حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"الشبح" فيلم رومان بولانسكي المقتبس عن رواية روبرت هاريس في الصالات المحلية

حوار متقن بين السينما والواقع والسياسة في قالب تشويقي لا يلين

ريما المسمار

ربما يكون "الشبح" The Ghost (أو The Ghost Writer) أكثر أفلام رومان بولانسكي جماهيرية وربما تجاريةً، ولكنه ايضاً أكثرها إحكاماً وتكثيفاً والفضل في ذلك يعود الى تشابك عناصر كثيرة، بين عالم الفيلم والعالم الخارجي، وبين المخرج والكاتب روبرت هاريس، وبين الفيلم هذا وأعمال بولانسكي السابقة. إنه ببساطة فيلم آني وراهن، يرتبط بالشخصي كما بالعام، من دون أن يبتعد عن عالم مخرجه.

الحكاية الكبرى التي تختزل منذ بعض الوقت رومان بولانسكي هي توقيفه في أيلول/سبتمبر الماضي في سويسرا بهدف تسليمه الى الولايات المتحدة الأميركية بعد مرور ثلاثين عاماً على هروبه منها بتهمة ممارسة الجنس مع قاصر. اثارت الحادثة ضجة إعلامية كبرى لاتزال مفاعيلها مستمرة إذ ان بولانسكي لايزال في الاقامة الجبرية في سويسرا، غير قادر على مرافقة فيلمه في مشواره على الشاشات وفي المهرجانات. فقد غاب عن عرضه الافتتاحي في مهرجان برلين قبل شهرين ولم يتمكن من تسلم جائزة الدب الفضة التي تمنح أفضل مخرج. حينها، اعتبر كثيرون ان فوزه بالجائزة أشبه بإعلان موقف تضامني ما مع هذا السينمائي السبعيني، الذي لاحقته لعنة الإعتداء الجنسي منذ منتصف السبعينات. تجد هذه الحكايات كلها طريقها الى فيلمه الجديد. مثله، يواجه بطل فيلمه "آدام لانغ" (بيرس بروسنان)، رئيس الوزراء البريطاني السابق المستوحى من شخصية توني بلير، أزمة المنفى. لانغ المتهم بتسليمه مواطنين بريطانيين الى وكالة الاستخبارات المركزية بهدف تعذيبهم والتحقيق معهم على خلفية الحرب على الإرهاب، يحتمي في جزيرة أميركية نائية، حيث لا يُطبق قانون تسليمه الى بريطانيا للتحقيق معه. وإزاء تصدر أخباره الصحف ومحطات التلفزة، يُحاصر لانغ بوسائل الإعلام التي تفرض ما يشبه الحصار على منزله البحري.

الصحافيون الأجانب الذين شاهدوا العرض الصحافي لفيلم The Ghost، أُجبروا على توقيع اتفاقية سرية تلزمهم بعدم نشر اية تفاصيل عن الفيلم قبل خروجه في الصالات التجارية. في الفيلم، يتوجب على الصحفي، الكاتب الشبح (ايوان ماكغريغر)، أن يوقع معاهدة سرية مماثلة قبل ان يتمكن من الإطلاع على مذكرات لانغ، الذي وُظف لاعادة كتابتها بعد ان عُثر على سلفه مايك ماكارا ميتاً على الشاطىء في ظروف غامضة. أبعد من ذلك، ينسحب هذا التطابق بين حكاية الفيلم والحكايات حوله على موضوعات أشمل. ففي الوقت الذي بدأت فيه عروض الفيلم التجارية، كان بلير قد أعلن عن نيته نشر مذكراته في عنوان "الرحلة" The Journey في أيلول 2010، بينما مسلسل تحقيق "تشيلكوت" عن حقيقة تورط المملكة المتحدة في الحرب على العراق مستمر وقد أدلى فيه بلير بشهادته، تماماً مثلما هو "آدم لانغ" في الفيلم مطلوب للشهادة في شأن تورطه في موضوع مماثل.

