حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

حوار

"النهار" تحاور مخرج "كيف أمضيت هذا الصيف" الحائز جائزتين في برلين

ألكسي بوبوغريبسكي: أريد لأفلامي حياة أطول من حياة السياسة

هوفيك حبشيان/ برلين...

ألكسي بوبوغريبسكي يذهب بعيداً. ليس فقط بالمعنى المكاني، اذ انه يصوّر فيلمه الجديد "كيف أمضيت هذا الصيف" في القطب الشمالي، انما ايضاً من حيث المدلولات التي يمنحها لقصة تدور على نحو اساسي بين رجلين اسندت اليهما مهمة حراسة مفاعلات نووية، لكن الاختلافات ستجعل الواحد عدواً للآخر. فما نستشف من خلال ساعتين واربع دقائق من رحلة بصرية تعيد الى الذهن سيدني بولاك وأكيرا كوروساوا، هو اعادة خلق الواقع الروسي الوهمي على أرض بعيدة ومهملة، مما يفتح مجال القراءات والتحليلات واسعاً أمامنا، علماً ان بوبوغريبسكي خلال جلستنا الخاصة معه في مهرجان برلين حيث شارك الفيلم في المسابقة الرسمية، أراد التركيز على الجانب المغامراتي للفيلم والصعوبة التي عاناها في إتمامه. هنا نشير الى ان المقابلة جرت قبل فوز الممثلين غريغوري دوبريغين وسرغي بوسكيباليس بجائزة أفضل تمثيل مناصفةً في "برليناله" هذه السنة، والتي منحت الفيلم جائزة أخرى ايضاً هي "افضل مساهمة تقنية" لمدير التصوير بافيل كوستاماروف

·         سمعت أن اقتباسك لهذا الفيلم حصل مصادفة، من دون أي خطة مسبقة.

- تماماً. عندما كنت في الثامنة من عمري وجدت كتاباً اسمه "يوميات قراصنة القطب الشمالي" ووجدت نفسي مفتتناً به. ولدت في موسكو وترعرعت فيها، وهي مدينة باردة جداً. مع ذلك بقيت ابن مدينة وكان البرد يخيفني. وكنت اكره ايضاً الشتاء والظلمة والعزلة. لكن عندما قرأت هذا الكتاب اكتشفت نقيض التجربة الحياتية التي عشتها، فذهب بي الى أبعد مما كان من الممكن أن أذهب اليه. في تلك المرحلة اكتشفت ماذا يعني أن يُحشَر المرء في محطة في القطب الشمالي. في الملف الصحافي جئت على ذكر كتاب لبينيغين الذي كان مرافقاً لسيدوف ومات وهو يحاول استكشاف القطب الشمالي. كانت مهمتهما تمتد على سنة كاملة، لكن فترة الاقامة طالت هناك لتصل الى ثلاث سنوات، علماً انه لم يكن في حوزتهما راديو. هذا للقول إن القصة هذه ترافقني مذ كنت في الثامنة. أتذكر أنني طرحت فكرة تحويلها فيلماً للمرة الاولى عام 2005 في مدينة برلين، حيث نحن الآن. في تلك الأثناء، لم أكن قد أنجزت بعد الا فيلماً واحداً، ففكرت انه لا يزال مبكراً لي تناولها، لأنني كنت احتاج الى فيلم اضافي لأثقل معرفتي بالسينما. مصادفة أخرى في طريقي، وهي أن الممثل سيرغي بوسكيباليس الذي يضطلع الآن بدور أحد البطلين في الفيلم، كان عاش لمدة تسع سنوات في مكان قريب (تشوكوتكا) من الموقع الذي صوّرنا فيه [كانت الساعة العاشرة صباحاً، يرنّ هاتفه المحمول فيرّد بنوع من انزعاج ثم يعتذر مني قائلاً: "انه غريغوري، الممثل الشاب في الفيلم، استيقظ من النوم للتوّ"].

