حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

علاج القلب بالحب.. وخلاص العقل بالاختيار.. ودواء الروح بالأمل!

كتب محمود عبد الشكور

ثمانية أفلام روائية طويلة فقط هي حصاد رحلة المخرج «داود عبدالسيد» أحدثها فيلمه المهم «رسائل البحر» الذي عرض في بداية عام 2010 السينمائي، ولكن أعماله جميعًا ترسم ملامح مخرج مختلف له عالمه ورؤيته التي تبدأ من شخوص عادية وتفصيلات نمرّ عليها كل يوم دون أن نلتفت إليها، ثم تتسع الرؤية في بعض الحالات لكي تستوعب أسئلة كبري، ولكي تناقش مفردات نستخدمها دون أن نحدد أبعادها، سينما «داود عبدالسيد» تكتسب أهميتها بحجم معالجاتها، وبمستوي المواهب التي ساهمت في تقديمها، وبأهمية الأسئلة التي طرحتها، وسيكون ممتعًا - بين فترة وأخري - أن نقف علي شاطئ هذا العالم مع التسليم بضرورة أن تكون هناك مستقبلاً وقفات أعمق وأكثر شمولاً.

لم يتمكن «داود عبدالسيد» المولود في 23 نوفمبر 1946، والمتخرج في معهد السينما - قسم الإخراج عام 1967، أن يقدم فيلمه الروائي الطويل الأول إلاّ بعد 18 عامًا من تخرجه بعرض فيلم «الصعاليك» عام 1985، ولكن السنوات السابقة لم تضع هباءً، فقد عمل في البداية مساعدًا لعدد من المخرجين مثل «يوسف شاهين» و«كمال الشيخ» و«ممدوح شكري» وأنجز بعض الأفلام التسجيلية المهمة أبرزها «وصية رجل حكيم في شئون القرية والتعليم» (1976)، وفيلم «العمل في الحقل» (1979) عن الفنان التشكيلي الكبير «حسن سليمان»، وظل لما يقرب من عشر سنوات يكتب سيناريوهات، ويضعها في درج مكتبه، وبعد «الصعاليك» توالت أفلامه الروائية الطويلة بصورة غير منتظمة، فعرض له فيلم «الكيت كات» ثم «البحث عن سيد مرزوق» والاثنان في عام 1991، ثم «أرض الأحلام» (1993)، و«سارق الفرح» (1995)، ثم «أرض الخوف» (2000)، ثم «مواطن ومخبر وحرامي» (2001)، وغاب «داود» ما يقرب من تسع سنوات بسبب البحث عن منتج ليعود في 2010 بفيلم «رسائل البحر» الذي مكث طويلاً في درج مكتبه كالمعتاد.

أول ما تلاحظه علي هذه الأفلام من حيث الشكل أنها أفلام شخصيات بالدرجة الأولي، ليس هناك هذا البناء التقليدي الذي يعتمد علي حدوتة لها بداية ووسط ونهاية، والأكثر دقة أن نقول إنها أفلام شخصيات داخل رحلة أو تجربة، نهاية الفيلم هي نهاية الرحلة أو الاختبار وهي في نفس الوقت استكمال ضربة الفرشاة الأخيرة في ملامح الشخصيات.

هذه النوعية من الأفلام معروفة بالطبع في السينما العالمية، ولكن «داود» وصل بها في السينما المصرية إلي أعلي درجات النضج والتكامل، شخصيات أفلامه هي أول ما يخطر إلي ذهنك عند ذكر أي اسم من أسماء أفلامه، وهي أيضًا مفاتيح هذه الأفلام، تمتلك الشخصيات عنده رسوخًا يذكرك بقوة الشخصيات في الروايات المهمة، كل تفصيلاتها تحظي بنفس العناية من الاسم حتي الدراسة النفسية والاجتماعية لها، تستطيع أن تقول بلا تردد إن «الصعاليك» ليس إلاّ رحلة وتجربة «مرسي» و«صلاح» و«الكيت كات» هو رحلة وتجربة «الشيخ حسني» وابنه «يوسف»، و«البحث عن سيد مرزوق» هو كابوس بطله «يوسف»، و«أرض الأحلام» هو حصاد التناقض بين شخصية «نرجس» وشخصية الساحر «رءوف»، و«سارق الفرح» هو رحلة «أحلام» و«عوض» القاسية، و«أرض الخوف» هو تجربة «يحيي» الضابط الذي ضاعت هويته، والذي خذله من أرسلوه بكل ظلالها السياسية والوجودية، و«مواطن ومخبر وحرامي» ما هو إلاّ مسيرة وطن في مرآة ثلاث شخصيات هي المواطن «سليم» والمخبر «فتحي» واللص «شريف»، هناك أيضًا «حياة» وقصتها مع الثلاثة الذين سرعان ما تتوه الاختلافات بينهم وكأنهم يتآمرون علي الحقيقة والعقل في مشهد ساخر ساحر مؤلم ومفزع.

