حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

المخرج العراقي جمال أمين أثناء تصوير فيلم لقالق

هل تكف اللقالق عن الترحال؟

بقلم- محمد جبار الربيعي

عدسة المخرج جمال أمين تدور حول سرطان التطرف الذي يستأصل المغتربين العرب في الغرب.

بأصوات اللقالق التي تهاجر معظم ايام حياتها وبلقطات تركز على القدمين يبدأ الفيلم القصير "لقالق" للمخرج العراقي "جمال امين" وهو يركز على القدمين لانهما وسيلة التنقل للدلالة على الترحال وبالتالي الأغتراب الذي سيكون موضوع الفيلم وما يشوب ذلك الأغتراب من سلبيات، فمهما كان مكان المغترب مناسبا "نسبياً" ومهما عاش وحتى لو ولد فيها يبقى دخيلا على البلد بالنسبة لسكانها الاصليين وتبقى الارض ليست بأرضه، والمخرج هنا وظف حركة القدمين للتعبير عن وضع وحال شخصيتيه الرئيسيتين وهو توظيف موفق واعتقد انه وصل الى المُشاهد.

تظهر القدمان في اللقطة الاولى وهي تدوس الارض بقوة وثقة واضحتين وتم تصويرها من الخلف "تسير مبتعدة عن الكاميرا" ثم في لقطة اُخرى من الامام "تتقدم نحو الكاميرا" للتعبير عن ماض وحاضر تلك الشخصية "المضمون والمخطط له بمنهجية" فحركتها في الحالتين عمودية مع الكاميرا ويلاحظ ان الشارع طغى عليه اللون الترابي تملؤه اوراق الاشجار اليابسة والقدمين تدوس عليه مولدة صوت تكسر تلك الاوراق المميز اما قدما الشخصية الثانية فهي تتحرك بشكل مائل وبزاوية متوازية مع الكاميرا ثم تتغير الزاوية في اللقطة التي تليها الى عمودية على اتجاه الكاميرا والطريق مليء بالمروج الخضراء والقدمان تمشيان على تلك المروج بخفة ولا تدوسها بقوة كما في خطوات الشخصية الاولى "وبلا صوت مميز". والمخرج هنا وظف جهات الحركة بشكل معبر ففي الحالة الاولى لم تتغير وجهة القدمين فهي تسير بزاوية واحدة وهي العمودية مع الكاميرا اما في الحالة الثانية فكان المسار مائلاً ثم تغير الى العمودي للتعبير عن حال الشخصيتين وماضيهما، فتغيير المسار من المتوازي الى العمودي مع الكاميرا يعطينا انطباعا بان ذلك الشخص يحاول الاقتراب او تقليد طريقة مشي الاول او وجهته.

ثم تظهر الشخصيتان الرئيسيتان بلقطتين متوسطة الاولى "لماريا" ادت دورها الممثلة "روزا ميشلسن" وهي فتاة دنماركية تملؤها الثقة بنفسها وهذا يتضح من طريقة مشيتها تتحرك من عمق يسار الشاشة الى يمينها اما الشخصية الثانية فهو محمد "سركون اوشانا" وهو شاب من اصل عربي نشأ وترعرع في ذلك البلد ويظهر على مشيته الخيبة والانكسار.

يتحرك من عمق يمين الشاشة الى يسارها ليلتقيان في تقاطع الطريق ويتضح انهما كانا زميلي دراسة منذ الطفولة وبعد ان يتعانقا ويمشيا معاً يدور بينهما حوار مقتضب نفهم من خلاله ان "محمد" يشعر بأنه لم يحقق ذاته وطموحه بأن يصبح طياراً فهو يتنقل من فصل دراسي الى آخر ومن عمل الى آخر وانه يعمل بائع لحوم لانه من اصل عربي "والعمل ليس متيسر له لها السبب".