·         كيف يكون العمل في مكان يبتعد عن كل أثر بشري؟

- أمضينا هناك ثلاثة اشهر. الاسابيع الثلاثة الاولى امضيناها في بناء الكوخ الذي نراه في الفيلم، لأن الكوخ القديم كان مهملاً ورطباً. جرى التصوير في صيف 2008، لكن قبل ذلك ذهبنا، أنا ومدير التصوير والمدير الفني للاستطلاع، وأخذنا معنا حاجياتنا، من أكل وشرب، وكان لكل واحد الحق في أن يتكلم خمس دقائق فقط مع عائلته في اسبوع واحد. لم تكن المياه الساخنة متوافرة بكثرة. هذه اللحية التي تراها الآن نبتت في تلك المرحلة، وحين انتهيت من العمل على الفيلم حافظت عليها على سبيل الذكرى. برودة الطقس كانت تمنعني من الحلاقة

تحت الجليد

·         تصوّر في الفيلم طبيعة عدائية تلقي بظلالها على سلوك الشخصيات على ما أعتقد، هل توافقني؟

- الطبيعة تبدو عدائية لكنها ليست كذلك. علاقتي بها أثناء التصوير كانت مثل علاقة رجل بامرأة. فالطبيعة أبدت نوعاً من مزاجية من حيث تقلباتها المفاجئة من أقصى هذا الطرف الى اقصى الطرف الآخر. لا تحتاج السماء الى أكثر من نصف ساعة لتصبح ملبدة بالغيوم بعدما كانت مشمسة. لكن كان علينا مخاطبة هذه الطبيعة ومسايرتها. في المطرح الذي اقمنا فيه، كان يعيش ستة أشخاص، وكنا ننظر الى طريقة عيشهم على انها غريبة، لكن هم كانوا يجدون ذلك شيئاً في منتهى البساطة. في الصيف، الحرارة متدنية وتلامس الصفر. الأزهار تبرعم، وكل الحيوانات التي تبقى مختبئة تحت الجليد طوال تسعة اشهر تخرج من قماقمها لتأكل ما تستطيع أن تأكله مستفيدةً من الطقس الجميل. خلافاً للرجل المسنّ، يأتي الشاب ابن المدينة الى هذا المكان بمفهومه المختلف للزمن لكونه تربّى في المدينة حيث الناس على عجلة من أمرهم. يأتي الى هذا المكان كمستهلك للزمن، وأهدافه ليست جوهرية، لذلك تراه يصطدم بالطبيعة. لذا تتغلب عليه الطبيعة وتحوّله حيواناً مفترساً. أما خصمه الرجل المسنّ فعلى تناغم كامل مع الطبيعة. هنا التناقض الموجود في الفيلم. واحد ينتمي الى الطبيعة وهو آدمي، أما الآخر فخلفيته مدينية لذلك يتحوّل حيواناً.

·         لا بد انها كانت مغامرة شائقة بالنسبة اليكم جميعاً...

- نعم، هذا صحيح، في حال غريغوري مثلاً، تجربته حوّلته تماماً، وهذا التحوّل طال الشخصية التي يلعبها ايضاً. اكتشف اشياء كثيرة عن نفسه وعن الآخرين. هذا الفيلم كان فعلاًُ استكشافاً لذواتنا. لكن لم نبق هناك الا ثلاثة اشهر، فما بالك لو بقينا 3 سنوات. لذا اعتقد اننا لا نستطيع أن نعتبر انفسنا ابطالاً. لم نذق الا القليل مما عاشه بينيغين وسيدوف في رحلتهما التراجيدية.

