حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

السينما التسجيلية السورية ... تُعاني

عاصم الجرادت – دمشق

طغت السياسة على مواضيع الأفلام التسجيلية السورية عند الانطلاقة عام 1932 عن طريق أفلام نور الدين الرفاعي، لكن اليوم بدأت السينما التسجيلية السورية تخرج من عباءة السياسة لكنها دخلت عباءة أخرى هي اللعب على وتر عواطف الجماهير من خلال تناول نماذج اجتماعية مؤثرة تعاني بعضها من الفقر وتشكل أخرى حالة إبداع ولكن دون الوصول إلى صيغة سينمائية حيث دخلت الأفلام السورية الحديثة بوتقة التقارير التلفزيونية وتخطي الحرمات السينمائية فنحن كنا أمام برامج تلفزيونية ولكن بشاشات كبيرة، وكذلك عانت الأفلام من مشاكل فنية وإخراجية واضحة، والملف أن صالات السينما امتلأت عندما عرضت بعض الأفلام التسجيلية السورية لكن الجمهور في كثير من الأحيان وصل لحد الندم لحضور الفيلم، ومن خلال هذا المقال سنقوم بتقديم قراءة لأحدث خمسة أفلام تسجيلية سورية لنخرج من خلاله إلى مشاكل وأسباب معاناة السينما التسجيلية السورية. لكن مع التأكيد أن الأفلام تعد تجارب جريئة في السينما التسجيلية والنقد يدخل من بوابة التقويم والبحث عن الأفضل من أجل تطوير السينما التسجيلية في سورية.

نور الهدى للمخرجة لينا العبد (2008):

حصل فيلم على جائزة أصوات من سورية في مهرجان DOX BOX ، ويتحدث الفيلم عن حياة نور الهدى تلك الفتاة التي تحاول أن تحلم من تحت سقوف الصفيح في أطراف العاصمة السورية دمشق.

نبدأ من الموضوع العام للفيلم حيث تحدث عن فتاة اسمها نور الهدى كما ذكر سابقاً لكن هذه الفتاة تم تناول قصتها قبل عامين من إنتاج الفيلم ضمن فيلم أخرجه خليل عشاوي لكنه لم يتداول كثيراً لأن الأخير أعده وأخرجه لنيل إجازة في الإعلام وقبله تحدث الصحفي خالد سميسم عن المنطقة التي تقع على أطراف دمشق وهي تجمع سكاني بيوته من الصفيح، ومن هنا نجد أن الفيلم من حيث موضوعه فهو مطروق ولم يقدم جديد للمتتبع للشأن السينمائي التسجيلي السوري، فالواضح أن المخرجة لم تتعامل مع تلك المنطقة بحرفية فكانت لها فرصة البحث عن نموذج أعم ويسلط الضوء على بعض الإشكاليات الآخرى والابتعاد عن التكرار.

لم يصل الفيلم إلى العمق المطلوب في علاج قضية نور الهدى فوجدنا لمسة المخرجة غائبة وكلام نور الهدى هو الحاضر والمسيطر على مسار الفيلم لنجد نفسنا أمام تقرير تلفزيوني يبحث موضوع عابر، لذلك لم نلاحظ الحس السينمائي في الفيلم بل وجدنا روح التلفزيون حاضرة بقوة، وما يؤكد ذلك أن الفيلم أعد لاشتراك في مسابقة أعلنت عنها إحدى القنوات العربية فالمخرجة كانت واضع في نصب عينها فيلماً يناسب التلفاز أكثر من حضوره في دور السينما.