ويبدو ان الجزارة من الاعمال الغير محبذة عندهم فهي ترتبط بالدم وازهاق الارواح، اما هي فاكملت دراستها وتعمل معلمة كما كانت تتمنى فهي اذن حققت طموحها بينما يعجز هو عن ذلك، ثم يصلان الى جسر ضيق "للدلالة على وصولهما الى المحك الحقيقي" لتمر طفلة على عربة فتصدم "محمد" الذي يتألم بشدة فتبادره الطفلة بشتيمة قائلة له "دخيل قذر" فيبادلها هو يشتيمة مقابلة باللغة العربية بقوله لها حقيرة "لان الانسان عندما يفقد اعصابه يتحدث بلغته بل ولهجته الاصلية فهو يعود بطرفة عين الى جذوره" فتشتمه الطفلة مرة اُخرى وتذهب، ويُفاجئ "محمد" بـ"ماريا" وقد وقفت في صف الطفلة مطالبة اياه بالاعتذارلها فينزعج من كلامها فهي لم تبال بألمه حال الاصطدام بل كان كل ما يهمها مشاعر تلك الطفلة "التي بادرته بالشتيمة" ثم يتطور النقاش بينهما ليصل الى نقطة طالما حاولا تناسيها وهي انه مغترب وان الارض ليست ارضه وعليه ان يتركها لأنه لايستطيع ان يتأقلم مع طبائع اهلها مذكرة اياه بأصله العربي الذي يستخدم العنف مع الآخرين حتى مع الاطفال "ملمحة الى خلل في تربيته" لان ابيه كان يضربه في طفولته بينما يركز هو على الجانب الاخلاقي الذي يفقدونه بالتلميح لها بزوج امها الذي كان يتحرش بها، فالطفولة البريئة التي كانا يتمتعان بها سابقا جعلت احدهما يخبر الآخر باشياء لا يعترف بها الكبار، ثم يتطور بينهما النقاش الى درجة المشاجرة والشتائم المتبادلة لترتفع الكاميرا تاركة الشجار في اوجه لتحلق نحو الاعلى وليطغى على اللقطة صوت حفيف الاشجار العالي.

اكثر ما حاول المخرج التركيز عليه هو تعاكس طريقة التفكير بين الشخصيتين فـ "محمد" يفكر من اليمين الى اليسار "كطريقة الكتابة العربية و"ماريا" تخبره بأنه يفكر بهذه الطريقة "الخاطئة "بالنسبة لها لان اصله عربي اما هو فيخبرها ايضا بأن طريقة تفكيرها معكوسة ايضا فهي تفكر من اليسار الى اليمين وهي خاطئة "من وجة نظره "وهذا معناه انهما يفكران بطريقة مختلفة وباتجاه مغاير تماما مهما حاولا التقارب وادعاء تقبلهما للآخر قالها المخرج بأكثر من طريقة فبالاضافة الى الحوار قالتها الكاميرا في اكثر من مناسبة كلقطة التقائهما فيأتي هو من اليمين الى اليسار وتأتي هي بعكس اتجاهه ليلتقيان في تقاطع الطريق فيما يستمر محمد بملء يمين الشاشة وتستمر هي بملء يسارها مع هيمنة واضحة "لمحمد" على الشاشة فيما كانت "ماريا" في حافة حرجة ليسار الشاشة بحيث يخرج جزء كبير من جسمها خارج الكادر "اطار الصورة" وتختفي تمامًا في احدى اللقطات "ويبدو انها وجهة نظر المخرج " فلم تكن كاميرته محايدة بل اظهرت لقطاته تضامنا مع محمد بهيمنه على الشاشة في اغلب اللقطات.

تميزت معظم لقطات الفيلم بجمالية خاصة بتكوينات معبرة ومريحة للعين ونابضة بالحياة وتفرد المُخرج بتلاعبه باللون ودرجاته حسب الحالة النفسية للبطلين فتنقل من الالوان الزاهية المبهجة الى تخفيف الدرجة اللونية للمشهد بشكل تدريجي فالالوان الزاهية تخفت من ازدياد الازمة بين بطلي الفيلم حتى تتحول الصورة في اللقطة الاخيرة الى الابيض والاسود فقط ولا يعود هناك الوان براقة وهو توظيف ذكي للّون، لكن تخللت الفيلم بعض الهفوات المونتاجية اهمها القطع على لقطة تجمع ماريا ومحمد وهما يتحاورات بلقطة متوسطة لتدخل "بعد القطع" لقطة متوسطة ايضا لهما وهنا كان القطع غير مبرر فالحوار كان مستمرا واللقطة مناسبة اما اذا كان لابد من القطع لخلل ما في الصورة فكان على المونتير ادخال لقطة بحجم مغاير كأن تكون لقطة كاملة لهما معا او لقطة قريبة لاحدهما او ادخال لقطة وسطية او كما يطلق عليها "انسيرت" مثل لقطة لقدميهما او اي لقطة من داخل المشهد لتجنب القفز الذي يسبب دمج لقطتين متشابهتي الحجم.

