حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

فى فيلم «جزيرة شاترآيلاند»

ضاع المضمون السياسى العميق لأن سكورسيزى جعله «فيلم رعب»

أحمد يوسف

لم أحب أبدا أفلام المخرج الأمريكى هندى الأصل نايت شيامالان، ليس فقط لادعائه الفارغ السقيم أنه صاحب "رسالة" غامضة، يُفترض أننا سوف نؤمن بها بمجرد أن نشاهد أفلامه، ولكن أيضا لأن هذه الأفلام تعتمد على حيلة بهلوانية واحدة، وهى ما يعرف باسم التحول أو الانقلاب الدرامى فى الدقائق الأخيرة من الفيلم، إذ تكتشف أن كل ما رأيته سابقا كان له معنى آخر، لأن صانع الفيلم أخفى فى كمه ـ مثل الحواة ـ الورقة التى سوف تؤدى إلى هذا الانقلاب. نجحت تلك الخدعة فى أحد أفلامه الأولى وهو "الحاسة السادسة"، الذى كان يتحدث عن إمكانية التخاطب مع الموتي، لكن الخدعة باخت أكثر وأكثر مع أفلامه التالية مثل "علامات" و"القرية" وحتى "السيدة فى الماء"، لأن هذه الخدعة أصبحت هدفا فى حد ذاتها، بحيث تذكّرك بالقضية التى طرحها هيتشكوك منذ أكثر من نصف قرن حين تساءل: هل أُخفى عن المتفرج بعض المعلومات ثم أكشفها له باعتبارها صدمة مفاجئة؟ أم أخبره بها منذ البداية لأجعله شريكا فى التوتر الدرامي؟ ولم يكن غريبا أن يقع هيتشكوك على الاختيار الثاني. 

وذلك هو السؤال أيضا مع فيلم مارتين سكورسيزى الأخير "جزيرة شاترآيلاند"، الذى يحتوى على مثل هذا الانقلاب الدرامي، وإن كان سكورسيزى لا يؤجله إلى الدقائق الأخيرة من الفيلم، برغم أن هناك فى المشهد الأخير مونولوجا طويلا يشرح للمتفرج الحدوتة بالتفصيل إن كانت قد غابت عنه بعض الأمور. وقبل أن أمضى معك ياعزيزى القارئ فى مشاهدة الفيلم، أتوقف بك قليلا أمام أمرين لفتا انتباهى فى كتابة الصحافة الفنية عندنا عن الفيلم: الأول هو التسرع _ حتى قبل مشاهدة الفيلم أصلا _ فى الحكم على الفيلم بالنجاح الساحق لأن سكورسيزى "عبقري"، هكذا ببساطة، بينما كان معظم النقاد الأمريكيين أكثر تحفظا، حتى أن ناقد جريدة سان فرانسيسكو كرونيكل وجه نصيحة لسكورسيزي: "إذا كان هناك صراع بين أسطورة نجوميتك وأصالتك الفنية، فعليك أن تتخلى فورا عن الأسطورة"، وهو الأمر الذى يشير إلى أن الكثير مما ينسب إلى النقد عندنا ليس إلا تسويدا للصفحات، ولا يهدف فى الحد الأدنى منه إلى تزويد القارئ والمتفرج بأى أدوات نقدية يمكن بواسطتها "تذوق" الفيلم، بل ربما انتهى الناقد _ وهذا ما حدث مثلا مع فيلم "رسائل البحر" _ إلى توجيه الاتهام للمتفرج أنه "لا يفهم" مثل تلك الأعمال العبقرية، دون أن يقول لنا هذا الناقد أصلا ما الذى فهمه هو، أما الأمر الثانى فيعكس أيضا نوعا من التسرع فى ترجمة اسم الفيلم إلى "الجزيرة المحطمة"، وأحيانا إلى "الجزيرة المنشطرة" (شوف الشطارة!)، ولا أدرى بأى قاموس يستعين هؤلاء الصحفيون، وإذا كنت تريد ترجمة الاسم على أية حال فهو "جزيرة المصراع" يعنى ضلفة الباب أو الشباك! وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فسوف أضيف أمرا ثالثا، وهو أن كاتبا فى إحدى المجلات (القومية جدا) دأب مع سبق الإصرار كل أسبوع على "تأليف" قصص الأفلام بما ليس له علاقة بها على الإطلاق، وهو مستمر فى ذلك منذ شهور بنجاح منقطع النظير، دون أن يقول له أحد "تلت التلاتة كام"! ألم أقل لك إن الأمر لا يتعدى تسويد الصفحات بأى كلام؟ 
أقول إننى وجدت فى فيلم سكورسيزى "جزيرة شاترآيلاند" بعضا من ملامح السينما الزائفة عند المدعو شيامالان، وكنت أتمنى أن ينحاز سكورسيزى إلى الاختيار الثانى عند هيتشكوك، فيصارحنا منذ البداية بكل المعلومات الدرامية، وبدلا من أن يكون فيلمه _ على الأقل فى نصفه الأول _ أقرب إلى نمط أفلام الرعب والعنف، فإنه كان سيصبح دراسة نفسية شديدة العمق للعقل الأمريكي، وأعتقد أن ذلك (وهذا ما سوف يتضح لاحقا) كان هو الهدف النهائى لسكورسيزي، لولا أن هذا الهدف تاه وسط الكثير من المشاهد الاستطرادية، التى هى فى حد ذاتها شديدة البراعة من الناحية التقنية، لكنها كانت تشتت البؤرة الدرامية، التى دارت حول نفسها مرات عديدة دورات دوامية، بدلا من أن تتجه إلى قدر أكبر من التركيز، سواء فى البناء الدرامى للفيلم أو وضوح الرؤية الإنسانية والسياسية فيه. 