·         هل شاهدت قبل التصوير أفلاماً عن علاقة الانسان بالطبيعة مثل "جيريميا جونسون" أو "درسو أوزالا" مثلاً؟

- لم أشاهد يوماً "جيريميا جونسون"، أما "درسو أوزالا" فشاهدته حين كنت صبياً وهو مقتبس من كتاب اعتبره واحداً من كتبي المفضلة، علماً ان حوادثه تدور في أقصى شرق روسيا، وليس في القطب الشمالي. لكن أعتقد أن الكتابات التوثيقية ألهمتني أكثر مما ألهمتني السينما، اذ لم أر فيلماً مشابهاً لفيلمي سوى الروسي "سبعة رجال شجعان"، يعود تاريخ انتاجه الى الثلاثينات. لكن مقاربته كانت رومنطيقية. عندما عدت من الرحلة، سمعت أن هناك فيلماً مثيراً اسمه "لقاءات في نهاية العالم"، وبسرعة بحثت عنه وشاهدته وادركت أن فيرنير هيرتزوغ هو الذي أخرج هذا الفيلم، ثم ذهبت لمشاهدة فيلمه الآخر "رجل الغريزلي" الذي يقوم على تجربة مماثلة لتجربتنا. والآن يقال لي إن هيرتزوغ يميل الى نوع الأفلام الذي انجزه. لكن في ذلك الوقت لم يكن خطر على بالي قط أن هيرتزوغ كان من الممكن أن يترأس لجنة تحكيم مهرجان يُعرَض فيه فيلمي. لكن، انطلاقاً من تجربة لي، أعرف أن بعض المخرجين لا يمنحون جوائز لأفلام تشبه أفلامهم.

·         سبق أن قلت إن مرحلة الكتابة هي الأكثر ايلاماً. لماذا؟

- عندما أكتب فأنا أكتب لنفسي. في البداية أجد أن كل شيء على ما يرام. لكن عندما أعيد قراءة ما كتبته، فغالباً ما أصاب بالخيبة. لا اكتب فقط حورات، انما الوصف. لا أتبع الطريقة الأميركية وهذا أيضاً شيء مؤلم. بالاضافة الى أنني لا استطيع أن أكتب وأنا جالس، لذا عليَّ أن أمشي لتأتي اليَّ الأفكار ثم أجلس وأكتب. والدي كان كاتب سيناريو لكنه توقف عن العمل قبل أن أبدأ، لذا لم يتسنَّ لي مناقشته في هذا المجال. أنا متأكد أنني لن أكتب لشخص آخر، لأنني سأصاب حتماً بالجنون. لا أطيق فكرة أن أضع مولوداً وأربّيه ثم أعطيه الى شخص أخر. في المقابل لا أجد نفسي في نصوص الآخرين.

كارثة تشيرنوبيل

·         لا نستطيع ان ننكر المنحى السياسي في الفيلم ولا سيما انه يذكّرنا بكارثة تشيرنوبيل؟

- لم تكن لي اي نية سياسية في أفلامي السابقة. السياسة تتغير وأنا أريد لأفلامي حياة أطول. هناك الكثير من الكوارث المشابهة لكارثة تشيرنوبيل نتيجة التسرب الإشعاعي من المفاعلات النووية. يمكنك البحث على موقع "ويكيبيديا" فستجد أفظع الكوارث الناتجة من حوادث مماثلة. استطعنا التصوير بالقرب من هذه المفاعلات، لأنها كانت في حالة جيدة الى حدّ ما، لكن أعترف أنني أرفض النوم بالقرب منها. هذا هو الجانب السياسي الوحيد في الفيلم، ما عدا ذلك فهو فيلم عن رجلين وعالم.

·         كيف تعامل الممثلان مع النص الذي يتضمن القليل جداً من الكلام؟

- سيرغي بوسكيباليس ممثل مسرحي شهير في روسيا، والآن انتقل الى الاخراج. اول ظهور له في السينما كان في فيلمي الأول "أشياء بسيطة"، والدور كان كتب خصيصاً له. في "كيف امضيت هذا الصيف"، التمثيل تطلّب الكثير من اللياقة البدنية. اما غريغوري فلم يقرأ السيناريو قط. كنت اعرف أنه يمثل للمرة الاولى ولم اكن اريد ان يناقش التفاصيل. على الممثلين أن يكونوا ممثلين لكن خلال التمثيل يجب ان يكونوا وألا يمثلوا. إحاطتهم بالمعلومات قد تضر أكثر مما تنفع. في النهاية، الاثنان كانا سعيدين جداً للتمثيل بجسديهما أكثر من الجلوس والتحدث وجهاً لوجه