بسبب قوة بناء الشخصيات وارتباطها بمغزي أفلامه وروعة رسمها تقبل الجمهور، ومازال يتقبل فيلمه «الكيت كات» رغم بنائه غير التقليدي، لا يهرب «داود» من صنع الحواديت، فهو في الحقيقة حكّاء بارع، وكان يمكن أن يكون روائيًا كبيرًا، ولكن هذا الشكل التقليدي لا يستوعب همومه ولا هموم شخصياته، في «الصعاليك» و«أرض الخوف» مثلاً حدوتة ظاهرية ولكنها لا يمكن أن تروي لأن معناها في الصورة والحوار وفي أداء الممثلين وفي أسماء الشخصيات وفي موسيقي «راجح داود»... إلخ، يحكي «داود عبدالسيد» في أحد حواراته الصحفية أنه سمع في بداية اهتمامه بالسينما نكتة أضحكته، تقول النكتة «أن متفرجًا دخل صالة العرض، ولم يمنح «البلاسير» بقشيشًا، فأراد الأخير أن ينتقم منه، فمال علي أذنه، وقال له:

 «علي فكرة.. الطباخ هو القاتل!» لم يكتف «داود» بالضحك، ولكنه قال لنفسه: سأصنع أفلامًا لا يمكن أن يحرقها «البلاسير» في كلمة. وأحسب أنه كسب الرهان بامتياز.

الملمح الثاني في سينما «داود» الروائية الطويلة هو فكرة «الخلاص الفردي» عند شخصياته، ورغم أنه من أبرز كتاب السيناريو الذين ينجحون في رسم تأثير الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية علي شخصياته، إلا أن اختيارات هؤلاء تبدأ من داخلهم، كل نموذج إنساني حالة مستقلة تستحق الدراسة، وليست هناك استجابات واحدة لنفس التأثيرات، كل شخصية تبحث عن خلاصها الفردي مما يقرب عالم «داود» من عالم كتاب الأدب الوجودي، وخصوصًا أن بعض الشخصيات مثل الضابط «يحيي» في أرض الخوف تطرح أسئلة إنسانية كبري، ولكن كيف يتم هذا الخلاص؟ هناك ثلاثة مستويات يمكن التعامل معها من هذه الزاوية «1» .

القلب: وعلاجه الوحيد هو الحب الذي يبدو العنصر الثابت في عالم مضطرب، الحب لا يحرر الإنسان فقط من العجز (علاقة «يوسف» و«فاطمة» في «الكيت كات») ولا يمنحه الشعور بالأمان (علاقة «يحيي» و«فريدة» في «أرض الخوف»)، ولكنه مشروع يستحق التضحية (علاقة «أحلام» و«عوض» في «سارق الفرح»)، بل هو الوسيلة الوحيدة للاحتفاظ بالذاكرة (علاقة «قابيل» و«بيسة» في «رسائل البحر»)، هل من قبيل المصادفة أن بعض شخصيات أفلام «داود» النسائية تحمل أسماء «دالة» مثل «أحلام» و«حياة» و«فريدة» و«نورا» و«هناء»؟ وهل من المصادفة أن تلك الشخصيات تلعب في حياة أبطال الأفلام دورًا يحمل إليها الحياة والنور والسعادة؟!

«2» العقل: ودواؤه هو حسم الحيرة بخوض التجربة - حتي لو كانت مؤلمة - وصولاً إلي الاختيار.

