حول الموقعخارطة الموقعجديد الموقعما كـتـبـتـهسينما الدنيااشتعال الحوارأرشيف الموقع 

جين هاكمن المعتزل منذ 2004:

أرتاح الآن للكتابة وإن لم أكن كاتباً عظيماً

ريما المسمار

دخل فيلم دونالد بتري الكوميدي "مرحباً بكم في موزبورت" Welcome to Mooseport (2004) تاريخ السينما ليس لأنه فيلم كبير أو لأنه محاولة الممثل الكوميدي راي رومانو الأولى (والأخيرة) إطلاق مسيرته السينمائية، بل لأنه يسجل الظهور السينمائي الأخير للممثل الكبير جين هاكمن. هكذا اختتم الأخير أربعين عاماً سينمائياً حافلاً بشخصية "مونرو كول" في "موزبورت"، الرئيس الأميركي الاسبق الذي ينافس رجلاً في البلدة على مركز "المحافظ" ويفوز به كما يفوز بقلب سكرتيرته. بعده، اعتزل جين هاكمن التمثيل بالسمو والوقار الهادئين اللذين لخصا مسيرته السينمائية المدهشة طوال أربعين عاماً. لم يكن هنالك إعلان ولا بيان صحفي. تراجع بهدوء الى حياة بلا شهرة ولا أضواء، ولم يدرك كثيرون ذلك الا بعد مرور سنوات، عندما صرّح في العام 2008 انه اعتزل التمثيل. ولكن حتى ذلك التصريح لم يؤخذ على محمل الجد. أفلم يعلن زميله شون كونوري اعتزاله في الوقت عينه ليتراجع عنه لاحقاً مشاركاً في فيلم تحريك ولعبة فيديو بصوته؟ ولعل جزء من عدم تصديق هكذا تصريحات يكمن في اعتقادنا الراسخ بأن التمثيل انما "مرض" و"إدمان" لا سبيل الى الشفاء منه. وان الاعتزال ليس الا تعبيراً عن "قرف" آني لن يلبث أن يزول مع أول عرض تمثيلي ملائم يتلقاه الممثل. وإذا كان كونوري يشكل مثالاً على ذلك حيث ان اعتزاله جاء كردة فعل على خلاف كبير نشب بينه وبين مخرج آخر أفلامه ستيفن نورينغتن (The League of Extraordinary Gentlemen)، فإن ذلك قد يدفع بنا الى تخيل هاكمن يسأل نفسه بعد مشاهدة Welcome to Mooseport "ما هذا الذي أفعله؟" كل تلك النظريات ممكنة ولكن من الممكن أيضاً أن تنتهي الأشياء: الحب والشغف والعشق والدوافع...

على أن هاكمن- في حوار نادر الى مجلة "إمباير" السينمائية نُشر في عدد كانون الثاني 2010- أعلن، تزامناً مع عيد ميلاده الثمانين: "أنا متقاعد رسمياً ولا شك في ذلك"، مؤكداً استحالة عودته الى التمثيل مهما اكن العرض مغرياً، مهنياً بالطبع. لا خدع إذاً في اعتزال هاكمن بل وضوح وبساطة: "القشة التي قصمت ظهر البعير كانت في الواقع فحص طبي للقلب خضعت له في نيويورك، قال لي الطبيب على أثره ان قلبي في وضع لا يتحمّل تعريضه لأية ضغوطات."

