حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

"أفلام الانتاج السينمائي المشترك":

بدايات باهتة ونهايات حائرة

رمضان سليم

"أفلام الانتاج المشترك في السينما المصرية" هو آخر الكتب السينمائية الصادرة ضمن سلسلة آفاق السينما "الهيئة العامة لقصور الثقافة - مصر" وهو الكتاب الذي يحمل رقم "60" من السلسلة.

وقد جاء الكتاب في حجم يتعدى أربعمائة صفحة وبغلاف متميز "بوستار فيلم "اسكندرية كمان وكمان" للمخرج يوسف شاهين والفيلم هو أحد الانتاجات المشتركة للسينما المصرية.مؤلفة الكتاب هي الناقدة السينمائية أمل الجمل، كاتبة ومعدة برامج ولها عدة سيناريوهات وقد سبق أن صدر لها كتاب "بعيون امرأة"" 2007".

وأيضا كتاب بعنوان "فيلموجرافيا السينما العربية المشتركة"" 2008" عن المجلس الأعلى للثقافة.

لعل أهم ما يلفت انتباهنا في الكتاب موضوعه. حيث يتطرق الى الإنتاج المشترك في السينما المصرية من عام 1946 الى عام 2006 في محاولة لتتبع هذا الإنتاج منذ بواكيره الأولى المحتشمة الى مراحله المتأخرة النشطة نسبيا. وبالطبع علينا أن نلحظ هنا بأن الكتاب يتسم بنوع من الأكاديمية،

فهو جزء من رسالة أكاديمية جامعية، وبالتالى فإن الحرية في التعامل مع هذا الموضوع تبدو محدودة لأن المرجعية دائما الى المواد السينمائية المحايدة أو التي تتطلب قدرا كبيرا من الحياد في النقل، وفي ذلك الكثير من الايجابية، لأن مهمة الكتاب صارت تدور في أفق تقديم أكبر قدر من المعلومات حول الإنتاج المصري المشترك، من خلال الأرشيف والوثائق والنقاط الآراء بصورة مباشرة من أصحاب الشأن والنقاد.

بهذه الصورة سوف نقرأ كتابا محسوبا بدقة، المرجعية فيه الى آراء الآخرين، وحتى إذا كان هناك رأي شخصي للكاتبة فهو محتشم، يتسلل عبر ثنايا الكتاب وتفاصيلها والأهم أنه رأي لا يساير الموجة التقليدية من الادعاء النقدي، بل يحاول دائما أن يختار الأفق الأوسع والنظرة المستقبلية غير الضيقة.

والأهم من كل ذلك أن الكتاب لا يحتوي على دفاع عام من الإنتاج المشترك حيث يدافع كل كاتب عن الموضوع الذي اختاره في العادة، ولكن هناك الكثير من النقد بهذا الإنتاج وفي مراحل متعددة، وخصوصا إذا كانت النتيجة غير جيدة.

ونعني بذلك قيمة الأفلام المنتجة ومستواها الفني. فى الكتاب الكثير من المعلومات التي يصعب إيجادها مجتمعة في كتاب آخر، بل ربما أقول بأن هذا الموضوع "الإنتاج المشترك" لم يتم التطرق إليه بشكل كامل من قبل.

وحتى إذا قلنا إن الآراء النقدية يمكن للنقاد تداولها في المقالات الصحفية بالحماس لفيلم معين أو الهجوم على فيلم آخر وبانتقاد بعض التجارب المشتركة أو حسن تقدير قيمتها الفنية في بعض الأحيان.

إلا أن دراسة تجربة الإنتاج المشترك بالنسبة للسينما المصرية لم تنل الاهتمام الواسع أو البحث المعمق، وظلت متواضعة، رغم أنها لفتت النظر مع وجود الشركة العالمية ليوسف شاهين وما تبع ذلك من أفلام من أجيال أخرى جديدة.

وفي هذا الجانب، ربما أقول بأن من أهم أسباب مشكلات السينما في مصر عدم قدرتها على التعامل مع السينما العالمية، بسبب سيطرة النظرة المحلية وكذلك الإحساس بالمخاوف من الأجنبي.