ليس بالضرورة أن يكون الاختيار صحيحًا ولكن بدونه لا تكتمل ملامح الشخصيات ولا مغزاها.

شخصيات «الصعاليك» و«مواطن ومخبر وحرامي» تتغير وتتبدل اختياراتها بصورة غريبة وفقًا لتبدل الأزمنة والظروف، ولكن لولا هذه الاختيارات لما اكتسبت الصورة المرسومة دلالاتها، قبل الاختيار تبدو الشخصية متعثرة ومضطربة («نرجس» في «أرض الأحلام» و«يحيي» في «رسائل البحر»)، ولكن فعل الاختيار هو الذي يجعل الشخصية أكثر اتساقًا مع نفسها، أما الاختيارات نفسها فهي متسقة تمامًا مع الطبيعة الإنسانية بجوانب قوتها وضعفها.

«عوض» في «سارق الفرح» ليس لديه هامش كبير للاختيار لأنه ضمن بيئة عشوائية، وحبيبته «أحلام» أيضًا تختار بين ما هو ممكن ومتاح، شخصيات «داود» مثلنا تمامًا، وفعل الاختيار ليس عملاً بطوليا، ولكنه جزء من لعبة الحياة، وممارسة يومية لا يمكن أن نهرب منها لأن بديلها أن نكون مثل «يوسف» - بطل «البحث عن سيد مرزوق» الذي استيقظ علي تجربة مؤلمة بعد سنوات طويلة كان حريصًا فيها علي عدم الخروج من منزله في يوم الاجازة.

«3»: وفيما يتعلق بالروح فإن عزاء شخصيات «داود» يتحقق بالحلم والأمل. ما يعطي هذه الشخصيات ثراء واضحًا أنها تملك الحلم رغم الظروف الصعبة التي تعيشها. في قلب المنطقة العشوائية في «سارق الفرح» يوجد نموذج ركبة القرداتي الذي لعبه «حسن حسني» أحلامه بلا حدود، وتتجسد في الفتاة الصغيرة التي لعبتها «حنان ترك»، ليست أحلامًا شهوانية ومادية لكنها أحلام بالجمال وبالحرية وبالشباب وبكل الأشياء التي يفتقدها، الحلم والأمل يتحول في «رسائل البحر» إلي رسالة داخل زجاجة قادمة من وراء البحر يمكن تفسيرها بأن القوي الكبري التي صنعت هذا العالم تهتم بهذا المخلوق الصغير. هنا يتحقق العزاء الروحي رغم أن العقل لا يستطيع تفسير مضمون هذه الرسائل. مازال الأمل موجودًا أيضًا عند الضابط «يحيي» في «أرض الخوف» رغم المأساة التي وجد نفسه فيها، ومازال موجودًا عند «نورا» في «رسائل البحر» التي اعتبرت حياتها السابقة أقرب إلي العاهرات، ولكنها ستولد من جديد مع «يحيي»، حتي والدة «نرجس» العجوز التي لعبتها «أمينة رزق» في «أرض الأحلام» مازالت تحتفي بالحياة وتريد أن تعيشها حتي النهاية. التفاؤل عند «داود» ليس ساذجًا لأنه لا يغفل أبدًا أن الحياة تجربة شاقة، ولكنه أيضًا جزء من اللعبة تخفف من مشقة الرحلة وتبل الريق بجرعة ماء باردة في يوم قائظ الحرارة.

ليس غريبًا أن يحقق الممثلون الموهوبون أدوارًا لا تنسي في أفلام «داود عبدالسيد»، وليس غريبًا أن تصبح أعماله علامات مهمة في مسيرة صنع الأفلام الروائية، «سر داود» أنه استخدم موهبته لكي نفهم أنفسنا أفضل وأعمق، وهذا هو سر كبار المبدعين علي مر العصور.

روز اليوسف اليومية في

07/04/2010

 

مخرجات الجيل الجديد.. اتقان لمفردات اللغة السينمائية

تحقيق: نسمة تليمة  

المخرج هو روح الفيلم ومبدعه الأول، المسئول عن تفاصيل الفيلم في جميع التخصصات من الممثلين والديكور والإضاءة والمونتاج والصوت والموسيقي والسيناريو والماكياج والملابس، مسئول عن تعليق التفاهم بين كل هذه الفروع ليخرج الفيلم في أفضل صورة لنتابع مشاهده ونشعر بما وراءها ونفكر ونعقل ونستمتع.. لتكون هي السينما لا شك، الفن السابع، سحر الصورة.. الحياة بتفاصيلها الدافئة.. لهذا فمنذ بدايات السينما يهتم المشاهد بالمخرج.