·         كلّف الفيلم مليونين ونصف مليون دولار، لكن هل كنت حراً في انجاز ما تريده؟

- هذا ثالث فيلم لي انتجه مع رومان بوريسيفيتش، صاحب شركة "كوكتيبيل" التي انتجت الى الآن سبعة أفلام. انجاز

"كيف أمضيت هذا الصيف" كان بالنسبة اليَّ نوعاً من "بزنس" عائلي، فيه الكثير من الثقة المتبادلة. مع رومان حظيت دائماً بالحرية المطلقة، لكن عندما لا يعجبه شيء يقوله. حسّه الغريزي قوي جداً، لذا ترى ان كل الافلام التي انتجها الى الآن شاركت في مهرجانات دولية. جزء من المال في هذا الفيلم جاءنا من منطقة تشوكوتكا. المرحلة الأكثر تكلفة كانت التصوير، تلتها مرحلة المونتاج. أما جزء آخر فجاء من وزارة الثقافة التي كانت حتى الامس القريب تدعمنا. هذا العام تغيّر كل شيء فانتزعوا صندوق الدعم من يد الوزارة، واعطي الى سبع شركات خاصة كي تنجز أفلاماً "وطنية" تجارية الهوى. مثلاً أفلام عن الحرب العالمية الثانية من وجهة نظر روسية. الرجل الذي خلف هذه المبادرة ليس الا نيكيتا ميخالكوف وهو أقنع بوتين بفكرته. نظام الدعم في الوزارة لم يكن مثالياً لكنه سمح لي ولأمثالي بأن ننجز افلاماً. هناك جدل واسع في روسيا اليوم حول هذا الموضوع. لا نعرف إلامَ ستؤول حال سينمانا في ظل هذا القرار الجديد. عندما نعود الى روسيا سنكتب رسالة جماعية الى بوتين لتسجيل موقف مبدئي من هذا القرار.

·         هل تشعر انك منتم الى تقليد سينمائي روسي ما؟

- بالتأكيد. أولاً أنا إبن والدي، ووالدي كتب الدراما الصناعية. مثلاً "كازينو" لمارتن سكورسيزي هو دراما صناعية لأن القصة برمتها مبنية على ما يقوم به الناس. المخرج الأهم بالنسبة اليَّ هو ألكسي غرمان، وهو ليس ذائع الصيت خارج روسيا للأسف، لكن حسه الواقعي وميله الى التفصيل كانا دائماً موضع إلهام لي.

(hauvick.habechian@annahar.com.lb)

 

بورتريه

"شاشات الواقع" في دورته السادسة بين لبنانية سلهب وعالمية وايزمان

مخرّب الحكايات اللبنانية!

غسان سلهب نظرته مستهجنة وفاضحة الى بيئته. بقدر ما يبدو تمرده على أدوات التعبير السينمائية تمرد طفل يلهو بألعاب تعوّد تفكيكها ثم تركيبها، نجد في هذا المنحى الثوري واقعية كئيبة تستلذ كآبتها، وهذه سمة من سمات النضج والحكمة. منذ "أشباح بيروت" وهو يحرك الخنجر في الجرح، غير آبه بما يقال من حوله، مرة عبر تسكعه الليلي في مدينة ظالمة ومظلومة ضاقت فيها سبل العيش، ومرة عبر فضح "الاكذوبة الجماعية" التي رضخ لها اللبنانيون شعباً وسلطة. ففي حين ان كل شيء من حولنا يسهر دائماً على تصحيح الصورة، تأخذنا سينماه دائماً وأبداً عبر طرق وعرة الى قلب بلاد تنزف دماً وقهراً، وحده سلهب قادر فيها على قول أشياء محض سينمائية على هذا النحو اللمّاح والاستعاري. شخصياته الشبحية تعيش في قاع هذه المدينة، لكن ليس نتيجة خيار مسبق بل لانعدام الخيارات، ويمكن القول ان انتظارها على الحافة متأتٍّ من تأجيل دائم للرحيل.

