندما وصلنا بدأت محاولات علاج قرحة المعدة وكانت »كويسة وبتتكلم« وقتها، ولكن بعد يومين فوجئنا بأن درجة حرارتها ترتفع بصورة رهيبة وهي داخل الرعاية المركزة وتعاني من السعال فقال الطبيب انها للاسف اصيبت بالتهاب رئوي وبما ان صحتها لم تحتمل التكييف او انه فيروس في الغرفة.. لا اعلم.. المهم بعدها دخلت في غيبوبة ومن وقتها »كنت انا والمجانين واحد« لدرجة اني ذهبت لمدير المستشفي وطلبت منه ان الازمهاو أكون الي جوارها ليس فقط في مواعيد الزيارة العادية.. قلت له »لو عنيها ماشافتنيش ولم تسمع صوتي وتحس بيدي؟؟ مش حاتقدر تقاوم المرض« فوافق.

·         ولماذا لم تخبري المخرج بحقيقة ظروفك؟

- »اصل الشغل مالوش دعوة«.. فوالدتي رحمها الله علمتني منذ الصغر انه مهما كانت آلامي او ظروفي الشخصية او حتي ان كنت مريضة وحرارتي ٠٤ درجة فيجب ان اصعد للمسرح وأؤدي عملي لان الجمهور »مالوش ذنب«.. وقدر ماكنت استطيع كنت اظل الي جوارها فاستغل اي دقيقة لألبي احتياجاتها واشاركها كل لحظة من حياتها.. فكيف لا أكون بجوارها حين تحتاجني ..كان من الممكن في فترات مرضها ان اترك مهمة رعايتها للممرضات اللاتي كن بالفعل موجودات طوال الوقت، لكني كنت ارفض ذلك وهي ايضا »ماكنتش تحب حد غيري يعملها حاجتها«.

·         عندما دخلت في الغيبوبة.. هل فقدت الامل؟

- أبدا.. كنت اعاملها وكأنها »صاحية«.. كنت امشط شعرها واضع لها العطر واقلم اظافرها. وادعك لها رجليها.. ولكن فجأة وضعوها علي جهاز التنفس الصناعي وتغير وجه الطبيب وطلب مني ان اتصل باشقائي بالخارج ليعودوا بسرعة.. وكان وقع الكلمات علي مثل الصاعقة ولم اشعر بنفسي وقتها.

وانا حتي الان اسير علي النصائح التي كانت تقدمها لي أمي طول عمري.

·         ما آخر حوار دار بينكما؟

- كان قبل الوفاة باسبوع واحد وكانت تجلس شاردة الذهن فسألتها عن السبب.. فقالت : »بفكر فيكي.. لو انا مت انت حاتعملي ايه لوحدك«.. وقبل ان تدخل في الغيبوبة، حيث كنت اقيم معها في الرعاية المركزة.. وكان رئيس الاطباء يمر فطلب مني ان اظل قليلا خارج الغرفة.. فاتصلت بامي لاطمئن عليها حتي ينتهي المرور فقالت: »نونيا« ـ وكانت اجمل نونيا سمعتها في حياتي ـ وقالت: »انتي فين«؟ فاجبتها اني بجوار الغرفة وما هي الا ثوان وستجديني امامك وهذا ماحدث فابتسمت عندما دخلت إليها مرة اخري.. وقبل ان تدخل في الغيبوبة بشكل كامل كنت اجدها تحرك شفتيها وكأنها ترغب في ان تقول شيئاً ما ولكنها لم تستطع..

وكنت اشعر انها في الشهرين الاخيرين كانت تنتظر الموت.. فهي طوال السنوات الماضية كانت تحب الحياة وتريد أن تعيش لأجلي لكن مؤخراً اخذت حالتها تزداد سواء خاصة انها فقدت البصر بعد احدي الجلطات التي اصابت الشبكية فكنت اخذ بيدها وأسند رأسي إلي رأسها ونعيش معا لحظات من الاطمئنان والدفء وكأننا روح واحدة في جسدين«.

·         ماذا تقولين لها الان؟

- صمتت لحظات وشعرت كأن كلماتها تخرج من صميم قلبهاوقالت: الله يرحمك يا أمي.. واغرورقت عيناها بالدموع وقالت وصوتها يختنق بالحنين: وحشتيني جدا يا أمي.

وقتها شعرت انني يجب ان اتوقف عن الحوار احتراما لمشاعرها وحزنها رغم انها كانت تغالب دموعها لتبدو متماسكة لكن عيونها واحساسها كانا اقوي من صلابتها فتمنيت لو استطعت ان اخفف آلامها ولكن من منا يستطيع الا ان يقف صامتا أمام طوفان الحزن والفراق.

أخبار النجوم المصرية في

13/05/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)