حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

ظاهرة السرقات في الثقافة السينمائية العربية

مُدونة "سرقات سينمائية" سوف تحتفي بالسارقين، وإلى الأبد

صلاح سرميني ـ باريس

تُعاني الثقافة السينمائية العربية الراهنة من مشكلةٍ مُستعصيّة، وهي ظاهرة "النقل، الانتحال، والسرقة".

هناك فكرةٌ شائعةٌ تفترضُ ذكاء السارق، وقدرته على إخفاء دلائل جريمته، كانت هذه الفرضية صحيحة قبل أن يصبح الانترنت أداةً سحرية في متناول الجميع، ولكنه سُرعان ما تحول إلى وسيلةٍ للسرقة، والكشف عنها بآنٍ واحد.

لن أنسى ما عانيتُه ماضياً عندما كنتُ طالباً في المعهد العالي للسينما بالقاهرة، أراسلُ وقتذاك صحيفة "الثورة" السورية، ولم يكن بمقدوري متابعة كتاباتي عن بعدٍ، كما أفعلُ اليوم، وكان يتحتمّ عليّ الانتظار حتى العطلة الدراسية، والسفر إلى حلب، ومن ثمّ إلى مكتب الصحيفة في دمشق، والجلوس في مخزنها لساعاتٍ أتصفح أرشيف أعوامٍ كاملة، وبدون ذاك البحث الطويل، والمُرهق، ما كنتُ اكتشفتُ بأنّ الكثير من مقالاتي قد نُشرت في نفس المطبوعة، ولكن، بتوقيع سيدةٍ نسيتُ اسمها الآن ـ لحسن حظها ـ كانت تعمل في القسم الثقافي، وبعد أن تناقشتُ مع الناقد السينمائيّ المرحوم "رفيق الأتاسي" ـ مُشرف الصفحة، وأظهرتُ له الأصول المكتوبة بخطيّ، وتدقيقه في محتواها، والتأكدّ بأنّ تلك "الفاضلة" غير قادرة على الكتابة عن أفلامٍ "ألبانية" عُرضت في أسبوع سينمائيّ نظمّه "نادي السينما" بالقاهرة (عندما كان عامراً بالنشاطات).

كان ذلك الأمر مُزعجاً، ومُضحكاً في نفس الوقت، فقد كنت أرسل مقالاتي إلى الصحيفة، عبر البريد التقليديّ، وعلى الأرجح كانت تصل أولاً إلى مكتب تلك الموظفة، وبدورها، تُسلم نصفها رُبما للمُشرف، وتنشرَ النصف الآخر باسمها.

لم يكن اسمي مجهولاً بالنسبة لها، أو حتى للقارئ السوريّ، والعربي المُهتمّ بالشؤون السينمائية، فقد كنتُ أنشر بشكلٍ دوريّ في تلك الصحيفة، ومجلة "الحياة السينمائية" السورية، ونشرتيّ "نادي السينما"، و"جمعية الفيلم" بالقاهرة، ومجلة "فنون" المصرية،..وأكثر من ذلك، تربطني علاقة مودةٍ مع مُشرف القسم الثقافي لصحيفة "الثورة"، وكانت احتمالات زيارته أكيدة للحصول على نسخٍ من المقالات، ومُستحقاتها المالية، ولكن، رُبما اعتقدت تلك السيدة بأنني مصريّ، ولن أفكر بالحضور إلى سورية، ولكن اسمي العائلي مألوفٌ، ومعروفٌ لأيّ سوريّ، ومع ذلك، لم تتوانى عن سرقة مقالاتي، ونشرها باسمها، وليس من المُستبعد سطوها على مقالات آخرين يكتبون عن مختلف فروع الأدب، الفنّ، والثقافة بشكلٍ عام، كما لم تفكر بأيّ تبعاتٍ أخلاقية، أو قانونية، ومن المُؤسف، كانت زياراتي القصيرة لدمشق تحول دون متابعة الموضوع مع إدارة الصحيفة، أو أيّ جهةٍ حكومية، أو شعبية، مثل نقابة الصحفيين، ولم تكن الرسائل، في ذلك الوقت مُجدية لمُناقشة هذا النوع من التجاوزات "البسيطة"، و"التافهة"، ولا حتى التلفونات التي كانت تكاليفها تتخطى طاقتي المادية كطالب، و(تعيش، وتأكل غيرها يا أبو حميد)، والله وحده يعلم، وأصدقاء الدراسة، كيف كنتُ أتحمّل مصاريفي المعيشية.