يحلو لسلهب التعريف عن نفسه بكلمة "اسفنجة". وظيفته: امتصاص الواقع. لكن هذا لا يكفي لقول مَن هو. كونه يلجأ دائماً الى خيارات سردية غير مظنونة أو متوقعة، هذا ايضاً لا يسهل عملية تصنيفه. لا ادعاء عند الرجل كما هي الحال عند آخرين، لأن هذه رؤيته للسينما التي اكتشف معظم ضربات جنونها الكلاسيكية (غودار وغي دوبور وغيرهما) في قاعات باريس المظلمة. الأكيد انه لم يختر ما اختاره من لغة وأساليب كي يلهو بها لهواً "سنوبياً"، انما لحقيقة اننا في بيروت، "يصعب علينا النظر الى محيطنا على نحو يجعل الاستقامة احدى سماته". باختصار، انه صاحب سينما تبعث البهجة في قلب من يؤمن ان المُشاهد شريك اساسي في صناعة الفيلم. اما من لا يؤمن بذلك، فـ...

غسان سلهب لا يرسم بورتريه غسان سلهب في أفلامه. الذين يخيّل لهم انهم يعرفونه، يجدون ان هذا الخطاب بينه وبين افلامه سببه القاؤه نظرة جد شخصية على العالم الى درجة اختلاط الدال بالمدلول. أما فكرته الفيتيشية السرمدية فتتجسد في مقولة فلوبير المعبّرة عن الحالة التي يهدف للوصول اليها: "يكفي ان تنظر مطوّلاً في شيء، كي يصير هذا الشيء مثيراً". في سياق مشابه لهذا الطرح، قال لي مرة: "إذا قبلت بفكرة ان الحياة مأسوية، فقط في ذلك الحين تستطيع رؤية انبعاث النور من داخل الظلام". هذه "الديانة" لا يمكن الصابر الا ان يمجدها، وخصوصاً ان معتنقها لا يحكم على الواقع الذي يعتاش منه، بل يكتفي برمي نظرة مستهجنة عليه (التكرار هنا للاصرار).

يشهر سلهب انتسابه الى "مواطني العالم"، وهو من مواليد السنغال، لكن بعد فترة انتقال بين فرنسا ولبنان، استقر في بيروت التي استلهمها في ثلاثة أفلام متتالية محورها العاصمة اللبنانية، تخللتها بضعة أعمال تجريبية فرضتها الظروف ومقارعة الحجة بالحجة والذوق بالذوق. سؤال الهوية والانتماء ألقى بظلاله على عمله وتفكيره واحتكاكه وعلاقته بالحالة اللبنانية. على غرار الكثير من المغتربين، شرب سلهب من بئر بلاد غريبة، فأتى الى السينما حاملاً تحت ابطه حقيبة سينمائية امتلأت نتيجة تأقلمه مع ثقافات متعددة. من هذه الثقافات ثقافته الافريقية، وعلاقته بعامل الوقت وفق المفهوم الافريقي للكلمة، وهو مفهوم مخالف للمفهوم الاوروبي الذي يخال له انه قادر على التحكم بالوقت، "في حين ان الأمور في لبنان وفي افريقيا تتشابك بعضها ببعض".  

يزعم سلهب أنه يصوّر بأذنيه بقدر ما يصوّر بعينيه (الاستماع الى الشريط الصوتي لفيلمه الجديد "1958"). وعلى رغم انه يمكن تصنيفه مخرجاً ذهنياً او عضوياً، فهو يجد نفسه غريزياً في المقام الأول. يستمع كثيراً الى الحواس. في ودّه دوماً ان يضع المشاهد في "تجربة جسمانية"، ليزعزع علاقته المريحة بالسينما. كيف نروي قصة؟ هذا هو السؤال الأبرز الموجّه الى السينمائيين في عصرنا الحديث، لكن هذا الرفض في الاقتراب من ضفاف جديدة يشكل ظاهرة عالمية لا تنحصر بالبلاد العربية فحسب. سلهب يرى السينما من مكان آخر.