أجدنى الآن حائرا بين أن أحكى لك "حدوتة" الفيلم من البداية إلى النهاية، بما يتضمنه ذلك من كشف الانقلاب الدرامى فأفسد عليك متعة المشاهدة، أو أن أتبع القواعد الأخلاقية عند معظم النقاد الأمريكيين _ وربما فى جميع أنحاء العالم، فيما عدا مصر، لأنها طبعا فوق الجميع!! _ بعدم الكشف عن هذا الانقلاب الدرامي، لكننى سوف أنحاز إلى "الأخلاق النقدية" إن جاز التعبير، وإن كنت فى الوقت ذاته سوف أحاول أن ألقى الضوء على جوهر مضمون الفيلم، الذى لا يصبح تام الوضوح إلا إذا عرفت السر الذى تؤجل الحبكة الكشف عنه حتى نصفها الثاني، نحن فى البداية على متن مركب قديمة (عبّارة إن شئت الدقة)، تمضى فى الضباب، ولا يوجد فوقها إلا قبطان نراه بشكل عابر، ورجلان فى منتصف العمر، سوف نعرف بعد لحظات أنهما رجلا شرطة فيدراليان، الأول هو تيدى (ليوناردو دى كابريو) الذى يعانى فوق المركب مما "يشبه" (وخذ بالك من الآن فصاعدا من هذه الأقواس الصغيرة) دوار البحر، ويفرغ ما فى جوفه وهو يشعر بألم فى رأسه، أما الرجل الثانى فهو مساعده "الجديد" تشاك (مارك روفاللو) الذى يبدو دائما على النقيض من تيدي، فهو هادئ الأعصاب، يكاد ألا يكون شريكا بقدر ما هو "مراقب" لما يجرى لتيدى بعين فاحصة متأملة، بل تحمل نظراته أحيانا بعض ظلال الشك فيما يحدث. إن المركب تقترب من جزيرة شاترآيلاند (وهى جزيرة متخيلة لا وجود لها فى الحقيقة)، التى سوف نعرف أنها تضم المرضى العقليين الذين ارتكبوا جرائم دموية، إنها أشبه بمستشفى وسجن معا، اختاروا لها هذا المكان النائى لخطورة نزلائها. أما المهمة التى جاء بسببها الشرطيان تيدى وتشاك فهى التحقيق فى الغياب الغامض لمريضة تدعى ريتشيل، برغم أن من المستحيل هروب أو اختفاء أى شخص من فوق هذه الجزيرة. 