بعد سنواتٍ، وخلال إقامتي الباريسية، وبنفس ملابسات ما حدث لي سابقاً، ذهبتُ يوماً إلى مكتبة "معهد العالم العربي" للبحث عن مقالاتي المنشورة في مجلة "المدى" عندما عثرتُ في أحد أعدادها القديمة على دراسةٍ مُطوّلة عن "السينما التجريبيّة" مُوقعة باسم واحدٍ (عراقيّ هذه المرّة) يحمل درجة الدكتوراه في السينما (هكذا يُذيل اسمه)، بدون الإشارة إلى الترجمة، والمُؤلف الحقيقيّ (وهو الباحث الفرنسي "دومينيك نوغيز").

الطريف في الأمر، بأنني كنتُ أبحث عن نفس الدراسة بعد أن ترجمتُها تحت عنوان "مغامرة الإبداع في السينما التجريبية"، ونُشرتها بدايةً في صحيفة "القدس العربي"، ومن ثمّ في مجلة "المدى" نفسها، و"إبداع" المصرية، وكتاب عن "السينما التجريبية" صدر عن "المُجمّع الثقافي" في أبو ظبي/الإمارات العربية المُتحدة، ونُقلت فيما بعد ـ بدون موافقتي ـ إلى مواقع مختلفة.

كان هذا "السيد" شغوفاً مثلي بالسينما التجريبية، أو هكذا بدا لي في ذلك الوقت، ويعرف بأنني ألاحقها عن قربٍ، قراءةً، ومشاهدة، وتربطني صلات واسعة مع الطليعة التجريبية الفرنسية المُعاصرة، بمن فيهم مؤلف الدراسة نفسه الباحث "دومينيك نوغيز"، ومع ذلك، لم يتورّع ذلك "الدكتور السينمائي" عن ترجمتها، ونسبتها لنفسه، وعلى الرغم من انكشاف أمره، لم ينأى بعد سنواتٍ عن إعادة نشر الجزء الأول منها، وباسمه أيضاً، في صحيفة "الزمان"، ومن ثمّ في موقع "الحوار المُتمدن" تحت عنوان "مُراجعات في ما بعد الحداثة السينمائية، من المفاهيم النظرية إلى التجارب الإخراجية"، ولا أعرف لماذا لم ينشر الجزء الثاني منها ؟

مرةً ثالثة، كنتُ أتصفحُ مجلة "الفنّ السابع" التونسية التي أتعامل معها بدوري، ونشرتُ فيها مسبقاً بعض الكتابات، عندما عثرتُ على دراسةٍ كاملة كتبتُها يوماً عن أحد الأفلام التونسية (فاطمة، لمُخرجه التونسي خالد غربال)، ونشرتُها قبل وقتٍ طويل في أكثر من صحيفة .

وكما حال ما حدث معي في صحيفة "الثورة" السورية، وسرقة إحدى موظفاتها لمقالاتي، تكرر الأمر بنفس الطريقة، حيث أرسلتُ الدراسة بنفسي للنشر في المجلة، ولا أعرف كيف وصلت إلى ذاك "السيد" الذي يعرفني من كتاباتي، وحتى من مراسلاتٍ قليلة بيننا.

وهكذا، بعد أن استفحلت السرقات، وأصبحت ظاهرةً "عربيةً" بامتياز، وأصبح السارقون أكثر وقاحةً، وبدأت تجمعهم "رابطةً" روحية لم يتمكن النقاد أنفسهم من تحقيقها، حرّضني هذا العناد على التفكير بإعداد كتابٍ يجمع المواضيع الأصلية، ونسخها المسروقة.

ولكن، استبعدتُ هذه الفكرة حالياً، واقتنعتُ بوسيلةٍ أشد تأثيراً، وهي إنشاء مُدونةٍ بعنوان "سرقات سينمائية"، لتوثيق كلّ التجاوزات التي تحدث في المشهد السينمائيّ العربي.

فيما يتعلق بالنقد، والصحافة السينمائية، تتجسّد ظاهرة السرقة في أشكالٍ عديدة:

ـ الكتابة عن تظاهرةٍ سينمائية بدون حضورها فعلياً من خلال جمع ما كُتب عنها في الصحف، والمواقع، والمُدونات المُختلفة.

ـ فبركة حواراتٍ مع صُناع السينما من خلال الترجمة عن صحفٍ أجنبية.