اليوم، يقضي هاكمن أوقاته في منزله في "سانتا فيه" برفقة زوجته بيتسي أراكاوا "نشاهد الافلام التي تستأجرها زوجتي. نحب القصص البسيطة التي ينجح بعض الافلام صغيرة الموازنات بانتاجها". إلى ذلك، يمارس صيد الاسماك والرسم، الهوايتين اللتين دأب عليهما منذ زمن بعيد. ولكن ليس ذلك كل شيء إذ اختار الممثل العتيد ان يبدأ مهنة جديدة ككاتب. بدأ ذلك قبل قراره الاعتزال وتحديداً في العام 1999 الذي شهد صدور روايته الأولى من نوع المغامرات التاريخية "يقظة نجمة بيرديدو" Wake of the Perdido Star، بينما كان منهمكاً بفيلميه "تحت الاشتباه" Under Suspicion و"البدلاء" The Replacements. لم يكن هاكمن وحيداً في مغامرته الكتابية تلك التي أثمرت جزءين آخرين ("العدالة من أجل لا أحد" Justice for None و"الهروب من أندرسونفيل" Escape from Andersonville) صدرا في 2004 و2008 تباعاً. بل كان شريكاً لدانييل لانيهن عالم الآثار الذي التقاه خلال تحضيره لدوره في فيلم "الشركة" The Firm (1993) الذي تطلّب ان يتقن الغطس، فكان لانيهن مدربه.

لا أوهام عند هاكمن. هو يدرك ان عمله الكتابي لم يحقق الى الآن قيمة أدبية رفيعة ولكنه "يريحني كثيراً"، متابعاً: "لا أتصور نفسي كاتباً عظيماً ولكنني أستمتع بعملية الكتابة جداً... صحيح انها تتطلب الكثير من البحث وذلك يشكل نوعاً من الضغط ولكنه مختلف عن ضغط الأفلام. انه ضغط أستطيع التحكم به لأانني هنا أجلس وحدي بينما هناك ثمة تسعون شخصاً من حولك ينتظرون ان تسليهم!"

على الرغم من ان تحول هاكمن الى الكتابة يبدو طبيعياً بالنظر الى اسرته (والده كان ناشراً وجده وعمه مراسلين صحفيين) إلا ان المتابع لا يسعه الا أن يتساءل لماذا لا يظهر اسمه على اي من الافلام الثمانين التي أنجزها ككاتب او مساهم في الكتابة؟ والواقع ان الممثل حاول. في أواخر الثمانينات، اشترى حقوق رواية من نوع الجريمة وقرر اقتباسها في سيناريو سينمائي ولعب الدور الاساسي فيه. ولكن إخلاصه الشديد للرواية جعله يكتب سيناريو من 300 صفحة وهو لم ينهِ بعد أكثر من مئة صفحة منها! هكذا اكتشف انه ليس متمرساً في هذا النوع من العمل فتركه ليندم لاحقاً. تلك الرواية كانت في الواقع "صمت الحملان" Silence of the Lambs التي تحولت فيلماً شهيراً، أخرجه جوناثن ديمي ولعب بطولته أنتوني هوبكنز وحصد جوائز كثيرة وجماهيرية كبرى. "كانت لدي على الأقل نظرة جيدة في اختيار المادة" يقول معزياً نفسه، في ما هو نوع من النقد الذاتي الذي لا يمكن ان يحتمله سوى رجل عرف المجد في ميدان آخر. وبعد محاولة اقتباس أخرى لم تقنعه، توقف هاكمن عن التجربة الى أن عاد وحمل القلم في منتصف التسعينات بمشاركة لانيهن. اليوم وبعد ثلاثيتهما المشتركة، انفض فريق هاكمن-لانيهن، فاتجه الأخير الى الكتابات التوثيقية بينما يعمل الأول حالياً على رواية من نوع "الويسترن".

لعله من المغري ـ وان لم يكن من الدقة التامة- أن نعتبر الكتابة حلم الممثل من حيث انها تمكنه من استنباط ولعب شخصيات كثيرة. ولكن هاكمن يصور في رواياته أبطالاً من النوع الذي لم يلعبه: المزيج من الشر والوسامة والخير. بطل لم تكن ملامحه لتمكنه من لعبه في الثلاثينات والاربعينات، فإذا به يتحول الوجه النموذجي لكل ما هو أصلي في السينما الأميركية الجديدة في الستينات والسبعينات. فكيف تمكن هذا الوجه من شق طريقه بملامحه غير النموذجية ومن دون بريق الشباب الذي كان قد تجاوزه عندما صنع "بوني وكلايد" Bonnie and Clyde (1967) اسمه؟

