حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

«خزانة الألم»:

سكان أصليون صانعو موتهم أو متفرجون عليه

محمد موسى

يقف بطل فيلم المخرجة الاميركية كاثرين بيغلو«خزانة الألم» الفائز بخمسة اوسكارات أخيراً حائراً امام رفوف البضائع في سوبر ماركت المدينة الاميركية الصغيرة. لا يعرف الجندي الاميركي والعائد لتوّه من العراق، اي علبة يتوجب ان يشتريها لزوجته المنتظرة. فالرفوف الكثيرة تعرض عشرات الاسماء للبضاعة نفسها. يختطف في النهاية الشيء القريب الى يديه. يخرج من السوبر ماركت. يعود الى بيته، الى زوجته وطفلته الغريبتين عليه. نراه أخيراً في مشهد النهاية وهو يعود مجدداً الى العراق، الى المكان الذي صار اكثر ألفة لديه من حديقة بيته الاميركي الخلفية.

تربط تلك النهاية الفيلم بالعبارة التي افتتح بها، عن الحرب التي تتحول الى مخدر، والجنود الذين ينتهون كمدمنين. هذه النظرة القاتمة الى الحرب والجنود، لا تتمثل في الحقيقة الا بحندي واحد، من بين مجموعة الجنود الذين قدمهم الفيلم. الجندي الذي بالكاد تستطيع ان تطلق عليه البطل. هو بالتأكيد بطل مضاد لمفهوم البطل، هو الذي بدا لمعظم وقت الفيلم، وكأن حياته في العراق، هي طريقه الصامت للانتحار، بتقربه اللامبالي المخيف من دقات الموت التي كانت تحملها الألغام التي كان يجب ان يفككها. هذا الجندي يصل الى الفيلم بعد مقتل مسؤول المجموعة الاميركية، والذي لعب دوره ممثل اكثر شهرة من الممثل الذي ادى شخصية البطل، في لعبة، ارادت المخرجة ان تلعبها مع الجمهور، فالممثلون الاكثر شهرة، يقتلون أولاً، ويبقى المجهولون الى نهاية القصة والفيلم.

يجمع فيلم «خزانة الألم»، تقاليد نوعين مختلفين من افلام حرب العراق والتي يقترب عددها من العشرة لحد الآن، فالفيلم الجديد عن الجنود الاميركيين، في مكان حروبهم، اي انه يجمع الجندي الاميركي والمدني العراقي، الضحية في الغالب. هو على خلاف الكثير من افلام حرب العراق، التي قدمت الحرب العراقية، لكن في الولايات المتحدة الاميركية، والتي تعود في كوابيس الجنود العائدين، او تلك التي قدمت قصصاً عن غياب هؤلاء الجنود، وفداحة ذلك الغياب الذي يتصاعد ليهزّ مفاهيم الامان والوطنية في حياة المقربين منهم، او المجتمعات الصغيرة التي قدموا منها.

يظهر العراقيون في الفيلم، ومن البدايات المبكرة له جمهوراً لتلك الفوضى الهائلة التي اجتاحت البلد بعد الحرب. هم يقفون في المشاهد الاولى، ليراقبوا وحدة الجنود الاميركية الخاصة، وهي تفكك المتفجرات التي توضع على الطرق، متقصدة الاميركيين وغيرهم، بلا مبالاة مخيفة. هم ايضاً من يضع تلك الالغام ويسعى الى تفجيرها.

لا شخصيات عراقية كبيرة في الفيلم، فحتى الصبي العراقي، والذي كان يبيع اسطوانات الافلام المقلدة الى الجنود الاميركيين، بدا انه نتاج التقارب المحدود الهش بين القوات الاميركية وطبقة اجتماعية عراقية ولدت على اطراف معسكراتهم وفي السنة الاولى فقط من وجود هذه المعسكرات، قبل ان يغلق الباب نهائياً بعدها مع اي تواصل مع عراقيين مدنيين.

نظرات مبسطة

بدت معظم المشاهد التي قدمت العراقيين في العراق، وكأنها تسجيل حرفي وعاطفي ايضاً، لانطباعات جنود اميركيين عاديين خدموا في العراق، بنظراتهم المبسطة الى الصراع والمجتمع العراقي المعقد، والذي وصلوا اليه وغرقوا في رماله. حتى التواصل المتعطل بسبب اختلاف اللغة، يظهر جلياً في الفيلم، فالجميع يتحدث في وقت واحد، ليخرجوا جميعاً من المحادثة، اقل رضا قبل الدخول اليها. هذه الاسلوب المبتكر، منح الفيلم اتجاهاً خاصاً، لكنه ابعد مع اسباب اخرى على تقديم الضحية العراقية، ضياعها وألمها كما يليق بأفلام الحرب الكبيرة.