ـ ترجمة دراساتٍ بأكملها، وتوقيعها باسم المُترجم، بدون الإشارة إلى الترجمة، المؤلف الحقيقي، والمصدر، وفي أفضل الأحوال، كتابة "إعدادٍ" فقط، وكأنّ المؤلف لم يكتب شيئاً على الإطلاق.

ـ النسخ، واللصق الحرفيّ من مقالاتٍ أخرى.

ـ تجميع مقالاتٍ متفرقة عن موضوع معيّن، وفبركة موضوع جديد.

ـ ترجمة حرفية، أو "بتصرف" لمقالاتٍ باللغة الإنكليزية.

ـ انتحال فقراتٍ، وأحياناً تقارير عن مهرجاناتٍ، والإدّعاء بكتابتها.

هؤلاء "الكتبة" الذين يدّعون بأنهم صحفيون، ونقاد، تخيّروا السهولة، والاستسهال، فهل يتوّجب علينا دائماً، وأبداً تكرار نصائح مدرسية، أخلاقية، تربوية، ومهنية من نوع:

"يجب أن يتحلى الصحفيّ بالصدق، والنزاهة، والمصداقية، بدون انتظار أحداً خلفه كي يُصحح له معلوماته".

 ما هي خطورة هذه الممارسات، والسلوكيات:

ـ من يسرق بيضةَ، يسرق جملاً، هذه أمثولة معروفة في تراثنا الشفهي العربي.

ـ إشغال مساحات المواقع، والمُدونات، وحتى الصحف، والمجلات الورقية، بموادٍ مسروقة.

ـ إطلاق صفة "صحفي"، أو "ناقد سينمائيّ" على السارق.

ـ الاستهتار بمهنة الصحفي، وأكثر من ذلك، الناقد السينمائي.

ماذا يفعل الصحفي، أو الناقد السينمائيّ الشغوف، الجديّ، والجادّ، الذي يتحرك بكلّ نشاطٍ من تظاهرةٍ إلى مهرجانٍ، ومن فيلمٍ إلى آخر،....

كيف يسمح لنفسه بالنشر في مواقع، ومطبوعاتٍ ينشر فيها سارقون؟

وكيف يمتلك الوقت اللازم، والعزيمة، والرغبة للردّ على هذا الكمّ من السرقات.

تعتبر المواقع السينمائية العربية فضاء حراً للجدل، والنقاش، وتبادل المعرفة، والمعلومات، وإثراء الثقافة السينمائية، وتطويرها، وليست على الإطلاق "مغارةً" تمتلئ بسرقاتٍ يعاقب عليها القانون بحزمٍ في فرنسا، وأوروبا بشكلٍ عام، وليست أقلّ من سرقة بيضة، أو جمل، أو حتى ممتلكاتٍ مادية، أو عينيّة صغيرة، أو كبيرة.

ومن المُؤسف حقاً، بأنّ السارقين يدافعون عن سلوكياتهم بشراسة، ويشكلون فيما بينهم "عصاباتٍ" للتصدي لمن يكشفهم، وحتى أنهم يجدون من يتعاطف، ويتضامن معهم، ولهذا، أصبح من العبث التساؤل عن أسباب الانحدار الذي وصلنا إليه، والتخلف المُزمن الذي يُسيطر على عقولنا، ومجتمعاتنا العربية، وأكثر من ذلك، التطور البطيء جداً للسينما العربية الوطنية، ولجوئها جزئياً، أو كلياً إلى التمويل الأجنبي.

لقد أصبح الواحد منا لا يتحمّل كلمة نقدٍ واحدة، في محلها، أو في غير محلها، فكيف نُطالب أنظمتنا الحاكمة بالتغيير، والإصلاح، والأنفع، بأن نبدأ بأنفسنا أولاً.

ومع أنني لا أريد اليوم التشهير علناً بأحد، ولكن، من يرغب العناد، اعتقاداً بأنّه في منأى عن المُحاسبة، فسوف تحتفي به لاحقاً مدونة "سرقات سينمائية".

وقبل هذا الإنجاز العظيم، أتمنى بأن يتحلى هؤلاء بالمسؤولية، ويفكروا بالنتائج، ويحاولوا تطوير أدواتهم الصحفية، والنقدية كي يتمكنوا من كتابة ما يرغبون، بدون الاعتماد على أساليبهم الحالية التي سوف تنكشف عاجلاً، أم آجلا.ً

الجزيرة الوثائقية في

29/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)