حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«شاشات الواقـع» عادت إلى بيروت

جيلان من السينما اللبنانيّة في افتتاح دورتها السادسة

غسان سلهب: المتربّص الكئيب

بيار أبي صعب

لم تعد تقتصر على دائرة ضيّقة من الأفلام التي تختارها «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» في لبنان. التظاهرة الخاصة بالسينما الوثائقيّة، تواصل ابتداءً من الغد انفتاحها على السينمات الأوروبيّة والعربيّة، بفضل شراكة بين «متروبوليس» و«مهرجان مارسيليا للأفلام الوثائقيّة». موعدكم هذا العام مع غسّان سلهب، وكورين شاوي، ورهام عاصي، وسداد كعدان، ورين متري وأولغا نقّاش وآخرين

ومضات على لوحة قديمة لبيروت في الظلام، ثم يبدأ الفيلم بالإنزال الأميركي في الرملة البيضاء في بيروت. لقطة مقرّبة ثابتة لأم غسّان. وصوت يروي الحكاية من أوّلها. وسؤال يطرحه السينمائي على أمّه: «بتتذكّري أمي، أوّل مرّة خلّفتيني؟».

بعد ثلاثة أفلام روائيّة طويلة، يمكن أن نطلق عليها «ثلاثيّة بيروت»، وأعمال فيديو تمعن في الاختبار وتقطع مع الأشكال واللغات التقليديّة للكتابة الفيلميّة، يعود غسّان سلهب إلى بيروته، بفيلم خاص يصعب تصنيفه: شريط «١٩٥٨» الذي يفتتح الدورة السادسة من «شاشات الواقع» غداً، يمثّل خلفيّة لتلك التجربة التي تضع صاحبها على حدة في جيل ما بعد الحرب الأهليّة اللبنانيّة.

فيلم ذاتي وحميم؟ ربّما، لكن ألا تنطبق هذه المقاربة ـــــ بشكل أو بآخر ـــــ على كلّ أفلام سلهب؟ عمل أوتوبيوغرافي؟ قطعاً، لكنّه يذهب أبعد من ذلك. في تنقّله المتواصل بين الخاص والعام، يبدو «١٩٥٨» أشبه بعمليّة فحص للذاكرة الجماعيّة اللبنانيّة، في ضوء الراهن الحارق... محاولة لمساءلتها من موقع فردي وخاص. يقوم سلهب برحلة استعاديّة، محايدة ظاهراً، تبدأ من ألبوماته العائليّة لتفضي إلى محطّة أساسيّة في تاريخ لبنان، بلد الحروب الأهليّة الدائمة... ثورة الـ ١٩٥٨ بالنسبة إلى بعض اللبنانيين، أو أحداث الـ ١٩٥٨ بالنسبة إلى بعضهم الآخر...

فكّر غسّان في تحقيق فيلم عن أمّه، عن حياته، انطلاقاً من تاريخ محدّد: ١٩٥٨ عام ولادته في داكار، السنغال، ليكون الابن البكر لتلك الصبيّة الصيداويّة السنيّة التي تزوّجت في السابعة عشرة رجلاً شيعيّاً كان أستاذ أخيها، وتبعته إلى السنغال، منسلخة عن بيئتها وأهلها ولغتها وعالمها الأوّل. وإذا بـ«الحكاية الصغيرة» تأخذ مؤلف الفيلم إلى حكاية أكبر، فيجد نفسه وجهاً لوجه مع التاريخ: في الشهر نفسه من العام نفسه، انفجرت في لبنان حرب أهليّة مصغّرة نسيها الجميع اليوم (بروفة أولى على حرب الـ١٩٧٥؟)، تختزن بشكل مكثّف كل عناصر الصراع الدائر حتّى اليوم في لبنان والمنطقة. الأم المتشبّعة بروح القوميّة العربيّة، علمت بانفجار الأحداث عن طريق رسالة متأخّرة وصلتها من أبيها في لبنان.

