حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

في «صدام العمالقة»

صراع الآلهة والبشر فوق وتحت الأرض

طارق الشناوي

البطولة دائما خارقة لإمكانيات البشر، والناس تتعامل مع البطل الاستثنائي باعتباره قادرا على أن يتجاوز إمكانياتهم المحدودة محققا أحلامهم المستحيلة. تعاطفنا مع الأبطال الذين عرفتهم السينما والأعمال الأدبية ينبع من أنهم استطاعوا أن يقهروا؛ ليس فقط الخصوم الذين نشاهدهم في العمل الفني، ولكن أيضا لأنهم انتصروا على ضعفنا الداخلي. «طرزان»، «جيمس بوند»، «العنكبوت»، «الوطواط»، «رامبو»، «روكي»، كل هؤلاء مع اختلاف الدرجة والنوع والزمن تمثلناهم وتمنينا أن نكونهم.

الانتقال من الحالة البشرية إلى الحالة الأسطورية يعتبر أحد عناصر الخيال الجامح، والأساطير الإغريقية مليئة بتلك الحكايات، وصراع الآلهة الإغريقية بعضهم مع بعض.

اللقاء بين الآلهة والبشر، من الممكن أن تتمثله في تنويعة غير مباشرة مثل أسطورة «بجماليون» عندما يستحوذ التمثال على صانعه فيصبح هائما به، وهكذا يقيم الإله «زيوس» علاقة مع امرأة من البشر في الفيلم الذي صار يحمل اسما تجاريا عند عرضه في القاهرة «تحدي العمالقة»، تسفر العلاقة عن إنجاب كائن يقع في المرحلة المتوسطة بين نصف الإله ونصف الإنسان. فهو لديه قدرات الآلهة وعواطف البشر، وهذه الحالة تؤدي إلى أن يشعر المتفرج بجزء منه متحقق في البطل وجزء منه في حلم بأن يكونه.

تم اختيار فيلم «Clash of the Titans»، أحد الأعمال الكلاسيكية التي قدمت قبل نحو 30 عاما وحققت نجاحا ضخما وقتها، على الرغم من أن السينما لم تكن قادرة على تجسيد كل الأحلام.. كانت حيل التصوير قاصرة عن تحقيق كل المتعة البصرية والشعورية. ولهذا، فإن المخرج الفرنسي الأصل لويس ليترير يقع اختياره على هذا الفيلم ليعيد تقديمه مع إضافة تغييرات طفيفة جدا في السيناريو ولكن تظل الخطوط الرئيسية كما هي. إن التطور التقني منح السينما خطوات للأمام وجعل كثيرا من أحلام السينمائيين ممكنة. وتقنية الـ«3D» أحالت المتفرج إلى مشارك في العمل الفني الخيالي، وكان الـ«كومبيوتر غرافيك» قبل ذلك بقليل يلعب دور البطولة في أن يجعل المتفرج جزءا مما يجري على الشاشة ولكن التجسيد أضاف، ولا شك، الكثير من خلال سينما الأبعاد الثلاثة. السيناريو الذي شارك فيه لورانس كاسدان وترافيس بيكام يلعب على المنطقة المتوسطة بين بشرية الإنسان، بطل الفيلم نصف الإله الذي أدى دوره سام ورينغتون. تبدأ الأحداث وهو طفل داخل الصندوق في البحر يلتقيه الصياد الذي يذهب لالتقاط رزقه، ويعثر عليه في الصندوق، ويشعر أنه بصدد رزق آخر بعثوره على هذا الإنسان الاستثنائي.

قبل أن نرى الطفل تسبقه مقدمة نستمع خلالها إلى أسطورة عن الأرض تحكي بداية الخلق من وجهة نظر الأساطير اليونانية وكيف أن الآلهة تصارعت معا ثم تصادم البشر بعد ذلك مع الآلهة، فكان لا بد من أن تأتي حالة متوسطة بين البشر والآلهة. نصف بشر ونصف إله، إنه «برسيوس» ابن الإله «زيوس» كبير الآهلة. نراه رضيعا ثم طفلا مع الصياد وزوجته ويعرف أنه ليس ابنهم، ولكنه في الوقت نفس يشعر بمسؤوليته عنهم وعن أطفالهم ويمضي الزمن، ونرى الطفل قد أصبح شابا. الرزق لا يأتي وهم في المركب فيذهبون إلى عمق البحر بينما السماء لا تزال تبرق وكأنها تحمل لنا إنذارا. يقترب المركب من تمثال الإله «زيوس»، ونجد أن التمثال يسقط في لقطة تذكرنا بسقوط تمثال صدام حسين في أعقاب الغزو الأميركي للعراق. الشعب سخط على الإله فقرر إسقاط تمثاله دلالة على التمرد، ويغرق المركب الذي يحمل تلك الأسرة التي تربى معها وتفشل كل محاولاته في إنقاذهم بعد أن اختطفهم إله الموت «هاديس».

