حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جديد مارتين سكورسيزي:

جزيرة شاتر.. الهروب من العقل إلي الجنون!

كتب محمود عبد الشكور

لا أشعر بأي تأنيب للضمير وأنا أكشف لكم لغز فيلم Shutter island أو جزيرة شاتر المأخوذ عن رواية كتبها دينيس ليهان وسيناريو لايتا كالوجريدس واخرجه مارتن سكورسيزي.

فالفيلم أبعد بكثير من كونه فيلما بوليسيًا يحرقه أن تذكر للمشاهد من الجاني. أنه لا يأخذ من الفيلم البوليسي التشويقي إلا الشكل فقط، ولكنه أساسا دراما نفسية متقنة الصنع تطرح أسئلة اكثر مما تقدم اجابات، هو فيلم ينتمي إلي عالم بيرانديللو أكثر مما ينتمي إلي عالم هيتشكوك الكاتب المسرحي الأشهر كان يكرس فكرة الحقيقة النسبية، واستخدام اكثر من منظور لمشاهدة الشيء الواحد تماما مثل لوحات رواد التكعيبية خاصة بيكاسو الذي رسم نساءه من أكثر من زاوية. جزيرة شاتر يتلاعب بالسرد، ويمارس حيلة فوضي الهويات لكي تخرج منه بطوفان من الأسئلة عن العقل والجنون، والبحث عن الحقيقة والهروب منها، والقتل باسم الوطن والقتل باسم الجنون، والحياة في الخيال والحياة في الواقع، أنت هنا تعيد تقييم أمور كثيرة وتتأملها بشكل أعمق بعد أن يؤدي التشويق دوره ليوصلك بسلام إلي مشاهدة النهاية.

ليس أهمية جزيرة شاتر في طريق السرد والتي تنقل لنا طوال الوقت الأحداث من وجه نظر رجل مريض عقليًا، فهناك افلام سابقة حققت نفس المعادلة أبرزها فيلم عقل جميل الذي يقدم شخصيات واحداثًا لا وجود لها إلا في ذهن بطل الفيلم جون ناسن عالم الرياضيات والمصاب بالفصام، ولكنه يقدمها بطريقة موضوعية، وحتي فيلم أحمد حلمي (أسف علي الإزعاج) الذي كتبه أيمن بهجت قمر استخدم نفس التكنيك بنجاح فيلم سكورسيزي يسير خطوة أعمق حيث لا نعيش فقط محنة بطله العقلية، ولكننا نستقبل تساؤلاته بحيث يصبح لغز اكتشاف مرضه هو ابسط الألغاز لأن اللغز الأهم هو الإنسان نفسه الذي يبدو العالم بداخله أكثر تعقيداً من العالم الخارجي، فكرة العنف أيضًا محورية تمامًا سواء في أعمال سكورسيزي السابقة مثل سائق التاكسي أو جزيرة شاتر، هل يمكن أن نحلم بإنسان أقل عنفًا أم أنه لا أمل علي الإطلاق لأن العنف جزء من الطبيعة الإنسانية؟ الفيلم - علي الأرجح - يتبني المعني الثاني الذي يرد كجزء من الحوار علي لسان مأمور المصحة التي يتم فيها احتجاز مرضي عقليين شديدي الخطورة تورطوا في جرائم قتل بشعة.