السينمائي الذي عبر مفترق الخمسين، ينبري لمهمّة ملء فراغات الذاكرة، وتحريك المبضع في اللاوعي الجماعي. مساهمة جديدة في «المشروع الأركيولوجي» الذي يميّز الفنّ الطليعي اللبناني منذ عقدين مع محمد سويد وأكرم الزعتري والآخرين. حقّق سلهب فيلمه بأسلوب ولغة يبتعدان عن السرد والتوثيق والتعليق المباشر. كل شيء هنا مستتر في إيقاع مثير، وبنية سرديّة ملتبسة، وقالب يجعل من الفيلم تحفة فنيّة صغيرة، علماً أنّه قد لا يحقّق الإجماع بسبب بنيته المركّبة وأسلوب اختباري ينحو إلى التكثيف والتجريد... بدلاً من الشرح والتوضيح والإفصاح والمباشرة ورسم حدود واضحة بين الأجزاء والمَحاور.

المادة الأرشيفيّة مستعملة بطريقة ديناميكيّة. كميل شمعون وحلف بغداد والأسطول السادس. جمال عبد الناصر أيّام «الجمهورية العربية المتحدة». اغتيال نسيب المتني. مراسل أجنبي يلخّص الوضع من موقع عسكري في بيروت قبيل الإنزال الأميركي. ميليشيا الكتائب تحيّي بيار الجميل، ميليشيا الحزب القومي تتدرّب. يلجأ سلهب إلى شهادة لبنانيَّين شاركا، من موقعين مختلفين، في أحداث ذلك الصيف العصيب، فإذا بروايتَيهما تتعاونان على ترميم الصورة. الأم تروي وتحكي وتتذكّر من موقع ثالث.

رحلة استعاديّة عائلية تفضي إلى محطّة أساسيّة في تاريخ لبنان

نحن هنا، أبعد ما يكون عن المونتاج الخطي أو الهمّ التوثيقي، نسمع ما نرى، ونرى ما نسمع، حسب أمثولة غودار الشهيرة. هناك تفاوت دائم بين ما نرى ونسمع. الشريط الصوتي هو روح الفيلم مثلما المونتاج عموده الفقري. يجرفنا نصّ شعري لغسان سلهب. «كثيرة هي الفخاخ... كثيرة الضحايا. وليس من مجرى». سرعان ما ينخفض الصوت أو يمّحي، ويتداخل مع مؤثرات أخرى: طلقات ناريّة وقصف، روايات شهود، وثائق أرشيفيّة، الكمان الأوسط الحزين (بيتريس فاسكس) أو الروك المتوتّر (وودن شيبس)، وصوت المذياع الذي يعيدنا إلى زمن الحرب الأهليّة الأخيرة.

المادة البصريّة هي الأخرى غنيّة ومتراكبة. هناك مشهد البحر الذي يؤطر الفيلم. بيروت من البحر. دائماً البحر. حطام آليات عسكرية تحت الماء، أو في عراء الطبيعة، حيث تبدو تجهيزاً أو عرضاً دادائيّاً. هناك أيضاً مشهد «روائي» مكرّر بأشكال مختلفة، لمقاتل يجهّز رشّاشه ويلقّمه، يلبس سترته العسكريّة، يمشي يجلس ينتظر... لقطات بانوراميّة من داخل هيكل عمارة مبقورة من بقايا حرب غير بعيدة. عودة إلى الأم تتذكّر وتروي...

«١٩٥٨» مقطوعة سمعيّة وبصريّة... مقطوعة موسيقيّة كئيبة، سوداويّة، رقيقة، تتوازى فيها الحكايات والأحداث التاريخيّة والأزمنة، كما تتراكم الأصوات والأنغام والمؤثرات والكلمات، فيحجب بعضها البعض الآخر، لتكوّن قصيدة تراجيديّة (مرثاة؟) لبيروت التي أمضى غسّان سلهب وقته يطارد أشباحها: «أشباح بيروت» (١٩٩٨) عن العودة إلى المدينة، تزامن مع انتهاء الحرب. «أرض مجهولة» (٢٠٠٢) يطرح سؤال الإقامة فيها ووهم الإعمار. «أطلال» (٢٠٠٦) يحكي عن النزول إلى قاعها بعد الزلزال.