وإذا كان تيدى يبدو أكثر اهتماما بالتحقيق حول غياب هذه المريضة، على عكس زميله تشاك الذى يبدو "محايدا" تماما، فإن البحث عن "أين ذهبت ريتشيل؟" يتحول بالنسبة لنا نحن المتفرجين إلى السؤال: "من هى ريتشيل؟"، خاصة أنها تظهر فى شكل أكثر من امرأة، فهى تبدو تارة فى هيئة المريضة النفسية (إيميلى مورتيمر) التى "يقال" إنها أغرقت أطفالها الثلاثة، لكنها تبدو تارة أخرى فى هيئة طبيبة (باتريشيا كلاركسون) تصارح بطلنا تيدى _ وقد ظهرت له بشكل غامض فى أحد كهوف الجزيرة _ أنها اكتشفت أن زملاءها الأطباء يقومون هنا بإجراء تجارب على المرضى المساجين، إن ذلك الاضطراب والتضارب فى المعلومات يجعل تيدى يمضى وبشكل تدريجى مضطرد فى حالة من عدم التوازن، الذى يفصح عن نفسه فى شكل نوبات من انبثاق ماضٍ غامض فى وعيه، أو كوابيس تنتابه فى نومه، ويرى فى هذه وتلك خليطا من معلومات يريد الفيلم توصيلها إلينا: فإذا كان زمن الأحداث هو النصف الأول من خمسينيات القرن العشرين، فإن الفيلم يقول لنا إن تيدى كان _ قبل التحاقه بالشرطة _ جنديا فى الحرب العالمية الثانية، ما تزال تقبع فى ذاكرته لحظات احتضار زملائه، واليهود الذين لقوا مصرعهم فى معتقل داشاو فى ألمانيا، ناهيك عن تلك الصورة الخيالية لزوجته الراحلة دولوريس (ميشيل ويليامز) وهى تحتضنه بينما الدماء تنهمر من جسدها كالشلالات، لكى تذوب بين يديه وتختفى كالرماد، ثم تندلع النيران على نحو غامض فى المكان. 

"يبدو" الفيلم هنا وكأنه يصور رجلا عاقلا أتى إلى عالم المرضى النفسيين، فإذا به يتحول شيئا فشيئا إلى المرض النفسي، لأن العالم الضيق الذى وجد نفسه فيه قد أيقظ كوامن اللاوعى الخامدة. "ربما" لذلك تصيب تيدى خلال إجرائه التحقيق ضربات من "الصداع" القاتل، فيعطيه مدير المصحة دكتور كولى (بين كينجسلي) أقراص "الأسبرين" بين الحين والآخر، ويحدثه دكتور كولى عن أن طريقته فى علاج المرضى (الذين يرفض دائما تسميتهم "سجناء") تعتمد على احترامهم والإنصات إليهم، وإن كان يؤمن بضرورة إجراء استئصال لأجزاء من أمخاخهم أحيانا ليصبحوا أسوياء. فى المنطقة الوسطى من الفيلم تضطرب الدراما اضطرابا شديدا، وتدخل فى منعطفات إذا كان المقصود بها مزيدا من دخول البطل تيدى فى حالة من "البارانويا"، فإنها فى الحقيقة تبعدنا أكثر وأكثر عن بؤرة الفيلم، التى سوف نكتشف أنها: "من هو تيدي؟"!! 