وعموما اعتقد انه كان من المستحسن تصوير مشهد المحاورة المذكور بلقطة طويلة "بدون قطع" لأظفاء الواقعية على المشهد، وحبذا لوكانت مدة الفيلم اطول "مدة الفيلم 4 دقائق تقريبًا" والحوارت اعمق وليست مقتضبة ومكثفة الى هذه الدرجة فيستطيع المشاهد التقاط انفاسه ويكون لديه الوقت الكافي لتحليل الحوار والتهيؤ لتقبل الشجار الذي حصل بشكل مستعجل ومفاجئ. لكن يبدو ان المُخرج تعمد ذلك لصدمة المشاهد بسرعة المشاجرة لأن الوضع حساس كما يبدو ومتأزم بحيث تحصل مشاجرة كبيرة بسبب حدث عابر وبسرعة غريبة، وهو هنا يكشف عن حجم الأزمة وخطورتها.

ذكرتني فكرة الفيلم التي تنصبُّ على نظرة الغرب للعرب واتهامهم بالتطرف والعنف بلقاء مع المخرج الراحل "مصطفى العقاد" الذي قدَّم صورة ناصعة وجميلة عن الاسلام في فيلمه الرائع "الرسالة" والذي يعد الى الان"انتج الفيلم عام 1977" من اهم الافلام التاريخية الاسلامية فهو بهذا الفيلم قدم خدمة كبيرة للاسلام عجز عن تقديمها الكثيرون ممن يدّعون حرصهم وخوفهم على الاسلام بينما يطعنوه بأفكارهم المتطرفة وسفكهم للدماء بأسم الاسلام والمشكلة انهم يمثلون نموذجا للمسلم بحيث طغت تلك الفكرة على حقيقة دين السلام البيضاء، ولنعترف بشجاعة بأن الرسوم المسيئة لنبي الرحمة في الدنمارك لم تأتي من فراغ فقد اساء هؤلاء بقصد او بدونه الى نبينا الذي يعلِّم اصحابه "ان ترك السلام على الاعمى خيانة"، سُئل العقاد عن مدى تغير نظرة الغرب لدين الاسلام والمسلمين في الآونة الاخيرة خصوصا مع ظهور تطرف واضح من قبل بعض الجماعات الاسلامية وتحديدًا بعد احداث 11 ايلول فأجاب بشكل عفوي "ليس فقط الغربيون انا ايضا صرت اخاف من تلك الجماعات وعندما اشاهد شخصاً يربي ذقناً طويلة في الطيارة انزل منها خوفا من ان يفجر نفسه فيها" ولم ينفع المسكين حذره ذاك فطالته يد التطرف في فندق على ارض الاردن، ما اردت قوله اننا نحن المسلمين والعرب تحديدا مسؤولون بشكل او بآخر عن تلك الفكرة الظالمة لديننا وقوميتنا وعلينا ان نفكر جاهدين ونعمل على تغيير تلك الفكرة واعطاء صورة جميلة عنا وعن ديننا المتسامح وهذه مسؤولية الجميع بلا استثناء.

ناقد سينمائي من العراق

mohd10002001@yahoo.com

ميدل إيست أنلاين في

21/04/2010

 

انجاز مهم يستعيد الرحابنة: فيلم 'سيلينا' والزمن الجميل

د. مصطفى أبوصلاح  

تعود بي الذاكرة الى سنين خلت حين كنت صغيرا وكنا من العائلات الميسورة نوعا ما حيث أننا امتلكنا جهاز تلفاز ملون في العام 1980 وكنا نشاهد ثلاث أو أربع قنوات عربية شتاء وربما يزيد العدد الى 7 قنوات صيفا بحكم التكنولوجيا والجغرافيا في تلك الحقبة.

في ذلك الزمان كنا نستمتع بمشاهدة افلام الكرتون الساعة الثالثة والربع على قناة الأردن الأولى وذلك بعد قراءة لما تيسر من القرآن. في ذلك الزمن كنا نشاهد أيضا المسلسل العربي على التلفزيون الأردني بعد أخبار الثامنة مساء وكنا ندعو الله أن لا تطول نشرة الأخبار حتى نستطيع مشاهدة المسلسل قبل موعد النوم.