«واحد اثنان ثلاثة...» يقول الصوت فتنطلق القذيفة من صورة أرشيف بالأبيض والأسود. لقد حقّق غسّان سلهب فيلماً حميماً، يخصّنا، عن بقعة من العالم مسكونة بلعنة سيزيفيّة، لم يتغيّر عليها شيء بين «حلف بغداد» و... «محور الخير» لولا أن المتحاربين تبادلوا مواقعهم أحياناً. يقول مستوحياً عنوان قصيدة شهيرة لأبولينير: «مثل متربّص كئيب أراقب الليل والموت». إنّه «المتربّص الكئيب» حقّاً، يراقب بيروت من جهة البحر.

 

من البرنامج

بحثاً عن حسن (إدوار بو)

25/3 ــ 21:00

إنّه الاحتكاك الأول لإدوار بو مع الحرب. الشريط (2009ــــ 63 د) الذي يُعرض بحضور المخرج، يرصد رحلة هذا المصوّر الفرنسي إلى الموصل حيث مكث شهراً يؤرّخ ليوميات كتيبة كردية وسط الأجواء الأمنية المتوترة. يُعرض الشريط أيضاً في «الهنغار» في 2 نيسان (أبريل).

هشّ (رين متري)

26/3 ــ 19:00

بين 2006 و2008، صوّرت المخرجة الشابة في شريطها (2009 ــــ52 د) العنف اليومي وشبح الحرب الذي يخيّم على المكان. وسط القلق والخوف، ماذا يبقى من الإبداع والأمل وحرية الفرد؟ وهل تتعايش السعادة الفردية مع الحزن الجماعي؟ وكيف السبيل للعيش مع الهزيمة؟

Autofictions (ألان كافالييه)

28/3 ــ 19:00

المخرج الفرنسي الذي تعرّض مراراً للرقابة بسبب أعماله التي تناولت حرب الجزائر، يقدّم في «شاشات الواقع»، شريطين ذاتيين تربطهما قصة واحدة. الأول «اللقاء» (1996ــــ80 د) يتناول بداية علاقته بحبيبته، فيما يرصد الثاني «إيرين» (2009 ــــ 83 د) رحيلها المأساوي.

«اليربوع الأزرق» (جمال وهاب)

29/3 ــ 21:00

بعد نصف قرن على التجارب النووية الفرنسية في مدينة رقان الجزائرية، يروي جمال وهاب في شريطه (2009ــــ90 د) كيف حولت قوى الاستعمار الجزائريين إلى فئران تجارب من خلال شهادات الضحايا وآثار هذه التجارب على الصحة والبيئة.

رقص وباليه أوبرا باريس (فريديريك وايزمن)

30/3 ــ 21:00

أحد روّاد السينما الوثائقية (1930) وضع كاميراه لمدة شهر ونصف في «أوبرا باريس». في شريطه (2009ـــ ساعتان و38 د)، نقل إلينا كواليس هذه المؤسسة العريقة وعرّفنا إلى هوية هؤلاء الذي يقفون خلف عروض فنية استثنائية.

لا تحرّروني، سأتولّى ذلك بنفسي (فابيان غودي)

31/3 ــ 20:00

في شريطها (2008ـــــ107د)، ترسم السينمائية الفرنسية «بورتريه» لميشال فوجور. شخصيّة مثيرة للجدل نجح في الفرار من السجن خمس مرات. أمضى فوجور 27 عاماً وراء القضبان إلى أن أطلق سراحه المشروط منذ عام 2003.

الأخبار اللبنانية في

22/03/2010

 

السينما الوثائقيّة: السياسة أوّلاً

تعالوا نتخيّل الواقع و... نحلم بالعدالة

سناء الخوري 

من معاناة الطوارق إلى كمبوديا، ومن يوميات الحزن العادي في لبنان وفلسطين، إلى الموسيقيين الجدد في طوكيو، يأتي برنامج الدورة السادسة، مرآة راهنة للعالم