وإذا كانت هناك مبررات لكل ذلك في مراحل معينة ارتبطت بحروب أعوام "1948- 1956 - 1967" إلا أنه لا تواجد مبررات لهذا الانكماش في أعوام أخرى متتالية، وبالطبع كان من نتيجة ذلك أن الجوانب التقنية للفيلم المصري قد أصابها تراجع، بالإضافة الى الجمود في اختيار الموضوعات، فضلا عن التوزيع الخارجي الذي ظل محدودا ومرتبطا بالبلاد العربية على أقصى تقدير.

يتميز الكتاب بالإضافة الى حسن اختياره للموضوع وطريقة العرض، بأن أسلوبه يتحلى بالوضوح في نقل المعاني، مع عدم الدخول في متاهات واسعة، محتجب الوصول الى نتائج محددة، وأشعر بأن هناك الكثير من المعلومات قد تم الاستغناء عنها من أجل إبراز الفكرة الأشمل وهي مسألة الإنتاج المشترك وعدم الاستطراد في الجزئيات والتفاصيل.

ذلك أن كل فيلم يتم اختياره له مشكلاته الكثيرة من حيث تناول الآراء حوله واختلافها، ولكن لم يمنع ذلك في وجود بعض الاستطرادات، كما في فيلم "القاهرة بغداد – 1946" مع عدم وجود مبرر لذلك لعدم أهمية الفيلم من ناحية وعدم طرجه لقضايا تختص الإنتاج العربي المشترك.

وعلينا أن نذكر هنا بأن هناك تعريف وضعته المؤلفة لمفهوم الإنتاج المشترك يقوم على فكرة التعاون المشترك بحسب النسب القانونية بين الأطراف المشاركة، وبحسب ما ينص عليه العقد القانوني المسجل رسميا.

ولكن لا يمنع ذلك من وجود اعتبارات أخرى، وكما أوضحت المؤلفة، تخص الفرق بين الجانب الاداري القانوني والجانب الثقافي، لأن هناك أفلام تحدد هويتها بحسب الاعتبار الثقافي، بمعنى روح العمل نفسه، وهو أمر يرجّح كفة المخرج باعتباره الشخص الوحيد الذي يحدد هوية الفيلم.

والواقع أن الإنتاج المشترك المصري مع الدول الخارجية واضح نسبيا وليس به مشكلات، القديم منه والحديث، فالفيلم يمكن أن يكون مصريا أو غير مصري.

على سبيل المثال فيلم "ابن كيلوباترا" هو فيلم ايطالي شاركت فيه مصر ماليا وتقنيا وفنيا فهو إنتاج مشترك واضح المعالم،. وكذلك الأمر بالنسبة لفيلم "وداعا بونابرت" فهو فيلم مصري شاركت في إنتاجه فرنسا.

أما المشكلات الفعلية في تحديد مفهوم الإنتاج المشترك. تبدأ مع وجود أفلام أنتجت في منطقة المغرب العربي وخصوصا في تونس وأحيانا الجزائر حيث يعتبر الفيلم تونسيا أو مغربيا أو جزائريا لمجرد أن جنسية مخرجه الأولى أو الأصلية عربية من بين أحد هذه الأقطار، بينما لا يكون الموضوع أحيانا عربيا.

رغم أنه يصور في المنطقة العربية ، وهذا أمر انطبق أيضا على أفلام فلسطينية وكذلك لبنانية وأحيانا عراقية.

وهكذا يفتح الكتاب الأفق واسعا أما قضايا كثيرة لها علاقة بالإنتاج المشترك، ولاسيما بالنسبة لبعض الدول التي ليس لها صناعة سينمائية واضحة، ولكن لها إنتاج محدود.

وهي تحاول أن تجعل من مفهوم الإنتاج مصطلحا مفتوحا حتى تجعل الكثير من الأفلام تنسب إليها. بينما نرى في مصر الأمر معكوسا لأن مصلحة صناعة السينما في مصر تضّيق معنى مصطلح الإنتاج المشترك، ليس عربيا فقط ولكن عالميا أيضا، وهذه نقطة غير مباشرة يمكن أن يثيرها الإنتاج المشترك.

هناك قضية أخرى يثيرها الكتاب، وإن لم يتم ذكرها فعليا، وهي مشكلة المعلومات، حيث تجمع المعلومات من الأرشيف أو من الملصقات، وأحيانا من تيترات الأفلام، وفي القليل من الأحيان، لا تحتوي هذه البطاقات على المعلومات الفعلية والتي لا توجد إلا في الأوراق الرسمية والملفات الخاصة للأفلام، وما أكثر الأفلام الممولة ماليا من أطراف غير مصرية، لكنها تعتبر إنتاجيا من الأفلام المصرية.