واذا كان من الممكن اعتبار الاخطاء الكثيرة للفيلم، والتي تخص تقديم المكان العراقي بخصوصيته المعروفة، ظاهرة صارت مرتبطة بأفلام حرب العراق الاميركية، وتصويرها في دول مجاورة للعراق (صور الفيلم في الاردن)، فإن تعثر الفيلم الحقيقي، جاء في تضييعه الفرصة لربط ازمة الجنود الاميركيين، بتلك التي تخص المدنيين العراقيين. حتى المشهد الطويل، عن اخراج المتفجرات من جسد الصبي العراقي المقتول، والذي قام ارهابيون بوضعها هناك، لتفجيرها بعد ذلك في نعشة، عندما يصل قرب قوات اميركية، مر من دون التأثير المنتظر، على رغم طبيعة المشهد المتطرفة في عنفها وقسوتها.

ذروة انحدار القيم الاخلاقية عند المتحاربين والحرب بالمطلق، التي رمز اليها المشهد السابق، سبقتها مشاهد اقل جودة لعراقيي الفيلم، مثل ذلك الذي تخترق فيه سيارة عراقية مملوءة بالأعلام العراقية منطقة عسكرية اميركية، وصمت السائق العراقي المريب عند ايقافه، فالمطلع قليلاً على وضع العراق، يعرف بالتأكيد ان العراقيين في معظمهم متنازعيون منذ سنوات طويلة على صورة العلم العراقي (النزاع لا يزال مستمراً الى اليوم)، وأن العلم العراقي لا يعني كثيراً للعراقيين، ولا يستخدم بالصورة المبالغ فيها التي قدمها الفيلم. وذلك المشهد بالتحديد.

وحتى عندما يخرج الفيلم وبطله، من أسر شروط اللقاءات العابرة القلقة بين الجندي الاميركي والمدني العراقي، والتي قدمت على طول الفيلم، يتيه الفيلم مع البطل، والذي يقرر ان يترك القاعدة العسكرية للبحث عن عائلة الصبي المقتول في المدينة العراقية. فالمشهد الذي كان من المفترض ان يكشف عن ذروة عاطفية للبطل، تعرقل بسبب رد فعل العائلة العراقية الهستيري، والتي لا نعرف بصورة مؤكدة، اذا كانت هي حقاً عائلة الصبي العراقي المقتول.

تهيىء المخرجة الاميركية لفيلمها الذي حصل اضافة الى الاوسكار على كل الجوائز السينمائية الممكنة لهذا العام، الظروف النموذجية لفيلم كبير عن الحرب والجنود، فهي تقدم مجموعة الجنود أبطال الفيلم، وكأنهم الوحيدون في المعركة وفي العالم، وحيدون في مدن مكتظة وشوارع حارة، وعيون تتطلع اليهم بغرابة او كره. ووحيدون في الصحراء ايضاً. المخرجة تقدم ايضاً، بواقعية تقترب الى القسوة ثكنات الجنود، بعيداً من التمجيد الذكوري المبطن لتلك الوحدات والحياة العسكرية بالمطلق، والتي قدمت في افلام سابقة، لتبدو ثكنات الفيلم امتداداً لخراب العراق الذي شاهدناه على الشاشة.

الصراخ الناقص

يذكرنا الفيلم وضمن انتقالاته الزمنية، بالزمن الباقي لخدمة جنود وحدة التفجير الخاصة في العراق، وقبل عودتهم الى بلدهم. لكن الزمن المنقضي، لم يقابله تصاعد نفسي ودرامي واضح عند المجموعة، وعوضاً عن التصاعد الزمني المعروف، تتقسم الدراما في الفيلم الى وحدات زمنية محددة، ترتبط بعدد المرات التي تتمكن الوحدة العسكرية من إبطال مفعول القنابل التي تصادفها.

هذا التقسيم الذي كان من الممكن ان يرهق افلاماً اخرى، ينجو منه فيلم «خزانة الالم»، بسبب الجودة الكبيرة في تنفيذ مشاهد الانتظار، قبل ان تتعطل او تنفجر القنابل، وهي مشاهد نفذت بطرق مبتكرة هي الاخرى، فالانفجار يصل الى تلك التفاصيل الصغيرة غير المرئية في المكان العادي. يبدأ الانفجار في الفيلم صامتاً وبطيئاً مركزاً على تلك التفاصيل، وعندما يتسع المشهد، وتبعد الكاميرا من تلك التفاصيل الدقيقة، ينطلق الصوت المعروف للانفجار، عالياً وقبيحاً ومهيمناً.