اللغز البوليسي الذي ينسجه السيناريو هو تقديم بطله رجل البوليس تيدي دانيالز (ليوناردو دي كابريو) علي أنه شخص يبحث عن الحقيقة أتي إلي جزيرة شاتر في أحد أيام عام 1954 لكي يكتشف سرّ اختفاء مريضة تدعي ريتشل، ويعاونه في ذلك رجل بوليس آخر هو شاك، وتدريجيًا تكتشف أن تيدي لديه مشكلة نفسية بسبب حريق اشتعل في منزله وقتل زوجته، كما أن مشاهد العودة للماضي تتحدث عن دخوله ضمن القوات التي اقتحمت معسكر داخاو النازي الشهير، وهناك شاهد جثث آلاف الأبرياء القتلي المدفونين وسط الطين، وهناك أيضًا شارك في الانتقام من النازيين بقتلهم بقلب بارد، سيسير الفيلم علي خطي الفيلم البوليسي لاكتشاف حقيقة اختفاء ريتشل، ولكن كشف اللغز سيكون عندما تعرف قرب النهاية أن تيدي دانيالز ليس إلا أحد نزلاء المصحة، وأن هذا الاسم مختلق تمامًا، وأن كل ما شاهدناه مجرد مسرحية متقنة صمَّمها الطبيب المخضرم د. كولي (بن كينجسلي) لكي يواجه رجل البوليس السابق حقيقة الجريمة التي ارتكبها قبل أن يعالج في المصحة لمدة عامين. وهكذا تتغير الهويات وزاوية الرؤية إلي درجة الانقلاب: رجل البوليس الباحث عن الحقيقة مثل محققي مكتب التحقيقات الفيدرالي يكتشف أنه هارب من حقيقة أنه هو الذي قتل زوجته بالرصاص بعد أن قتلت هي أطفالها الثلاثة لأنها مضطربة عقليًا، والمريضة ريتشل التي نبحث عن سر اختفائها لا وجود لها في المصحة أصلاً ولكنها تحمل نفس اسم ابنة رجل البوليس المريض عقلياً والمساعد شاك ليس إلا د.شيهان أحد أطباء المستشفي المشاركين في المسرحية لإعادة الرجل إلي الواقع والطبيب د.كولي الذي تطارده الشكوك في أنه المسئول عن اختفاء إحدي مريضاته ما هو إلا رجل يساعد مرضاه علي الشفاء.

ينجح السيناريو في اتقان حبكته بدرجة كبيرة باستثناء ملاحظة واحدة مهمة جدا هي عدم استكمال ملامح رسم شخصية الزوجة المجنونة دورثي هي في رأيي شخصية أساسيه لأنها أحد أسباب أزمة البطل ولكنها قدمت من السطح وظهرت في كوابيسه لتدعم خط التشويق دون الاستفادة في تعميق شخصيتها وبحث أسباب جنونها هي أيضا بداية الخيط ونهايته جنونها أدي إلي قتل أطفالها الثلاثة مما دفع الزوج إلي قتلها .. ليست ضيفة شرف علي الإطلاق بل هي مركز الثقل الذي يزن الكفة ويعمق فكرة الفيلم الأساسية لا يمكن أبداً أن تتصور أنها قاتلة.. ولكنها ستكون، الحقيقة أن فكرة المسرحية التي قام بها أطباء المستشفي لإجبار رجل البوليس المريض علي مواجهة واقعة تقربنا كما قلت من عالم بيرانديللو الذي يتلاعب في بعض مسرحياته بالخيال والواقع والعقل والجنون علي نحو مدهش ومؤثر.

علي صعيد الحبكة البوليسية أيضا قدمت مفاتيح للبحث مثل الورقة التي كتب عليها رقم أريت ورقم 67 وهو نفس رقم المريض الذي سنكتشف لاحقاً أن اسمه الأصلي اندروليديس وهو نفس الاسم الذي اخترعه للرجل الذي اتهمه بحرق منزله كل مشهد تمت كتابته بعناية ليقود إلي المشهد الذي يليه ثم تفصل بين مشاهد الخط البوليسي مشاهد كابوسية تظهر فيها الزوجة دورثي والابنة ريتشل ومشاهد أخري لمعسكر واخاو سواء بصور الضحايا، أو بلقطات الانتقام من حرس المعسكر بقتلهم بعد أسرهم، وحتي داخل الأحداث تتناثر جمل حوارية عن القنبلة الهيدروجينية وعن فكرة العنف وعن لجنة مقاومة النشاط الشيوعي، وعن تجارب تحاول إجراء عمليات في فخ المرضي لكي يتم ترويض جنونهم، وفي حين تنجح التجربة جزئياً في إعادة رجل البوليس المريض إلي واقعه المؤلم، فإنه يرتد من جديد في المشهد الأخير ويتساءل: أيهما أفضل؟ ان تعيش وحشاً أم أن تموت كرجل صالح؟!، هل من الأفضل أن يعود هذا المسكين إلي الواقع كل ما حدث من كل الزاويا: هل من الأفضل أن يعود هذا المسكين إلي الواقع بدعوي العلاج والشفاء أم أن يظل في عالم قام بصنعه في خياله؟ أيهما أفضل عقله أم جنونه؟ العقل يجعله وحشاً قتل أولاده والجنون يجعله باحثاً عن الحقيقة! ماالفرق بين الجرائم التي ارتكبها هؤلاء المجانين والجرائم التي ارتكبها النازيون؟ هناك احتمال آخر مفتوح هو أن يخضع المريض لجراحة في المخ لا نعرف نتائجها. الفنار الذي تقف عنده الكاميرا في آخر مشهد ربما يحمل هذا الهدف، ولكن المؤكد أن العنف جزء من حياتنا، ويبدو أنه لا حل سوي البتر أو الجراحة!