هل هو اذاً مجرد صدفة ذلك التقاطع بين أحداث و تلك التي أحاطت بمخرجه؟

ربما يكون هذا الفيلم بعيداً بمضمونه عن اهتمامات بولانسكي بما يثير أكثر الاعجاب به. كيف استطاع ان يجعل من موضوع عام كالسياسة البريطانية والحرب على الارهاب وسلوك رجال السلسطة حكاية مفتوحة على الشخصي؟ السر في تعاونه الحميم مع الكاتب روبرت هاريس الذي كان محررً سياسياً ومقرباً من بلير في وقت ما، ويتردد ان الحرب على العراق كانت السبب في فتور العلاقة بينهما. بدأ التعاون بيم بولانسكي وهاريس قبل هذا الفيلم بنية أفلمة روايته السابقة "بومباي" (Pompeii). ولكن المشروع أُجهض بسبب أضراب الممثلين. لاحقاً، عرض هاريس على بولانسكي مسودة روايته "الشبح" قبل نشرها، فأُعجب المخرج بها. ولكن هاريس كان قد صرّح قبلها ان روايته متأثرة ببولانسكي.

بعيداً من التغييرات والإضافات التي يتطلبها اقتباس رواية للسينما، يبقى هناك ما هو اساسي في النص، يعكس معرفة هاريس ببولانسكي وأعماله. فهل يُعقل ان هاريس كتب روايته خصيصاً لبولانسكي على غرار ما يكتب كاتب السيناريو أحياناً دوراً لممثل معين؟ هذا هو الشعور الذي يتولد منذ اللحظات الأولى في الفيلم. في لندن (تنوب عنها برلين)، يتلقى الكاتب الشبح الذي لا يعلن عن اسمه أبداً، عرضاً سخياً من دار نشر كبرى لاستكمال مذكرات السياسي آدام لانغ بعد موت كاتبه في ظروف غامضة. في مكتب الشركة، يدور حوار هو مزيج من الفطنة والنقد السياسي حول مذكرات السياسيين، يرهن من خلال "الشبح" عن وجهة نظر ذكية. ولكن الصفقة برمتها تبدو غير مريحة حتى بالنسبة الى الكاتب الشبح. على أثر الاتفاق، يطير الشبح الى جزيرة نائية على الأطلنطي حيث يقيم لانغ في منزل زجاجي عصري مع زوجته "روث" (اوليفيا ويليامز) ومسؤولة العلاقات العامة "أميليا بلاي" (كيم كاترال) وجيش من الحرس ورجال الأمن. المكان المعزول هو الخيط الأول المألوف الى عالم بولانسكي السينمائي، يليه إحساس بطله بالعزلة والبارانويا والإحتجاز. ولا شك في ان هاريس سرّب بإحساس العالم والخبير كيفية عيش السياسيين وأصحاب السلطة في "فقاعة أمنية". ولكن يجوز القول ان هاريس كان أقرب الى محاكاة عالم بولانسكي في كتابه. فحكاية هذا الكاتب الشبح "الدخيل" في منزل ناءٍ على البحر يقطنه زوجان تعيسان سيستدعي حتماً عوالم فيلم بولانسكي Death and the Maiden (1994) الذي ينطوي ايضاً على محاكمات بتهمة التعذيب، كما تصويره العلاقات الزوجية في Knife in the Water (1962) وBitter Moon (1992). الكاتب الشبح الذي يحل في مكان رجل ميت، وارثاً مخطوطته وغرفته وملابسه، يذكر بفيلم آخر لبولانسكي هو The Tenant (1976). حتى اكتشاف المؤامرة السياسية في نهاية الفيلم يتم من خلال تفكيك رموز في الكتاب تماماً كما حصل في Rosemarys Baby (1968) وThe Ninth Gate (1999). التقاطعات لا تنتهي بما هو أمر طبيعي بالنسبة الى مخرج مؤلف ولكن اللافت في هذه التجربة ان النص الاساسي لم يكتبه المخرج بل كاتب آخر استلهم أعمال بولانسكي حتى يجوز القول ان رواية روبرت هاريس اقتباس لبولانسكي بقدر ما هو الفيلم اقتباس لهاريس. وعلى الرغم مما يطرحه هذا التعاون الابداعي والحميم من صعوبات في نسب الحقوق التأليفية، إلا ان "الشبح" لا يفتقر البتة الى بصمة بولانسكي.