«ليس الواقع ما أمكننا تصديقه، بل ما كان يجب أن نتخيّله»، يكتب غاستون باشلار. في دورته السادسة، يذهب أسبوع «شاشات الواقع» في بيروت، إلى منطلقات مشابهة لمقاربة الفيلسوف الفرنسي. مهرجان الأفلام الوثائقيّة الذي ينطلق غداً في «متروبوليس/ أمبير/ صوفيل»، كان مخصصاً للأفلام الفرنسيّة عند انطلاقته بمبادرة من «البعثة الثقافيّة الفرنسيّة» عام 2004. لكنّه انفتح على تجارب أوروبيّة ولبنانيّة وعربيّة بعد 2007، حين أصبحت جمعيّة «متروبوليس» شريكاً في التنظيم. مناطق مظلمة في واقعنا المعاصر، ستتوالى على الشاشة حتّى 31 الجاري، في أفلام أوروبية ولبنانية، منها ما يقترحه «مهرجان مارسيليا للأفلام الوثائقيّة» (FID Marseille)، ضيف شرف «شاشات الواقع» للسنة الثانية.

إلى جانب اختيار شريطين لبنانيين للافتتاح هما «1958» لغسّان سلهب و«فيلم الترحيب والوداعات» لكورين شاوي، يمنح المهرجان «كارت بلانش» (27 /3) للسينمائيّة اللبنانيّة إليان الراهب. تحت عنوان «المرأة خلف الكاميرا»، اختارت صاحبة «هيدا لبنان» تعريفنا إلى ثلاث تجارب شابّة في سينما المؤلف العربيّة: «زهرة منسيّة» لرهام عاصي، و«مدينتان وسجن» لسداد كعدان، و«أوكسيجين» لكورين شاوي (راجع المقال إلى يسار الصفحة). كما تحلّ المخرجتان أولغا نقاش (راجع المقال صفحة ١٦) ورين متري ضيفتين على البرنامج من خلال شريطين يوثّقان، كل على طريقته، لبنان بين 2006 و2008. يأتي هذا الحضور «تكريساً لحرصنا على الإضاءة على الأفلام اللبنانيّة»، تقول سارة معالي من «متروبوليس» إلى جانب اختيار «أعمال تذهب بفنّ الوثائقي إلى أبعاد أكثر حميميّة».

الوثائقي سلاحاً ضد هيمنة الأقوى وغياب العدالة

تبلغ هذه الحميميّة أقصاها في شريطين لألان كافالييه «اللقاء» (1996) و«إيرين» (2009 ــــ 28 /3). المخرج الفرنسي الحائز جائزة سيزار عن شريطه «تيريز» (1986)، يروي هنا قصّته مع حبيبته إيرين منذ لقائهما حتّى وفاتها. من جهتها، تتخذ الأعمال التي يقترحها FID Marseille، صبغة أكثر سياسيّة. المخرجة الهولنديّة من أصل إيراني باريسا يوسف دوست، تحكي في «ناهيد = فينوس» (2008 ــــ 24 /3)، قصّة قريبتها التي أمضت سنوات في أحد السجون الإيرانيّة، قبل أن تحلّ ضيفةً دائمة على أحد المصحات في ألمانيا. في الإطار ذاته، اختار «مهرجان مارسيليا» عملاً عن فلسطين بتوقيع فرنسي، إذ يروي تيل روسكنز في «فيديو كارتوغرافيا: عايدة فلسطين» (2009 ــــ 25 /3) حياة أهل مخيّم عايدة (بيت لحم) وصراعهم مع الاحتلال، من خلال رسوم وخرائط خطّوها بأنفسهم.

في البرنامج، أعمال مسيّسة أخرى، تطرح الوثائقي أداةً فنيّة ملتزمة ضدّ هيمنة الأقوى وغياب العدالة. في «اليربوع الأزرق» (29 /3)، يعود جمال وهاب إلى قبائل الطوارق في الجزائر ليوثّق مأساة من شهدوا التجربة النووية الفرنسيّة الأولى عام 1960. من جهتها، تتوقّف الكمبوديّة روشان سايدنتار في «المهم أن نبقى أحياء» (29 /3)، عند تجربتها العائليّة في الفرار من مجازر الخمير الحمر في بلادها. أمّا كلودين بوري وباتريس شانيار فيرصدان في «الواصلون» (24 /3) أحلام المهاجرين المتدفقين إلى «العالم المتحضّر» والتحديات التي يواجهونها.