في 1958"" الأوتوبيوغرافي (عُرض مساء الثلثاء في افتتاح "شاشات الواقع")، مرةً أخرى يمضي الفتى المخرّب للسينما اللبنانية في تخريب الحكاية بدلاً من بنائها، رابطاً بجسور هوائية جديده الساحر، مرفقاً إياه بتاريخ طويل من السينما الراديكالية المخربة. طَموح لكنه متواضع في طموحه، لإنجاز أقوى ما يمكن انجازه. "على الفيلم ان يحمل قدراً من الارتجاج ولا ارغب في عمل سطحي ومتعادل". هذا ما كرره مراراً. في "1958" يتحقق حلمه.  

لا يعمل سلهب وفقاً لمنطق الفصل بين الواقع والمتخيل. وما النفع إذا كانت كل حقيقة تقفز الى الشاشة تصبح "كذبة الحقيقة". قد يصل الى حافة كلٍّ منهما من دون تصميم مسبق. هو مهتم بالاطار ومحتواه وبالحوار الذي ينشأ بين صورة وأخرى تلحق بها (نظرية ليف كوليشوف). في هذه النقطة تحديداً، تكمن قوة سينماه. يتفاوض مع الاسلوب، كمن يتفاوض مع الشيطان، كي لا يصبح ضحيته. لا يريد قالباً للسينما التي يصنعها بقدر ما يريد لها روحاً. لا يريد ان يكون مهندس اشكال. في النهاية نحن قبالة سينما مسرورة في تطرفها، وتبحث عن ذاتها الاخرى، وقد لا تكون صدور الناس رحبة الى هذا الحدّ لاستقبالها، لكن لنمنح الحالم الحق في أن يحلم من خلال السماح له بإنجاز افلام لا تكون عبارة عن تعليقات على الحياة الاجتماعية اللبنانية.

هـ. ح

 

نقد

"شاشات الواقع" في دورته السادسة بين لبنانية سلهب وعالمية وايزمان

قصيدة مصوّرة أبياتُها الأجساد والحركة

الثمانيني فريديريك وايزمان آثر المحافظة على غزارة انتاجه طوال تاريخه العريق، فأنجز 37 فيلماً خلال 40 عاماً، جزء كبير منها كنوز سينمائية ضمن المحيط الذي يبحر فيه. مع تقدم مسيرته، طالت مدة أفلامه، من بينها أعمال تجاوزت ثلاث ساعات أو أربعاً. يغرف من ينبوع "سينما الحقيقة" من دون أن يتبنى الدوغما الخاص بها. أفلامه، كما يشرح لك بطول انات وهدوء، بلورة لتجربة انسانية وليست البتة البورتريه العقائدي لتيماته. ما يصوّره ليس بمجرد ولا يسعه ان يكون كذلك. دائماً تجده مهموماً بالواجبات الأخلاقية المرتبطة بكيفية نقله الوقائع، لكن هذا لا يجعل منه سينمائياً أرثوذكسياً. وايزمان سينمائي لا يوارب ولا يلطّف ولا يخشى أن يقول ما في باله، لا بل يصوّر ما يراه من دون عمليات تجميلية. هنا عظمته. وهذا بعض مما يجعله أهم مخرج وثائقي في العالم!