من أهم ما التصق بذاكرتي في تلك الأيام أيضا هو صوت فيروز يشدو في الصباح من مذياع سيارة والدي ونحن في الطريق الى المدرسة (أعطني الناي، آخر ايام الصيفية، القدس العتيقة... الخ). لم أكن في تلك السنين أهتم لمظهر فيروز أو ماذا كانت تلبس أو كيف كانت ترقص بقدر ما كنت أعشق صوتها وأهتم لسماعه في ساعات الصباح.

أعادنا الرحابنة والمخرج المتميز حاتم علي الى ذلك الزمن الجميل من خلال فيلم 'سيلينا' الرحباني بامتياز. لقد أحببت الفيلم وشدني اليه الكثير من المعاني الجميلة التي حملها، فعلا كنا بحاجة في هذه الفترة وبعد هذا الغياب الطويل للمسرحيات الرحبانية الزاخرة بالموسيقى الغنائية الاستعراضية والتشكيل البصري الرائع الذي ينقل المشاهد إلى عوالم الحكايات والأساطير ويقدم أطروحة سياسية ثقافية واجتماعية ناعمة تدغدغ الأذن وتداعب العواطف دون أن تثير النزعات والغرائز. الصوت الجميل المتمثل بمريام فارس وتلك النخبة من عمالقة الفن والتمثيل من أمثال الدكتور دريد لحام، أنطوان كرباج، حسام تحسين بيك، أيمن رضا وغيرهم صعدوا بهذا العمل لدرجة الامتياز.

من المعاني التي حملها الفيلم هو ان حياة الشقاء والبساطة حتى لشحاذ قد تكون أجمل من حياة الرفاهية لملوك وأمراء، فالشحاذ حر طليق أما الحاكم فهو أسير الكرسي ولكن هناك معاني أخرى أهم بكثير حملها الفيلم ومنها:

أولا: مريام فارس التي لم تكن هنا نجمة استعراض ولم تلبس ما يصف الجسد ولم ترقص رقصا مثيرا بل كانت طفلة جميلة أو فتاة بسيطة تشدو بصوت جميل وتتحرك باتزان جعل كفة هذا العمل مقارنة بأعمالها الأخرى ترجح في الميزان. ولعل المقارنة غير المنصفة بينها وبين السيدة فيروز خرجت عن اطارها الصحيح فلا يجوز أن نقارن بين طعم التفاح وطعم البرتقال فكلاهما يتشابهان في كونهما من الفواكه ولكن كلاهما يختلف في الطعم.

ثانيا: هذا الحضور للعدد الكبير من الفنانين ممثلين وغيرهم جعل هذا العمل مميزا فالكل كان نجما والكل كان مبدعا فأنا لم أعجب يوما بصوت الفنان أيمن رضا (قائد الحرس) الا ان صوته كان جميلا هذه المرة، ايضا ايلي شويري (الأب) وضع بصمة جميلة جدا على العمل، فهذا العمل الغى البطولة المطلقة وأعطى الكل حقه في اظهار ابداعه بأسلوب مميز.

ثالثا: نحن بحاجة الى اعمال جميلة بعيدة عن الابتذال تعبر عن نبض الشارع دون ارهاق المشاهد بالهموم او اثارة غرائزه، اعمال كهذه تمثل نبض ثقافتنا وحضارتنا الجميلة وتعيدنا الى ايام الزمن الجميل ليس زمن طفولتي فحسب بل لربما زمن الأندلس.

لم تستطع مئات المحطات الفضائية وآلاف الفيديو كليب بإقناع المشاهد بأن هذه الزمن أجمل، بل ان الكثير منا أصبح يخشى على أطفاله حين يقلبون المحطات الفضائية، فلم يعد هناك انضباط وأصبحنا نتنافس في نقل وتبني ثقافات اصطناعية ونحن أقدر على تصدير ثقافتنا الجميلة الغزيرة والأصيلة.

'سيلينا' عمل مميز استحق عليه الرحابنة وحاتم علي الشكر والتقدير، ربما افتقر العمل الى بعض مشاهد الطبيعة وغيرها الا انني أنتظر عملا كما عودنا حاتم علي يبدأ بصلاح الدين ولا يتنهي بـ'الملك فاروق' و'سيلينا'.

كاتب من الاردن

muabusalah@gmail.com

القدس العربي في

21/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)