سوف أتوقف بك هنا لكى أتركك تعرف الإجابة بنفسك عندما تشاهد الفيلم، لكننى أيضا لن أدعك وحيدا داخل هذا العالم المغلق فى "جزيرة شاترآيلاند"، وسوف أحاول أن أقرأ معك بعض الإشارات التى تبدو عابرة، لكنك عندما تلتفت إليها سوف تساعدك على أن تدخل على نحو أعمق فى جوهر مضمون الفيلم. عليك أولا _ وهذه نصيحتى _ ألا تلتفت كثيرا إلى شخصيات لا تبدو ضرورية على الإطلاق (على عكس القاعدة الدرامية التى تقضى بأنه حتى الشخصيات العابرة يجب أن تكون مقصودة تماما)، مثل الطبيب الألمانى العجوز (الممثل السويدى ماكس فون سيدو، البطل الخالد لفيلم إنجمار بيرجمان "الختم السابع")، أو النزيلين ليديس وجورج نويس، اللذين يثرثران فى مشاهد "مرعبة" دون أن يؤدى وجودهما لتقدم الحبكة إلى الأمام قيد أنملة، ما أود إذن أن تلتفت إليه بحق هو ردود أفعال تشاك ("زميل" تيدى فى رحلة التحقيق)، وكيف أنه لا يجيد إخراج مسدسه من جرابه برغم أنه ضابط شرطة، والطريقة الحميمة التى يحيى بها النزلاء تيدى فى "أول مرة" يرونه فيها، و"اشتراك" تيدى فى جلسات العلاج الجماعى للمرضي، والمعاملة الحازمة من مدير المصحة له فى بعض الأحيان، والحديث عن طبيب نفسى يدعى شيان قام بأجازة قبل وصول تيدى وتشاك مباشرة. 

من نافلة القول _ كما يقول الفصحاء _ الحديث عن براعة سكورسيزى التقنية، وإن كنت أرى دائما أن التقنيات ليست إلا بهلوانيات إن لم يكن وراءها أهداف جمالية، سوف تلاحظ هذه الجماليات فى اختيار سكورسيزى لصبغة "السيبيا" المائلة لدرجات اللون البنى فى معظم أجزاء الفيلم (لقد كانت الصبغة السائدة فى الفيلم الملون خلال الخمسينيات)، بينما لا تدخل الألوان البيضاء والخضراء والزرقاء إلا فى بعض مشاهد الزوجة التى ماتت، والمشهد الختامى الذى يمضى فيه تيدى نحو اختيار يبدو صعبا لكنه أمله الوحيد فى هذه الرحلة التى بدأت كمحاولة اكتشاف لاختفاء شخص، وتحولت إلى رحلة لاكتشاف الذات، وفى النهاية أصبحت رحلة للتخلص من هذه الذات!! أرجو أن تلتفت أيضا إلى الأسلوب "التعبيري" فى الإضاءة من مصدر واحد، وزوايا الكاميرا الحادة، والمونتاج القافز، فهى تؤكد جميعا هذا العالم المشوه الذى دخله تيدي، أو لعله كان يقيم فيه دائما. 