لهذا فالمايسترو مسئول بالدرجة الأولي عن العازفين - أقصد الممثلين، واليوم نتحدث عن المخرج المرأة وبالتحديد جيل التسعينيات الذي بدأته ساندرا نشأت لتكون أقدمهن ثم توالت بعدها مخرجات متميزات صاحبات رؤية وعمق.

ساندرا نشأت لفتت إليها الأنظار منذ فيلمها الأولي «آخر شتا» أو بالأصح مشروع تخرجها، ثم عملت مساعدة مخرج لسعيد سيف في فيلم «المولد»، و«الراقصة والسياسي» ومساعدة ليسري نصرالله في فيلمه «مرسيدس»، لتقدم بعدها فيلما تسجيليا عن المونتير كمال أبوالعلا، أخرجت ساندرا فيلمها الروائي الطويل «مبروك وبلبل» فنالت عنه جائزة أفضل إخراج في مهرجان الإسكندرية، تنوع إخراجها من الرومانسي الكوميدي والأكشن خاصة في الفترة الأخيرة.

أما هالة خليل فقد حصلت علي فرصة إخراجها الأول بصعوبة شديدة خاصة مع إصرارها علي تقديم عمل سينمائي مختلف عن السوق فقدمت فيلما روائيا متوسطا بعنوان «طيري يا طيارة» ولكن الفيلم المفاجأة كان «أحلي الأوقات» في 2003 مع المنتج محمد العدل والذي لاقي نجاحا كبيرا جماهيريا ونقديا وحصد الكثير من الجوائز في المهرجانات المصرية والدولية وأخيرا «قص ولزق» الذي قدمت من خلاله قضايا الشباب والزواج والعنوسة بشكل عميق وهاديء فقالوا عنها إنها تتناول المشاعر النسائية البسيطة والمعقدة في نفس الوقت.

أما كاملة أبوذكري فكانت البداية في «قطار السادسة والنصف» ثم «سنة أولي نصب»، و«ملك وكتابة» و«عن العشق والهوي» وأخيرا «واحد صفر» الذي مازال يذكره النقاد كأجمل الأعمال المعروضة في 2009 وقد اعتبره البعض اعتذارا عن الأعمال الأخري التي عرضت في نفس الموسم.

حركة تصحيح

يقول الناقد مصطفي درويش.. ليس من المفترض أن تنصب اهتمامات المخرجة علي قضايا المرأة فقط بل تنفتح علي المجتمع وهذا ما قدمته بعض المخرجات سالفات الذكر مثل كاملة أبوذكري ويري درويش أن بعض النساء يقدمن أفلاما رائعة بل أبعد ما يكون عن المرأة مثل فيلم «كاترين جرب» «خزانة الألم» الذي حصلت به علي الأوسكار وهو فيلم حربي بحت، لذا يري أن الفكرة القديمة المرتبطة مثلا بإيناس الدغيدي أنها أفلام مرأة هي أبعد ما تكون عن المرأة، فقد أعطتنا هذه الأفلام فكرة سيئة عن المخرجات لهذا يري أن ما يحدث الآن هو «حركة تصحيح» بين المخرجات لما قدموه من أفلام علي مستوي جيد فعالجوا الموضوعات بحس إنساني دافئ.

أما عن ضعف التواجد النسائي في مجال الإخراج حتي علي مستوي العالم فيقول درويش إن نصيب المرأة أقل نتيجة، ما بداخل العقول أن المرأة ضعيفة قبل حصولها علي حقوقها، فالمخرج هو المايسترو والقائد الأول حيث يقود مجموعة كبيرة من الرجال والنساء في كثير من المجالات الفنية وهذه المسألة لم تكن متصورة في مجتمع ذكوري واندماجهن في مجال السياسة وغيره انعكس أيضا علي السينما لتصبح قائدا وراء الكاميرا، وقلة أعمالهن رغم جودتها ناتجة عن أنهن مازلن يشققن الطريق حتي في مجالات التصوير السينمائي، والسيناريو فهي تجارب واعدة ، ولكن درويش يخشي من المناخ السينمائي العام ولا يري فروقا بين الرجل والمرأة.