نجح سكورسيزي كالمعتاد في إدارة ممثليه، دي كابريو الذي انتقل بسلاسة بين لحظات العقل الجديرة بمحقق محترف ولحظات الجنون الجديرة بأب فقد أطفاله، بن كينجسلي بأدائه الرصين وبنظراته الغامضة التي لن نفك شرفتها إلا في النهاية، وسكورسيزي نجح أيضاً كالمعتاد في خلق الجو وفي إبراز أهمية المكان ودوره، ربما كانت مشاهد الكوابيس تحتمل خيالاً أكثر وجموحاً أكبر في التعبير مما يزيد من الغموض والتشويق، ولكن المخرج الكبير كان واعياً طوال الوقت أن كشف لغز فيلمه سيدخل المتفرج إلي لغز أكبر هو الإنسان الذي لا نعرف عنه إلا أقل القليل!

روز اليوسف اليومية في

28/03/2010

 

اختتام المهرجان السينمائي الدولي لحقوق الإنسان

حسونة المنصوري - هولندا  

رفع الستار يوم الخميس الماضي على المهرجان السينمائي الدولي لمنظمة العفو الدولية في العاصمة الهولندية لاهاي تحت شعاره المعروف : "الفلم عين مفتوحة على حقوق الإنسان". ينتظم هدا الحدث كل ربيع ويعرض ما لا يقل عن 70 فلما إضافة إلى لقاءات ونقاشات مع ضيوف من كل أنحاء العالم. ولمّا كانت فلسفلة المهرجان تقوم على اعتبار أن الفلم قادر من خلال مخاطبة المشاعر والأحاسيس على أن يرسخ الوعي بالحقوق الجوهرية للبشر, فان الجانب الفني قد يبدو أحيانا منسيا نسبيا في النقاشات أوفي اختيار بعض الأفلام.

والمتأمل للأفلام المبرمجة لدورة 2010 يرى أنها ترسم بشكل ما خارطة الألم في العالم وكلها تقع في القسم الجنوبي للكون. وتتوزع مجمل الأفلام سواء كانت وثائقية أو روائية حول محورين وهما السياسة والفقر. لذا تجد أهم المناطق المعنية هي تلك التي تعيش ظروفا اقتصادية متدهورة كأمريكا الجنوبية وأفريقيا من خلال أفلام تتناول قضايا الفقر واختلال التوازن الاجتماعي في مجتمعات تعاني من آثار العولمة وتداعيات الامبريالية.

قضية التيبت

القسم الآخر من الأفلام يتناول المناطق التي تعاني من أزمات سياسية معقدة كالصين و قضية النبال والتيبت إضافة إلى مسألة الحريات على مستوى داخلي مثل إيران والأزمة السياسية التي يتخبط فيها المجتمع. ويعتبر هذا الموضوع مركزيا في الدورة الحالية للمهرجان فإضافة إلى التركيز عل أعمال المخرج الملتزم بهمان غوبادي حيث خصصت له فقرة خاصة لعرض مجمل أعماله كما عرضت أفلام أخرى تسلط الضوء على مسائل حساسة للمجتمع الإيراني.