لعل جين هاكمن هو الممثل الأوحد من بين مجايليه على الاقل الذي تمكن من أن يقتحم السينما بنجاح كبير وهو على عتبة الأربعين. قبلها، التحق المراهق بالمارينز وخدم أربع سنوات قبل ان يُسرح بسبب كسور في ساقيه جراء حادث دراجة نارية. في نيويورك، تقلّب في وظائف صغيرة في الاذاعة والتلفزيون ومن ثم قرر الالتحاق بجامعة "باسادينا بلايهاوس لفنون المسرح" في كاليفورنيا حيث كان أكبر الطلاب (26 عاماً). هناك، نشأت صداقة بينه وبين داستن هوفمن ابن التاسعة عشرة وقتذاك وكذلك مع روبرت دوفال وجايمس كان وجو فويت وروبرت ردفورد. شكل هؤلاء جيلاً طموحاً من الممثلين الساعين خلف خطى مارلون براندو الذي كان قد سبقهم الى السينما عبر بوابة المسرح، معيداً كتابة "قوانين" التمثيل السينمائي في دوره السينمائي الأول في "عربة تُدعى الرغبة" A Streetcar Named Desire عام 1951. بعد الأدوار الضرورية العابرة في التلفزيون والسينما والمسرح، حصد هاكمن الاعتراف بدور ثانوي في "ليليث" Lilith (1964) قبالة وارن بيتي الذي دعاه الى التمثيل في فيلمه التالي "بوني وكلايد". هكذا انضم الى عصبة الممثلين الجادين بعد تجارب صغيرة قليلة. مثل صديقه دوفال، حطّ هاكمن على الشاشة محمّلاً بتجربة انسانية غنية وملامح ناضجة وترك نفسه منذ ذلك الحين يشيخ على مرأى من الجميع. القول ان هاكمن يمثل "كل رجل" على الشاشة بات ضرباً من "الكليشيه" الذي يختزله أمثال توم هانكس اليوم (وجايمس ستيوارت في الماضي)، ومرادفاً للحفاظ على "موضوعية" تمكّن المشاهد، اي مشاهد، من رؤية نفسه في الشخصية. والاهم ان هذا النوع من الشخصيات يحافظ دوماً على قناع "الذكورة". ولكن هاكمن لم يكن من ذلك النوع وغالباً ما كان يترك ذلك القناع يفلت منه. فالشخصية السينمائية تخرج من بين يديه معجونة ببصمته وملامحه وفيزيولوجيته. لعل قيمته الحقيقية تكمن في انه يستطيع ان يكون مقنعاً في أي دور يلعبه وان المشاهد نادراً ما يعثر على لحظة في أدائه تنم عن "تمثيل". وهذا تماماً ما أراده الممثل الذي مال الى البحث كثيراً من دون ان يحمّل الشخصية التي يؤديها الاحساس بأنها تنتمي الى جهد بحثي عميق. إنه هذا المزج بين تقمّص الشخصية وبين التعبير الآني والطازج عنها الذي أتقنه هاكمن وكان من علاماته المميزة.

ولكن مسيرته السينمائية كانت أشبه بالافعوانية. السبعينات مثلاً، شهدت أفضل أفلامه واسوأها: The French Connection (1971) وThe Conversation (1974)، Night Moves (1975) في الكفة الأولى ومن ثم أربعة أفلام فاشلة- Lucky Lady، The Domino Principle، A Bridge too Far وMarch or Die- دفعته الى اعلان اعتزاله في العام 1977 بعد النجاح الجماهيري لفيلم Superman. بعد نحو ثلاث سنوات، أعاده بيتي الى السينما بدور صغير في Reds (1981)، اكتشف بعده ان اعتزاله "نوع من الموت".