لدى «هاديس»، الذي أدى دوره رالف فينس، مشاعر عداء ضد شقيقه «زيوس»، ليام نيسون، الذي سيطر على عالم الأحياء وتركه هو لكي يصبح المسيطر على عالم الموتى. الصراع لم ينته بين الإله «هاديس» إله الموت والظلام وشقيقه «زيوس». «هاديس» يحاول إقناع شقيقه «زيوس»، على الرغم من نقمته عليه، بأن العنف هو الوسيلة المثلى للسيطرة على البشر باعتبارهم متمردين لن يجدي معهم الحب، وأنهم عندما يهاجمون المرة التالية سيزدادون شراسة إذا لم يعاملوا في المرة الأولى بقدر من العنف. البشر يتمردون على الآلهة وتستطيع أن ترى في هذا التمرد خروجا مباشرا على الخضوع للقيادات المطلقة والأبدية. الأميرة الجميلة «أندروميدا» التي أدت دورها أليكسا دافالوس، في مقابل حياة شعب المتمردين، كانت هذه هي الصفقة التي طلبها إله الموت حتى يتنازل عن الانتقام. البطل نصف الملك ونصف الإله «بريسيوس»، الذي أدى دوره سام ورينغتون، يسعى للسلام، لكنه يرفض الخضوع ويرفض تنفيذ هذه الصفقة. نرى كثيرا من الأحصنة الطائرة التي تساعد البشر، أقواهم هو الأكثر تميزا؛ إنه الحصان الأسود الذي لم يركبه أحد من قبل. الموسيقى التصويرية دائما تلعب دور البطولة في تنفيذ المعارك، والمؤثرات البصرية والسمعية والتجسيم يؤكد على تواصلنا مع الشاشة. الوحش الضاري «الكراكون» متعدد الرؤوس، كان على هيئة عقرب وله جسد أشبه بالبلدوزر، وفي اللحظة التي يتخلصون فيها من أحدهم ويتمتعون بالانتصار، نرى عشرات منها تبدأ في مهاجمة البشر. وعلى الرغم من احتياج البطل إلى صفة الألوهية ليستطيع المقاومة، فإنه يفضل حياة البشر التي تنطوي أيضا على ضعف وعلى نهاية، وهي الموت، ويريد هذه الطبيعة البشرية.. وتتواصل أحداث الفيلم. ونجد أن حيوان «الكراكون» المفترس يصبح أيضا صديقا للإنسان.

بعض الكراكون بالطبع ليسوا كلهم أصدقاء. هنا يلتقي تحت الأرض في العالم السفلي مع الساحرات البشعات ذوات العين الواحدة. استخدام سلاح «مادوسا». هي فقط القادرة على أن تنتصر. تحيل الكراكون إلى تمثال!! الإله «زيوس» يلتقي مجددا مع ابنه «برسيوس» ليثنيه عن القتال، لكنه يصر على استكمال المسيرة. وتصعد روح أمه للسماء، ويأتي الحصان الأسود الطائر فاردا جناحيه في محاولة أخيرة منه لإنقاذ الأميرة «أندروميدا».. الشر كالعادة لا يتوقف!! إله الموت والدمار «هاديس» ينتظر الانتقام من البشر ويطلب من أخيه «زيوس» أن يعلن ذلك.. إله الموت يعيش على خوف الناس، يحاول إقناع أخيه «زيوس» بإرهاب الناس الذين تمردوا عليه وعلى مملكته. عندما يرفض، يقرر إله الموت أن ينتقل بكل أسلحته وحيله ودماره إلى الأرض ليرهب البشر. إله الموت يقولا لـ«برسيوس» إنه إله وسوف يعيش للأبد، ويرد عليه: ولكني سأعيش عمري على الأرض، وأنت تستطيع أن تعيش أبد الدهر ولكن ليس على الأرض!! لا ينسى المخرج أن يضع لمسة عاطفية تتوج علاقة «بريسيوس» و«أندروميدا». وقبل أن تأتي النهاية، نتابع هاديس إله الشر الذي ينتظر الفرصة لكي يغوي البشر ويدمرهم. نعم انتصروا عليه، لكنه يعلم أيضا نقاط ضعفهم وسوف يعود إليهم. أما «بريسيوس» فسوف يظل مع البشر لا يريد أن يصبح إلها. والده «زيوس» يقول له: صحيح أنا ساعدتك على تحقيق الانتصار لكنك امتلكت الإرادة البشرية.

هل نرى شيئا من هذا الصراع بين الإنسان ونوازعه الشريرة حينا والطبيعة حينا؟ هل ينتصر الإنسان في صراعه بينما إله الشر ينتظر الفرصة ليجهز عليه تحت وفوق الأرض؟! البشر لا يستسلمون أمام قوى الظلم، وعليهم التمرد ضد السلطة المطلقة. هكذا غضب الشعب على تمثال الإله «زيوس» وأسقطه، ولكن هناك دائما ثمن ينبغي أن يدفع!! t.elshinnawi@asharqalawsat.com

الشرق الأوسط في

23/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)