بل هناك أفلام ناجحة عربية، وهي لا تعد ّمن الناحية القانونية والشكلية أفلاما عربية، لأنها ممولة ماليا فقط ولا تنطبق عليها قاعدة الإنتاج المشترك وعلى سبيل المثال فيلم" الرسالة"، العربي ثقافيا لكنه فيلم امريكي انجليزي وهو ما ينطبق على فيلم "عمر المختار" أيضا.

هناك بعض الأفلام المشتركة بطريقة غير مباشرة، ومن ذلك فيلم "أين تخبئون الشمس"، إخراج المغربي عبد الله المصباحي وهو إنتاج مشترك مغربي- ليبي- مصري، هناك أيضا فيلم بعنوان" إليه يا دنيا "" 1994" بطولة وردة ومحمود ياسين وإخراج هاني لاشين وهو إنتاج مشترك غير ظاهر بين ليبيا ومصر.

ومن تتبع الكثير من أوراق الملفات سوف يجد أن بعض الموزعين اللبنانيين يسهمون في إنتاج بعض الأفلام المصرية بحصص صغيرة.

في جميع الأحوال يعدّ هذا الكتاب "الإنتاج المشترك في السينما المصرية" من أفضل الكتب التي عالجت قضايا سينمائية معينة، ومن النادر أن نجد كتابا سينمائيا يتناول قضية ما رغم تعدد ما يكتب حول السينما العربية.

ينقسم الكتاب الى بابين:

- الأول باسم "سنوات التعثر"، حيث نجد فصلا بعنوان الخلفية التاريخية والاقتصادية والسياسية للإنتاج السينمائي المشترك. وفصلا بعنوان"إنتاج الأفراد والتعاون السينمائي المشترك"، ثم فصلا ثالثا بعنوان"القطاع العام والإنتاج المشترك وهو المرحلة الثانية".

- الباب الثاني أسمته الكاتبة "سنوات التحقق"، على اعتبار أن الإنتاج قد حقق نتائج ايجابية وجيدة بعد مرحلة التخبط الأولى، وهو ينقسم الى فصلين:الأول خاص بالإنتاج السينمائي المصري الأوروبي المشترك والفصل الثاني خاص بالإنتاج المصري العربي المشترك.

هناك أيضا تلخيص للنتائج حسبما وردت في البحث من معلومات وهناك جداول ونتائج تحليل لهذه الجداول، بالإضافة الى مسرد بأفلام الإنتاج المشترك يذكر الكتاب الكثير من الأفلام والتي لا يعرفها إلا أولئك المهتمين بالسينما، رغم أن القنوات الأجنبية تعرض بين الحين والآخر أفلاما من نوعية الإنتاج المشترك أو أفلاما يشارك فيها بعض الممثلين من مصر، ونقصد بذلك الأفلام المشترك القديمة.

تبدو التجارب الأولى فى الإنتاج المشترك باهتة، كما حدث بالنسبة لفيلم "أرض النيل ""1943"، بالتعاون مع فرنسا، وكذلك أفلام أخرى مثل" وادى الملوك" ثم بعد ذلك "على ضفاف النيل" و"كريم بن الشيخ".

وبعكس ما جاء في الانطباعات المصاحبة، فمازلت أذكر أن الفيلم الأخير "كريم ابن الشيخ" قد حقق نجاحا تجاريا جيدا في ليبيا على اعتبار أنه فيلم إيطالي. أما فيلم "الصقر" فهو تجربة إنتاجية مختلفة والفيلم العربى من أشرطة المغامرات البدوية أو الصحراوية ومن يشاهده على الشاشة الصغيرة الآن سوف يجده فيلما مشوقا ويعتبر ناجحا بمقاييس المرحلة التي عرض فيها، رغم أننا نراه الآن من وجهة نظر أخرى.

ومن الواضح وكما يذكر الكتاب، أن هناك تخوفا من الأجنبي في مسألة الإنتاج المشترك وسوف نلحظ دائما بأن الأجنبي هو الذي يعرض مشروعاته والطرف المصري دائما يقع في الجانب السلبي المتردد والمتخوف.