ولكن هاكمن كان دائماً ناقد نفسه الأول. والواقع ان الممثل الخمسيني مل من مشاهدة نفسه في أدوار العجوز (كما صرح في العام 1977) في حين انه كان يشعر بأنه شاب من داخله. وعلى الرغم من انه كان ينعت نفسه بـ"الممثل القبيح"، إلا انه لم ينجُ من التأطير. كتبت بولين كايل عن أدائه في "لم أغنِ لوالدي قط" I never Sang to my Father (1969): "على الرغم من انه ليس وسيماً، الا انه يملك وجهاً معبراً ومثيراً للاهتمام." أما ألكسندر ووكر، فوصف شخصيته في The French Connection بالقول: "ممثل شخصيات ليس جميلاً ولكنه قوة من لحم وعظام ودم." اما المخرج مايكل ريتشي الذي أداره في Downhill Racer (1969) وPrime Cut (1972)، فاستنتج، بناءً على تركيبة هاكمن، انه ابداً "لا يحصل على الفتاة".

مثل براندو، لم تكن أفلام هاكمن العظيمة كثيرة، ولكن حتى في أفلامه العادية هناك قيمة لتمثيله كما هي الحال مثلاً في The Poseidon Adventure (1972) حيث لعب فيه دور الكاهن "فرانك سكوت" الأقرب الى المفهوم البطولي التقليدي في السينما والذي خرج من بين يديه ممزوجاً بهشاشة وأنثوية درامية. او حتى أدواره في أفلام حديثة نسبياً مثل Heart breakers (2000) وThe Royal Tenenbaums التي بعيداً من قيمة الافلام نفسها تحتفظ بقيمتها الخاصة وتضيف الى الافلام.

تلك الرقة كانت من المميزات الاساسية للشخصيات التي لعبها في السبعينات. ولا يملك المرء الا أن يتساءل إذا ما كان لنشوئه في عائلة محطّمة (والده ترك العائلة وهو لما يتجاوز الثلاثة عشر عاماً) من دون أب دور في ذلك كما يظهر جلياً في فيلم I never sang to my Father.

ولكن على الرغم من تتلمذه على يد جورج موريسن في مدرسة "التمثيل المنهجي"، لم يكن هاكمن من المؤيدين لأسلوب ان "يصير" الشخصية بل كان ميالاً الى "تمثيلها" ببساطة. في حواره مع لاري كينغ عام 2004، تحدث عن كيفية استخدامه "ذكريات حسية" ليبني لحظة الغضب في أدائه. ولكن "تعويذته" الاثيرة كان يختزلها كالتالي: "احفظ حوارك، أصب أهدافك". بعد مشاركته في Unforgiven (1992)، أشاد بكلينت ايستوود كمخرج: "لأنه ممثل فهو يعرف ما الذي يتجاوب الممثل معه. لا يقدم الكثير من الصور على طريقة فكر بهذا او ذاك...". ايستوود واحد من مخرجين قلائل تركوا أثراً عند هاكمن الى جانب آرثر بين وتوني سكوت الامر الذي يعزوه الممثل الى "كيمياء" بينه وبينهم. ولكن أبعد من الكيمياء، ارتاح إليهم لأنهم لا يوجهون الممثل كثيراً وهاكمن باعترافه يواجه مشكلة مع الاشخاص في مواقع السلطة.

لم يقم هاكمن بإخراج فيلم. ولم يفعل شيئاً في السينما سوى التمثيل باستثناء تجربة واحدة كمنتج منفذ على فيلم Under Suspicion (1999) قبالة مورغن فريمن. كان بلغة هوليوود "متوحداً"، يبتعد من الأضواء ويمارس هوايات بعيدة من السينما (الطيران وسباق السيارات في الماضي والرسم لاحقاً). وحين يُسأل عن سبب عدم معاشرة زملائه الممثلين، يقول بوضوح: "يتحدثون عن أدوارهم وتمثيلهم وأنا لا شيء عندي لأقوله عن ذلك لأنني حين أمثل لا أفكر كثيراً."