ومن ناحية الشكل حضرت بعض اللقطات المبالغ فيها، التي تحمل جانب تمثيلي وابتعدت عن الواقعية فأي شخص بيننا لا يمكنه تصديق أن فتاة تعيش في بيوت الصفيح تستقل سيارة تكسي يومياً من أجل التوجه نحو المدرسة، وعند تصويرها في منزل الصفيح ارتدت ملابس غير مناسبة وكان أسلوب المخرجة في تصوير حالة الحديث عن الحب في حياة نور الهدى ضعيف جداً فوجدنا الفتاة تقف أمام مرآة وتضع "الفنديشن" الذي يملكه يستطيع أن يعيش حالة اجتماعية مقبولة فكيف لها أن تملك فنديشن وإجرة تكسي يومياً ومالاً لشراء ملابس تجاري الموضة ونتحدث في ذات الوقت عن معاناة معاشية فالمخرجة أذت الفتاة أولاً وفيلمها ثانياً من خلال تلك اللقطات غير المدروسة. وكررت المخرجة لقطة أكثر من مرة وعند استفسار الكثيرين عن سبب تكرار لقطة الفتاة وهي تتمشى بجانب سكنهم أجابت أنها لم تستطيع تصوير المحيط السكني بسبب رفض الأهالي هناك للتصوير، ولكن كان التبرير غير مقنع فكان بمقدورها عدم التكرار وتخفيض المدة الزمنية للفيلم أفضل من إضعاف الصيغة الفنية له.

وبذلك نجد أن الفيلم يعاني من ثغرات إخراجية واضحة أما ناحية المضمون فلم يكن عميقاً يوازي قوة الحالة المطروحة بغض النظر عن تكرارها.

حجر أسود للمخرج نضال الدبس (2006):

قدم فيلم «حجر أسود» الواقع المأساوي في منطقة الحجر الأسود وذلك من خلال تسليط الضوء على حياة  أربعة أطفال أثناء عملهم، الذين أخذوا يقصون حكاياتٍ وروايات عن حياتهم اليومية وما عانوه ويعانونه، حيث يعمل الأطفال في جمع الخردوات والقطع البلاستيكية والحديدية من مكبات النفايات في دمشق.

نستطيع أن نقول أن المخرج استطاع الوصول إلى نماذج تختصر واقع المناطق الفقيرة في سورية، إلى أن الأسلوب الإخراجي الذي اعتمد على الكاميرا المراقبة للأطفال والمسجلة لحديثهم المهم وغير المهم دون وجود لمسة واضحة للمخرج ففي بعض الأحيان ظن المتابع أن المخرج نسي الكاميرا وهي تُسجل، حيث الأحاديث التي دارت بعضها لا يفيد ولا يقدم أي عبرة  ما جعل المشاهد يشعر بالملل، وبذلك خفض بشكل ملحوظ من نسبة التأثير والتعاطف مع الظواهر المطروحة. ونؤكد أن البيئة المُسلط الضوء عليها تعد صادمة ومؤثرة وتثير كثير من مشاعر الحزن والأسى، وتعاني من الظلم الإعلامي، وحاولت كاميرا المخرج تصوير تفاصيل تلك البيئة لكن عانى الفيلم من الابتعاد عن الواقعية ونسجل بعض المشاهد التي اقتربت من الدراما أولها ذاك المشهد الذي يُصور فتاة في المسبح تتحدث عن معاناتها ورفضها للصداقة مع ذات جنسها، وفجأة وبدون مقدمات تذكر اسم أخيها المُتوفى وبعدها تخرج من جيبها صورته المقصوصة بطريقة فنية ولم تظهر الصورة مبللة رغم أن الفتاة خارجة من المسبح (تصور يرعاك الله).

وتُسجل للمخرج فكرة الغوص في أفقر أحياء دمشق وتناول حياة أربعة أطفال يعملون في جمع البلاستيك والحديد من حاويات القمامة في جميع أرجاء العاصمة السورية، مع العلم أن هذا المجتمع يشكل خطراً على أي شخص يدخله لكن المخرج تجاوز فكرة الخطورة واستطاع بالنهاية بالخروج بفيلم سلط الضوء على حياة أطفال لم يخدموا فيلمه بالقدر المطلوب عندما لم يستطيعوا التصرف بعفوية الحياة اليومية التي يعيشوها.