إن هذه "التعبيرية" تربط فيلم "جزيرة شاترآيلاند" بأفلام مثل "مقصورة الدكتور كاليجاري" للمخرج الألمانى روبرت فِينِه، و"المسحور" لهيتشكوك، و"استعراض ترومان" لبيتر وير، إنك لا تعرف فى هذه الأفلام أين يقع الخط الفاصل بين الحقيقة والوهم، أو بين الماضى والحاضر، أو بين الذات والعالم، أو إذا ما كانت "مؤسسات المجتمع" تسعى إلى صالحنا أم تستخدمنا كأدوات لتحقيق مصالحها. كنت أتمنى أن يعطى سكورسيزى كل اهتمامه لهذه الفكرة الكامنة فى فيلمه، والتى تتردد أصداؤها بين الحين والآخر فى جمل الحوار لكنها تضيع بسبب رغبته فى صنع فيلم "رعب" يحقق نجاحا جماهيريا أيضا، أرجو أن تتأمل هذا المضمون بعد أن ترى الفيلم: "المؤسسة" التى تبدو حانية وطيبة هى فى الحقيقة لا تسعى إلى "شفائنا" حقا، بل إلى إجراء التجارب علينا، وإذا نطقنا بالحقيقة سوف يقولون إننا مجانين ولن ينصت لنا أحد. وإذا كان سكورسيزى قد أكد على "جنون" الحضارة الغربية، والأمريكية خاصة، فى أفلام سابقة لعل أهمها فى هذا المجال "عصابات نيويورك" (صدقنى هذه الفكرة موجودة فى كل أفلامه حتى "عصر البراءة")، فإنه هنا يعيد التأكيد عليها: إنها حضارة تعيش فى دائرة مفرغة من العنف، والاضطهاد العنصري، والحرب، والقتل، وتحويل الناس إلى ضحايا حتى يتحول الضحية إلى وحش ("الجروح تخلق الوحوش" كما جاء بالنص فى الفيلم)، والحل عند هذه الحضارة هو استئصال جزء من المخ ليصبح الإنسان "بلا ذاكرة، بلا ألم، سوبرمان"، ولا يصبح أمام مثل هذه الحضارة إلا الاختيار المأساوى لها وللعالم، كما تلخصها الجملة الأخيرة لتيدى فى الفيلم: "ما هو الأفضل: أن تعيش كوحش، أم تموت كإنسان طيب؟"، وياله من اختيار! 

العربي المصرية في

14/03/2010

 

فيلم أصرخ ... صرخة شوق جولانية

عاصم الجرادات 

تنقل المخرجتان الهولنديتان  "سابين لوبه باكر"، و"استر غولد" صرخة الشوق للأرض المحتلة وراية الوطن الأم التي أطلقها الطالبان بيان، وعزت من الجولان السوري المحتل من خلال الفيلم التسجيلي "أصرخ" الذي عُرض في افتتاح أيام سينما الواقع DOX BOX في دمشق بصالة الكندي . ويعتبر هذا العرض هو الأول عالمياً مع العلم أن الفيلم انتاج سنة 2009.

وتمثل فكرة الفيلم بحد ذاتها أهمية كبرى كون الإخراج والإنتاج أوروبي، والقضية المطروحة تعاني من الظلم المعلوماتي في الغرب لذلك فإن عملية تسليط الضوء عليها من خلال كاميرا أوروبية يعدُ انجازاً.

قبل مغادرة الجولان:

يبدأ الفيلم من هناك في الجولان المحتل حيث يعد "عزت" العدة للتوجه نحو دمشق للدراسة في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتقدم المخرجتان صورة واقعية مركزة على أدق التفاصيل قبل مغادرة الجولان، وترسم الشعور الذي ينتاب أهل "عزت" بأسلوب يبرز الحس الوطني لدى أهالي الجولان، لكن تتوجه الكاميرا في مشهد مُغرق في العفوية إلى الحد يظن المتابع أن المشهد درامي عندما يُظهر الفيلم كيف يُودع الطالب "بيان" الذي سيدرس الطب في جامعة دمشق أصدقاؤه بطريقة إلى حد ما شكلت إساءة للشباب الجولاني حيث أظهرتهم هم يسكرون ويتبادلون الشتائم.

هما في دمشق:

ها هي دمشق تحتضن في ليلها ونهارها الطالبان "عزت" و"بيان"، وتفاجئ المخرجتان الجمهور بلقطات كوميدية تصور الواقع السوري بحيثياته التي يعيشها كل يوم المواطن السوري، وبدأ عزت وبيان في الخوض في غمار تلك الحياة التي ربما تختلف تماماً عما كانوا فيه هناك في الجولان. وعايشت كاميرا المخرجتين حياة عزت وبيان اليومية.