كيف إذاً تحول هذا الرجل الى نصير الموجة الجديدة في السينما الأميركية؟ يكفي ان نستعيد The Conversation أفضل أدواره على الإطلاق لندرك ذلك. هنا، باختصار شديد، نشاهد هاكمن في دور المتخصص بالمراقبة "هاري كول" يزرع أجهزته التنصتية في ملابس رجل وامرأة وفي غرفة الفندق الخاصة بهما. انه مكلف بتسجيل حواراتهما وتسليمها الى شركة خاصة يملكها هاريسون فورد ومكلفة من قبل روبرت دوفال مراقبة الثنائي. ولكن شكوك "كول" تزداد دافعة به الى اتخاذ طرف في الموضوع. إن التفاصيل التي اشتغل عليها هاكمن مع المخرج فرانسيس فورد كوبولا لتلوين هذه الشخصية المنعزلة والهشة، وكيفية أداء هاكمن لها متقبلاً بين الهشاشة فالسيطرة فالانهيار ستبقى شهادة حية على عظمة هذا الممثل ومكانته السينمائية الرفيعة.

المستقبل اللبنانية في

12/03/2010

 

رسالة مفتوحة لكياروستامي

احتجاجاً على اعتقال السلطة الإيرانية باناهي

أكثر من عشرة أيام مرت على اعتقال السلطات الايرانية المخرج جعفر باناهي في منزله مع زوجته وابنته ومجموعة من ضيوفه. وفي حين تم اطلاق سراح الابنة والزوجة قبل يومين، لايزال باناهي معتقلاً مع آخرين من بينهم المخرج محمود رسولوف. وفي تصريح رسمي مثير للضحك والسخرية، صرحت السلطات الايرانية بأن اعتقال باناهي جاء نتيجة للاشتباه بارتكابه "جرائم قتل"، يجري التحقيق فيها. المقربون من المخرج الذي ينتمي الى جيل ما بعد الثورة في السينما الايرانية المستقلة أكدوا شروعه بمشروع سينمائي حول المظاهرات التي عمت ايران مؤخراً. وقبل نحو شهر، مُنع السينمائي من السفر الى برلين لحضور مهرجانها السينمائي على أثر حضوره جنازة ندى آغا سلطان. ولكن حتى بعيداً من ذلك، يسهل القول ان باناهي عنصر "مزعج" للسلطة لاسيما منذ فيلمه "الدائرة" (2000) الذي حاز جائزة الاسد الذهب في مهرجان البندقية ولاحقاً بفيلم "ذهب قرمزي" Crimson Gold و"تسلل" Offside. باناهي الذي بدأ مسيرته السينمائية مساعداً في بعض أفلام السينمائي عباس كياروستامي، أخرج فيلمين من كتابة كياروستامي "البالون الأبيض" The White Balloon (1994) وCrimson Gold (2003). ومثل كياروستامي، لم يتمكن باناهي من الحصول على إذن رسمي بعرض أفلامه داخل إيران. مع استمرار اعتقاله منذ الاول من آذار/مارس الجاري، وجّه عباس كياروستامي رسالة مفتوحة، نشرتها الصحف يوم الثلاثاء الفائت. على الرغم من ان الرسالة تحافظ على نبرة غير استفزازية وهو الأمر الذي اُخذ أحياناً على كياروستامي (اعتبره المخرج بهمان غوبادي انه لا يتخذ موقفاً نقدياً من الحكومة الايرانية)، إلا ان رسالته تلفت الأنظار عالمياً الى باناهي ولا تخلو من موقف صارم لسينمائي عالمي اختار أن ينأ بنفسه عن شد الحبال والتركيز على عمله الإبداعي. هنا ترجمة لرسالة كياروستامي.

ر.م. 

لا أعرف تماماً الى من أتوجه بهذه الرسالة، ولكنني أعلم لماذا أكتبها وأؤمن بانها، في ظل هذه الظروف، خطيرة ومحتومة في آن معاً، لأن مخرجين ايرانيين، كلاهما اساسي في تيار السينما الايرانية المستقلة، اعتُقلا. كسينمائي منتمٍ الى نفس السينما المستقلة، فقدت الامل منذ سنوات طويلة في أن أعرض اياً من أفلامي داخل إيران. كما انني، وبإنجازي أفلاماً ذاتية منخفضة الموازنة، فقدت الأمل منذ زمن بعيد في الحصول على اية مساعدة او دعم من وزارة الإرشاد والثقافة الاسلامية، القيّمة على السينما الإيرانية.