مع "الرقصة - باليه أوبرا باريس"، درسٌ وثائقي جديد يأتينا به وايزمان. السينمائي المعلّم الذي فكك آلية عمل المؤسسات الأميركية وأقدم على تعريتها، شريطاً بعد شريط، يضع كاميراته داخل مؤسسة فرنسية هي أوبرا باريس. بعد فيلمه عن الأكاديمية الفرنسية، ها هو ينتقل مجدداً الى العاصمة الفرنسية ليكتشف ونكتشف معه كيف يدرّس الرقص في تلك المدرسة وكيف ينتقل العلم والحركة والفنّ. الجواب بعد ساعتين واربعين دقيقة: التمارين! بين جدران الاوبرا الاربعة يلتقط يوميات الراقصات والراقصين، تمارينهم المتكررة وشؤونهم المهمة وغير المهمة (لا شيء غير مهم عند وايزمان)، ولا ينصاع البتة لمرض يصيب الجسد الوثائقي. وجهة نظره تبلغ مرتبة القصيدة المصوّرة. أبياتها الاجساد والحركة. ينتقل وايزمان بكاميراته من مركز ثقل الى آخر، من الطبقية الى الشؤون النقابية الداخلية، ولا عجب اذا وجدت نفسك حول طاولة مستديرة واجتماع بين الادارة ووفد أميركي يأخذ الفيلم الى ذروته الدرامية المتصاعدة على الدوام. يتجسد "الرقصة" أمام أنظارنا. أما الجسد فنجده على مرمى حجر. الى انشغاله بأسرار الجسد، يجد وايزمان مشاغل اخرى جانبية كانتقال الارث من جيل الى آخر أو الصمود أمام شيخوخة الجسد. يقبض وايزمان على الجسد في شتى تجلياته، مجابهاً الحركة الدائمة والمتكررة للتمارين بلقطات بانورامية لجسد المكان.

لا يزال وايزمان وفياً لاقتناعاته المبدئية: عدم اجراء مقابلات مع الأشخاص الذين هم موضوع عمله، والامتناع عن التعليق على ما يصوَّر. جرياً على عادته، اكتشف كواليس الباليه اثناء التصوير، بعدما كان ذهب الى التقاط المشاهد بأقل قدر من الاطلاع على المادة المطروحة. بالنسبة اليه، التصوير هو عملية تقصي معلومات لا أكثر: خلال الاسابيع التي يستغرقها التصوير، يجمع عدداً من الحوادث المهمة ولا يكون عنده ادنى فكرة كيف سيعيد ترتيبها ووفق اي سيرورة. فالاكتشاف الاكبر للفيلم يكون اثناء التوليف. على مفاتيح الـ"أفيد" وداخل جدران اربعة، يبصر فيلم وايزمان النور.  

الرقص فنّ عابر بالنسبة الى وايزمان. في لحظة يكون، ثم يختفي. تبدأ الراقصة حياتها المهنية في عمر السابعة وتعمل بتكثيف حتى خروجها الى التقاعد. في مقابلة "النهار" معه، قال: "لا راقصة تستطيع العمل ما بعد الاربعين. وهذا اجمل ما في الموضوع: ان يتعرض اجمل ما فيك للزوال". الفضول هو الذي يدفع وايزمان الى التنقيب في أفكار طليعية لن ينتبه اليها آخرون. فضوله يشمل الكثير من مظاهر العيش الانساني. يرى الحياة غريبة ويريد ان يعرف اسرارها. في النهاية يوصلنا وايزمان الى الخلاصة الآتية: ما نتلقاه نحن كفنّ ليس بالنسبة الى الراقصين والراقصات الا عملاً روتينياً متكرراً. وهنا تكمن المفارقة...

استغرق تصوير "الرقصة" 12 اسبوعاً، اما المونتاج فتطلّب عاماً كاملاً. بدأت الفكرة تنمو في ربيع 2007، وعندما اعطت اوبرا باريس الضوء الأخضر للانطلاق، في الخريف التالي، كانت كاميرا وايزمان قد بدأت بالاشتغال. عادةً يستغرق الامر بضعة أشهر كي يجد التمويل. التأمل عنده يجري خلال التوليف. أثناء التصوير، لا يجد المعلّم متسعاً من الوقت للتفكير. المسألة بسيطة: لا يستطيع أن يفكر في حوادث يجهلها، اذ لا يعرف مسبقاً ماذا يحصل. نظريته واضحة: "لا أعرف شيئاً عن مكان لم أكن فيه". مرةً أخرى وجديدة يعرّي وايزمان مؤسسة. "... لكن ليس بالمعنى السلبي. في الأخير، كل مؤسسة هي صورة مصغرة عن الدولة التي تعيش فيها. كما تعلم، سبق أن صوّرتُ فيلماً عن المسرح الاميركي للباليه. الآن اصوّر الباليه في فرنسا. الاختلاف في البلدين بدا عبر المؤسستين".