انخرط الطالبان الجولانيان في المجتمع الدمشقي، ومعهم بدأ الفيلم يصور ذاك الانخراط بكل ما يحمله من تفاصيل دقيقة فشاهدنا الكاميرا تجوب في منزلهم أثناء طبخهم، وتخرج معهم في الأسواق، ولتسهر بجانبهم في محلات الرقص، وتجوب بصحبتهم شوارع  دمشق، وتقف عند مفاصل دراستهم، دون التدخل أو تقديم الأفكار والتعليق.

ومع مرور الوقت في البعد عن الجولان يتوجه بيان وعزت نحو الحدود ليطلقان صرخة تبحث عن الاطمئنان على أُمٍ أو أب وربما أُخت وكذلك أصدقاء.

جد عزت:

قدم الفيلم نموذجاً عن ولاء الجولانين للوطن الأم من خلال شخصية جد عزت الأسير السابق الذي التقته المخرجتان قبل وفاة حيث أفرط في الحديث عن قضيته وأرضه الجولانية المحتلة، رغم ان سؤال المخرجة كان يتمحور حول حفيده عزت، عادت الكاميرا إلى الجد لكن هذه المرة  من خلال حديث عزت عنه بعد وفاته وما قدمه للوطن  من تضحيات يفخر بها.

إلى الجولان من جديد:

من على جبل قاسيون يودع عزت وبيان دمشق على أمل العودة إليها مع بداية الموسم الدراسي المقبل، ويدور حوار حول جمالية الشام، وصعوبة العيش هناك في الجولان حيث يعارض بيان عزت في تلك الفكرة.

يعود الطالبان إلى أهلهم وأرضهم وباستقبالهم دموع وأشواقٌ وأحضان في مشهد عاطفي مؤثر استطاعت المخرجتان صنعه بطريقة واقعية بعيدة عن التمثيل الدرامي الذي ربما طغى على عزت في بعض مشاهد الفيلم الدرامية إلا أن المخرجتان عقب الفيلم أكدتا على أن العفوية التي كانت تخرج من عزت وبيان ساعدتا على إنجاز وإنجاح الفيلم.

دمشق ... مجدل شمس ... دمشق ... مجدل شمس فبيان يريد البقاء في المجدل وعزت يجد حياته في دمشق فإنه الحوار وربما الصراع الذي دار بين بيان وعزت في العطلة الصيفية على إحدى تلال مجدل شمس.

وينتهي الفيلم عند كتابة أن بيان يبقى في مجدل شمس وعزت يتابع دراسته في دمشق.

 

ملاحظة:

يقف الفيلم عند حد معرفة من هو الوطن "الجولان أم سورية" ليفتح صراعاً بين أبناء الجولان هو العيش تحت راية الوطن الأم "سورية" أم التمسك والعيش بالأرض المحتلة.

من هنا يؤخذ على الفيلم من ناحية المضمون إغفاله نقطة حساسة جداً أو عدم التركيز عليها بالقدر الكافي وهي أن الجولان جزء من سورية حيث اكتفى الفيلم بالتطرق إلى هذه الفكرة في بدايته على لسان عزت عندما قال "حاجة نحكي الجولان وسورية فهم واحد".

شكلاً:

أما من ناحية الشكل فالفيلم نجح في رسم صورة وتقديم المضمون بطريقة فنية جذابة بعيداً عن التقليدية وكسر حاجز الملل والوصول بأسلوب الإخراج إلى معايشة دقيقة للحالة التي سُلط الضوء عليها، ولا بد من الإشارة إلى أن الكاميرا  وطريقة التصوير اليت كانت جزء من الطالبان وكأن أحدهما يصور الآخر أو أنهما كانا يتحدثان دون كاميرا فلم تفرض رهبتها على الحياة المُصورة.

الجزيرة الوثائقية في

14/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)