هناك أيضاً جموح موسيقيين يابانيين في شريط سيدريك دوبير وغاسبار كوينتز «نحن أصلاً لا نهتمّ بالموسيقى» (26 /3)، وتفاصيل الحياة الافتراضيّة، كما يعيشها روّاد موقع Second Life مع شريط «القطّة والمحترم والعبد» لآلان ديلّا نيغرا وكاوري كينوشيتا (27 /3)...

هكذا، يحتضن الموعد البيروتي مجموعة من التجارب الجريئة والصداميّة في رصد الواقع من كل الزوايا الممكنة، فإذا بها تختصر أحياناً الخلل الصارخ الذي يستبدّ بعالمنا المعاصر. أليست هذه ميزة الوثائقي الإبداعي: تنبيهنا إلى «ما كان علينا تخيّله»؟ هذا ما يطمح إليه مهرجان «شاشات الواقع»، منطلقاً من رهانه الأثير على تقديم «رؤيا مغايرة للعالم والآخر».

الأخبار اللبنانية في

22/03/2010

 

أولغا نقّاش: توثيق شخصي لسنوات الكآبة 

بناء من الستينيات. درابزين الدرج الخشبي «الشرح» يغريك بصعوده حتّى الطابق السابع، حيث منزل أولغا نقّاش. في الداخل، يبدو كل شيء كأنّه من زمن آخر. الأواني، المقاعد المنجّدة بأحمر قانٍ، طاولة السفرة وشرشفها، إبريق الشاي... هنا تجالس المخرجة اللبنانيّة رائعة تولستوي «موت إيفان إيليش»، وترجمةً فرنسيّة لأشعار ناظم حكمت (1902 ـــــ 1963) بعنوان «الثلج في الليل»... وهنا تحدّثنا عن شريطها «أمي، لبنان، وأنا» الذي يعرض ضمن برنامج «شاشات الواقع» (30 /3 ـــــ س: 7:00).

نقّاش التي ولدت في مدينة مرسين (جنوب تركيا)، من أب لبناني وأم تركيّة، أمضت معظم حياتها بين باريس وإسطنبول. عملت في الصحافة، بعد دراسات في الأدب، وأنجزت مجموعة أفلام وثائقيّة، قبل أن تترك كلّ شيء وتعود إلى لبنان منذ خمس سنوات لتبقى مع والدتها المريضة. بورتريه زيتي لهذه الأخيرة في بداية الأربعين يتصدّر الصالون، ويلقي بظلّه على الفيلم أيضاً. «أردت أن أنجز فيلماً عن المرأة التي علّمتني كلّ شيء. كانت ابنة جيل شهد إصلاحات أتاتورك وآمن بالعلمانيّة»، تخبرنا صاحبة «نساء من تركيا» (2006).

شخصيات وأحلام معلّقة في الهواء

في «أمي، لبنان، وأنا»، نرى السيّدة الجميلة في اللوحة وقد حملت عبء السنوات الطويلة. في «فلاش باك» تصوّر نقّاش اضطرابات أمّها المزاجيّة الأولى، التي واكبت إرهاصات الحرب الأهليّة. كأنّ الأم ولبنان دخلا دوّامة الجنون معاً. إلى جانب توثيق انطفاءة أمها البطيئة، تجد نقاش بعض الوقت المستقطع لتسجّل ما شهدته في سنوات إقامتها اللبنانيّة من حرب تمّوز، واشتباكات نهر البارد، إلى اغتيال فرانسوا الحاج، وأحداث 7 أيار.