أما رفيق الصبان فيري أن هذا ظهور لافت في السينما لافت للنظر ليس فقط في الإخراج ولكن في كتابة السيناريو أيضا، ولو أنه منذ بدايات السينما تواجدت بعض المخرجات مثل بهيجة حافظ، عزيزة أمير، أما الوجود الحالي فقد أعطي رائحة جديدة للسينما من وجهة نظره والدليل علي هذا نجاح فيلم كاملة أبوذكري «واحد صفر»، فهؤلاء المخرجات اختلفن عن مثيلاتهن السابقات حيث يسرن علي طريق جيد بعيدا عن ادعاء تناول قضايا المرأة، ويتذكر الصبان كلمات المخرجة ساندرا نشأت «أقدمهن» كما يصفها عندما قالت «لا توجد سينما نسائية أو رجالية فالموضوع اختاره فقط» وهي جملة معبرة بقوة عن اتجاههن.

وصفهن الصبان «بمروحة السينما القادمة» والتي سيتم فتحها بشكل أوسع وسنري عددا كبيرا منهن ويراهن علي ذلك من تلميذاته بمعهد السينما طالبات إخراج مبشرات.

بحب السيما

أما المخرجة كاملة أبوذكري فتقول: أحب السينما جدا وهذا كان بداية انطلاقي لا شيء سوي حبها، وبعد أن قدمت فيلم «قطار السادسة والنصف» سافرت لأحضر مهرجان فبدأ الموضوع يصبح أفضل ورؤيتي أنضج بجانب هذا الحب وترفض كاملة كلمة «مخرجات ستات» مؤكدة أن بعض المخرجات لم يقدمن أي شيء للمرأة وعلي العكس المخرجون الرجال قدموا أفضل ما لديهم لخدمة قضيتها مثل خان، يسري نصر الله وغيرهما فاستطاعوا التعبير عن مشاعرها جيدا.

تقول كاملة عملت في السينما منذ أن كان عمري 16 سنة ولم أشعر أن كوني امرأة يعوقني في أي شيء، وعملت مساعدة مخرج لعاطف الطيب وكنت محظوظة لهذا، تخيل في البداية أنني لن أستطيع العمل وأنني جئت لأشاهد الممثلين وبعدها آمن بحبي للسينما وكان يشفق علي من «الشقا».. وتتذكر عندما سألته «ليه عامل المشهد كده؟» فأجابها لا يوجد شيء اسمه ليه هو إحساس فقط.
أما عن آخر أفلامها «واحد صفر» فتقول إنها رغبة في المراهنة علي نوع جديد من السيناريو سينال إعجاب الجمهور والبعض أكد أنه لن يستوعبه ولكن رهانها تحقق وقدمت فيلما تصفه بأنه «يشبه الناس في الشارع»، السينما بالنسبة لها «الحياة».

وتتفق الناقدة ماجدة خيرالله مع مصطفي درويش في كون الأفلام التي تم تقديمها باسم المرأة في الجيل السابق للمخرجات مثل إيناس الدغيدي لا تخص المرأة وهي لا تعترف من الأساس بأفلام مرأة وأفلام رجل لأن المجتمع يشترك في أحداثه وتفاصيله الرجل والمرأة وكلاهما يؤثر علي الآخر ويتأثر به، وتستشهد بفيلم «أريد حلا» هو إخراج لرجل و«بنات وسط البلد» و«شقة مصر الجديدة» جميعها بمنظور المتحدثين تتحدث عن مشاكل المرأة ومشاعرها الرقيقة والتي عبر عنها الرجل بمنتهي الأمانة، وتعيب خيرالله علي جعل المرأة سنيدة للبطل «فوق البضاعة» ومع ذلك تنضم ماجدة خيرالله لقائمة غير المتفائلين ليس لعيب في جيل المخرجات ولكن لظروف السينما المصرية السيئة لذا تقول إن هذا الجيل «قد يهزم» لعدم الحماس لهن من شركات الإنتاج الكبري التي تنتج أفلاما لا قيمة لها ولا تحاول المراهنة علي الأفضل رجل أم امرأة وتبحث عن إفيه؟ والدليل أن داود عبدالسيد استغرق وقتا حتي يقدم رائعته «رسائل البحر» يصل إلي 9 سنوات وتراهن خيرالله علي الفيلم الجيد أنه قد يغير من عقلية الناس.