تحولت الى التصوير الفوتوغرافي لكسب عيشي ولأنفق على أفلامي غير المكلفة. حتى أنني لا أعترض على نسخ وتوزيع أفلامي غير القانوني لأنها طريقتي الوحيدة للتواصل مع ناسي. ومنذ سنوات، لم أعترض على هذا التجاهل من قبل الوزارة والسلطات السينمائية.

حتى وإن اخترنا ان نغض الطرف عن حقيقة ان القيمين على السينما في البلاد الذين يشكلون الجسم الثقافي الاساسي للحكومة، يميزون منذ سنوات بين "مخرجيهم" وبين المخرجين المستقلين، مازلت أعتقد بأنهم غافلون عن السينما الايرانية المستقلة. صناعة الافلام ليست جريمة. انها أداتنا الوحيدة لنعيش وهي بهذا لم تعد خياراً فقط، بل حاجة حيوية.

لقد عثرت على حلولي الخاصة للمشكلة. أنجز أفلامي القصيرة المستقلة بعيداً من الدعم التقليدي الممنوح للمجتمع السينمائي، وآمل ان أحصل على بعض الاعتراف للناس الذين أحبهم والبلد الذي آتي منه. أحياناً تدعو الحاجة الى العمل خارج حدود بلدي بما هو ليس خياري الشخصي ولا رغبتي.

ولكن آخرين مثل جعفر باناهي، يحاولون منذ سنوات الحصول على دعم رسمي، سائرين على نفس الطريق المحبطة ليُواجهوا في نهاية المطاف بالابواب المغلقة عينها. هو أيضاً يأمل منذ سنوات في الحصول على عروض جماهيرية لأفلامه وعلى الدعم الرسمي من الجهات الحكومية المعنية. لا يزال يؤمن بأنه، وبناءً على مزايا أفلامه وعلى الاعتراف الذي حصدته، يستطيع العثور على حلول شرعية لمشكلته. إن وزارة الإرشاد والثقافة الاسلامية مسؤولة مباشرة عما حدث لجعفر باناهي. وإذا كان من خطأ ارتكبه فإنه نتيجة مباشرة لسوء إدارة الموظفين الرسميين في القسم السينمائي في الوزارة ولخططها القاصرة التي لا تترك خياراً أمام المخرج إلا اللجوء الى طرق تعرّضه للخطر. هو أيضاً يعيش من خلال السينما.

بالنسبة اليه ايضاً، السينما حاجة حيوية. فهو يحتاج الى أن يُسمع ويملك الحق في أن يتوقع من المسؤولين السينمائيين أن يسهلوا هذه العملية بدلاً من أن يتحولوا الحجر العثرة الاساسية. لعل المسؤولين في الوزارة لا يستطيعون الآن حل مشكلة جعفر باناهي، ولكن عليهم أن يعلموا انهم المسؤولون اليوم ومنذ سنوات عن العواقب الوخيمة والانعكاسات الكريهة والمضادة للثقافة لسياساتهم في الاعلام العالمي.

ربما لست من مناصري اسلوب جعفر باناهي المتطرف والمثير ولكنني أعلم ان سبب محنته لم يكن نتيجة خيار وانما إكراه محتوم.

انه يدفع ثمن سلوك الموظفين الرسميين الذين أغلقوا كل الابواب في وجهه ولم يتركوا أمامه سوى طرق مسدودة.

مشكلة جعفر باناهي ستُحل في نهاية المطاف ولكن هناك الكثير من الشباب الذين اختاروا فن السينما كمهنة ووسيلة تعبير. هنا تصبح مهمة وزارة الارشاد والثقافة الاسلامية خطيرة وحساسة، حيث يواجهون مجموعة كبيرة من الشباب الايراني الذي يطمح الى العمل المستقل وبعيداً من عرقلة الاجراءات الرسمية والخلل القائم.