سامية للمخرج عمار البيك (2008)

سأتحدث عن فيلم سامية بطريقة مختلفة فلن أتحدث عنه بصفتي صحفي يكتب عن السينما التسجيلية ولكن بصفتي مشاهد عادي دخل إلى السينما ليشاهد فليمأً يتحدث عن القضية الفلسطينية كما قرأت (بالبروشور) ومدته 42 دقيقة، وقبل الدخول في قراءة مشاهد لفيلم سأكتب ما نُشر في البروشورعن الفيلم:

في الذكرى الستين لقيام دولة إسرائيل، دُعي المخرج الفرنسي (جان لوك غودار) لحضور مهرجان إسرائيلي لأفلام الطلبة، وشاع في الوسط الإعلامي العربي (نقلاً عن مصادر إعلامية أجنبية) قبوله للدعوة ومشاركته في المهرجان رغم عدم صحة ماقيل وحقيقة أنه رفض المشاركة.

في ذات السنة استلمت هديةً من صديقتي الرسامة الفلسطينية سامية الحلبي، أهدتني حجراً التقطَته في أحد حقول الزيتون في رام الله لأضيفه إلى مجموعة الأحجار الفلسطينية التي أجمعها في ألبومي الخاص.

صادفَت في ذات السنة وفاة الشاعر الفلسطيني محمود درويش والذي كان واحداً من أهم شخصيات فيلم (موسيقانا) للمخرج (جان لوك غودار)...09/08/2008.

رحل الشاعر عن عالمنا مثخناً بجراح وطنه، ولازال (جان لوك غودار) ينير ليلنا بأفلامه، وسامية لم تنفك ترسم أحلامها بمنزل عائلتها في القدس ولاتزال (بيسان) تمشي هائمةً في أحياء القدس على غير هدىً. فلسطين صارت كل هؤلاء... فلسطين لوحتي الملونة إلى الأبد.

دفعني الموضوع المكتوب مسبقاً لحضور الفيلم على وجهة السرعة، وتشجعت أكثر عندما رأيت صالة السينما تغص بالجمهور عندها انتظرت فيلماً لا بد أن يكون مختلفاً عن أي فيلم سوري آخر فعلاً هذا ما حدث ولكن ليته لم يحدث فلأول مرة في حياتي أدخل صالة سينما ممتلئة وعند إشعال الإضاءة في ختام الفيلم لم يبق في الصالة سوى ربع الحضور دون أدنى مبالغة فلم أجد ذاك المخرج الفرنسي حاضراً ولا شاعر المقاومة محمود دوريش موجوداً باستثناء شريط مسجل له بالإضافة إلى إهداء الفيلم له ربما كان ضيف شرف، أما سامية الحلبي كانت حاضرة في كاميرتها التي غاصت في تراب وحجارة فلسطين وزيتونها دون أي تأثير على الجمهور، فتذكرت عندها تلك الأشرطة التي حصلنا عليها من أقاربنا في فلسطين وهم يصور لنا أرضنا المحتلة، ولم أجد الفناة سامية الحلبي بل سمعت صوتها لأن حتى تصويرها لم يكن موفقاً فهو أضاع الفكرة. وأستطيع أن اختصر نقدي لفيلم سامية بمقولة لأحد الأصدقاء الصحفيين السوريين عندما قال في ندوة عن الفيلم :هل هذا فيلم... لم يكن فيلم بل توليف للقطات وصور لم تخدم القضية التي تحدثت عنها.

جبال الصوان للمخرج نضال حسن (2009)

يعد فيلم جبال الصوان من الأفلام الجيدة فهو قدم حالة فنية سورية غريبة، فتحدث الفيلم عن أبو بيرم ذاك الرجل الذي هجر أسرته لكي يتفرغ لتكسير الصخور، والوصول لأشكال تعني لذاك الرجل ما لاتعنيه لأي إنسان آخر ورسمت هذه الصخور ملامح القصاوى على وجه أبو بيرم الذي بنى لنفسه عالم خاص من الصعب اختراقه لكن المخرج بأسلوب جريء استطاع أن يكسر الحواجز، ويغوص في عالم أبو بيرم الخاص ويعايشه في لحظاته الاجتماعية وكيفية نحته لهذه الصخور وماذا تعني له، لكن يؤخذ على الفيلم إقحامه لشخصية فنية شابة ربما تشكل الفن الحقيقي مما وجه انتباه الجمهور نحوه وقلل من التأثير الحاصل عن طريق أبو بيرم. ومن الناحية الفنية نجح المخرج بتقديم فكرته بأسلوب هادئ ومؤثر وفي ذات الوقت اتسم بالبساطة.