تستحضر نقّاش كلّ هذا على شكل انطباعات قد تبدو لنا عشوائيّة لشدّ ما هي شخصيّة وخارجة عن السياق أحياناً. على اشتباكات نهر البارد تعلّق مثلاً: «من أين خرجت هذه الجماعة الآن لتعتدي على جيشنا؟». لكن إذا وضعنا جانباً الرؤية السياسية الساذجة والمشوّشة للراهن، يعبق الشريط بروائح المكان وأسئلة أهله على لسان شخصيات عثرت عليها نقّاش في دفاتر الماضي. صديقتها إلهام، مدرّسة الفلسفة في إحدى المدارس الرسميّة في المتن، عرفناها أمّاً ومدرّسةً شابّة في شريط نقّاش الأوّل «لبنان من رأسه حتّى قدميه» (1994). اليوم، نراها بعد 16 عشر عاماً، يساريّة حانقةً على كلّ التركيبة. صديق آخر من الجنوب، يؤمن بصدقيّة المقاومة، «ويحلف بحياتها، لكنّه تعب»، هذا ما تريدنا المخرجة أن نفكّر فيه معها! رحلة الصديقين تلخّص بنحو ما رحلة نقّاش: «شخصيات معلّقة في الهواء، ومعلّقة الأحلام»، كما تقول. الشريط في كلّ الأحوال تحيّة إلى الأم التي رحلت أثناء المونتاج، ومساءلة لموتها ووحدتها، وتوثيق شخصي لسنوات الكآبة اللبنانيّة الأخيرة.

س. خ.

الأخبار اللبنانية في

22/03/2010

 

كورين شاوي: التجربة الدنماركيّة 

«احكِي لنا قليلاً عن نفسك» هذا السؤال البديهي أربك كورين شاوي (1981 - الصورة). «لحظة كي أحضر اللابتوب» أجابت، وعن شاشة آلتها قرأت لنا بعضاً من سيرتها الذاتيّة. هذه الفنانة التي لا نعرف أين كانت مختبئة حتّى الآن، لم تعتد الكلام عن نفسها. متخرّجة الـ ALBA (2004) يفتتح شريطها الوثائقي «فيلم الترحيب والوداعات» (2009 ـــــ ٢٤ د) مهرجان «شاشات الواقع»، عند الثامنة من مساء الغد، قبل عرض فيلم غسّان سلهب. يشي العمل بعلاقة خاصّة، وتجريبيّة، بين المخرجة وعدستها، هو خلاصة تكوينها في الدنمارك.

في رصيد شاوي تسعة أفلام وثائقيّة قصيرة، وقد صوّرت باكورتها «الخادمات الطيّبات» بكاميرا شخصيّة، وهي قصّة دوليكا الشابّة السريلنكيّة التي عملت في منزلها. شريطها «أوكسيجين» (2007) المأخوذ عن تجربة عائليّة سيعرض أيضاً خلال المهرجان ضمن «امرأة خلف الكاميرا» («كارت بلانش» إيليان الراهب).

في «فيلم الترحيب والوداعات»، تنسج كورين سلسلة بصريّة مشبوكة ومتماسكة. تسجّل معطيات الواقع، أصواته وألوانه، وتصوغ منها انطباعات فتاة متشوّقة وحيدة، تناثرت أشواقها الممزّقة في شوارع كوبنهاغن. أحاديث هاتفيّة، جلد يتنفّس وأعضاء حميمة في لقطات قريبة، ألوان باردة، كاميرا ثابتة، شخوص تكاد تكون بكماء... كلّ هذا ليس عناصر مبعثرة، بل معطى بصري محسوب بحذافيره، في نظرة عميقة للوجود. «الوداعات» خمس لحظات فراق متناثرة التقطتها الكاميرا في الدنمارك: طفل في قطار، أمّ تترك ابنتها في حضانة، كاهن يتلو الصلاة الأخيرة على تابوت، شابّة أمام قبر... أمّا «اللقاء»، فغمرة واحدة بين شابة وحبيبها لحظة وصول الأخيرة إلى المطار.

«لا أبحث عن خلاصات، أصنع أفلاماً لمتعتي الخاصّة، ولا أفكّر في مشروع روائي»، تخبرنا كورين. لكنّ «فيلم الترحيب والوداعات» يكشف حسّاً روائياً جريئاً لا بدّ من أن نراه يوماً مجسّداً على الشاشة. يختتم لفيلم بلقطة تبقى في الذاكرة طويلاً: صبيّة عارية وحافية تمشي في إحدى غابات الدنمارك، مفترشة الجليد ومتلفّعة بالأشجار. تخطو خطوة الإنسان الأوّل، كأنّها تبحث عن ذلك اللقاء الأصلي بين الذات والكون، حيث لا مكان للوداع أو الفقد أو الوحدة...

سناء...