جعفر باناهي ومحمود رسولوف مخرجان من السينما الايرانية المستقلة، تلك السينما التي كانت خلال ربع القرن الفائت عنصراً ثقافياً اساسياً في نشر اسم هذا البلد في العالم. وهما ينتميان الى ثقافة عالمية أوسع وجزء من ثقافة سينمائية دولية. أتمنى إطلاق سراحهما الفوري من السجن مؤمناً بأن المستحيل ممكن. وأمنيتي القلبية أن يتوقف اعتقال الفنانين في هذا البلد بسبب فنهم.

هذه مسؤوليتكم والتعريف المطلق لوجودكم.

المستقبل اللبنانية في

12/03/2010

 

"شاشات الواقع" بنسخته السادسة في متروبوليس بين 23 و31 آذار

استضافة مخرجين لبنانيين وأعمال وثائقية عن الموسيقى والمهاجرين وحقول القتل 

تستقبل بيروت مجدداً تظاهرة "شاشات الواقع" Ecrans du Réel التي تنظمها البعثة الثقافية الفرنسية لسفارة فرنسا في لبنان بمشاركة "كالتشرزفرانس" (CulturesFrance) وشركتي "متروبوليس" و"أمم"، وبالتعاون مع "بيروت دي سي" ومهرجان مرسيليا الدولي للفيلم الوثائقي (FID). وتنعقد الدورة السادسة بين 23 و31 آذار/ مارس حيث ستُقدم العروض في سينما متروبوليس أمبير ـ صوفيل، بينما ستستضيف "أمم" يوم الثاني من نيسان/أبريل فيلماً وحيداً (البحث عن حسن) في إطار برنامجها "وجهاً لوجه ما كان". الجديد الذي تقدمه "شاشات" هذا العام هو اختيارها مجموعة من الأفلام اللبنانية في البرنامج المخصص في العادة للإنتاجات الوثائقية الفرنسية. وبهذه الخطوة، يتمثل "شاشات" بأخيه الأكبر "مهرجان السينما الأوروبية" الذي ينعقد في بيروت سنوياً منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. فالأخير أيضاً أضاف في مرحلة ما الى برنامجه الفرنسي الخالص أفلاماً لبنانية طالبية الى أفلام محترفين، ساهم في ترميمها مع مؤسسة "سينما لبنان". ولعلّ هذه الخطوة، سواء أفي المهرجان الروائي أو الوثائقي، تهدف الى تثبيت المهرجان في المشهد المحلي وتوسيع شريحة مشاهديه المحليين. ولكن "شاشات الواقع" ظلّ وفياً لأهدافه عند اختيار الافلام اللبنانية. ذلك ان فكرته تقوم، بحسب أحد القيمين عليه، على رغبة في فرد مساحة للانتاج الوثائقي الذي نادراً ما يجد الجمهور فرصة لمتابعته، خارج المهرجانات المتخصصة القليلة وبعيداً من شاشات التلفزة التي دخلت قبل بضعة سنوات على خط انتاج الوثائقي. يركز مهرجان "شاشات الواقع" على الافلام الوثائقية ذات الانتاج الفرنسي الخالص او المشترك التي عُرضت في صالات سينمائية في فرنسا واوروبا او حازت جوائز مهمة. وهو يضيف هذا العام الى تشكيلته أربعة أفلام لبنانية في إطار "مخرجون ضيوف" هي: "فيلم الترحيب والوداعات" Film of Welcome and Farewells لكورين شاوي الذي يفتتح التظاهرة (الثامنة مساء 23 آذار) متبوعاً بشريط غسان سلهب "1958"؛ "هش" Vulnerable لرين متري؛ "أمي، لبنان وأنا" Maman, le Liban et Moi لأولغا نقاش. كذلك يمنح المهرجان هذا العام "كارت بلانش" للمخرجة إيليان راهب مديرة مهرجان "أيام بيروت السينمائية" لاختيار ثلاثة أفلام استقرت على فيلم ثانٍ لكورين شاوي هو "أوكسيجين" (2007) وشريط لريهام عاصي في عنوان "زهرة المنسية" (2010) وثالث للسورية سوداد قعدان في عنوان "مدينتان وسجن" (2008).