إنها مهارة بولانسكي وقدراته العالية كمخرج، ولا شيء آخر، هي التي تجعل من The Ghost فيلماً تشويقياً من الطراز الأول، حاداً ومتماسكاً حتى المشهد الأخير. المكان الذي يقدمه بولانسكي شخصية اساسية في كافة أفلامه، يحتفظ بشعرية خاصة، وقوام هو مزيج من الجمال والكآبة، يعكس نظرة مخرجه المتحررة من الوهم إلى الحياة، في وصفها عبثية ومؤلمة وإنما تتخخلها ومضات من الفكاهة والجمال. انه المكان الذي يكتنز مناخ الفيلم، ويعزز انفعالات الشخصيات وحالاتها النفسية. داخل المنزل الزجاجي، يبدو البحر هادئاً او تحت السيطرة. ولكن ما إن يخرج الشبح للتجول في الجزيرة حتى يتحول المكان تهديداً محدقاً مليئاً بالغموض والمفاجآت. في مشهد شديد البراعة والذكاء، يجعل بولانسكي بطله يقود سيارة سلفه المبرمجة الكترونياً، فيتمكن من اقتفاء أثر رحلة "ماكارا" الأخيرة قبل مصرعه. هناك في الغابة، يكتشف كما نكتشف نحن ايضاً بيتاً مختبئاً خلف الاشجار تماماً كقاطنه البروفيسور "بول إيميت" المثير للشكوك والمشتبه بتورطه مع وكالة الاستخبارات الأميركية وبعلاقة وطيدة يصر على انكارها مع آدام لانغ. انها براعة بولانسكي نقول لأن الفيلم يأخذ وقته في رصد العلاقات بين أهل السلطة من دون أن يفقد قدرته على الامساك بالمشاهد مع ان كل شيء آخر في الفيلم خارج عن السيطرة. يلتزم الفيلم وجهة نظر الكاتب الشبح التائهة في معظم الأحيان بما يعزز الإحساس بالضياع والخطر. ما من جهة آمنة أو مضمونة ولا من حلفاء أو أعداء ثابتين.

والواقع ان كلا المخرج والكاتب يبني على فكرة الشبح في أكثر من اتجاه. في الفيلم، شخصية "ماكارا" حاضرة في غيابها كأنها شبح، وشبح أفلام بولانسكي يخيم على الفيلم، كما هي أشباح ماضي بولانسكي تخيم على حاضره وتتسلل الى العمل. مخطوطة الكتاب هي الأخرى شبح من نوع آخر، إنها شبح الحقيقة الممكن كشفها. ولكن كما يقول لنا المشهد الأخير (مقتل الكاتب الشبح بحادث سيارة بعد اكتشافه السر) الشبح الأقوى هو شبح الموت.

العنصر الآخر الذي يمنح شريط بولانسكي التماسك هو التمثيل. ماكغريغر في دور الشبح يقدم أداءً عالياً وكذلك اوليفيا ويليامز في دور "روث" المرأة القوية والزوجة المخدوعة والغيورة. انها القوة الدافعة لزوجها، يتلقفها الفيلم في لحظة تهدد بانكشاف الصفقة التي عقدتها منذ زمن بعيد مع وكالة الاستخبرات المركزية. مشهد واحد يكفي لبث تناقضات هذه الشخصية وتضارب أحاسيسها. انه المشهد الأخير الذي يقتصر على تصوير الأيدي تتناقل ورقة صغيرة كتب عليها اسم روث. حين تصل اليها وتدرك ان امرها قد كُشف، تتلقف الكاميرا وجهها من زاوية منخفضة فتظهر الانفعالات الصامتة على وجهها.

ثمة أمران قد يؤثران سلباً على الفيلم. الأول هو الاحساس بأن الإكتشاف الذي يحققه الكاتب الشبح ليس على قدر الانتظار والتشويق. والثاني هو استشعار هوة ما بين الفيلم وبين الموضوع السياسي الأكبر. ولكن في الحالتين هناك ما يعوض ويفيض. فإذا كان الكشف الاخير أقل من التوقعات فإن الرحلة التي قطعها الفيلم للوصول الى ذلك شديدة الثراء والتماسك والاتقان. وأذا كان بولانسكي أبعد من كاتبه عن عالم السياسة البريطانية، فإن الإثنين على مسافة واحدة وانسجام تام في رؤيتهما لعالم رجال السلطة العائم على فقاعات الأمن والثراء والفساد.