(•) يُعرض في إطار مهرجان "شاشات الواقع" الثلثاء 30 الساعة التاسعة مساءً.

 

برنامج العروض

         الخميس (اليوم)

• "أكيموزز" لفلور ألبر (فرنسا).

• "عايدة، فلسطين" لتيل روسكنز (فرنسا، فلسطين).

• "البحث عن حسن" لأدوار بو (فرنسا).

   الجمعة 26

Vulnérable • لرين متري (لبنان، فرنسا، ألمانيا).

• "لا نأبه بالموسيقى على كل حال" لسدريك دوبير وغاسبار كوينتز (فرنسا).

  السبت 27

• "القط، القس والعبد" لألان ديلا نغرا وكايوري كينوشيتا (فرنسا).

• "الزهرة المنسية" لرهام عاصي (لبنان).

• "مدينتان وسجن" لسداد كعدان (سوريا).

• "أوكسيجين" لكورين شاوي (لبنان).

  الأحد 28

• "اللقاء" لألان كافالييه (فرنسا).

• "ايرين" لألان كافالييه (فرنسا).

         الاثنين 29

• "الأهم أن نبقى أحياء" لروشان سايدنطار (فرنسا، كمبوديا).

• "يربوع أزرق" لجمال وهاب (فرنسا، الجزائر).

 الثلثاء 30

• "أمي، لبنان وأنا" لأولغا نقاش (تركيا).

         الاربعاء 31 (ختاماً).

• "لا تحرّروني، سأتولى الأمر بنفسي" لفابيان غوديه (فرنسا).

(•) تبدأ العروض من الساعة السابعة مساء في "متروبوليس" (أمبير ــ صوفيل) ما عدا الختام الذي يبدأ الساعة الثامنة مساء.

 

ولدتُ عام 1973

ولدتُ عام 1973 وترعرعت تالياً مع سينما تلك المرحلة. الثمانينات لم تكن العصر الذهبي لكن بعض أفلام جاكي شان أثّرت فيَّ. "شبح باستر" ايضاً كان مهماً لي لأنه يظهر كم المدينة تتحكم بسلوك الناس. أحب ايضاً الطرافة اليهودية: بيلي وايلدر وودي آلن والأخوين كووين وايضاً جيم جارموش (...). أحياناً خلال التصوير كان أحد الممثلين يضحكنا، لكن حين نشاهد الـ"راشز" يتبدى انه ليس طريفاً. لا أملك تجربة آلن لأحكم على الفور ما اذا كان المشهد طريفاً أم لا. بيلي وايلدر من جهته متمكن من فنه، لذا كان يعرف في ايّ لحظة سيضحك الجمهور.

(فاتح أكين في "بروميير").

 

Cut

• "النقد السينمائي: قضايا واتجاهات جديدة" عنوان المؤتمر الذي سيُعقد في مهرجان تطوان السينمائي (27 آذار - 3 نيسان) في ظل غياب أكبر النقّاد في العالم العربي.

• "ليس من نبي في بلاده" قول يأتي الى البال مجدداً مع تدشين شارع في بوبيني (ضاحية باريس) باسم يوسف شاهين، علماً ان المخرج الكبير لم يحظ بذلك التكريم في بلاده مصر.

يعتزم العراقي ليث عبد الكريم الربيعي اصدار مجلة سينمائية باسم "السينمائية"، وهو بعث برسائل الكترونية الى المهتمين يحتفي فيها بمحاورة الصحافي عدنان حسين أحمد معرّفاً به كناقد سينمائي.

بعثت كوليت نوفل رسائل الى مقربين ومحترفين مطالبةً إياهم بالتضامن مع انطون صحناوي الذي يرعى مهرجانها من خلال احدى الشركات العائدة الى مجموعته، مما أثار سخط الكثيرين!

استغراب حول اسناد مهرجان مسقط السينمائي الدولي رئاسة لجنة التحكيم الى... جمانة مراد!

النهار اللبنانية في

25/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)