وفي نفس هذا الإطار يتنزل فلم الافتتاح لا أحد  يعرف القطط الفارسية للمخرج الإيراني بهمان غوبادي. ويصور الفلم مجموعات الشباب في طهران الذين يهتمون بموسيقى البوب الحديث وما يسمى بموسيقى الأندر غراوند. ويركز غوبادى على نقطة محددة ألا وهي المقاربة بين هؤلاء الشبان ونظرائهم في مجتمعات أخرى (غربية) من خلال اختلاف رئيسي ألا وهو مساحة الحرية المتوفرة للبعض وانتفائها للآخرين وضرورة اختبائهم في الأقبية والمزارع وكل الأماكن التي تنأى عن رقابة حراس الثورة والآداب. من هده الناحية يتجاوز الفلم حتى الخطاب السياسي بالمعنى الضيق للكلمة ويتناول الصراع العميق بين الإبداع الفني والعقليات المتكلسة لا فقط الأنظمة السياسية المتشددة. وهنا يكمن سوء الفهم للمبرمجين وحتى الجمهور وهو ما عبرت عنه شيرين نجفيان إحدى هؤلاء الشبان أثناء حوار حول الفلم حيث قالت ثائرة بأن الجمهور الأوروبي يرى حتما النظام الإيراني ولا يعير أي انتباه للجانب الفني وللعمل الذي يقوم به هؤلاء الشبان.

من العالم العربي نسجل حضورا مميزا للفيلم الجديد ليسري نصرالله  أحكي يا شهرزاد  في إطار إطلالة على ما يسمى بواقع المرأة في العالم العربي  في مجتمع يحكمه الرجال. في نفس البرنامج نجد فلما إيرانيا نساء في سرود من اخراج فربد هايرينجاد. من الجزائر أيضا يركز المبرمجون على أكليشيهات أخرى من خلال فلم أغنية من أجل أمين من إخراج ألبرتو بوغلو. يتعلق الأمر هذه المرة بتداعيات الأحداث الدامية التي عاشها البلد في التسعينات حيث مات أكثر من 6000 شخص دون أن يعرف من يقف وراء هده المجازر. واللافت للنظر هو أن المخرج إيطالي الأصل. فلسائل أن يسأل إن كان الفلم ممكنا لو أنه كان جزائريا.

ولعل ما ينقض المهرجان من الغرق في مستنقع الأفكار المسبقة هو مساحات الحوار التي تسمح بالتجوال بين القضايا الإنسانية من ناحية والمسائل الفنية حيث أن الأفلام مشفوعة بنقاشات يدعى لها ممثلون عن الجانبين. فلمناقشة الفلم الإيراني حول النسوة تم إشراك كل من المخرجين الإيرانيين إضافة إلى شادي صدر وهي حقوقية ومناضلة إيرانية نسوية. كذلك الأمر بالنسبة للفلم الجزائري حيث يلتقي المخرج الايطالي مع كريم طرايدية المخرج الجزائري الأصل والمقيم بهولندا حول الشخصية الرئيسية للفلم نصيرة دي تور. ويدير النقاش في كل مرة صحفي هولندي.

بهذا البرنامج المتنوع يأمل المنظمون بناء جسور بين القضايا الحقوقية والتناول الجمالي في حقل تعمل منظمة العفو الدولية على التأسيس له. ولكن الجانب التنموي الإعلامي  ظل طاغيا على  الجانب الفني. ويبقى السؤال المطروح هو :  أليست أفضل طريقة لدعم الفكر الحقوقي وقيم التسامح هي دعوة المتفرج إلى الانفتاح على عالم الفكر والفن دون غسل الدماغ، الشيء الذي غالبا ما يحمل في طياته لغة امبريالية تحت غطاء ما يسمى بحقوق الإنسان؟ 

الجزيرة الوثائقية في

28/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)