كلام حريم للمخرج سامر برقاوي (2006):

يسلط الفيلم الضوء على واقع المرأة المزري في الجزيرة السورية، فالفيلم يعتبر من أهم ما قدمته السينما التسجيلية السورية في الفترة الأخيرة، حيث عالج كل ما يحيط بالمرأة في الجزيرة السورية، فقدم عقلية الرجل وكيف ينظر إلى المرأة وتعليمها وزواجها، ووظيفتها في المجتمع، واتسم الفيلم بعفوية كبيرة قادت إلى نقل صورة واقعية مقنعة عن الموضوع المطروح، وفي الشق الثاني من الفيلم اتجه نحو عنوانه عندما صور جلسة نسوية تتحدثت النسوة عن معاناتهن ونظرة الرجال لهن وبكل وضوح وصدق وبدأن يقصن الراويات عن أحداث تدلل على حياة صعبة تعانيها المرأة في تلك البقعة السورية، فوجد الجمهور نفسه في بعض الأحيان أمام لوحة كوميدية لكنها في ذات الوقت تقود إلى ذرف الدموع على حال تلك النساء.

لكن السؤال الأهم هنا كيف استطاع المخرج أن يقدم لوحة فنية سينمائية صادقة وواقعية عن مجتمع من الصعب الغوص في أعماقه الغريبة، والجواب كان عند مُعد الفيلم عدنان عودة الذي فاجأ الجمهور الحاضر عندما قال:من رأيتم في الفيلم هم أهلي أبي وعمي وأختي وأمي وخالي وغيرهم.
ومن الناحية الشكل استطاع المخرج سامر برقاوي أن يكسر حاجز الخوف من الكاميرا للنساء عن طريق أسلوب فني جيد عندما قام بتخفيض الإضاءة إلى حد كبير مما ساعد على إخفاء أدوات التصوير مما ساعد النساء على الحديث بوضوح وصراحة وبدون خوف من حالة وجود تلك المعدات والكاميرات.

نستطيع أن نقول أن الفيلم نجح إلى حد بعيد في تسليط الضوء بالشكل الكافي على واقع المرأة في الجزيرة السورية بكل مصداقية وواقعية عالية وهذه الشروط الأولى والبديهية لأي فيلم تسجيلي.

أسباب ضعف السينما التسجيلية في سورية:

من خلال القراءة السابقة للأفلام السورية التسجيلية الحديثة وبالإضافة إلى الواقع السينمائي التسجيلي السوري نجد أن هناك جملة من الأسباب تؤدي إلى ضعف هذا النوع من السينما:

- الثقافة السينمائية التسجيلية شبه غائبة في سورية مما يضع أي مخرج سينمائي تسجيلي سوري أمام مصاعب كبيرة في التعامل مع أي حالة يريد معالجتها بواقعية.

- الخلط الواضح بين السينما والتلفزيون حيث نجد أن هناك أفلام أقرب إلى التقارير التلفزيونية وسبب ذلك ضعف الجانب الأكاديمي مما يخص السينما التسجيلية في سورية.

- العزف على وتر العواطف للوصول إلى الجمهور مما يقيد البحث عن موضوع فيلم تسجيلي.

- الابتعاد عن الطرق الإخراجية المعقدة والبحث عن البساطة في أسلوب الإخراج حيث يلعب دور كبير في جذب الجمهور.

- الكمية التي تقدمها السينما التسجيلية السورية قليلة جدأً بسبب قلة الدعم المادي الذي تلقاه السينما بشكل عام والتسجيلية على وجه الخصوص.

مساحة الحرية المسموح بها في البحث والتقصي صغيرة جداً مما يقيد أو يجعل المخرجين السينمائيين العزوف عن إخراج أفلام تسجيلية.

الجزيرة الوثائقية في

14/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)