الناقد محمود قاسم فضل وضع تجربة المرأة المخرجة في كتاب خاص بقلمه، مع فقر الكتابة عن هذا الموضوع فتحدث عن المرحلة التاريخية والفنية لدخول المرأة مجال الإخراج السينمائي فيري أن السينما المصرية نشأت بالأساس علي يد المرأة أمثال عزيزة أمير وبهيجة حافظ وغيرهما ثم انقطعت هذه المرحلة حتي جاءت ماجدة الصباحي وأخرجت أول وآخر تجاربها الإخراجية بعنوان «من أحب» ولم تحاول إعادتها، أما عن الفترة الحالية فيري أن هالة خليل أفضل مخرجات جيلها فالتجربة ذات رؤية نسائية عميقة خاصة في «أحلي الأوقات».

الأهالي المصرية في

07/04/2010

 

 

استفان روستي رئيس جمهورية الشر

أشرف بيدس  

حرص كل اشرار الدنيا علي اخفاء ما يضمرونه داخلهم تجاه الآخرين، حتي لا يفتضح امرهم، ولجأوا الي ابتسامة زائفة أو توسل مصطنع، يستجدون به العطف لتحقيق اهدافهم، إلا استفان روستي فهو منذ اللحظة الاولي يكشف عن شخصيته ويعلن دون خجل وبجرأة يحسد عليها بن مقصده سيء واغراضه دنيئة، لن يتواني عن استخدام اي وسيلة غير مشروعة للوصول لهدفه حتي لو كلفه الامر ازهاق الارواح وتخريب البيوت. فهو لا ينكر انه افاق بل علي العكس يتباهي بذلك. فاستحق ان يكون رئيسا لهذه الجمهورية التي عاش بين ارجائها عمالقة كبار، ربما كانوا اشد شرا وقسوة منه، لكن اعتراف الرجل يمنحه دون جدال لقب الرئيس ونزعم انه كان المؤسس الاول لها ، ربما يؤكد ذلك ان بداياته شهدت بدايات السينما.

كثير من النجوم كانوا يرفضون تجسيد هذه النوعية من الادوار خوفا من حدوث لبس عند المتفرج، والربط بينه وبين الشخصية التي يؤديها، وهو ما كان يحدث بالفعل، حتي ان بعض نجوم العالم عانوا من هذا الخلط. لكن «استفان روستي» لم يكن يشغل باله هذا اللبس فقد اقبل الرجل علي ادوار الشر وافني فيها شبابه وكهولته، واستطاع أن يبتكر اداء لم يقترب احد منه وظل علامة مسجلة، وربما يكون هو الممثل الوحيد في كل تاريخ السينما المصرية الذي لم يجسد غير أدوار الشر. ربما نجد دورا يتيما في فيلم «سلامة» حينما جسد دور الشاعر عمرو ابن ابي ربيعة، اما فيما عدا ذلك فإن أي محاولة للتنقيب والبحث مصيرها بالفشل.

تشابهت ادوار الشر لحد كبير، لكن القليل نجح في الانفراد بطريقة اداء سجلت باسمه واصبح من الصعب اقتباسها او تقليدها ، وكان استفان واحدا من هؤلاء الذين سجلوا براءة اداء غير معهودة، ساعدته علي ذلك ملامحه الناشفة وطريقة ادائه المميزة.

رغم ان استيفانو دي روستي (1891 - 1964) - وهو اسمه الحقيقي - ولد لاب نمساوي عمل سفيرا وام ايطالية فإن نشأته في حي شبرا اكسبته الكثير ، فهو يدرك ابعاد الكلمات ومغزاها وما ترمي اليه من ايحاءات ودلالات كاشفة لا تخطئها العين أو الاذن، يعرف كيف يتسلل إلي أعماق الاخرين ويؤثر فيهم بجمل قصيرة وبنظرات بليغة تقصد الهدف بسهولة. والغريب ان "استفان" رغم ان كل معاركه لم يكتب لها النجاح وذهبت مخططاته مع الريح، لكنه لم يرفع راية الاستسلام وظل يكافح حتي آخر رمق بكلمة يطلقها وهو يلفظ انفاسه الاخيرة او ايماءة عند السقوط تؤكد انه مازال قادرا علي تكرار المحاولة رغم ما يلاقيه.