ربما ما ينقص فيلماً مثل «خزانة الالم»، والذي بدا اميناً كثيراً لأزمات الجنود الاميركيين المعاصرين، والذين خاضوا حرباً معقدة مثل حرب العراق، وتحولوا خلال اشهر قليلة من محررين الى قتلة، مشهد قريب الى ذلك الذي في فيلم المخرج الاميركي ستانلي كوبيرك («طلقة بغلاف معدني»)، حين يقف الجنود الاميركيون المحاربون في حرب قديمة، على رأس المقاتلة الفيتنامية المحتضرة، والتي كانت تصرخ صرخات الموت المرعبة، موتها وموت القيم الاخلاقية والاديان، في واحد من اكثر مشاهد الحروب السينمائية قسوة، خواءً وخلوداً.

الحياة اللندنية في

19/03/2010

 

«الوحش المفترس»

ندى الأزهري 

قال الشاعر المصري عفيفي مطر في أحــد حــواراته المنشورة على موقع «دار الكشكول»، أنه اكتشف وبعد أن بلغت ابنته سن العاشرة، أن «التلفاز قد سرقها منه واستلب خيالها»، وأنها تحفظ جميع الإعلانات عن ظهر قلب بعد أن حرمها بسبب انشغاله من عالم الحكايات والقصص الشعبية الحميمة والثقافة الشفاهية التي تربطها بالحياة والبيئة والمعارف الأولية بالكائنات من نبات وحيوان وحشرات وطيور. وحين قرر الشاعر أن يتابع معها برامج الأطفال هالته «تفاهتها وقدرتها التدميرية»، ما جعله يرى في التلفاز «أبشع عمليات الاغتصاب الجماعي للبراءة والخيال والذكاء»، ثم سأل نفسه «أما من مقاومة لهذا الوحش المفترس؟».

حضرتنا أقوال هذا الشاعر والكاتب، ونحن نرقب مشهداً في برنامج حواري على فضائية ما، فلا فرق وما حدا أحسن من حدا في هذا المجال، مع أطفال صغار حول «أهمية الحيوان للبيئة» وهو هدف «نبيل» لبرنامج تلفزيوني(!). سألت المذيعة طفلاً منهم حول فائدة الحيوان للبيئة. حين يطرح سؤال كهذا على صغير في السادسة أو السابعة، تكون أمام خيارين إما أنه قد لقن الجواب قبل البث وحفظه عن ظهر قلب، أو أنه ببساطة سيصمت أمام هذا السؤال العويص الذي لا يفقه معناه ولا يرى حقاً مغزاه. قد يكون الطفل رأى الكثير من برامج الحيوان على الشاشة، لكنها بالنسبة اليه برامج في المطلق لا ترتبط بحياته اليومية التي يقضيها في غرفتة مسمراً أمام هذه الشاشة، برامج لا تحثه على عمل الذهن والتفكير ولا تشحن خياله. هنا، صمت الطفل وبدت الحيرة عليه. فنفحته المذيعة بالجواب» يقدم لنا الغذاء وهو جيد للبيئة. ما هيك؟» (نتساءل هنا عن الإضافة التي أعطتها مقارنة بالسؤال)، وما كان أمام الصغير سوى هز رأسه موافقاً. الطفل الذي يقضي ساعات يومياً محصوراً في غرفة أمام التلفاز، كيف له أن يعرف شيئاً عن «البيئة الخارجية» المحيطة به؟ عن الحيوانات التي لم يرها والأشجار التي لا ينتبه إلى وجودها، والطيور التي لا يسمع غنائها...

التلفزيون حتى حين يريد «تثقيف» الأطفال يقوم بدور سلبي ويعلمهم التلقين من الصغر، وهو وإن أعطاهم المعرفة أحياناً فهي معرفة سطحية، وهمية لا ترافقها تجربة حقيقية. فصحيح أن الصغار يعرفون اليوم الكثير من خلال التلفزيون لكن معلوماتهم هي مجرد إعادة لما سمعوه وليس لما اكتشفوه ولمسوه بأنفسهم. يقوم الطفل بتكرار ما لقن من معارف من دون أن يشعر بمدى علاقتها بالحياة وبالبيئة «الخارجية» المحيطة به.

الحياة اللندنية في

19/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)