إلى راهب، يستضيف المهرجان مبرمجاً آخر هو نيكولا فيودورف من مهرجان الفيلم الوثائقي في مرسيليا. من اختياره، يعرض البرنامج أربعة أفلام هي: "غريب: أجساد أجنبية غريبة" Outlandish- Strange Foreign Bodies (2008) لفيليب وارنل؛ "ناهيد= فينوس" Nahied=Venus (2008) لباريسا يوسف دوست؛ "خرائط الفيديو: عايدة، فلسطين" Videomappings: Aida, Palestine (2008) لتيل روسكنز؛ "البحث عن حسن" Searching for Hassan (2009) لإدوار بو.

بعيداً من الأفلام اللبنانية واختيارات المبرمجين الضيوف، يتألف البرنامج من أفلام وثائقية طويلة من إنتاج فرنسي او فرنسي مشترك. "الواصلون" The Arrivals (اخراج كلودين بوريس وباتريس شانار) يتناول موضوع المهاجرين الوافدين الى باريس وعلاقتهم بأخصائيتين اجتماعيتين بأسلوب يجمع بين السخرية والكوميديا والدراما؛ "كدمات" Ecchymosis (إخراج فلور ألبير) يطرح قضايا العائلة والحب والمدرسة والمجتمع من خلال يوميات "أنيك" الممرضة المدرسية؛ "لا تهمنا الموسيقى في كل الأحوال" We Dont Care about Music Anyway (إخراج سيدريك دوبري وغاسبار كوينتز) يرصد عمل ثمانية موسيقيين يابانيين طليعيين؛ "القطة، الكاهن والعبد" The Cat, the Reverend and the Slave (إخراج آلان ديللا نيغرا وكاوري كينوشيتا) تجربة مختلفة ترصد مجتمعات مغلقة ذات عادات ومعتقدات متطرفة؛ "اللقاء" La Rencontre أحد فيلمين للمخرج المعروف آلان كافالييه، من انتاج العام 1996 أشبه بيوميات سينمائية له ولحبيبته بينما يتبادلان الآراء حول مفهوم الجمال. الفيلم الثاني، Irene، هو أحدث أفلام كافالييه من انتاج 2009، وفيه يتناول ذكرياته عن زوجته الراحلة "إيرين" التي توفيت في العام 1972 جراء حادث سير، رجح انه انتحار، وكيفية تأقلمه مع رحيلها وعدم معرفته ما إذا كانت ميتتها انتحاراً أم لا.
في البرنامج ايضاً، نقع على فيلم الكمبودية روشان سعيدنتار "المهم ان تبقى حياً"
The Main Thing is to Stay Alive (2009) الذي تحاور فيه أحد "الخمير الحمر" مستعيدة تجربتها طفلة هناك ومثبتة ان هناك الكثير من الحكايات التي لاتزال مخبأة في "حقول القتل". أما جميل اوهاب فيحقق في فيلمه Gerboise Bleue (2009) في تجربة الأسلحة النووية السرية التي قامت بها فرنسا في الصحراء الجزائرية. بعيداً من القتل والحروب، يأخذنا فريديريك وايزمن في "الرقص، باليه أوبرا باريس" La Danse, le Ballet de lOpera de Paris (2009) إلى كواليس فرقة الباليه الاوبرالية الفرنسية. والختام مع "هروبي الكبير" My Greatest Escape (2008) لفابيين غودي الذي يتناول سيرة أحد أشهر المساجين في تاريخ فرنسا وربما العالم، ميشال فوجور الذي سُجن 27 عاماً وحاول الهرب خمس مرات من بينها هروبه الشهير بواسطة طائرة مروحية كانت تقودها زوجته.

المستقبل اللبنانية في

12/03/2010

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك
  (2004 - 2010)