الأخبار اللبنانية في

22/03/2010

 

جان شمعون يضيء «مصابيح الذاكرة»

سناء الخوري 

تأنس عدسة جان شمعون (1944) بحضور النساء. قد تكون المرأة المناضلة والمعذّبة، بطلة المخرج اللبناني المطلقة. في فيلمه الأخير «مصابيح الذاكرة» (2009ـــــ 52 دقيقة) الذي يعرضه «نادي لكلّ الناس» في «قصر الأونيسكو» عند الثامنة من مساء اليوم، يستعيد صاحب «تل الزعتر» معاناة نساء احتللن مساحة ليست بصغيرة في أعماله. السينمائي الذي وثّق ذاكرة الحرب الأهلية، يوقّع شريطه الجديد بالتعاون مع «قناة الجزيرة الوثائقيّة» التي عرضت العمل أخيراً، قبل نقله على «دي. في. دي» سيكون بمتناول الجمهور.

تحمّست القناة لمشروع شمعون في إعادة اكتشاف شخصياته القديمة، والحديث هنا عن وداد حلواني تحديداً. مرّت رئيسة «لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان» أمام عدسة شمعون للمرّة الأولى عام 1992، في شريطه الوثائقي «أحلام معلّقة». يومها، كان جرح حلواني ورفيقات دربها ممن فقدن أعزاء لا يزال طرياً. وفي «طيف المدينة»، شريطه الروائي الأوّل والأخير، استلهم قصّة حلواني ليوظفها في دور سهام.

«أردت أن أكمل القصّة... نزلت إلى الخيمة التي نصبتها اللجنة أمام «الإسكوا»، وتعرّفت إلى السيدات، وبدأت تصويرهنّ»، يخبرنا. على أنغام مقطوعات موسيقيّة لشربل روحانا، يفتتح شمعون شريطه على مشهد عودة الأسير المحرر سمير القنطار. نحن وسط الحشد الشعبي والرسمي الذي حضر لاستقباله، وإذا بالكاميرا تلتقط وداد حلواني وهي تصرخ باسمه، وتسأله ألّا يضع يده بيد السياسيين المسؤولين عن الخطف، والصامتين عن حقوق شريحة من اللبنانين لم تنصفها المصالحات الشكليّة بعد. ثمّ تنتقل العدسة إلى تصوير عمليّات حفر المقابر الجماعيّة التي ضجّت الدنيا بها في الأعوام القليلة الماضية بين منطقتي حالات وعنجر. يعرّج العمل مرّة أخرى على خيمة «الإسكوا» التي ودّعت أحد أعتق وجوهها أوديت سالم، بعدما دهستها سيّارة، مختتمةً بطريقة عبثيّة حياةً من البحث العقيم عن ولديها.

في «مصابيح الذاكرة»، يواصل شمعون حفره في مشروعه التوثيقي لقضيّة أهالي المفقودين، مع فرق بسيط أنّ ألم هؤلاء كبر ثمانية عشر عاماً. الفيلم الذي أنجزه صاحب «أرض النساء» مع زوجته المخرجة مي المصري كمنتجة منفّذة، يسأل ما الذي حلّ بالملفات العالقة وكيف يتعامل أصحابها مع الوقت والفقد بعد كلّ هذه السنوات؟

8:00 من مساء اليوم ـــ «الأونيسكو» (بيروت)

للاستعلام: 03/888763

 

«أرض النساء»

حين يتحّدث جان شمعون عن الشخصيات النسائيّة في «مصابيح الذاكرة»، يبدي تعاطفاً يتخطّى تعاطف مخرج يتقن عمله. هاجسه بالمرأة المناضلة لازمة تتكرر في أعماله، منذ «زهرة القندول» (1985) الذي صوّر تجربة المناضلة اللبنانية خديجة حرز التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي. وفي «رهينة الانتظار» (1994)، يذهب مع الطبيبة النسائية ليلى نور الدين، القادمة من باريس، إلى قرى الجنوب. ومن خلال عينيها يراكم صور الدمار. أمّا في «أرض النساء» (2004)، فيروي تجربة المناضلة الفلسطينية كفاح عفيفة، التي أمضت ستة أعوام في معتقل الخيام.

الأخبار اللبنانية في

22/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)