 

"ماموت" يحمل دوبارديو وادجاني على دراجة الزمن الجميل

يطل الممثل الفرنسي الكبير جيرار دوبارديو في فيلم جديد بدأ عرضه في الواحد والعشرين من الشهر الجاري ويحمل عنوان "ماموت" وهو كالعادة يحمل المفاجآت لجمهوره الفرنسي وخارج البلاد ايضاً، لكن عودته هذا العام مختلفة ومؤثرة وذلك بعد فقدانه لابنه الممثل غيوم دوبارديو الذي قضى شاباً. ويهدي جيرار هذا الفيلم لابنه، ويعود فيه ايضا الى جانب الممثلة ايزابيل ادجاني وهما شكلا معا ثنائياً ناجحاً منذ فيلم "كاميي كلوديل" الذي جسد فيه دور النحات رودان. وليس فيلم "ماموت" على الاطلاق كما يوحي اسمه، وليس "ماموت" هنا الحيوان المنقرض انما هو اسم دراجة دوبارديو في دور سيرج بيلاردوس الذي يبدأ الفيلم وهو يحتفل على طريقته ببلوغه الستين من العمر.

وهو يعمل منذ كان في السادسة عشرة من دون توقف: "لا فرص مرضية ولا فرص ترفيهية" كما يؤكد بأنه "لم يلعب يوماً دور العاطل عن العمل". لكن دخوله في مرحلة التقاعد لم تتم من الناحية القانونية، فثمة أوراق لم يتم ارسالها لكي يبدأ راتبه التقاعدي. تنصحه زوجته بأن يقوم بانهاء المعاملات مستعيناً بدراجته النارية موديل "ماموت" من زمن السبعينات ليسرع بانجاز المعاملات. غير ان عودته الى الدراجة النارية ايقظت لديه المشاعر الجياشة والذكريات وسرعان ما يلتقي ايضا طيف الحبيبة القديمة. وتلعب دور الزوجة الممثلة يولاند مورو ودور الحبيبة السابقة الممثلة ايزابيل ادجاني، وتدور احداث الفيلم في اطار كوميدي ساخر بتوقيع مشترك للمخرجين غوستاف كيرفين وبونوا دولوبين.

وفي جولته على الدراجة من موديل السبعينات يعود الى تلك الحقبة ويعود شبح حبيبته السابقة التي قضت بحادثة في تلك المرحلة الى جانب احداث كثيرة في اطار المغامرة التي يعيشها.

ويعتبر دوبارديو ان هذا الفيلم يحمل له العديد من الرموز منها ان البطل يشبه الى حد كبير والده من ناحية وابنه غيوم الراحل من ناحية ثانية:: فهما عاشا كل على طريقته انما بحب كبير للحرية".

ولقد نال الفيلم "ماموت" اعجاب النقاد والجمهور على حد سواء في مهرجان الفيلم العالمي الأخير في برلين، وهو الفيلم الرابع اخراجاً للثنائي كيرفين وجولوبين بعد "آلترا" عام 2004 و"افيدا" عام 2006 و"لويز ميشال" عام 2008.

ويجمع "ماموت" في شقيه فلسفة مزدوجة، فهو الى جانب المغامرات التي يعيشها البطل على دراحته واللقاءات التي تجري: مع فتاة شابة تطلب منه توصيلها الى مكان محدد (الممثلة آنا موغلاليس) وبعض الشخصيات الطارئة على الفيلم التي تدخل في صلب تجسيد "البوهيمية" في التجربة التي يعيشها، هناك ايضاً الشق الشاعري المرتبط بالحالات النفسية التي يمر بها البطل خاصة في مشاعره المتضاربة حول جدوى حياته السابقة وجدوى كل التفاصيل التي عاشها. ويجسد دوبارديو الستيني ايضا في الفيلم كل جيله الذي كان "ذات يوم في العشرين" ويشير الى حقيقة ما وصل اليه هذا الجيل الذي ينتمي اليه دوبارديو والبطل سيرج على حد سواء في ما يشبه الخيبة أمام عظمة كل الأحلام التي ارتسمت في الستينات والسبعينات من القرن الماضي لجيل الشباب.

المستقبل اللبنانية في

23/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)