تميز "استيفان" بأداء سلس هادئ، فقلما نجده ينفعل أو يجاهر بصوته للتنديد والوعيد، فقد كان يستخدم الكلمات بنعومة وثقة في آن واحد ودون مبالغة، كان يملك طرقا خاصة في الاقناع، ومن النادر ان يمر مشهد دون ان يضع بصمته عليه، فكثيرا ما كان يطلق عبارات ساخرة حتي علي نفسه، المهم ألا يمر المشهد مرور الكرام، وهو ما كان يلقي هوي عند المتفرجين والمخرجين الذين سجنوه في نوعية ادوار متشابهة، والحق يقال انه استسلم لها دون مقاومة ولم يحاول الافلات منها، ونزعم ان الجماهير ما كانت تقتنع بغيرها. فجاء الاستسلام ارضاء للجماهير وما حققته من نجاح.

استفان، مدرسة بلا تلاميذ من الصعب القول ان هناك مريدين لهذا العملاق، ربما تعلّم الجميع وافتتن بطريقته واقتحامه للشخصيات التي يؤديها والاعجاب بها ، ولم يحاول احد تقليده او الاقتراب من اسلوبه المتميز، منذ عام 1928 وحتي اوائل الستينيات كان «استيفان روستي» القاسم المشترك في العديد من الافلام المصرية منها «غزل البنات وسلامة في خير وشاطئ الغرام وسيدة القصر وقلبي دليلي وبحبك يا حسن، وحسن ومرقص وكوهين»، قام باخراج اول فيلم مصري طويل "ليلي" عندما لجأت اليه عزيزة امير بعد اخفاق وداد عرفي، كما كتب العديد من الاعمال منها «عنتر افندي 1935 واحلاهم 1945 وقطار الليل 1947الذي جسد فيه شخصية «أبو العز» وايضا اخرج "الورشة وجمال ودلال"، وعمل بفرقة عزيز عيد ثم انتقل لفرقة نجيب الريحاني، ثم سافر لفرنسا ليدرس السينما ويعود مرة أخري ويلتقي بيوسف وهبي.. عندما يحاول اغواء فاتن حمامة لترضخ لعمر الشريف، تنهره موجهة اليه سؤالا حادا "انت بتشغل ايه بالظبط" ، ويفاجئها بقوله " مهندس" فيخطف منها المشهد ويستولي علي الكادر. لم يكن "استفان" يتعمد الاستظراف أو أن يوحي للمتفرج بأنه يلقي «إيفيه» او لزمة، فهو يتعايش مع الشخصية ويطلق لها العنان، تميز باناقته، فأنفق كل ما كسبه من الفن وعندما رحل كانت جيوبه خاوية، إلا من بعض الجنيهات.

امتهن استفان روستي اعمالا كثيرة فعمل ساعي بريد عندما طرد من المدرسة في رأس التين لاشتغاله بالفن، حتي عندما سافر الي المانيا عمل صبي جزار و«حانوتي» وبائعا متجولا وراقصا بالملاهي الليلية، وفي هذه الاثناء التقي المخرج محمد كريم والممثل سراج منير اللذين كانا يدرسان بالمانيا وقرروا العودة لمصر للاشتغال بالفن.. لم تسنح الظروف له أن يقوم ببطولة عمل، لكن كثيرا من الافلام التي شارك بها ذهبت هي وابطالها وبقي اداؤه المتميز.. إنه واحد من جيل العمالقة الذين كانوا يستمتعون بالتمثيل ويضيفون للشخصيات التي يؤدونها، ورغم مرور كل هذه السنوات مازالت عباراتهم ترن في اذاننا، لانها خرجت من القلب ولم تجد غير القلوب لتسكنها وتظل تتذكرها.

الأهالي المصرية في

07/04/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)