وهذا الأمر ليس له علاقة بالرقابة لأننا نجدها دائما موافقة، بل يكمن التردد في نوعية العلاقة بين السينما المصرية ذات الطابع المحلي والسينما العالمية التي تمثل أحيانا وجهة نظر مستعمر له تقاليده وأغراضه وأهدافه المشكوك فيها.

مع مرور الزمن ومع وجود بعض المخرجين الذين تفطنوا لأهمية الغرب من حيث العالمية والترويج وفي محاولة للخروج من المحلية المصرية والعربية، اختفى هذا التردد. كما حدث بالنسبة لأفلام الشركة العالمية وبالدرجة محاولات يوسف شاهين عربيا ثم فرنسيا في مرحلة لاحقة، وعلينا الا نقفز عن مرحلة من التعاون بين يوسف شاهين ولبنان في" بياع الخواتم".

ثم مع اسبانيا والمغرب فى فيلم "رمال من ذهب". رغم أن هذه الأعمال ليست من الإنتاج المشترك إلا انها تجارب دفعت نحو المزيد من الإنتاج.

من الواضح أن الباحثة يهمها جمع المعلومات المتعلقة بموضوعها وبالتالي لم تطرح أسئلة حول أسباب فشل تجربة الإنتاج المشترك في البدايات المتعثرة الأولى، وسبب ارتباط هذا الإنتاج المشترك بشخصية المخرج يوسف شاهين، ومع مجموعة من الأفلام مثل "وداعا بونابرت" و"المهاجر" و "المصير" و" إسكندرية ليه" و"إسكندرية كمان وكمان" و"إسكندرية نيويورك "و"الآخر" و"سكوت حنصوّر"، بصرف النظر عن تسلسل تواريخ الإنتاج.

كما لا ننسى أن هناك تجارب خاضها هذا المخرج مع البلدان العربية،كما حدث في فيلم "العصفور "و"عودة الابن الضال" وقبل ذلك ومن خلال القطاع العام، فى فيلم "الناس والنيل" مع الاتحاد السوفيتي وبفلمين يحملان موضوعا واحدا.

لعل الفصل الخاص بيوسف شاهين هو من أهم فصول الكتاب، فهو يلقي الأضواء على تجارب يوسف شاهين المختلفة، ليس في مجال الأفلام الطويلة ولكن أيضا بالنسبة للأفلام القصيرة مثل"القاهرة منورة بأهلها".

تناقش الكاتبة الفكرة التي تتكرر دائما مع أي إنتاج مشترك والخاصة بتشويه سمعة مصر من طرف الأجانب أو من يدور في دائرتهم، ولعل مصدر هذه الفكرة يعود الى مركزية الدولة في مصر وصبغتها الرسمية دائما، حيث يعني التشويه دائما محاوله المس بكيان الدولة الرسمي، كما أن الأفراد نجدهم فى الغالب أبناء الحكومة يدافعون عنها، حتى لو كانوا غير مستفيدين بشكل مباشر.

هناك جوانب كثيرة تتطرق إليها الكاتبة عندما تتعامل مع أفلام الإنتاج المشترك في مراحل لاحقة، كما عند يسري نصر الله وخالد الحجر وأسماء البكري وعاطف حتاته وغيرهم، ومنها محاولة إبراز الأفلام المشتركة مع أوروبا مثلا الفولكلور المصري والعادات والتقاليد المصرية، وهنا أفلام مشتركة تعاملت مع ختان البنات مثلا ولكن إنتاجها كان ما بعد 2006.

كما قلت يظهر هذا الكتاب وكأنه يفتح المجال لناقشات واسعة داخل دائرة ما يعرف بالإنتاج المشترك، ويبدو لي أن الموضوع يستحق أكثر من كتاب ومن زوايا مختلفة، خصوصا اذا طرحنا العديد من التساؤلات المرتبطة بهذا الإنتاج وأسباب انحساره في حدوده الدنيا.

بالطبع لابد أن ننظر الى تجارب دول أخرى في هذا المجال والسياق، ونحن لا ندعي أننا نعرفها جيدا، لأن معرفة تجارب الدول الأخرى تساعدنا على تقدير مستوى التجربة المصرية أو العربية عموما.

العرب أنلاين في

15/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)